صــوارف قـــويـــة ... يــجــب الــحــذر مــنــهـــا
أهلا وسهلا بك أخي الحبيب
كم يسعدني ويشرفني أن ألتقي معك في هذا المجلس المبارك
لأقول لك وأخبرك عن صوارف قوية جدا ينبغي على المسلم العاقل
أمثالك أن يحذر منها
أخي ..
كم هي الأشياء التي تصرفنا عما ينفعنا ويفيدنا؟؟
كم هي الملهيات في زماننا؟؟
كم هي الشبهات والشهوات التي كان لها وقعها على كثير من الناس في هذا العصر؟؟
كم ...
وكم ...
وكم ...
من الصوارف التي تحول بيننا وبين ما يزيد به إيماننا؟؟
كم من الصوارف التي تحول بينك وبين التدبر لكتاب الله العظم ؟؟
إنها صوارف قوية ولها أثرها ووقعها فمن ذلك:
أولا:
أمراض القلوب والإصرار على الذنوب :
وهي من أعظم ما يصد القارئ عن اتعاظ قلبه وانشراح صدره لمواعظ القرآن وحكمه أحكامه
وفي هذا يقول الله
{سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق }
قال ابن قدامه ( وليتخل التالي عن موانع الفهم , ومن ذلك أن يكون مصرا على ذنب أو متصفا
بكبر أو مبتلى بهوى مطاع , فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصدئه , فالقلب مثل المرآة , والشهوات مثل
الصدأ , ومعاني القرآن مثل الصور التي تتراءى في المرآة , والرياضة للقلب بإماطة الشهوات مثل
جلاء المرآة ) وقال الزركشي ـ رحمه الله ـ ( اعلم أنه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي ولا يظهر له
أسراره وفي قلبه بدعة أو كبر أو هوى أو حب الدنيا أو هو مصر على ذنب أو غير متحقق بالإيمان
أو ضعيف التحقيق أو يعتمد على مفسر ليس عند علم أو رجع إلى ما يعقله هو لا ما يريده الله ، وهذه
كلها حجب وموانع بعضا آكد من بعض )
ثانيا:
انشغال القلب وشرود الذهن:
فإنه يصرف عن تدبر القرآن والتأثر به , قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ ( يا بن آدم! كيف يرق قلبك
وإنما همتك في آخر السورة؟! وقال ابن القيم ( والناس ثلاثة: رجل قلبه ميت ...والثاني: رجل قلبه حي
لكنه مشغول ليس بحاضر ، فهذا أيضا لا تحصل له الذكرى . والثالث: رجل حي القلب مستعد ، لم يشغله
بغير فهم ما يسمع فهو شاهد القلب وهذا هو الذي ينتفع بالآيات )
ثالثا:
قصر الخشوع على أحوال أو آيات معينة:
من الناس من يقصر الخشوع في رمضان , أو في دعاء القنوت , أو عند خشوع الإمام , أو عند آيات
العذاب وذكر النار وأهوال يوم القيامة ، ومعلوم أن أساب الخشوع ودواعيه متعددة ، ففعله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ عند التلاوة فيه خشوع وتدبر ، فهو ينزه ويسبح عند آيات الصفات ، ويسأل الله من
فضله عند ذكر جنته وإنعامه وفضله ورحمته ، ويستعيذ عند ذكر النار والعذاب ، يروى أن عبدالله بن
رواحه ـ رضي الله عنه ـ بكى فبكت امرأته ، فقال لها ما يبكيك؟
قالت أبكاني الذي أبكاك ، قال أبكاني أني وارد النار فلا أدري أناج منها أم لا؟
{ وإن منكم إلا واردها }
رابعا:
ترك التدبر تورعا عن القول في كلام الله بغير علم:
والاعتقاد أن مهمة القارئ تنحصر في القراءة دون التدبر والتأمل , تاركا التأمل والنظر في
المعنى للعلماء والمفسرين , فيصرف القارئ همته إلى كثرة القراءة وسلامة التلاوة , وهذا
لا بأس به ، لكن تأمل فيما يقوله ابن هبيرة ـ رحمة الله ـ ( ومن مكايد الشيطان: تنفيره عباد الله
