
الــنــفـــس وصـــور ضـــبـــطــــهـــا ( 3 )
أخي المسلم أختي المسلمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسعد الله أوقات الجميع بكل خير وسعادة
من المهم جدا عند المتكلم أو المتحدث مع الناس أو الكاتب أن يربط كلامه وحديثه بما سبق من كلام
إن كان قد تحدث فيه أو كتب ، ولقد تحدثت تحت عنوان [ النفس وصور ضبطها ]
وهذا هو اللقاء الثالث على هذه الصفحة المباركة ، ونحن الآن بصدد الحديث عن:
الـــــــنـــــفــــــس الــــمــــــطـــــمـــئـــنّـــَة
فهي نفس راضية استسلمت لخالقها برضىً وقناعة ، لا تفعل إلا ما تيقَّن لها صلاحه
النفس المطمئنة نفس تحقق لها الورع والإخلاص ، نفس سمت عن الدنيا وشهواتها ، لكنها لم تنس منها نصيبها
النفس المطمئنة:
اشتغلت بما ينجيها في اليوم الآخر ، وبما ينفعها في الآخرة الباقية الخالدة ، لقد عملت في دنياها حتى
استحقت الذكر والتمجيد ، ولذا ناداها ربها فقال:
{ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي }
أخي المسلم: إن الارتقاء بالنفس والنهوض بها يحتاج إلى ضبط وانضباط ، فالضبط: هو لزوم الشيء وحبسه
والإنظباط: هو ملازمة ما يضبط النفس ، مما يصبرها ويحفظهاً ويحبسها عن الشر وإلزامها بالخير ، وقد
أقسم الخالق سبحانه أقساماً سبعة في مطلع سورة الشمس على:
أن المفلح من زكَّى نفسه ، والخاسر من دسَّاها ، فقال:
{ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا }
فطهر نفسه من الذنوب ، ونقاها من العيوب ، ورقاها بطاعة الله ، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح
ثم قال:{ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }
ترك ما يكملها وينميها ، واستعمل ما يشينها ويدسيها من الرذائل والذنوب ، عباد الله: القرآن هو طبُّ
النفوس وضابطها باعتباره روح الروح ، ونور البصيرة ، به يتحقق الضبط والانضباط ، كما قال تعالى:
{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا }
فانظر كيف سماه روحا ، لأن الروح يحيى به الجسد ، والقرآن تحى به القلوب والأرواح ،فعندها يتحقق
الضبط والإنضباط ، ثم قال عن القرآن
{جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشاءُ مِنْ عِبَادِنَا }
والنور يضيء ويهتدى به في ظلمات الكفر والبدع والأهواء ، ويتبين بهذا النور الحقائق والأمراض
ويهتدي إلى طريق الصواب ، ولا يتم ذلك إلا بتحديد أمراض النفس المهلكة التي سطَّرها القرآن ، وبينها
النبي صلوات ربي وسلامه عليه بقوله وفعله ، فالنفس معرَّضة لآفتين ذكرهما القرآن وبمعرفتهما يُستعان
على تحقيق الضبط والانضباط ، هما الخطأ والنسيان ، وهما مستمدَّان من آية يعلِّمنا فيها الخالق أن
ندعوه ونسأله عدم المؤاخذة فيهما ، فأمرنا أن نقول:
{ ربنا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }
جمع الله في هذه الآية بين ترك الأمر وفعل النهي ، لأن المراد بالنسيان: الترك
فيترك الفعل لتأويل فاسد ، والمراد بالخطأ: الفعل: فيفعل الفعل لتأويل فاسد ، وهنا بقول الله:
{ ربنا لا تؤخذنا ...} وهذا لا يكفي ، بل لابد أن نتعقل لوساوس الشيطان ، فهي لا تنتهي ، كيف
وقد أقسم الشيطان بعزَّة الرحمن أن يغرِّر بالإنسان ويوقعه في جملة من المعاصي والآثام حيث ذكر
القرآن على لسانه: {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين}
فهدفه أن يقع الإنسان في نسيان ذكر الله ، كما قال تعالى:
{ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ }
وقد وقع كثير في شراك الشيطان ، فتركوا أداء حق الله الذي أوجبه عليهم ، فأنساهم بسبب عدم
انضباطهم حظوظ أنفسهم من الخيرات التي تنجيهم من عذاب يوم القيامة ، ومن رحمة الله بعباده المؤمنين
أن حذرهم فقال:{ ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولائك هم الفاسقون }
أخي المسلم: من الطبيعي أن تقع النفس البشرية في الخطأ ، لكن من الخطأ الفادح أن تستمر في الخطأ
ولذا بين نبينا - صلى الله عليه وسلم – حقيقة الخطأ وكيفية الخروج منه فقال
« كل بني آدم خطَّاء ، وخير الخطَّائين التوَّابون »
بل لو لم تخطئ هذه النفس لغيَّرها الله بغيرها من أجل أن تتوب وتستغفر
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
« والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يذنبون ، فيستغفرون الله ، فيغفر لهم » رواه مسلم
والخطأ لا يصدر إلا من هذه النفس ، قال تعالى:
{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ }
وقال عز وجل: { وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ }
أستودعك الله إلى لقاء قادم ـ إن شاء الله ـ