ما يستدعيه تثبيت سعر صرف الريال
مقال طازج وتحليل منطقي للربط والرابط والمربوط .... والسؤال أولا وأخيرا لماذاااااا الدولار ؟
أترككم مع قراءة ممتعة مع أطيب أمنياتي وكل عام وأنت بخير
ما يستدعيه تثبيت سعر صرف الريال
الاقتصادية ، السبت : 17 رمضان 1428 هـ ، المصادف 29 سبتمبر2007 م
د. مقبل صالح أحمد الذكير
أستاذ الاقتصاد، جامعة الملك عبد العزيز
m_dukair@yahoo.com
لا أعرف لماذا لم احتاجت مؤسسة النقد كل هذا الوقت لتؤكد علي تثبيت سعر صرف الريال أمام الدولار. ولماذا كان هذا الفارق الزمني بين إعلانها تثبيت الفائدة على الريال، وتأكيدها مساء الأربعاء الماضي عدم تغير سعر صرف الريال. هذا الفارق أعطي للمضاربات على الريال في الأسواق المالية مساحة للتحرك.
يبدو أن على سلطاتنا النقدية أن تكون أكثر استعدادا للتحرك وتوضيح موقفها وفقا للتطورات النقدية العالمية التي يبدو أنها مستمرة ومتلاحقة، بل قد يكون فيها مفاجئات.
كانت المؤسسة قد أبقت مؤخرا سعر الفائدة على الريال دون تخفيض يجارى التخفيض على معدل الفائدة على الدولار، الذي أجراه بنك الاحتياط الأميركي. على نحو مغاير لما جرت عليه عادة مؤسسة النقد. ولاشك أن ارتباط عملتنا بالدولار جعل سياستنا النقدية مرهونة بظروف الاقتصاد الأمريكي وبالسياسة النقدية التي ينتهجها بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي. وإذا كان لهذه السياسة الاضطرارية ما يبررها في الماضي، فإن ظروف الحاضر اختلفت. وعلينا أن نعيد النظر مليا في مجمل سياستنا النقدية التي درجنا عليها في الماضي، نظرا للتغيرات المستمرة في ظروف الاقتصاد الأمريكي بشكل خاص والتحولات الاقتصادية على الساحة العالمية عموما.
لماذا خفض البنك المركزي الأمريكي الفائدة على الدولار؟
القاعدة العامة المعروفة فيما يتعلق بتوجهات السياسة النقدية هو رفع أسعار الفائدة في أوقات التضخم، وخفضها في أوقات الكساد. وعلى الرغم من وجود معدل تضخم بسيط في الاقتصاد الأمريكي، إلا أن شح السيولة لدى البنوك الأمريكية بسبب تفاقم مشكلة الرهن العقاري، والخوف من دخول الاقتصاد الأمريكي في فترة كساد، أجبر بنك الاحتياط الأمريكي على خفض سعر الفائدة في الأيام الماضية، لتعزيز فرص نمو الاقتصاد الأمريكي. ومع ذلك فقد حذر رئيس بنك الاحتياط الأمريكي السابق غرينسبان ( الذي شن هجوما قويا على سياسة بوش الاقتصادية) حذر في كتاب صدر له حديثا بعنوان :
" عصر الاضطراب: مغامرات في عالم جديد " ، من أنه إذا أرادت السلطات النقدية الأمريكية المحافظة على معدل تضخم في حدود 1 إلي 2 في المئة، فقد يتوجب عليها رفع الفائدة إلي أكثر من عشرة في المئة خلال السنوات القادمة. لكنه أقر بأنها نسبة فائدة عالية ستواجه حتما بمعارضة من الكونغرس والبيت الأبيض، ومن ثم فإنه يتوقع أن يصل معدل التضخم في الاقتصاد الأمريكي إلي ما بين 4 و 5 في المئة بحلول عام 2030 م. وهي في نظري سنوات طويلة تضعف من دقة هذا التنبؤ، لوجود عوامل كثيرة يمكن أن تتغير وتؤثر على صحة هذا التنبؤ.
