الملك فهد كما عرفته|| بقلم : د. غازي القصيبي||


مجلس الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - مرثيات ومآثر وتعازي

إضافة رد
قديم 03-08-2005, 01:41 AM
  #1
سلطان العبيدي
عضو متميز
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 992
سلطان العبيدي is a splendid one to beholdسلطان العبيدي is a splendid one to beholdسلطان العبيدي is a splendid one to beholdسلطان العبيدي is a splendid one to beholdسلطان العبيدي is a splendid one to beholdسلطان العبيدي is a splendid one to behold
افتراضي الملك فهد كما عرفته|| بقلم : د. غازي القصيبي||

كنت قد رأيت الأمير فهد بن عبد العزيز في الستينات الميلادية (الثمانينات الهجرية) مرات عدة، إلا أن المقابلات لم تتجاوز السلام العابر . لم يتح لي أن أعرفه معرفة حقيقية إلا أثناء عملي في المؤسسة العامة للخطوط الحديدية. بعد أسابيع قليلة من انتقالي إلى الدمام زار الأمير فهد المنطقة، وذهبت للسلام عليه . طلب أن يراني على انفراد، وبقيت بعد أن انصرف الحاضرون . بدأ يتحدث بانطلاق وعفوية وفوجئت خلال الحديث أنه يتحدث عن فلسفة تنموية لا تختلف عن تلك التي كنت أطمح إلى وضعها موضع التنفيذ . قال الأمير فهد : " أنا لست من حملة الشهادات العالية، ولست من المثقفين، ولا أعرف النظريات الاقتصادية، ولكني أعرف تماماً ما يريده كل مواطن، يريد المواطن بيتاً لائقاً يضمه ويضم أولاده، ويريد عملاً كريماً يرتزق منه، ويريد مدرسة في الحي يرسل إليها أطفاله، ويريد مستوصفاً متكاملاً بقرب بيته، ويريد مستشفى لا يبعد كثيراً عن المستوصف، ويريد سيارة، ويريد خدمة كهربائية منتظمة، ويريد .. " .اتضح لي من خلال الحديث أن الأمير فهد كان ـ عن غير قصد ـ يتبنى النظرية التنموية التي عرفت فيما بعد باسم إشباع الحاجـات الأساسية . كان الأمير فهد وقتها نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخليـة، وقـد بدأ يضطلع بدور متزايد في إدارة شؤون الدولة .
وحينما توليت وزارة الصناعة والكهرباء كانت الخطة الخمسية الثانية تنصّ على إنشاء مشاريع صناعية كبرى في الجبيل وينبع، فاتجه تفكيري أول ما اتجه إلى إنشاء مؤسسة عامة تتولى تنفيذ هذه المشاريع إلا أن الصديق محمد أبا الخيل وزير المالية والاقتصاد الوطني اقترح إقامة شركة مساهمة تجارية تعمل وفقاً للأسس التجارية الخالصة، ويمكن مستقبلاً بيع جزءٍ من أسهمها إلى الجمهور .
حملتُ الفكرة إلى الأمير فهد الذي أصغى باهتمام وتحمس للفكرة حماسة شديدة ومنحني الضوء الأخضر، وأهم ملمح جذب الأمير فهد إلى الفكرة هو وعدي القاطع بأن تتنازل الحكومة عن أسهمها مستقبلاً للمواطنين، وكان الأمير فهد حريصاً كل الحرص على أن يمتلك المواطنون أسهماً في كل شركة تقيمها الدولة أو تسهم فيها . بدأتُ العمل الدؤوب لإنشاء الشركة السعودية للصناعات الأساسية التي سرعان ما اشتهرت باسمها المختصر " سابك "، مع إنشاء الشركة بدأت ملحمة التصنيع .
لقد لقيت من عطف هذا الرجل، أميراً وولياً للعهد وملكاً، ما يجعلني عاجزاً عن أن أفيه حقه مهما فعلت أو قلت . كان الأمير فهد يدرك، بخبرته الطويلة، أن الجهاز البيروقراطي التقليدي عاجز عن تحقيق الأحلام التنموية التي كان يريد أن تتحقق . وكان يعرف ببصيرته النافذة أن مجموعة التكنوقراطيين المحيطة به كانت قادرة على تذليل العقبات وتحريك الجهاز الحكومي البطيء . كنت واحداً من تلك المجموعة الصغيرة التي حظيت بثقة ولي العهد . ومع ذلك اكتشف الأمير فهد منذ الشهور الأولى عنصراً من عناصر شخصيتي كان يتمنى لو لم يوجد : الاندفاع الشديد . كان يقول، أحياناً، في مجالسه الخاصة : " لو رزق فلان بعض الصبر لكان إنساناً مثالياً " . قال لي أكثر من مرة : "لماذا أراك مشتطاً طيلة الوقت ؟ عمل الحكومة لا ينتهي " وقال لي مرة : " ارفق بنفسك . لو مت على المكتب هل ستعرف ماذا سيقول الناس ؟ سيقولون :" مجنون قتل نفسه ". لو ولدتُّ صبوراً لكنت إنساناً أفضل من جميع الوجود، ولكني كنت سأكون إنساناً مختلفاً عن الإنسان الذي عرفه الأمير فهد وعرفه الناس . في النهاية أدى " الاندفاع الشديد " إلى انتهاء تجربتي الوزارية.
