منذ القدم وحتى يومنا هذا والمؤلفون يتفنّنون في الكتابة عن قبائلهم، وهذا حق مشروع لهم، فبعض المؤلفين يذكر شعر قبيلة معيّنة، وآخر يذكر مواقعها الجغرافية في الجاهلية وفي الإسلام، وآخر يذكر مواقف القبيلة تحت مظلة الإسلام ودورها في الفتوحات الإسلامية، وهناك من يكتب عن لهجات هذه القبيلة أو تلك، بالإضافة إلى الدراسات الأكثر في نسب القبائل، وكل هذا يمثل جوانب مهمة في حفظ تاريخنا القبلي وتاريخ جزيرة العرب المشرف.
وإن كنت أحزن أن أجد بعض كتب القبائل تورد قصصاً وأخباراً لا تخدم المشهد الوطني أو تزيد التفرقة بين القبائل من ذكر لجوانب تكرّس العنصرية أو وقعات ومعارك حدثت بين الأقدمين، فإن كانت هذه الكتب محزنة إلاّ أنه يظهر بين الفينة والأخرى كتابات توثق التاريخ القبلي، وهي في الوقت نفسه تخدم المشهد الوطني وتبيّن دور القبيلة في لمّ الشمل وتكريس الفضائل والحث على مكارم الأخلاق وأرقى الصفات .
لست بصدد الحديث هنا عن كتاب «صفحات من تاريخ قبائل قحطان المعاصرة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية» لمؤلفه الأستاذ محمد بن سعد النهاري، فهذا الحديث له مكان وزمان آخر، وإنما أريد أن أوضح بأنّ هذا الكتاب الذي ضمه أبو سعد إلى قائمة مؤلفاته المتميزة قد ضمنه فصولاً مهمة عن قبيلة قحطان الكريمة فبدأ حديثه في فصل الكتاب الأول عن قحطان الإنسان والمكان عبر القرون، ثم تحدث في الفصل الثاني عن البيئة الاجتماعية لهذه القبيلة الكريمة والعادات والتقاليد، فهاهو يضم فصلاً جميلاً يؤكد ما ذهبت إليه في مقالي هذا من إبراز الجوانب المشرقة للقبيلة، فكان الفصل الثالث عن مؤازرة قحطان للدعوة السلفية والدولة السعودية فذكر العديد ممن شارك في الحروب تحت مظلة الحكم السعودي في حرب فلسطين عام 1367هـ مع صور الشهداء والمشاركين، وهذا مشهد يكرس الوطنية في أجمل صورها وأسماها.
وهو يؤكد هذا مرة أخرى عند ذكره لقصص قحطان الخالدة حين يذكر الكرم والشجاعة وحماية المستجير، وغيرها مما عرف به العرب في جاهليتهم وكرسه ديننا الإسلامي الحنيف.
وفي فصل الكتاب السابع ذكر رجالاً من هذه القبيلة شرفوا في خدمة الوطن في العلوم الإنسانية والتطبيقية، وذكر من عرف بأعمال الخير والصلاح وإعتاق الرقاب، وهكذا كتاب أخي محمد بن سعد النهاري بصفحاته التي قاربت الستمائة صفحة، كحديقة ورود لا ترى فيها إلاّ طيباً ولا تشم إلاّ طيباً، وهذا ما يجعله يأتي لكل باحث وقارئ بالأنموذج الكريم والقدوة الصالحة له .
وفى الله أخي محمد النهاري وزاده من كل الصفات الإيجابية.