( تقرير روعة ) ... العراق من الاحتلال إلى المقاومة إلى التحرير ...
العراق من الاحتلال إلى المقاومة إلى التحرير ...
د. نسرين مراد ...
البيان / ضربت المقاومة الوطنية العراقية مثالاً فريداً من نوعه بل متميزاً في سرعة تشكّلها وتحوّلها النوعي إلى قوة فاعلة في فترة قياسية مقارنة مع المقاومات الأخرى حديثاً وعبر التاريخ.
احتاجت المقاومات الوطنية المنظمة لدى شعوب العالم الثالث في آسيا وإفريقيا إلى عشرات السنين قبل أن تصل إلى درجة فعالة من التنظيم والأداء والقدرة على اعتراف دولي بوجودها.
احتاجت المقاومة الجزائرية للاحتلال الفرنسي حوالي 120 عاماً حتى تحولت إلى ثورة عارمة جلبت الاستقلال للجزائر بثمن مليون ونصف المليون من الشهداء. تطوّرت المقاومة الفيتنامية إلى ثورة عملاقة بعد عشرات السنين تحت نير الاستعمارين الفرنسي والأميركي.
أكثر المقاومات الوطنية ضد الاحتلال تشبيهاً بالمقاومة العراقية هي المقاومة الفرنسية عقب الاحتلال النازي لفرنسا في بداية الحرب العالمية الثانية وتشكيل حكومة «فيشي» الموالية للاحتلال النازي؛ في حينه دخلت حكومة «فيشي» في حرب ضد المقاومة الوطنية الفرنسية بقيادة الجنرال «ديغول» سنين قبل أن يتحول جل الشعب الفرنسي إلى جانبها ضد الاحتلال النازي.
يعود الفضل في سرعة تشكيل وتطوير المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأنجلو-أميركي إلى طبيعة الشعب العراقي العقائدية والتربية والتعبئة الثورية التي نشأت عليها الأجيال العراقية؛ بدأت المقاومة الوطنية العراقية عملياتها العسكرية ضد الاحتلال منذ اللحظة الأولى التي وطئت فيها أقدام الجنود الأنجلو-أميركان وحلفائهم أرض العراق.
تواجه المقاومة العراقية ظروفاً داخلية غير مسبوقة ناجمة عن انقسامات حادة في المجتمع العراقي طفت على سطح الحوادث منذ بدء الاحتلال، انقسامات مبنية على التنوع المذهبي والعرقي والديني والولاء الحزبي السياسي.
منذ البداية كان اللعب على حبل التفرقة الطائفية الباب الأكبر الذي منه تمكّن الاحتلال الأنجلو-أميركي من النفاذ والسيطرة العسكرية بسهولة على مجريات الحرب؛ يعود ذلك إلى معرفة القوى المعادية المسبقة بطبيعة المجتمع العراقي ومحاولتها تطبيق القاعدة الاستعمارية القديمة «فرّق تسد».
لكن الاحتلال زرع بذور فنائه بنفسه حين عامل الشعب العراقي بقسوة همجية وأنشأ سلطة حكم اعتمدت «المحاصصة الطائفية»، طريقة حكم لم تجلب على دولة لبنان من قبل سوى عدم الاستقرار وكثرة الحروب الأهلية.
فعملياً وُلدت سلطة، ممثلةً بشكل رئيسي بالحكومة ومجلس النواب العراقي، وُلدت مشوهة كانت عبئاً على نفسها وعلى الاحتلال وعلى الشعب العراقي. ساهمت السلطة العراقية في تقسيم الشعب العراقي إلى فئات متصارعة، بناء على الانقسامات الطائفية والحزبية العليا، وتركت حل المشاكل العالقة للاحتلال الذي بات يغرق بنفسه في المستنقع الذي أُوقع فيه.
تراكمت المعضلات والكوارث والأهوال ووصلت إلى حد الانفجار في كل منحى من مناحي الحياة العامة؛ (ماكو) كهرباء ولا ماء ولا طعام ولا أمن ولا مستشفيات ولا تعليم...، لكن (أكو) فساد وقتل وإرهاب ونهب وسرقة مال خاص وعام.
اعتقد الاحتلال أنه بالتفوق العسكري البري والبحري والجوي باستطاعته إحراز انتصار كامل نظيف، مستخفاً بقدرة المقاومة الشعبية الوطنية الضعيفة عسكرياً على إحداث انقلاب في المعادلة على الأرض على المدى البعيد والقريب.
نسي البريطانيون الدروس الكثيرة التي لُقنوها أيام الاستعمار القديم في آسيا وإفريقيا ونسي الأميركان درس حرب فيتنام القاسي وقدرة الشعوب الضعيفة على نيل حريتها واستقلالها باستخدام الأدوات اليدوية البسيطة.
اعتمدت المقاومة العراقية الأساليب التقليدية المعروفة من استخدام العبوات الناسفة ونصب الكمائن للدوريات الآلية والراجلة وحرب الشوارع وعمليات قنص الجنود في أزقة وشوارع وساحات المدن، إضافة إلى العمليات التفجيرية المكثفة ضد حشود الاحتلال ومنشآته العسكرية والحيوية.
