الرأس والكفين ...
دخلت عليه وكان واضعاً رأسه بين كفيه ...
لم يحس بي ولا بالآخرين ..
كان يتكلم بصوت تعلوه نبرة الحزن وهو في الحقيقة لا يكلمنا..
يدور الحديث بينه وبين نفسه ؛ ولكن بصوت مسموع ضانا
أنه يهمس لتك النفس الشجية بنغمات وأوتر الحزن ..
سألت نفسي سؤالاً داخلي ..
لماذا عندما نثقل بالهموم والحزن والأسى نضع رؤوسنا بين أيدينا؟؟
هل هي عادة من عادات محاصرة الذات بين العقل والكف ؟؟
أم أنها من وسائل مشاركة الأعضاء لهموم هذا الكيان ..
أخذ نفسا عميقا ...
ورفع رأسه من بين كفيه الناعمتين ليحدق في الكون الفسيح تاركا لخياله
مجال الانطلاق دون حدود ...
قبل أن يرفع رأسه من بين كفيه غادر الجميع المكان تاركين له مساحة التفكير
وغاضين الطرف عن عتاب العيون التي تعرفه ...
نظر إلى المكان وجده خاليا دون حراك ظن أن لم يره أحد ...
وتمعن بنظرة الهارب من نفسه إلى نفسه ...
قرر أن يعطي عقله وفكره إجازة ويهرب بها إلى أبعد مكان يستطيع أن يصله ...
ولكن هيهات فهناك أعضاء حركتها وديناميكيتها غير إرادية لأنها من الأعضاء التي
تعمل بدون أن نستطيع أن نوقفها كالقلب والكلى وغيرها ...
أخرج من صدره الصغير زفرة لو كان لها لسان ناري لأحرقت كل ما يصادفها ...
إنها تراكمات الآهات والأحزان داخل تلك النفس الشفافة والصادقة ...
كل هذا الحزن كان سبب كلمات أطلقت عليه وكأنها رصاص حارقً ...
لم يتحمل هذا الكم الهائل ولم يتوقع أن يصدر من ذلك الكيان الذي كان
يعده نموذجاً يحتذي به ...
عتاب النفس للنفس كان أجدى ...
الهروب من النفس إلى النفس كان هو البركان وخموده ..
إذا أحترس أن تسقط من عيون من يقدسون العلاقة بينك وبينهم وأنت لا تشعر ...
وضع رأسه مرة أخرى بين كفيه ليقول مهما كانت كلمات اللسان وإشارة الأيدي
إلا إنها في النهاية هناك ندم وحسرة ولكن هيهات بعد أن كسر الزجاج الذي مهما كان جبره
فأنه يبقى لهذا الكسر علامات واستفهام تكبر وتصغر حسب الحدث ...
ودمت بود ....