عقلية العربي ...في نظر بعض المفكرين الحداثيين


المجلس الـــــعــــــــام للمواضيع التي ليس لها تصنيف معين

 
قديم 20-04-2007, 02:49 PM
  #1
حرقي العرين
..:: قلم من ذهب ::..
تاريخ التسجيل: Dec 2006
الدولة: فيلادلفيا
المشاركات: 297
حرقي العرين has a spectacular aura aboutحرقي العرين has a spectacular aura aboutحرقي العرين has a spectacular aura about
افتراضي عقلية العربي ...في نظر بعض المفكرين الحداثيين

إذا كانت الايديولوجيا كما عرَّفها ماركس مجموعة أوهام تعتم العقل وتحجبه عن إدراك الواقع والحقيقة، فإن العقل يتحول مع الايديولوجيا إلى مفهوم مسبق يجب تحديده يعتبر أحدهم أن "العقل العربي هو قضيتنا الحضارية الأولى، ذلك لأنها القضية التي تتوقف عليها مواجهتنا لجميع قضايانا المصيرية، فعقلنا هو الذي يقرر مصيرنا" وهكذا، فالعقل في هذا الخطاب يحتل منزلة المحولة السحرية التي تستطيع ـ ما إن نملك سرّها ـ أن تنقلنا من التخلف إلى الحداثة، ومن الرجعية إلى التقدم.
لقد اختصر العرب نهضتهم في عقلهم وتركبت ثنائية جديدة قوامها العقل والتقدم، فما إن يتحرر العقل حتى يتحقق التقدم، وما دام تحرير العقل عملية مؤجلة فإن التقدم معلّق، وهكذا تختزل القضية في متوالية ترابطية مبسطة، ولسنا في حاجة إلى التفكير في شروط أخرى للتقدم ما دامت الايديولوجيا قد اختطت لنا الطريق إلى هذا الأمل الذي يكمن في "العقل".
لكن ما السبيل إلى اكتشاف هذا العقل والتمثل به كي نحقق ما نطمح إليه؟ هنا تتكاثر الأجوبة بحكم تكاثر الايديولوجيات، فالايديولوجيا التقدمية العلمية ترى أن النموذج الاشتراكي وحده يؤدي إلى تكوين عقل قومي علمي بنائي، كما يعبر حامد خليل في كتابه (أزمة العقل العربي)؛ أحد رواد هذه الايديولوجيا، أما النموذج الرأسمالي فإنه يكون عقلاً غير علمي وغير قومي وغير بنائي، وإذا توقفنا لحظة للتساؤل عن ما خلفه النموذج الاشتراكي على صعيد العقل، هنا تجيب الايديولوجيا ـ في لغة فيها الجزم مع الحسم ـ : "إن العقل الاشتراكي ليس قادراً على التغيير بحكم بنيته الداخلية، وإنما بسبب الحصار المضروب عليه من قبل القوى الرأسمالية والبرجوازية والرجعية التي ألبت الجماهير عليه" وبذلك يصبح العقل الاشتراكي منفرداً ووحيداً مع نفسه، إذ تآلب الجميع ضده وتخلت الجماهير التي يتكلم باسمها عنه فما الذي بقي له، وهل يعلن إفلاسه ونهايته؟
هنا تثور الايديولوجيا مرة أخرى لتؤكد أن العقل الاشتراكي يمثل المخرج الوحيد للأزمة التي يعيشها العقل العربي، وكل خطأ أو انحراف ليس ناتجاً حتماً عن تركيبته وبنيته، إذ هو مبرأ عن الأخطاء، وإنما يمكن إعادته ـ في يسر وسهولة ـ إلى عوامل خارجية وقوى التحكم الرأسمالية والرجعية التي تتربص بهذا العقل، وهكذا يظهر مدى هيمنة الايديولوجيا على العقل وتلبسها به بدلاً من أن يكون العقل حاكماً للايديولوجيا وموجهاً لها.
وطبيعيٌ بعد ذلك أن ترفض هذه الايديولوجيا أية قراءة أخرى للعقل لا تنسجم مع رؤيتها ولا تتطابق مع مسلماتها، وهذا ما لمسناه مع موجة النقد الشديد الذي وجهته هذه الايديولوجيا لقراءة الجابري للعقل في (نقد العقل العربي)، إلا أن الايديولوجيا الماركسية ليست بدعاً من بين الايديولوجيات العربية التي راهنت على العقل باعتباره محرك التغيير وأداته، بل إن الايديولوجيا الاسلامية تعيد ما أصاب الأمة من تشرذم، وتشتت، وتقوقع على الذات، وضياع للهوية، وافتقاد الدور الريادي على الصعيد العالمي إلى واقع العقل العربي لأنه الملام والمسؤول كما أكد لنا عبد الرحمن الطريري في كتابه (العقل العربي وإعادة التشكيل)، ونحن بدورنا نتساءل: أكلُّ هذا على العقل العربي أن يتحمله وأن يحمل مسؤوليته؟ وهكذا يغيب أي سياق سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي لتفسير الأزمات المعقدة والمتشابكة ويحضر فقط العقل العربي بوصفه علة الأزمة ومعلولها.