من تدبر القرآن ، لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر , فيقول: هذه مخاطرة , حتى يقول الإنسان:
أنا لا أتكلم في القرآن تورعا ) لقد أخبر ربنا ـ سبحانه ـ بقوله عن كتابه فقال
{ ولقد يسرنا القرآن للذكر }
بعنى: سهلنا لفظ القرآن للتلاوة والحفظ ، ومعانيه للفهم والتدبر ، لمن أراد أن يتذكر ويعتبر
{ فهل من مدكر }
فهل من متعظ وباحث ومتدبر ومتأمل؟
ومن هنا نفهم أن ما هناك مانع للفهم والتدبر والتعقل
{ كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}
وهذا يستلزم إمكان الوصول إلى التدبر والفهم ، لا بد أن نفهم الناس درجات ومنازل ومستويات في
الفهم والاعتبار والتذكر والادراك والاتعاظ ومحاسبة النفس والتدبر والعقل والنظر والتأمل ، ولن يحرم
أحدنا إحدى هذه مع كلام الله ، بل لا عذر له في تركها.
خامسا:
قصر الهمة على كثرة القراءة فقط:
ينبغي أن تكون القراءة على تمهل قال تعالى
{ وقراءنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث }
أي: في تؤدة وتمهل ، وقال
{ ورتل القرآن ترتيلا }
يقول ابن الجوزي ( قد لبس على قوم بكثرة التلاوة فهم يهذون هذا ، من غير ترتيل ولا تثبت
وهذه حالة ليست بمحمودة ...)
سادسا:
قصر معاني الآيات:
على قوم مضوا , أو أحوال خاصة قد انتهت ، أو أوضاع مضت , وأن الواقع لا يدخل تحت ما في
القرآن من الهدي والإرشاد والبيان ، ولذا كان هذا صارفا لكثير من الناس عن إمعان النظر في القرآن
والبحث عن الهدى فيه , وطلب الشفاء منه , قال ابن القيم ـ رحمة الله ـ ( أكثر الناس لا يشعرون بدخول
الواقع تحته وتضمنه له , ويظنونه في نوع وفي قوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثا , وهذا هو
الذي يحول بن القلب وبين فهم القرآن , ولعمر الله! إن كان أولئك قد خلوا فقد ورثهم من هو مثلهم
أو شر منهم أو دونهم , وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك ) وربما سمع بعضهم قول من قال من
المفسرين: هذه نزلت في عباد الأصنام , هذه في النصارى , هذه في الصابئة , فيظن الأمر أن ذلك
مختص بهم , وأن الحكم لا يتعداهم , وهذا أكبر الأسباب التي تحول بين العبد وبين فهم القرآن ).
سابعا:
تقديم مادون التدبر من العلم والعمل, والاشتغال به عن التدبر:
وقد سئل شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ ( أيهما طلب القرآن أو العلم أفضل؟
فأجاب: أما العلم الذي يجب على الإنسان عينا كعلم ما أمر الله به وما نهى الله عنه , فهو مقدم على
حفظ مالا يجب من القرآن ، فإن طلب العلم الأول واجب وطلب الثاني مستحب , والواجب مقدم على
المستحب ، وأما طلب حفظ القرآن: فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علما , وهو إما باطل أو
قليل النفع , وهو أيضا مقدم في التعليم في حق من يريد أن يتعلم الدين من الأصول والفروع ، فإن
المشروع في حق مثل هذا في هذه الأوقات , أن يبدأ بحفظ القرآن فإنه أصل علوم الدين ..
والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به ، فإن لم تكن هذه همة حافظة لم يكن
من أهل العلم والدين )
05-06-2010, 09:55 AM
تعليمات المشاركة
العرض العادي
