هذه القصة طبع منها أكثر من200 مليون نسخة
هذه القصة طبع منها أكثر من ( 200 مليون نسخة )
لكنني لا أعني روايات أجاتا كريستي والتي ترجمت إلى معظم اللغات الحية وطبع منها ما يقارب ملياري نسخة .
كما لا أقصد روايات (جوان كي رولنج ) صاحبة سلسلة روايات هاري بوتر والتي طبع منها ما يقارب ( 200 مليون نسخة ) ولا أعني – بطبيعة الحال - الرواية سيئة الذكر رواية ( ضائعات الرياض ) لصاحبتها رجاء الصايع والتي نفدت جميع نسخها من الأسواق السعودية وأعيدت طباعتها للمرة الثالثة ! وهذا يعد إنجازاً كبيراً نظراً لتدني مستوى القراءة لدى مجتمعنا !!
لا أعني أية رواية من الروايات السالفة الذكر وإنما أعني أجمل وأروع وأمتع قصة على مر التاريخ إنها قصة يوسف عليها السلام . هذه القصة طبع منها أكثر من ( 200 مليون نسخة ) بمعظم لغات العالم ، هذا الرقم هو مجموع ما طُبِعَ من مصحف مجمع الملك فهد – رحمه الله - بالمدينة النبوية .
جميعنا قرأ هذه القصة ، وربما أكثرنا يحفظها عن ظهر قلب ، ولكن من منا تدبرها وتأملها ووقف على معانيها .
أنا أجزم بأن البعض لا يعلم من هذه القصة إلا أنها ( قصة شايب أضاع ولده ثم وجده ) أو قصة فتاة حسناء تراود شاباً جميلاً .
بل إن أحد الشباب من حفظة كتاب الله كان – وإلى وقت قريب – يعتقد بأن ( نكتل ) الوارد في قوله تعالى : ( فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ ) هو أحد إخوة يوسف !!
هذه ليست قصة بل مدرسة إيمانية ، ودورة تربوية ، حافلة بالدروس ، مترعة بالعبر ، دورة تربوية دفع يوسف عليه السلام ثمنها ( بضع سنين ) أمضاها من حياته في السجن ( وبضع أيام ) أمضاها في البئر ، وبين ذلك رحلة طويلة من الغربة والمشقة والعناء . تخرج يوسف في هذه المدرسة بدرجة امتياز فاجتباه ربه ، وتربع على عرش مصر ، وخر له إخوته سجداً ، كان ثمناً باهضاً دفعه يوسف لهذه الدورة ، وها نحن تعرض علينا بثمن بخس .
سنتعلم في هذه الدورة : كيف يولد الأمل من رحم الألم ، وكيف أن اشتداد الظلام إيذانٌ بانبلاج الفجر ، وأن مع العسر يسراً ولن يغلب عسرٌ يسرين .
و أن الشدائدَ فترةُ مَخَاضٍ أليمٍ تَعْبُرُ الروحُ خلالَها من ضِيقِ البلاءِ إلى سَعَةِ التَّمكين ، ومن مرارةِ المُجَاهَدَةِ إلى حلاوةِ النصر .
سنتعلم في هذه الدورة كيف تكون مرارةُ الظلم ، وأن أقسى ما يكون الظلم حين يأتيك من أقرب الناس منك وأحبهم إليك .
سنتعلم في هذه الدورة عاقبةَ الظلم وأن مصيره إلى وبال وعاقبته إلى زوال ، وأن اليد التي امتدت عليك ظلماً ستمتد إليك ذلاً ، والجزاء من جنس العمل ، ولا يظلم ربك أحداً ، وسيقتص الله من الظالم ولو بعد حين .
سنتعلم في هذه الدورة كيف يترقَّى الإنسانُ في مَدَارجِ الكمالِ حتى لكأنه مَلَك ، وكيف يهوي إلى حضيضِ الإنسانية حتى لكأنه بهيمة . كيف تتنازعه شهوات الجسد وتطلُّعاتُ الروح ، وتتصارع فيه نوازعُ الأرض ودوافعُ السماء ( فيصبو إليهن ) حينما يتغلب فيه عنصر الطين ( ويلتجئ إليه ) حين ينتصر فيه عنصر الدين .
في هذه الدورة سنتعرف على أنواع الابتلاء ، وأن من الناس من يبتليهم الله بالغنى ، ومنهم من يبتليه بالفقر ، منهم من يمتحنه بالشدائد ومنهم من يختبره بالنعم .
وأن هناك الكثير ممن يجتاز الفقر والشدائد بنجاح ، ولكنه يرسب عند أول امتحان في الرخاء ! يوسف كان أحد هؤلاء القلائل الذين اجتازوا الاختبارين بنجاح ، فاستوى عنده القصر والبئر ، والعرش والسجن ، فكان في السجن من الصابرين وعند الملك من الشاكرين .
سنتعلم كيف نكسوا ألفاظَنا فلا نُلْقِي الكلماتِ عاريةً نابيةً ، بل ننتقي أطايبَ الكلام كما ننتقي أطايبَ الطعام ، و نَتَخَيَّرُ أحسنَ الألفاظِ وأعذبَها ، فلا نَخْدِشُ ولا نجرح ، وجُرْحُ اللسانِ أنْكَى من جرح السِّنان .
في هذه الدورة سنتعلم أبجديات كتابة القصة الأدبية الناجحة ، وتصوير لحظات الضعف البشري حين يلتقي الرجل والمرأة ويقع بينهما ما يقع ، فلا تتحول الرواية إلى غواية ، ولا تتحول الكلمات إلى صور تثير الرغبات وتشعل الغرائز ، وإنما تختزل هذه المشاعر كلها في كلمتين اثنتين ( وراودته ) و (هيت لك ) .
فلا حاجة إلى أن تكتظَّ أرفُفُ مكتباتِنا بالأدبِ الرخيص ، ( أدبِ الوسائدِ والسُّرُر ) ولا أن ننشر غسيلَنا على صفحاتِ الجرائد بحجة معالجة الواقع ، بل هو فضح للواقع .. واقع الكثير من كتابنا ومثقفينا الذين يلهثون وراء هذا النوع من ( قلة ) الأدب .
وأخيراً سنعرف في هذه الدورة أن يوسف عليه السلام ليس لديه أخ يدعى ( نكتل ) !!
هذه السورة أو المدرسة أو الدورة أو القصة .. سمِّها ما شئت ، كَتَب عنها الكثير ، وتكلم فيها الكثير ، ومن أروع ما سمعت : مجموعة من الأشرطة بعنوان ( تأملات في سورة يوسف ) للشيخ ناصر العمر ، وهي مكونة من تسعة أشرطة ، استمع للشريط الأول فقط وأنا أجزم لك بأنك ستستمع لبقية المجموعة .
دمتم سالمين
__________________
[لا أحد أكبر من أن يستفيد … ولا أحد أقل من أن يفيد … من جهلنا أخطأنا …. ومن أخطائنا نتعلّم