بسبب ذلك وصلت خسائر الجيش الأميركي لوحده إلى مستويات قياسية بلغت حسب بيانات الجيش الأميركي حوالي الثلاثين ألفاً بين قتيل وجريح، علاوة على أعداد غير محدّدة من المصابين بصدمات نفسية حادة وهاربين من ميادين المعارك إلى دولة ثالثة.
سياسياً وصل وضع الإدارة الأميركية، ومن قبلها الأسبانية والإيطالية والنيوزيلندية...، إلى حال لا تُحسد عليه أدت إلى إقالة المهندس الرئيسي للحرب على الإرهاب في العراق، دونالد رامسفيلد وزير الدفاع، وخسر الجمهوريون الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب.
تحت كابوس فيتنام أخرى أشد مقتاً لا ينفك الرئيس الأميركي جورج بوش يطلب عوناً للخروج من المستنقع العراقي، يطلب ذلك العون حتى من الدول التي يصنّفها على أساس أنها تمثل رؤوس مثلث الشر له مثل إيران وسوريا.
وبسبب فداحة الخسائر البشرية والمادية والمالية في الحرب وكشف زيف المبررات المطروحة لشن الحرب تحرّكت ضمائر الشعوب الأوروبية والأميركية وتظاهرت مطالبة إداراتها السياسية بوقف الحرب والبدء بانسحاب عسكري فوري، أو مُجدول للقوات.
يتعاظم المد الشعبي الغربي المعارض للحرب خاصة بعد بدء بث معلومات دقيقة مصورة عن حقيقة سير المعارك والحجم الحقيقي للخسائر الهائلة الناجمة عنها. بات جنود قوات التحالف صيداً سهلاً لمجموعات المقاومة الوطنية العراقية ذات التسليح والعتاد المتواضعين.
مقارنة بالمقاومة الفيتنامية والجزائرية واللبنانية وغيرها من المقاومات اللاتي حققت انتصارات تاريخية مدوية فإن المقاومة العراقية لا تتلقى دعماً إقليمياً أو دولياً، سياسياً أو عسكرياً أو إعلامياً، بسبب استحواذ الولايات المتحدة وبريطانيا على القرار السياسي لدول الجوار والدول الأخرى.
مع ذلك تبدو المقاومة العراقية شامخة بعملياتها العسكرية النوعية والمكثفة والجريئة. في محاولات يائسة لوضع حد لنشاط المقاومة المتصاعد أقدمت قوات الاحتلال على تدمير أعداد من المدن والضواحي والبلدات مثلما حصل لمدن الفلوجة وتلعفر والرمادي والنجف وبعقوبة وسامراء وبقية المدن العراقية، ناهيك عن العاصمة بغداد التي نالت ضواحيها الحظ الأكبر من الويلات والثبور.
تفتقر المقاومة العراقية إلى الوسائل الإعلامية لتغطية نشاطها وعملياتها العسكرية في حين يتمتع الطرف المعادي بميزات إعلامية هائلة محلياً وإقليمياً ودولياً.
كذلك تواجه المقاومة العراقية أوضاعاً صعبة في مواجهة الميليشيات الطائفية والعرقية المسلحة التي منها ما تعيث في الأرض فساداً وخطفاً وقتلاً وتطهيراً عرقياً محاولة إلصاق أعمالها بالمقاومة الوطنية التي تقارع جيوش الاحتلال. في هذا الاتجاه وجه الكثير من العراقيين المغرّر بهم بنادقهم إلى صدور إخوانهم في المواطنة والدين والمذهب من أجل مصالح أنانية ضيقة.
بعد أن فُضح أمر الاحتلال ونواياه الحقيقية المبيتة للجميع بدأت المقاومة تستقطب الكثير من تلك العناصر للقتال إلى جانبها؛ لكن لا يزال الوقت مبكراً للحديث عن ثورة شعبية عارمة تؤدي إلى طرد قوات الاحتلال من العراق.
لم يأت البريطانيون والأميركيون، ومعهم الأسبان والطليان والبولنديون والأستراليون، لتحرير العراق وإنشاء وتوطيد الديمقراطية فيه. لبريطانيا ماضٍ مميز في الاستعمار وضرب الحركات التحررية ومناصرة الاحتلال ضد الشعوب الضعيفة والمستضعفة. لأميركا نزعة فريدة من نوعها نحو التفرّد الإمبريالي وتملّك خيرات الدول الطبيعية والسيطرة على مصادر العيش والاستحواذ على أسواق الدول النامية الاستهلاكية ونكران حقوق الشعوب الأخرى.
من المفارقات الصارخة أن دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية تستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن بشكل روتيني سهل ضد الشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية والإنسانية والسياسية مرارا وتكرارا!
وتزعم أنها تقود عملية تحرير للشعب العراقي وإنشاء ديمقراطية حقيقية فيها. الأمر ذاته بالنسبة لبريطانيا المعروفة بماض وحاضر وسجل استعماري فريد من نوعه وانتهاكات واسعة لحقوق عشرات الشعوب في مناطق واسعة من العالم.
في ذلك باستطاعة المرء أن يسأل الإدارتين الأميركية والبريطانية ما الذي تفعلانه مثلاً بالديمقراطية الفلسطينية العتيدة للشعب الفلسطيني، المنكوب حتى نخاع العظم، غير الحصار والخنق والقتل!
.
__________________
08-12-2006, 07:12 PM
تعليمات المشاركة
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
