أين البدوي الأول؟..



تركي بن عبد الله السديري


ربما منذ ثلاث سنوات قرأت كتاب "البدوي الأخير" للكاتب الهولندي مارسيل كوربر شوك وهو كتاب ممتع للغاية وحمل المؤلف نفسه في سرد أحداثه ومتابعاته الشيء الكثير من المتاعب سواء على مستوى نوعية الرحلات في الصحراء وبعضها أي الرحلات جاف ومنهك أو على مستوى تنوع المقابلات وفيها أيضاً ما ليس بالقليل من الإحراج وكان المؤلف يبحث عن من لهم صلة بالفارس والشاعر طيب الذكر شليويح العطاوي القائل:
يا ناشد عني تراني شليويح
قلبي على قطع الخرايم جزومي
في أحداث حياته لسنا أمام كائن فطري ينهب ويقتل وتعتبر "الفروسية" التي هي في الواقع عدوان ضد آخر هي كل أهدافه فثمة جانب شعري وإنساني يؤكد وجود الشفافية الشاعرية وتوهج العاطفة بايقاف اغراءات الطمع عندما تروى عنه قصة استياقه لمجموعة من الإبل حتى إذا قطع بها مسافة طويلة استمع إلى راعية الجمال تغني..
الغمر أبوجوخة بحبه شعاني
شعي الركاب اللي شعاهن شليويح
شقح خذاهن من ديار قحطاني
واتغنى عليهم مرزي الفطَّر الفيح
أقفوا عليهن يزعجون الغواني
يا بعد ما يرمى لهن بالمصابيح
اللي على الضلع القصيِّر كواني
ثلاث مرات وأنا أقوم واطيح
ثم حين يتأكد شليويح انها قالت ذلك الشعر دون أن تعرفه لكنها في حالة جزم بأنه ليس هناك من يجرؤ على مشاكسة قحطان إلا فارس مثله ثم يعرف بأن "الغمر أبوجوخة" ليس إلا شاباً يعشقها وتعشقه وهي على وشك الزواج منه فيقوم بإطلاق سراحها ويمنحها الإبل أيضاً..
هذا جانب إنساني يكاد يختفي من رؤيتنا للبدوي الأول والأخير..
راكان بن حثلين.. فارس ورجل قيادي شهير يتحدث بعزة نفس ويعرض جوانب أخلاقية مثالية في عتابه على صديقه..
اشره على الطيب ويشره عليه
وراه ياخذ عشقتي ما تناني
إما غدا راكان في المهمهية
وإلا رجع يصهل صهيل الحصاني
وبعودته حصان مدوي الصهيل يضيف:
روحي ونا راكان زبن الونيه
ما ياخذ الغترات كود الهداني
هنا نحن أمام كائن يتمتع بحساسية حضارية راقية وليس مجرد أعرابي تتقاذفه الصخور بحثاً عن نهب وإنما صاحب قيم تحترمه المواقف.. نماذج كثيرة من حياة البادية في جوانبها الإنسانية والنفسية نجد أنفسنا أمام ما عرف في أدب مسرح توفيق الحكيم بالمسرح الذهني حيث إن ابن البادية أو القرية تمثَّل في خياله صوراً من التطلعات والرؤى الابداعية وسط فراغ الصحراء ووعورة صخورها ومهالك رمالها ومع ذلك يقول ابن سبيل:
دار سكنها لاسقتها الغيوم
يقحط قفرها بالمحل لين تجفاه
فالبيت للوهلة الأولى يبدو كما لو كانوا يدعو عليها بالفناء لكن التأمل فيه يوضح انه يطلب من الجفاف وقحط المراعي أن يعيدها إلى أطراف قريته حيث يفعل البدو ذلك حين يندر المطر.. وهذا شاعر آخر يرسم لوحة لا أتصور أن ليونارد دافنشي أو بيكاسو وغيرهم من مشاهير الفن قادرين على إنتاج مثل إبداع تناغمها..
والردف طعس زامي ما وطي به
غب المطر شمس العصير اسطعت به
والهزاني كأنه يقسّم على آلة عود في قوله:
برق تلالا قلت عزا الجلالا
واثره جبين صويحبي واحسبه برق
قالوا تتوب من الهوى قلت لا. لا
إلا أن تتوب الشمس من مطلع الشرق تُرى لماذا أهملنا صور التراث الإنساني والفني في حياة مجتمعنا القديم؟ وفي هذا العصر الحديث لا يوجد من يعرف شيئاً عن أزقة بيوت الطين أو أول "أتوبيس" نقل بنات أو وضعية بيوت الاخوان من خلال تداول أعمال فنية محلية.. في حين تحمل ذاكرتنا كل ما هو مزعج عن تحفيز التخلف إمعاناً في الانغلاق ضد البرقية والسيارة ثم مدرسة البنات ثم الاعتداء على الناس في بيت الله الحرام.

والرابط في الجريدةhttp://www.alriyadh.com/2007/08/14/section.leqa.html

الله المستعان رئيس التحرير ارجو ان يوقف عند حده
لم يبقى الا اراذل القوم حتى يسبوا اسياد العرب