ولماذا أبقت سلطاتنا النقدية الفائدة على الريال دون تخفيض على غير عادتها؟
وجدت سلطاتنا النقدية أن مجاراة السياسة النقدية الأمريكية الآن، قد يصب مزيدا من الزيت على نار التضخم المحلي. فقررت الإبقاء على سعر الفائدة على الريال دون تخفيض. لأن تخفيض الفائدة على الريال، سيشجع الأفراد والمؤسسات على الاقتراض أكثر، وهذا بدوره سيزيد من الطلب الكلي ويدفع الأسعار للارتفاع أكثر. أما الإبقاء على مستويات الفائدة على الريال على ما هي عليه، فإنه سيضمن على الأقل، عدم نمو الطلب على القروض الشخصية والتجارية، ومن ثم كبح نمو الطلب على السلع الاستهلاكية والاستثمارية.
وعلى الرغم من أن نمو السيولة النقدية في اقتصادنا كانت سببا قويا خلف التضخم المحلي كما أكد زميلنا الدكتور عبد الرحمن السلطان في مقالته الفذة يوم الاثنين الماضي، إلا أن تجميد الفائدة على الريال بدلا من خفضها سيكون له أثر على كبح نمو عرض النقود المشتقة من توليد الائتمان. وقد يبدو بناء على ذلك أن هذا كان قرارا مناسبا في المرحلة الراهنة، لكن ذيول المسألة أكثر تعقيدا من ذلك. وسيصبح السؤال الكبير الآن هو:
هل تستطيع مؤسسة النقد الإبقاء على سعر الفائدة على الريال أعلى من مستوى الفائدة على الدولار؟
في تصوري أنه سيصعب جدا على مؤسسة النقد الاستمرار في هذه السياسة إذا ظل الريال مرتبطا بالدولار.
فإبقاء الفائدة على الريال أعلى من الفائدة على الدولار سيزيد الطلب على الريال، وسيعمل على تدفق
السيولة الهائلة نحو اقتصادنا، وسيولد ضغوطا إضافية كبيرة لرفع سعر صرف الريال. وإزاء هذا الوضع، ستضطر مؤسسة النقد في يوم ما إما إلى :
- الاستجابة لضغوط السوق، ورفع سعر صرف الريال مقابل الدولار
- أو الاقتناع بفك ارتباط الريال بالدولار وربطه بسلة عملات
- أو الاستمرار في سياستها التقليدية، والتضحية بعلاج التضخم المحلي بدعوى أنه ما زال تحت السيطرة، والاستمرار في تثبيت سعر صرف الريال عند مستواه، لكنها ستضطر لتخفيض الفائدة على الريال لتكون أقل من الفائدة على الدولار، منعا لتدفق معاكس للسيولة على الاقتصاد المحلي.
إننا بحاجة لنظرة إستراتيجية جديدة تستشرف المستقبل بناء على مستجدات الحاضر. لأن ترددنا أو فشلنا في توقع المستقبل والاستعداد له، سيفاقم من مشاكل ارتباطنا بالدولار المتهاوي، وسيجعل ثمن العلاج أكثر كلفة وألما.
إن اقتصادنا أصبح بالفعل يدفع ثمن الارتباط بالدولار الضعيف. ولا يبدو مطلقا أن ضعف الدولار هو حالة مرحلية مؤقتة، بل أن جميع المؤشرات الاقتصادية تدل على أنه مرشح لمزيد من الضعف. وبحسب جريدة الفاينانشيال تايمز، هناك إجماع في دوائر المال العالمية على أن انخفاض الدولار مرشح للاستمرار، نظرا لعدم انتفاء أسباب هذا الانخفاض.
إذا كان لدى مخططي سياستنا النقدية أسبابا قوية للاستمرار في تثبيت سعر صرف الريال، فإن معالجة تدهور مستوى معيشة المواطنين والتصدي للتضخم المحلى بسياسات اقتصادية واضحة وقوية يغدو أكثر إلحاحا، وأمرا لا مفر منه.