ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب


مجلس الإسلام والحياة يهتم هذا القسم بجميع مايتعلق بديننا الحنيف

إضافة رد
قديم 08-08-2010, 02:13 PM
  #171
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

جزاك الله خيرا

دعواتك لأخيك بظهر الغيب
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-08-2010, 10:22 PM
  #172
الحوير
عضو مشارك
 الصورة الرمزية الحوير
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 101
الحوير is on a distinguished road
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

يعطيك العافية

ودي
الحوير غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-08-2010, 10:59 PM
  #173
الصارم البتار
عضو مشارك
 الصورة الرمزية الصارم البتار
تاريخ التسجيل: Sep 2006
المشاركات: 123
الصارم البتار is a jewel in the roughالصارم البتار is a jewel in the roughالصارم البتار is a jewel in the rough
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

جزاك الله خير
__________________
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك
الصارم البتار غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 13-08-2010, 05:24 AM
  #174
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

جزاكم الله خيرا على مروركم ودعواتكم

الحمد الله الذي أنعم علينا بالإيمان، وفرض علينا الصوم في رمضان، لنيل الرضا والرضوان، مِن الله الملك الديان، وتهذيباً للنفوس وصحة للأبدان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده، رب السماوات والأكوان، العزيز الغفار المنان، اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بعزك الذي لا يضام، واكلأنا بعنايتك في الليل والنهار في الصحارى والآكام، ونشهد ان لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن سيدنا وقائدنا وشفيعنا محمداً عبد الله ورسوله، إمام العادلين، وقدوة العاملين، وسيد المجاهدين، ، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن تبعهم واقتفى أثرهم وسار على دربهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد .. عباد الله .. مدرسة فتحت أبوابها هذه الأيام فها نحن التحقنا بها وكتب الله لنا الانضمام لهذه المدرسة التي لا يقبل فيها أحد بواسطة ولا تنفع فيها الواسطة؟
وسيكون التخرج منها إما مع الفائزين أو الخاسرين؟ .
إنها مدرسة رمضان .. مدرسة التقوى والقرآن .. وموسم الرحمة والغفران .. والعتق من النيران .
أيام معدودة وإستقبِلت الأمّة هذا الزائرَ المحبوب بفرحٍ غامِر ، وسرورٍ ظاهرٍ .
يا رَمَضان، إنّ يومَ إقبالك لهوَ يومٌ تتفتح له قلوبُنا وصدورُنا، وتمتليء فيه نفوسنا غبطةً وأمَلاً، نستبشر بعودةِ فضائِك الطاهر الذي تسبَح به أرواحُنا بعد جفافِها وركودِها، نستبشر بساعةِ صلحٍ مع الطاعاتِ بعدَ طول إعراضِنا وإباقنا، أعاننا الله على بِرِّك ورفدِك، فكم تاقت لك الأرواحُ وهفَت لشدوِ أذانِك الآذانُ وهمَت سحائبُك الندِيّة هتّانةً بالرّحمة والغفران .
عبادَ الله، مَن مِنَ المسلمين لا يعرِف فضلَ هذا الشهرِ وقدرَه، فهو سيِّد الشهور وخيرُها، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ، من صامه وقامه غفِر له ما تقدَّم من ذنبِه، فيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألفِ شهر، وقد ثبت في الصحيحَين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَن صام رمَضان إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلةَ القدر إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدَّم من ذنبه .
إن بلوغ رمضان نعمة عظيمة ، وفضل كبير من الله تعالى ، حتى إن العبد ببلوغ رمضان وصيامه وقيامه يسبق الشهداء في سبيل الله الذين لم يدركوا رمضان .
فعن طلحة بن عبيدالله أن رجلين من بلى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما جميعا فكان أحدهما أشدَ اجتهادا من الآخر ، فغزا المجتهد منهما فاستشهد ، ثم مكث الآخر بعده سنة ، ثم توفي ، قال طلحة: فرأيت في المنام بينما أنا عند باب الجنة ، إذا أنا بهما فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخر منهما ، ثم خرج فأذن للذي استشهد ، ثم رجع إلي فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد. فأصبح طلحة يحدث به الناس ، فعجبوا لذلك ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحدثوه الحديث ، فقال: من أي ذلك تعجبون؟ فقالوا: يا رسول الله ، هذا كان أشد الرجلين اجتهادا ثم استشهد ، ودخل هذا الآخر الجنة قبله!!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا: بلى . قال: وأدرك رمضان ، فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة ، قالوا: بلى . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بينهما أبعدُ مما بين السماء والأرض . رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