وما دامت الأزمة قد اختصرت إلى هذه الرؤية فحلولها تختصر أيضاً، وبالطريقة نفسها؛ بالاعتماد على تغيير أو إعادة تشكيل العقل العربي حسب تعبيره، وإعادة التشكيل هذه تقتضي منا تنقية هذا العقل من كل الرواسب والشوائب التي علقت به خلال تاريخه، ثم نعيد تنضيده وفق ما تريد الايديولوجيا، وعليه، فالعقل هنا يجب أن يكون متوافقاً مع المنهج الاسلامي، فبعده عنه سبب كل هذا التخلف والتردي والتراجع.
ولا تكتفي هذه الايديولوجيا بذلك، بل تحاول أن ترسم أسساً وتصوراً وملامحاً للعقل العربي، وذلك بعد عملية إعادة التشكيل المطلوبة، عليه "أن يميز بين الحقوق والواجبات، وأن يحول من حياة الترف والدعة والسكون إلى حياة الجد والنشاط والحيوية، وعليه أن يكتسب خاصية العمل الجماعي، وأن يكون دقيقاً في تعامله مع غيره" وهكذا تسقط هذه الايديولوجيا صفاتها الخلقية على العقل المطلوب دون مراعاة لهذا الانتقال من الواقع إلى العقل إلى المنهج، مما يعكس غياباً للوعي، واختلاطاً في الرؤية والنظر معاً، إذ كيف ننتقل من المستوى الاجتماعي والتجريبي إلى المستوى المعرفي واأبستمولوجي، من دون أن ندرك أن القفز ليس بهذه السهولة بل إنه غير ممكن عملياً قبل عملية إعادة تقعيد نظري للمعطيات المعرفية الموجودة، ثم العمل على ربطها مع الواقع القائم، غير أن الايديولوجيا تبدو قادرة على تجاوز كل ذلك برغم ادعائها أنها تتبنى المنهج العلمي، فما وجدناه لدى الايديولوجيا الماركسية أو الاسلامية شبيه ومتقارب من حيث الرهان على العقل كعصا سحرية قادرة على إخراجنا مما نحن فيه، ونقلنا إلى ما نريد أن نكون عليه دون مراعاة أو تحرج معرفي قائم على اعتبار أن العقل رهين ومشروط بظروفه التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يعيشها ويتشكل وفقها، ووفق تأثيراته بها.
الخروج من وحل الايديولوجيا وتجاوز المسبقات النظرية، هذا ما حلمت الدراسات المعرفية بتحقيقه، وعلى رأسها دراسة الجابري ـ المشهورة ـ في نقد العقل العربي، إنه يقرر بداية أن استخدامه للفظة (عقل) بديلاً من (فكر) هو تجنبٌ للايديولوجيا، وابتعادٌ عنها، إذ أن ما يهتم به ليس الأفكار بذاتها بل الأداة المنتجة لهذه الأفكار، فهو يحصر اهتمامه في المجال الأبستمولوجي وحده، إلا أننا لو أردنا أن نكشف المسافة الكائنة بين ما يعبر عنه وبين ما يقوم به خلال تحليلاته وآرائه لوجدنا أن الجابري لم يكن مختلفاً عن غيره من الايديولوجيات في الرهان على العقل والإيمان به لتحقيق سحر التغيير، بل إنه يكاد يكون الأكثر تعلقاً بهذا السحر، ذلك أنه يعتبر أن أهم عوامل تعثر نهضتنا العربية المستمر إلى الآن قائم على أنها لم تنجز عملية نقد العقل المطلوبة "وهل يمكن بناء نهضة بعقل غير ناهض، عقل لم يقم بمراجعة شاملة لآلياته ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه؟" كما عبر عن ذلك في مفتتح مشروعه السابق الذكر، وهكذا فالنهضة المرتقبة علينا أن نطلبها من العقل ولا شيء سواه، منه ومعه تتحقق، من دونه ومن غيره لا شيء يتم أو يتحقق، نقد العقل مبتدأ النهضة، والعقل الناهض خبرها، وهكذا تؤجل النهضةـ حسب هذا الخطاب ـ إلى حين حسم قضية نقد العقل، وإلى حين انتهاء عملية النقد والتفكيك والتشريح تبقى النهضة معلقة، وبعد ذلك يكون ما تبقى من العقل بعد إخضاعه إلى هذه العمليات جميعاً قادراً على القيام بالنهضة، وحمل أعبائها، وتحقيق شروطها.
