
المركزية والدكتوراة .. علاج أسوأ من الداء
السلامةعليكم
وصلني هذا المقال الجيد والمنقول من موقع الاسواق العربية
http://www.alaswaq.net/views/2008/01/08/13204.html
نبيل عثمان الخويطر
في أوائل التسعينيات الميلادية شاءت الأقدار أن أعمل وأقيم في بعض دول آسيا الوسطى حديثة الاستقلال من الاتحاد السوفيتي، فعندما قدمت إلى آذربيجان وتركمنستان في عام 1992م أحسست بأن شعوبها لم تستوعب بعد أنها فعلاً قد استقلت من قرارات الحكومة المركزية في موسكو.
وخلال تجوالي في هذه البلدان لفت انتباهي كثرة لقب دكتور في الإدارات الحكومية والمنشآت الصناعية التي وقتها لا زالت ملكاً للدولة.
وعندما سألت بعض الأصدقاء الإداريين عن كثرة حملة شهادة الدكتوراة في بلدهم، أفادوني بأن من محاسن النظام السوفيتي القليلة هو النظام التعليمي القوي نسبياً، كذلك شرحوا لي أن شهادة الدكتوراة أصبحت في آخر عقدين من حياة الاتحاد السوفيتي مهمة بل ضرورية للترقي في أجهزة الدولة، وعندما سألت عن سبب أهمية شهادة الدكتوراة أفادوني بأن بيوروقراطية الدولة السوفيتية تضخمت في أواخر عقود حياتها إلى عشرات الملايين من الموظفين وملايين من الإداريين فأصبح من الصعب على مسؤولي الحزب في موسكو التدقيق في الأداء الإداري لكل هؤلاء المدراء، لذلك لجأوا في نهاية المطاف إلى تقليص عدد المرشحين للمناصب الإدارية العليا عن طريق حذف من لم يحمل شهادة دكتوراة، فسهل هذا الحل على أصحاب القرار النهائي في العاصمة موسكو اختيار المدراء والمسؤولين الكبار حيث أن التاريخ الأكاديمي للأفراد سهل المنال بينما يصعب على مسؤول يبعد آلاف الكيلومترات في موسكو تقييم الأداء الإداري لكل المدراء.
ومن سوء حظ أعضاء الحزب الشيوعي الحاكم أن طبيعة الدراسات الأكاديمية العليا غالباً ما تستقطب الأفراد الأذكياء ذهنياً بينما قدراتهم الاجتماعية أي قدرتهم على التعامل مع غيرهم من البشر تكون ضعيفة، فطبيعتهم تميل إلى الوحدة والبحث العلمي أو الثقافي المنفرد لا على التعامل مع العامة.
وهذا هو أحد أسباب تدهور الأداء الإداري لأجهزة دولة الاتحاد السوفيتي وضعفها الاقتصادي مما أدى في نهاية المطاف إلى انهيارها وتفككها إلى 15 دولة مستقلة.
وإذا نظرنا إلى حالنا اليوم في المملكة العربية السعودية سنجد بوادر هذه الحالة الخطيرة، حيث أنه أصبح شبه مستحيلاً الترقي في السلم الإداري في الدولة لمن لا يحمل شهادة الدكتوراة مهما كانت قدراته أو قدراتها للتعامل مع الموظفين أوالأداء الإداري المتميز، فمركزية قرار الترقيات كبيرها وصغيرها يوجب تقليص عدد المرشحين لمناصب الدولة بطريقة ما، وأسهل طريقة هي فرز الموظفين حسب شهاداتهم العليا التي نأمل أن لا تكون هي مزيّفة أو مشتراه.
والدليل القاطع على أن ترقية الموظفين في المؤسسات العامة يجب ألا يعتمد إطلاقاً على شهادات الدكتوراة هو نجاح أهم قطاع اقتصادي في المملكة وهو قطاع البترول رغم أنه لم يصل إلى منصب وزير البترول أو رئاسة شركة أرامكو السعودية في تاريخهما حامل شهادة الدكتوراة. بل ويذهب بعض الزملاء في أرامكو السعودية إلى حد القول بأن حامل شهادة الدكتوراة في أرامكو السعودية يكاد يخفيها من الخجل.
وقد اكتشف عدة متقاعدين من مناصب عالية في شركة أرامكو السعودية عندما قبلوا وظائف إدارية في الدولة أنهم غير قادرين على تحفيز أو تخويف المدراء الذين ترأسوهم لأن قرارات الترقيات كانت دائماً ترجع في نهاية المطاف إلى مكتب الوزير المعنى، وهذا خلاف ما اعتادوا عليه في أرامكو السعودية حيث الصلاحيات الإدارية لدى أقل مدير في الشركة قد تفوق صلاحيات وكيل وزارة في الدولة بالنسبة للتصرف بميزانية إدارته وموظفيه.
وهناك قصة تحكى عن أحد الإداريين المتميزين في أرامكو السعودية والذي وصل منصب نائب رئيس قبل أن يكشف أحد الوشاة الحاسدين عن أوراقه الأكاديمية، فتبين أنه من حملة الدكتوراة في برمجة الحاسب الآلي المتطور، وذلك كان صدمة على الجهاز الإداري الأعلى، وسرعان ما وضعت الدال الخطيرة بجانب اسمه وأحيل إلى التقاعد المبكر، وذلك من باب سد الذرائع رغم أنه كان محبوباً من قبل الجميع، ولكن القائمين على القرار شاءوا ألا يفتحوا المجال للمخاطرة بأهم مصدر رزق للوطن والسماح لدكتور بأن يصل منصب أعلى من باحثٍ في المختبر.
* مهندس في شركة أرامكو السعودية