
رد : " غــرنــاطـــة أســطــورة نــتــغــنــى بــهــا "
بقيت قصور الحمراء ذكرى مؤلمة للأندلس، وأن وجودها شاهد عيان على انحسار الإسلام عن الأندلس، ولطالما ذكرها المؤرخون مع ما ارتبطت به من أحداث في كتاباتهم، فظلت باقية في سيرة التاريخ، بل تناقل وصفها الأندلسيون الذين هاجروا إلى الشمال الإفريقي من مصر إلى المغرب. ولما كان الشعر ديوان العرب، فقد خلّد الشعر العربي هذه القصور، حيث حفلت جدرانها بقصائد لأعظم شعراء الأندلس، التي قيلت في وصف حدائق ومتنزهات ومباني الحمراء، مما زاد في قيمة هذا الشعر وخلوده، ويستفاد من المصادر الأدبية والتاريخية، وأيضًا من دواوين هؤلاء الشعراء أن بعض قصائدهم أعدت خصيصًا، ونظمت لهذا الغرض الزخرفي لتنقش على الجدران والنافورات مما يجعلنا نصدق القول بأن الحمراء تسجل لنا أفخم وأعظم طبعه لديوان الشعر العربي على مر العصور، فلم يسبق أن صدر ديوان للشعر مذهبًا ومطبوعًا على الجص والحجر، ومزخرفًا بأروع التشكيلات الهندسية والنباتية من فنون الزخرفة الإسلامية.
ويعود هذا إلى أن معظم من تولى الوزارة من سلاطين بني نصر في غرناطة كانوا من فحول الشعراء، وكانت الموضوعات الرئيسية لأشعارهم تدور عادة حول مدح السلاطين والأمراء، ووصف حفلات البلاط والاحتفالات بالأعياد الدينية الكبرى أو عودة الجيش منتصرًا، أو حفلات الزواج، أو أشعار وصفيه لغرناطة وحدائق وقصور وبرك ونوافير قصور الحمراء ومعالمها المختلفة، وأشهر الشعراء الذين دوّنت أشعارهم على جدران الحمراء لسان الدين بن الخطيب وابن الجياب وابن زمرك، رددت أشعار هؤلاء في شتى أنحاء العالم الإسلامي، وكانت بمنزلة الذاكرة التي تذكّر المسلمين بضياع الحمراء والأندلس، وهو ما صعد من رمزية الحمراء وقصورها.
زيارتي لغرناطة أكّدت لي أنه على الرغم من تسامح غرناطة أخيرًا مع تاريخها العربي الإسلامي، فإن هناك غيابًا عربيًا عنها، فلا يوجد مركز بها لتعليم اللغة العربية، على الرغم من إقرار حكومة إقليم الأندلس تدريس الإسلام لأبناء المسلمين في المدارس، كما أنه لولا أنشطة مؤسسة تراث الأندلس ومعهد الدراسات العربية، لاندثرت الصلات العربية بغرناطة، فهل نمد يدنا لغرناطة، كما تمد يدها لنا، هل نتواصل في أجواء من التسامح والحوار؟!.
تكتسب قصور الحمراء رمزية خاصة لكونها شاهدا سياسيا على نهاية وجود المسلمين بالأندلس بعد اضطراب أحوال مملكة غرناطة، وانحسار حدودها وحصار الجيوش المسيحية لها
الله يوفقك ويجزيك خير يا مشار ي
__________________