الله أكبر .. إنه رمضان شهرُ المرابح ، زائرٌ زاهر، وشهر عاطِر، فضلُه ظاهر، بالخيراتِ زاخر، فحُثّوا حزمَ جزمِكم، وأروا الله خيرًا مِن أنفسكم، فبالجدّ فاز من فاز، وبالعزم جازَ مَن جاز، واعلَموا أنّ من دام كسله خاب أمله، وتحقَّق فشله، تقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله يجتهِد في رمضانَ ما لا يجتهِد في غيره. أخرجه مسلم.
رمضان .. شهرُ القبول والسّعود ، والعتقِ والجود ، والترقّي والصّعود، فيا خسارة أهلِ الرّقود والصّدود، فعن أنس رضي الله عنه قال النبيّ : ((قال الله عزّ وجلّ: إذا تقرب العبد إلي شبرًا تقرّبت إليه ذِراعًا، وإذا تقرّب مني ذراعًا تقرّبت منه باعًا، وإذا أتاني مشيًا أتيته هرولة)) أخرجه البخاري .
هذا نسيم القَبول هبّ، هذا سيلُ الخير صَبّ، هذا باب الخير مفتوح لمن أحبّ، هذا الشّيطان كبّ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله قال: ((إذا جاء رمضانُ فتِّحت أبوابُ الجنة، وغلقت أبواب النّار، وصفِّدت الشياطين)) متّفق عليه، وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إذا كانت أوّلُ ليلة مِن رمضان صُفّدت الشياطين ومردة الجن، وغلِّقت أبوابُ النار فلم يفتَح منها باب، وفتِّحت أبواب الجنة فلم يُغلَق منها باب، ونادى منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغيَ الشرّ أقصِر، ولله عتقاء من النّار، وذلك كلَّ ليلة)) أخرجه ابن ماجه.
أيها الأحبة .. ها نحن في رمضان فكم قريب لنا فقدناه، وكم عزيز علينا دفنّاه، وكم حبيب لنا في اللحد أضجعناه.
فيا من ألِف الذنوبَ وأجرمَا، يا مَن غدا على زلاّته متندِّمَا، تُب فدونك المنى والمغنمَا، والله يحبّ أن يجود ويرحمَا، ويُنيلَ التّائبين فضلَه تكرُّمًا .
يا من أوردَ نفسَه مشارعَ البوَار، وأسامَها في مسارح الخَسار، وأقامَها في المعَاصي والأوزار، وجعلها على شَفا جُرفٍ هار، كم في كتابك من زَلل، كم في عملِك من خلَل، كم ضيّعتَ واجبًا وفرضًا، كم نقضتَ عهدًا محكمًا نقضًا، كم أتيتَ حرامًا صريحًا محضًا، فبادِر التّوبة ما دمتَ في زمن الإنظار، واستدرِك فائتًا قبل أن لا تُقال العِثار، وأقلِع عن الذنوب والأوزار، وأظهِر النّدم والاستغفار، فإنّ الله يبسُط يده بالنّهار ليتوبَ مسيء الليل، ويبسط يدَه باللّيل ليتوبَ مسيء النّهار.
يا أسيرَ المعاصي، يا سجينَ المخازي، هذا شهرٌ يُفَكّ فيه العاني، ويعتَق فيه الجاني، ويتجَاوَز عن العاصي، فبادِر الفرصَة، وحاذِر الفوتَة، ولا تكن ممّن أبى، وخرج رمضان ولم ينَل فيه الغفرانَ والمُنى، صعد رسول الله المنبَر فقال: ((آمينَ آمينَ آمين))، فقيل: يا رسول الله، إنّك صعدت المنبر فقلت: آمين آمين آمين!! فقال : ((إنّ جبريلَ عليه السلام أتاني فقال: مَن أدرك شهرَ رمضانَ فلم يُغفَر له فدخَل النار فأبعَده الله قل: آمين، قلت: آمين)) أخرجه ابن خزيمة وابن حبان .
يا من ضيع عمره في غير الطاعة، يا من فرط في دهره وأضاعه، يا من بضاعته التسويف والتفريط وبئست البضاعة .. هذا موسم تفتح فيه الجنان وتغلق فيه أبواب النيران.
عباد الله .. كم تتلى علينا آيات القرآن وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكم يتوالى علينا شهر رمضان وحالنا فيه كحال أهل الشقوة، لا الشاب هنا ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينزجر عن القبيح فليتحق بالصفوة.
أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة، إذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبهم جلوة، وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والبصائر؟! أما لنا فيهم أسوة؟!
حينَما يستقبِل المسلم موسمًا يرجو غنيمَتَه فإنّه يجب عليه ابتداءً تفقُّدُ نفسِه ومراجعةُ عملِه ، حتى لا يتلبَّس بشيءٍ من الحوائِلِ والموانِعِ التي تحول بينَه وبين قبولِ العمَل ، أو تُلحِق النقصَ فيه؛ إذ ما الفائِدة من تشميرٍ مهدورٍ أجرُه وعمَلٍ يرجَى ثوابه فيلحقُ وِزره؟! فعلى العبد الصائم أن يتفقه في دينِ الله ، ويجتنب الذنوبِ والمعاصي ومحبِطات الأعمال ، ويحرص على إعفافُ الجوارح .
قال ابن رجب رحمه الله: "واعلَم أنه لا يتِمّ التقربُ إلى الله بتركِ هذه الشهواتِ المباحَة أصلاً في غيرِ حالِ الصيام إلاَّ بعد التقرُّب إليه بتركِ ما حرّم الله في كلّ حالٍ كالكذب والظلمِ والعدوان على الناس في دمائِهم وأموالهم وأعراضهم". الخ كلامه رحمه الله .
وإذا كان الأمر كذلك ، فليحذر الصائم مما أعدّه أهلُ الانحلال ودعاةُ الفساد والضّلال، من برامج مضِلّة ، ومشاهدَ مخِلّة، قومٌ مفسدون لا يبَالون ذمًّا، ومضلون لا يخافون لَومًا، ومجرِمون لا يراعون فطرًا ولا صومًا ، عدوانًا وظلمًا، جرَّعوا الشباب مسمومَ الشّراب، وما زادوهم غيرَ تتبيب، وتدميرٍ وتخريب .
يا هؤلاء .. إن رمضان خيرُ الشّهور، فحذارِ حذار من انتهاكِ حرمتِه، وتدنيس شرفِه، وانتقاصِ مكانتِه، يقول رسول الهدى : ((من لم يَدَع قولَ الزّور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدعَ طعامَه وشرابه)) أخرجه البخاري.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .


الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واصلى واسلم على .
عباد الله .. هذا هو رمضانُ .. شهرُ تزكيةِ النفوس وتربيتِها ، أعظم القرُبات فيه : الصومُ الذي افترضه الله تعالى تحقيقًا للتّقوى .. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) .. والتّقوى حساسيّةٌ في الضمير ، وصَفاء في الشعورِ ، وشفافيّة في النفس ، ومراقبةٌ لله تعالى، فالصّوم ينمِّي الشعورَ بالمراقبة ، ويزكِّي النفس بالطاعة.
أمَّا ثواب الصائمين فذاك أمرٌ مردُّه إلى الكريم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ قال: ((قال الله عزّ وجلّ: كلُّ عمَلِ ابنِ آدم له إلاَّ الصّوم، فإنه لي وأنا أجزِي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يسخَب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتَله فليقُل: إني امرُؤ صائم. والذي نفس محمّد بيده، لخلوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله يومَ القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرِح بفطره، وإذا لقيَ ربَّه فرح بصومه)) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عندهما: ((يدع طعامَه وشرابه وشهوتَه من أجلي)) ، وفي صحيح مسلم أنّ النبيّ قال: ((ورمضانُ إلى رمضان مكفِّرات لما بينهنّ إذا اجتُنِبت الكبائر)).
فاتقوا الله عباد الله .. واحرصوا على النية الصالحة والعزم الجاد على الاجتهاد في طاعة الله في رمضان .. وحري بأفراد الأسرة ، والقرابة ، والجيران ، وزملاء المهنة ، أن يتواصوا بالحق ، ويتعاونوا على أعمال البر والتقوى في هذا الموسم المبارك ، أسأل الله تعالى أن يمن علينا ببلوغه ويحسن عملنا فيه .
وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية فقد أمركم الله بذلك فقال : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً )
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم..
اللهم أيقظنا من سبات الغفلات قبل الممات، اللهم كما هديتنا للإسلام فثبتنا عليه حتى نلقاك وأنت راض عنا غيرُ غضبان .
اللهم كما بلغتنا رمضان فأعنا على صيامه وقيامه وإتمامه، ووفقنا للقيام بحقك فيه وفي غيره، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك ، صوابًا على سنة نبيك
.
__________________


