..:: محاضر بجامعة الإمام ::..
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 235

عجبتُ منك يا طارق الحبيب!!
بسم الله الرحمن الرحيم
سمعتُ ما قاله د.طارق الحبيب في أهل الشمال والجنوب، وما أرشده إليه ذكاؤه ودهاؤه من توصيل رسالةٍ من طرْفٍ خفيٍّ تتضمَّن أنَّ ناساً غيرَهم هم أكثر وطنيةً، وأقدر وأحرص على حفظ مصالح البلد ومقدراته، وصونها من الفساد المالي والإداري والأخلاقي، وخير الأمور الوسط!!.
ولقد عجبتُ من هذا الكلام لكونه جاء من طبيبٍ نفسيٍّ، ومن بليغٍ فصيحٍ يعي ما يقول، ومن إعلاميٍّ شهيرٍ لا يبحث عن شهرةٍ عبر تصريحٍ مثيرٍ ولا مقالٍ ناريٍّ.
وعجبتُ من رسوخ جاهليةٍ مناطقيةٍ لديه تَحمَّل لأجلها تبعاتِ كلامٍ خطيرٍ يَحْمل في طيِّهِ شيئاً من التأليب والتشويش والتشويه أبى إلا أن يُلْقيه بين أظهر الأشهادِ عبر أقوى وسيلةٍ إعلاميةٍ (قناة فضائية).
وعجبتُ من توجيه تهمة تعدُّد الولاءات، وانقسام الانتماءات إلى أهل منطقتين يمثِّلون غالب الشعب.
وعجبت من تجرئه على مثل هذا الكلام في أهل الشمال وأهل الجنوب وبخاصة أقصاه الذين لا يخفى أنهم أكثر المهضومين حقوقاً؛ وكأنه بتهمته تلك يبرِّر لهذا الهضم ويسوِّغه!!
وعجبتُ من ورود هذا الكلام في سياق نقاش قيادة المرأة للسيارة، وهي قضيةٌ شرعيةٌ لم يخوَّل بالنظر فيها لا شرعاً ولا نظاماً.
وعجبتُ من ورود هذا الكلام في سياق كلامه عن قيادة المرأة مع كون من أشعل فتيلها امرأةً في المنطقة الشرقية، وأخرياتٍ في المنطقة الغربية ثم صبِّهِ جامَّ غضبه بعد نفثة مصدورٍ على أهل المنطقة الجنوبية والشمالية!!
وعجبتُ من قَصْرِه لتلك التهمة على منطقتي الجنوب والشمال مع غضِّه الطرفَ عن جهاتٍ أخرى يمكن أن يقال فيها أضعاف تلك التهمة!!
عجبتُ من تأصيل الدكتور لهذه القضية تأصيلاً طبياً نفسياً في ظنِّه، ولكن بمنظورٍ جاهليٍّ مناطقيٍّ كما عجبتُ قبل ذلك من تأصيل غيره لها تأصيلاً شرعياً مُفترى حيث تلوك ألسنتهم سراً: (هذا بدوي، هذا أعرابي) تبريراً لإقصائهم قبائلَ في وسط البلاد وجنوبها وشمالها وشرقها وغربها، لها تاريخٌ مشرقٌ، ومجدٌ محفوظٌ موثَّقٌ، ولا يتورعون عند ذلك من تلاوة الآية الكريمة: "الأعراب أشد كفراً ونفاقاً"، وهذا تلاعبٌ بالقرآن، وتنزيلٌ له في غير موضعه، فهؤلاء ليسوا أعراباً باللغة التي نزل بها والتي تعني العيش في الصحراء وتتبع الماء والكلأ؛ فهم يعيشون في قرى ومحافظات ومدن، ويحضرون الجمع والجماعات والأعياد، ويشاركون غيرهم في العلم والثقافة والتجارة والشورى والدفاع عن الدين والبلاد!!
وعجبتُ من إنطاق الله لهذا المتخصِّص الخبير بمثل هذا الكلام الذي استبان به أنَّ الدافع الحقيقي لإقصاء تلك القبائل من حقوقٍ مشروعةٍ لهم ليس هو قلة كفاءاتهم العلمية أو الإدارية أو المهنية، وإنما هو دافعٌ عنصريٌّ مناطقيٌّ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
عبدالله بن عايض آل مسعود القحطاني
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كلية أصول الدين