كان الأمير فهد ـ وفيما بعد الملك فهد ـ رجلاً جم الأدب شديد الحياء . لم أره، قط يرفـض طلباً من وزير أو من أي إنسان آخر بصفة مباشرة. مع الزمن تعودت، وتعود بقية الوزراء، على أسلوب ولي العهد. عندما يوافق على طلب من وزير كان يوجهه بأن يمضي قدماً في التنفيذ ( كان يستعمل عبارات مثل " على بركة الله " أو " توكل على الله" أو "هذا مناسب جداً " ) . عندما تكون لديه تحفظات على الطلب كان يطلب من الوزير أن يكتب له رسالة عـن الموضوع ( يعني هذا أن احتمال الموافقة قد انخفض إلى 50% ) . عندما تكون لديه شكوك جدية حول حكمة القرار المطلوب كان يقول للوزير : " دعني أفكر " . ( معنى هذا أن احتمال الموافقة انخفض إلى 10%) . عندما يقرر عدم الاستجابة لطلب كان يطلب من الوزير أن يبحث الموضوع مع وزير المالية (يعني هذا أن احتمال الموافقة أصبح 1%) .
كان مجلس الوزراء ينعقد مرة في الأسبوع، وكان الاجتماع يستغرق ما بين ساعتين وثلاث ساعات . كانت المواضيع التي تثار تبحث بكل حرية، وفي كثير من الحالات لا يحسم الأمر إلا بالتصويت . كان الأمير فهد يرفض أن يمتنع أحد عن التصويت، ويصر على سماع كل رأي (حتى عندما يخالف رأيه هو) إلا أن مجلس الوزراء لم يكن يبحث سوى الموضوعات المهمّة . كثير من عمل الدولة الإداري والمالي الذي يصدر من مجلس الوزراء كان يتقرر في اللجنة العامة . بعبارة أخرى كانت اللجنة ـ لا المجلس ـ مكان المناقشات الصاخبة، كانت اللجنة تضم نصف أعضاء المجلس، وكان من حق أي وزير أن ينضم إليها عندما تبحث أمراً يخص وزارته . كانت اللجنة تجتمع مرة في الأسبوع، من العاشرة صباحاً إلى الواحدة بعد الظهر.
أود أن أستطرد ـ هنا ـ فأقول : إنه لا الأمير فهد ولا مجلس الوزراء كان حريصاً على إصدار تشريع جديد كل يوم . كان ولي العهد يكرر دائماً : " اتركوا الناس تتنفس "، " ولا تكتموا أنفاس الناس "، و" دعوا الناس تتحرك " . كان أثقل شيء على نفس ولي العهد وعلى نفوس الوزراء إصدار نظام جديد يحتوي على قيود جديدة أو عقوبات جديدة .
بعد قرابة شهر من تكليفي بوزارة الصحة سألني إذا كنت أحتاج إلى شيء . قلت له : إن ميزانية الوزارة تتجاوز عشرة بلايين ريال، ولم يكن يصرف منها سوى أكثر من النصف بقليل . قلت : إن ما أحتاج إليه هو شعور الناس أنه يقف معي في كل الخطوات التي اتخذتها، والتي سأتخذها مستقبلاً في بادرة سخية غير معهودة قال :" أعد الخطاب الذي يتضمن تفويضك بالصلاحيات المطلوبة وسأوقعه " . أعددت مسودة خطاب يؤكد تأييد الملك لي ويفوضني في اتخاذ " كافة الإجراءات " الضرورية لتطوير المرفق . سألني الملك ـ مرة أخرى ـ : " هل أنت متأكد أنك لست بحاجة إلى اعتمادات إضافية ؟ " . كان حرص الملك على تحسين الخدمات الصحية لا يقل عن حرصي، وقد يزيد . قلت: " الاعتمادات تكفي . ولكن الإجراءات المالية، أحياناً بطيئة . أستطيع أن أتحرك بسرعة إذا أمكن تحرير مبلغ معين، ضمن ميزانية الوزارة، من القيود الروتينية " . وافق الملك وتضمن الخطاب نفسه، علاوة على التفويض، تخصيص مبلغ 100 مليون ريال من ميزانية الوزارة، يتفق بشأن تدبيره مع وزير المالية والاقتصاد الوطني، ويجوز لوزير الصحة أن يصرف منه دون أن يتقيد بالإجراءات المالية المعتادة . عندما انتهى المبلغ الثاني لم تكن هناك حاجة إلى طلب مبلغ ثالث . الذين يتحدثون عن " الاعتمادات الهائلة " التي جاءت معي لا يعرفون أن المشكلة ـ وقتها ـ لم تكن في وجود الاعتمادات، ولكن في بطء صرفها . كانت ثقة الملك المطلقة التي عبر عنها الخطاب، والتي عبر عنها شخصياً بأكثر من وسيلة في أكثر من مناسبة، كانت هذه الثقة المطلقة، قبل الصلاحيات وقبل الاعتمادات، هي سلاحي الأول والأخير في معارك وزارة الصحة، وكانت هناك معركة كل يوم.
سلطان العبيدي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-08-2005, 08:33 AM
  #2
عاشق الوطن
إدارة المجالس
تاريخ التسجيل: Jul 2004
المشاركات: 3,693
عاشق الوطن has a reputation beyond reputeعاشق الوطن has a reputation beyond reputeعاشق الوطن has a reputation beyond reputeعاشق الوطن has a reputation beyond reputeعاشق الوطن has a reputation beyond reputeعاشق الوطن has a reputation beyond reputeعاشق الوطن has a reputation beyond reputeعاشق الوطن has a reputation beyond reputeعاشق الوطن has a reputation beyond reputeعاشق الوطن has a reputation beyond reputeعاشق الوطن has a reputation beyond repute
افتراضي