التعديل الأخير تم بواسطة المناضل السليماني ; 13-08-2010 الساعة 05:27 AM
المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 26-08-2010, 01:54 PM
  #175
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

النصر العظيم
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، الله اكبر الله كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله وبحمده بكرة واصيلا، لا إله إلا الله وحده انجز وعده نصر عبده وهزم الأحزاب وحده
اشهد ان لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله
أما بعد .. عباد الله ، ملحمة من ملاحم التاريخ ، وحادثة فرق الله بها بين الحق والباطل .
كانت هذه الملحمة قبلَ أكثرَ من ألفٍ وأربعِمائةِ سنة ، وفي شهر رمضان ، شهرِ الجهاد والفتوحات ، فبين الصيام والجهاد علاقة وثيقة ، وصلة عميقة، فالصيام مجاهدة للنفس والشهوات والشيطان ، والجهاد مغالبة لأعداء الرحمن .
بدأت الأحداث بعد مضي ليالٍ من رمضان في السنة الثانية بعد الهجرة ، حيث بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خبرُ قافلةٍ تجاريةٍ قادمةً من الشام إلى مكة، يقودها أبو سفيان وفيها أموال قريش، فندب صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يخرجوا لاعتراضها لعل الله يكتُبها لهم، ويعوضُهم بعض ما أخذت منهم قريش عندما هاجروا من مكة .
خرج رسول الله بنفسه في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار، وكانت راية المهاجرين مع مصعب بن عمير وعلي بن أبي طالب ، وراية الأنصار مع سعد بن معاذ ، ولم يكن معهم سوى سبعين بعيرًا وفرسين، فكان الرجلان والثلاثة يتناوبون على ركوب البعير الواحد بما فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعند أحمد بإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود قال: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، وكان أبو لبابة وعلي زميلَي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: فإذا كان عُقْبَة ـ يعني نوبة ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المشي قالا: اركب يا رسول الله حتى نمشي عنك، فيقول: ((ما أنتما بأقوى على المشي مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما)).
وبلغ أبا سفيان خروجُ المسلمين لملاقاة القافلة، فبعث رجلاً اسمه ضَمْضَم الغفاري إلى مكة يستصرخ قريشًا أن ينفروا لحماية تجارتهم، فنهضوا مسرعين، وخرجوا من ديارهم كما قال عز وجل: (بَطَرًا وَرِئَاء ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ).
ثم إن أبا سفيان انحرف إلى ساحل البحر فنجت القافلة، وكتب إلى قريش أن ارجعوا فإنما خرجتم لتحرِّزوا تجارتكم، فأتاهم خبرُه فهمّوا بالرجوع، فانبعث أشقاهم أبو جهل فقال: والله لا نرجع حتى نقدَمَ بدرًا فنقيمَ فيها ، نطعمُ من حضرنا، ونسقي الخمر، وتعزفُ علينا القِيَان، يعني المغنيات ، وتسمعُ بنا العرب، فلا تزال تهابنا أبدًا وتخافنا.
ولما بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خبرُ خروج قريش استشار أصحابه، فتكلم أبو بكر ثم عمر ثم المقداد فأحسنوا، ثم استشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس مرة أخرى ، فعلم الأنصار أن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما يعنيهم، فقال سعد بن معاذ: كأنك تُعرض بنا يا رسول الله، وكأنك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقًا عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم: فأمض بنا حيث شئت، وصِل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا منها ما شئت، وما أخذت منها كان أحبَ إلينا مما تركت، فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ البَرْك من غمدان ـ أقصى الجزيرة ـ لنسيرن معك، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ثم تكلم المقداد بمثل ذلك، فأشرق وجه الرسول بما سمع منهم وقال: ((سيروا وأبشروا، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، وإني قد رأيت مصارع القوم)).
وسار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى بدر ، حتى نزلوا في أدنى ماء من بدر ، فقال الحُبابُ: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: ((بل هو الرأي والحرب والمكيدة))، فقال الحُباب: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم منزلة، ونغوّر ما وراءه من الماء ، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال صلى الله عليه وسلم : ((لقد أشرت بالرأي)) ، وأخذ برأي الحباب .