إن العقل وفق ما تطلبه الايديولوجيا مشروطٌ بشروطها، ومتحققٌ فقط بأصولها، عليه ألا يخرج عما تحدده وتؤطره، ومطلوبٌ منه أن يتقيد ليس بفضائها العام فحسب، بل بتفاصيلها أيضاً، وإذا كانت الايديولوجيا العربية بكل تلويناتها قد راهنت على العقل بوصفه مفتاح التغيير، فإن رهانها هذا لم يكن على العقل باطلاق بقدر ما كان على العقل المؤطر بالايديولوجيا، وبالتالي، فخطاب الايديولوجيا للنهضة من خلال العقل هو خطابٌ مراوغ، لأنه لا يبتغي تحقيق النهضة بقدر ما يشترط تحققها بتحقيق ما يبتغيه منها، لذلك نستطيع القول إن الخطاب الايديولوجي هو خطاب مضادٌ للحقيقة لأنه لا يروم المعرفة بقدر ما يبتغي السياسة، والسياسة هنا ليست بما هي علمٌ له أصوله وقواعده، وإنما بما هي كسبٌ للأنصار والجماهير، وتبخيس للخصم والآخر، وهذا بدوره يؤكد لنا أن العقل العربي هو عقلٌ مصادرٌ، ومشروط، ومحكوم بمسبقات نظرية محددة سلفاً، لذلك حق لبرهان غليون أن يقول "لقد تحول مفهوم العقل حسب حاجات الصراع الايديولوجي، فأصبح شعاراً بقصد الانتماء إلى معسكر ضد آخر، ونزع شرعية الكلام عن الخصم" وبذلك يصبح العقل محط تجاذب كل التيارات الايديولوجية، كلٌّ يدّعي وصلاً له ونسباً إليه، مما نزع عن العقل مفهومه الاعتباري بوصفه معيار الوعي بالذات والواقع، وحوّله إلى أداة الصراع في السياسة، وهذا ما أدى أيضاً إلى الغاء وظيفته التي عليه أن يؤديها في المجتمع بوصفه شرطاً من شروط التغير الاجتماعي، ونسقاً مهماً من أنساق الفعل السياسي والتعاطي الاجتماعي والاقتصادي، ورافداً رئيسياً يقيس مدى الوعي بالتغيرات التي تحيط بالذات على المستوى الداخلي والخارجي، وعلى مستوى التغيرات الدولية، والثورات المعرفية التي تحتاج وجوده في كل لحظة من لحظات تحولها.
إن العقل والايديولوجيا متضادان في غايتهما ووظيفتهما، وهذا ما جعلنا نقرر فصل المقال فيما بين العقل والايديولوجيا من انفصال، ودفعنا أيضاً إلى عدم الاستبشار بكثرة الحديث عن العقل على اعتبار أنه دليل وعي، ولحظة نهوض، إذ على الرغم من أن الجميع يتحدث عن العقل، ويترنم به، ويتوسل إليه، إلا أنهم إذ يتحدثون عن العقل فلكي يتحدثوا عن عقل الايديولوجيا، وليطالبوا الجميع بالتطابق والتماهي معه، فالصراع على العقل لدى العرب كان بمثابة وجهٍ جديد من المعارك الكثيرة التي خاضوها حول التراث والتنوير والهوية، فكل مفهوم كان بمثابة ذخيرة ايديولوجية لجبه الآخر ولجمه، والنتيجة كانت خسارة العرب لجميع معاركهم مع المفهوم، لأنهم في الأصل لم يخوضوها من أجله، وإنما من أجل قداسة الايديولوجيا المنزهة، بذلك تكون "لعنة" النهضة التي رافقت العرب خلال تاريخهم المتطاول، ولم تحل عليهم، بعيدةً أن تتحقق لديهم دون أن يتم أفول شمس الايديولوجيا، وبزوغ نور العقل.




مجلووب



حرقي العرين غير متواجد حالياً  
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
«®°·.¸.•°°·.¸¸.•°°·.¸.•°®»موسوعه الصقور«®°·.¸.•°°·.¸¸.•°°·.¸.•°®» اللبيب مجلس الباديه والرحلات 25 03-11-2008 02:03 PM
هل تعرف صدام الحقيقي ؟ أبوسالم المجلس الـــــعــــــــام 22 19-07-2008 06:29 AM
هدا مجموع ما يخص يوم عشوراء احببت ان انقله لكم ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 04-10-2007 06:33 AM
فتاوى السحر والمس والعين مفرغا من شريط للعلامة ابن باز : اعداد بعض طلبة العلم ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 26-05-2007 01:52 PM
موطن نبي الله نوح عليه السلام ... وأين استقرت سفينته؟؟ أبو عامرية المجلس الـــــعــــــــام 15 01-02-2007 11:52 PM


الساعة الآن 07:38 PM

سناب المشاهير