
شعب وديون
السبت 17 جمادى الآخرة 1429هـ الموافق 21 يونيو 2008م العدد (2822) السنة الثامنة
كتاب اليوم
علي سعد الموسى
شعب وديون
1- تركي، شاب في نصف العقد الثالث: سكسوكة بأطراف حادة مثل المنجل ومصبوغة بالأسود الفاحم. خاتم يملأ الكف حد الشفقة على أحمال الإصبع. شماغ يملأ الأكتاف، مصقول لماع حد صعوبة التمييز مع لوح من الألمنيوم. باختصار: يمشي تركي في الصالة البنكية مثل - موديل - في آخر صرعة للموضة حتى لتخاله حفيدا للخرافي أو العليان. على الطاولة، يستعرض موظف التمويل خياراته المتاحة. ولأنه مقبل على الزواج منتصف الشهر القادم فقد اختار للتمويل البنكي عشرين طنا من الحديد ليستبدل قيمتها بنصف كيلو من الذهب في حلق وأصابع العروس: أية عروس، تلك التي ستحيل عشرين طنا من الحديد إلى لبة وإسواره؟
2- يحيى، ثوب مبهدل وشماغ معطوف على الكتف الأيسر. يحرك طاقيته من ملل الانتظار أمام شباك التمويل البنكي. خمسيني يعمل مراسلا لإدارة حكومية وفي يديه مشهد راتب يزيد عن ستة آلاف. يستعرض له الموظف أخيرا بعض الخيارات: يختار يحيى بعض أسهم شركة الأنعام، يطلب قيمة خمسين رأسا من الغنم كي يشتري بها مصاريف الولائم لأنسابه ومعارفه خلال الصيف. يرفض الموظف كامل الطلب لأن يحيى لم ينته بعد من أقساط الصيف ما قبل الفائت.
3- سلمان، يجوب الصالة مثل الفراشة ناثرا قفشاته في كل الأركان. يستعرض معه موظف التمويل بعض الخيارات. يكتفي سلمان بصوت جهوري: هايلكس غمارتين من آخر موديل (full options)، كي يشتري بقيمتها عربة - الهامر - من موديل 92، تلك التي سيبيعها له لبناني وجد فرصة عمل في دبي. سلمان يود استغلال اللبناني المسكين تحت ظروف السفر المفاجئ.
4- خالد وعائشة، زوجان في نهاية العام الثالث من الزواج. ما زال خالد في قسم الجغرافيا بالجامعة فيما عائشة تذرع مكاتب الديوان: جامعية تبحث عن وظيفة. يعيش الزوجان على مصروف الجيب الذي يتبرع به أبو خالد. يختاران ألف سهم بالتمويل من سابك من أجل رحلة صيفية إلى لبنان إذ لا يصح دخول العام الرابع على التوالي منذ آخر رحلة عسل خارجية.
5- أبو شادي، كما هو اللقب، تائب من المخدرات والتهريب. يمتهن العمل الحر!! ويعول 18 طفلا من أربع نساء. يريد قرضا لسداد مديونية كبيرة لبعض زملاء السجن الطويل. موظف البنك يطلب منه بعض الضمانات فيرفع أبو شادي صوته: حسابي لديكم يثبت أن دخلي الشهري يزيد عن خمسين ألف ريال في المعدل. يرد عليه الموظف بهدوء: ولكن ذات المعدل العالي لم يشتغل بهذه الوتيرة إلا بعد الخروج من السجن: ستة أشهر من هذا الدخل لا تكفي لطمأنة البنك.