سلطان العبيدي
اشكرك على ايراد هذه المقاله التي نشرت
في جريدة اليوم عشيت دفن القائد الملك فهد
وفي الحقيقه ان هذه المقاله تستحق القراءه وليس المرور
وانا اعتبرها شخصيا وثيقه اداريه بين ملك ووزير وقد ورد في ثناياها
صوره حقيقيه لشخصية خادم الحرمين الشريفين واهتمامه بالتنميه كخيار استراتيجي
ان مداخلتي اخي سلطان العبيدي اشاده بهذا الاختيار وهذا عمل شطار بوركت بوركت والى المزيد

عاشق وطن

تحياتي
عاشق الوطن غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-08-2005, 02:42 AM
  #3
سلطان العبيدي
عضو متميز
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 992
سلطان العبيدي is a splendid one to beholdسلطان العبيدي is a splendid one to beholdسلطان العبيدي is a splendid one to beholdسلطان العبيدي is a splendid one to beholdسلطان العبيدي is a splendid one to beholdسلطان العبيدي is a splendid one to behold
افتراضي

عاشق الوطن شاكر ومقدر مرورك وتعقيبك
سلطان العبيدي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-08-2005, 03:19 AM
  #4
فارس قحطان
GM
 الصورة الرمزية فارس قحطان
تاريخ التسجيل: Jun 2004
الدولة: في قلب شبكة قحطان
المشاركات: 7,494
فارس قحطان has a reputation beyond reputeفارس قحطان has a reputation beyond reputeفارس قحطان has a reputation beyond reputeفارس قحطان has a reputation beyond reputeفارس قحطان has a reputation beyond reputeفارس قحطان has a reputation beyond reputeفارس قحطان has a reputation beyond reputeفارس قحطان has a reputation beyond reputeفارس قحطان has a reputation beyond reputeفارس قحطان has a reputation beyond reputeفارس قحطان has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا لك ياسلطان العبيدي
على نقل هذه المقاله للدكتور غازي القصيبي
الذي وضحت لنا مدى حب ملكنا الراحل لمواطنيه
وان همه كان ان يعيش كل مواطن سعودي حيات تليق به
__________________
،



«لا إله إلا الله محمد رسول الله»



،
فارس قحطان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 06-08-2005, 11:18 AM
  #5
الوفي
عضو جديد
 الصورة الرمزية الوفي
تاريخ التسجيل: Jun 2005
الدولة: abha
المشاركات: 5
الوفي is on a distinguished road
Director

مقال يستحق القراءة ويثبت سعة فكر فقيدنا الغالي رحمه الله
شكرا ياعبيدي على الأختيار الموفق
الوفي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 07-08-2005, 08:28 PM
  #6
سلطان العبيدي
عضو متميز
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 992
سلطان العبيدي is a splendid one to beholdسلطان العبيدي is a splendid one to beholdسلطان العبيدي is a splendid one to beholdسلطان العبيدي is a splendid one to beholdسلطان العبيدي is a splendid one to beholdسلطان العبيدي is a splendid one to behold
افتراضي

الاخوان الاعزاء فارس قحطان و الوفي لاهنتو على تشريف الموضوع
سلطان العبيدي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مسفر القحطاني أول من بشر الملك بفتح مكة ماشاالله عليه صقر القحاطين مجلس فرسان قحطان 11 25-02-2006 12:09 AM
أشعر بالسعادة ...بعد وفاة الملك فهد!! ناقد خطير ملتقى الكتاب والمؤلفين 46 04-09-2005 10:15 PM


الساعة الآن 07:56 AM

سناب المشاهير