وفي هذا الموقف درس في منهج الإسلام في الشورى والرأي، فما كان أمرًا لازماً من الله فلا مجال للتقدم عليه أو التأخر عنه، وإنما الواجب إزاءه التنفيذ والالتزام. وأما ما كان من باب الرأي وتدبير أمور الدنيا وتقدير المصلحة فهو باب الاجتهاد بالعقل والاستشارة في الرأي .
وبينما المسلمون في بدر إذ لاح لهم جيش قريش، وكانوا قرابة الألف مدججين بالسلاح ، معهم مائةُ فرس، وستمائةِ درع، وجمالٌ كثيرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها، تجادل وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني))، وقام ورفع يديه واستنصر ربه وبالغ في التضرع، ورفع يديه حتى سقط رداؤه وهو يقول: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تَهلِك هذه العصابةُ من أهل الإسلام لا تُعبَدْ في الأرض))، فالتزمه أبو بكر من ورائه وقال: حسبك مناشدتُك ربك يا رسول الله، أبشر، فوالذي نفسي بيده لينجزن الله ما وعدك.
ودنت ساعة الصفر ، وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يسوي الصفوف بقدح كان في يده ، فإذا بسواد بن غَزِيّة مائل عن الصف ، فطعن في بطنه بالقدح وقال: استوِ يا سواد ، فقال: يا رسول الله أوجعتني فقدني (يعني يريد القصاص)، فكشف صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: استقد ، فاعتنقه سواد وأخذ يقبل بطنه ، فقال صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا؟ قال: يا رسول الله ، قد حضر ما ترى ، فأردت أن يكون آخرُ العهد بك أن يمس جلدي جلدَك . فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم .
وقبل القتال ، خرج ثلاثة من خيرة فرسان قريش للمبارزة ، كلهم من أسرة واحدة ، عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة ، فخرج لهم عبد الله بن رواحة وعوف ومعوذ ابنا عفراء ، وكانوا من الأنصار فامتنع فرسان قريش من مبارزتهم ، فقال صلى الله عليه وسلم: قم يا عبيدة بن الحارث ، وقم يا حمزة وقم يا علي . فقتل حمزة شيبة ، وقتل علي الوليد ، واختلف عبيدة وعتبة حتى قطعت رجل عبيدة ، ثم حمل حمزة وعلي على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة معهم.
ثم بدأ القتال العام، وشرع النبي صلى الله عليه وسلم يحرض أصحابه على القتال فقال: ((قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض))، فقال عُميْر بن الحُمَام: يا رسول الله، أجنة عرضها السماوات والأرض؟! قال: ((نعم))، قال: بخ بخ، فقال رسول الله : ((ما يحملك على قولك: بخ بخ؟)) قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: ((فإنك من أهلها))، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: إن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلى أن يقتلني هؤلاء، فقذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل حتى قتل وهو يقول:
ركضًا إلى الله بغيـر زادِ إلا التُّقى وعَمَلُُ المَعَاِد
والصبرُ في الله على الجهاد وكلُّ زادٍ عُرضَةُ النفادِ
غيرُ التُّقى والبرِّ والرشادِ
هكذا كان أولئك الأبطال ينظرون إلى الحياة، فهي ممر لا مقر، وكل نعيمها زائل لا محالة، ولن يبقى ولن يدوم إلا نعيم الجنان .
واشتد القتال ، وحمي النزال ، وأزهقت النفوس ، وتطايرت الرؤوس ، وثبت الله المؤمنين ، وأمدهم بالملائكة منزَلين ومسوِّمين ومردِفين .
وأغفى النبي صلى الله عليه وسلم إغفاءة ، ثم رفع رأسه فقال: أبشر يا أبا بكر ، هذا جبريل على ثناياه النقع (أي الغبار) .
وكان رأس الرجل من الكفار يطير لا يدري من ضربه ، وكانت يده تطير لا يدري من ضربها .
وقاتل عُكّاشَةُ بن مِحْصَن يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جِذْلاً من حطب، فقال: ((قاتل بهذه يا عُكاشة))، فلما أخذه من رسول الله هزَّهُ فعاد سيفًا في يده طويل القامة، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين ، ولم يزل يقاتل بهذا السيف حتى قُتل في حروب الردة وهو عنده .
وأما قائد جيش الكفر أبو جهل ، فقد التفت حوله عصابة من المشركين ، وقالوا: أبو الحكم لا يُخلَص إليه . ولكن هيهات .
قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: إني لواقف يوم بدر، فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عماه، أتعرف أبا جهل؟ فقلت: نعم، وما حاجتك إليه؟! قال: أُخبرت أنه يسب رسول الله ، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي أيضا مثلها، فلم ألبث أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس، فقلت: ألا تريان، هذا صاحبكم الذي تسألاني عنه، فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه. ثم احتز رأسه ابن مسعود وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فكبر وحمد الله وقال: هذا فرعون هذه الأمة .
وانجلت المعركة عن نصر عظيم للمسلمين ، وانهزمت جموع الكفار وولت الدبر ، مصداقاً لقول الله: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) وقُتِل منهم سبعون ، معظمهم من صناديدِهم وأشرافِهم، وعلى رأسهم أبو جهل، وأُسِر منهم سبعون ، وفر الباقون يجرون أذيال الهزيمة إلى مكة ، واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا رضي الله عنهم.
منهم حارثة بن سُراقة ، كان قد رُمي بسهم وهو يشرب من الحوض، فأصاب نحره فمات، وقد ثبت في الصحيحين عن أنس أن أم حارثة قالت: يا رسول الله، أخبرني عن حارثة، فإن كان في الجنة صبرت ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه بالبكاء، فقال رسول الله : ((يا أم حارثة، إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى)) .
أيها الأحبة .. وفي هذه الغزوة العظيمة دروس كثيرة، أولها:
1) درس في فضل الجهاد في سبيل الله .
الجهاد ذروة سنام الدين ، وسبيل عز المؤمنين ، وهو أفضل عملٍ يتقرب به العبد لربه بعد الإيمان به ، ففي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال : ((الإيمان بالله ، والجهاد في سبيله)) .
إن منزلة الجهاد منزلة عظيمة لا يصل إليها إلاَ مَن عظمت الآخرة في نفسه ، وهانت الدنيا عنده، ورسخت محبة الله في سويداء قلبه، فعاش بالله ولله ومع الله .
بهذه العقيدة الصحيحة ربى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، فتسابقوا للجهاد، وواجهوا أعداء الله بثبات وإيمان، وحرصوا على الموت حرص غيرهم على الحياة، فنصر الله بهم الدين ، وجعلهم أحياءً في الدارين ، فهم أحياءٌ فوق الأرض بالعزةٍ والتمكين ، وهم أحياءٌ تحت الأرض عند ربهم يرزقون .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة عزّها في الجهاد، متى ما رفعت راية الجهاد كانت عاقبتها النصر والعزة والتمكين، ومتى ما استكانت ورضيت بالقعود وتركت الجهاد ضربت بالذلة، وتسلط عليها أعداؤها .
قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)). رواه أحمد وأبوداود عن ابن عمر وصححه الألباني.
وإذا عرفنا فضل الجهاد والاستشهاد .. فإن الجهاد لا بد له من إعداد واستعداد .
إن غزوة بدر لم تكن مقطوعة الصلة بما سبقها من تربية طويلة بمكة ثم بالمدينة ، حتى إذا قويت شوكة النبي صلى الله عليه وسلم وقوي عود أصحابه شرع الله لهم الجهاد .
ليس الجهاد بأعمال طائشة ، يقوم بها بعض المتهورين ، دون علم راسخ ، ونظر في المصالح والمفاسد .
ولهذا قرر أهل العلم أن الأمة متى ما ضعفت أو كانت المصلحة في ترك الجهاد فإن الأمة تؤخر الجهاد أعني جهاد الطلب ، ويبقى جهاد الدفع واجباً بقدر الاستطاعة إذا دهم العدو بلاد المسلمين .
2) في هذه الغزوة تجلت صور الحب الحقيقي لله ورسوله ، والاستجابة لله وللرسول، وبرزت صفحات من البطولة والتضحية .
كان الصحابة يتسابقون إلى ساحات الجهاد، ويتنافسون على القتال في سبيل الله ونيل الشهادة .
بل كان لصغار الصحابة نصيب من هذه البطولات ،
فهذا عمير بن أبي وقاص أخو سعد ، حضر غزوة بدر وعمره ستة عشر عاماً .. وكان قبل المعركة يتخفى عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يراه فيردَّه بسبب صغره .. وسرعان ما اكتشف هذا البطل الصغير .. فيؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فلما رآه صغيراً رده عن المشاركة في المعركة .. فتولى وهو يبكى .. فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بكاءه وإصراره أجازه ، فدخل المعركة ، فقاتل حتى قتل .. رضي الله عنهم أجمعين .
عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابدٍ دمعَه بالخد أجراه
وأسدغاب إذالاح الجهاد بهم هبواإلى الموت يستجدون لقياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه
3) درس في نصر الله تعالى لأوليائه . حيث استجاب الله دعاء رسوله وأصحابه، ونصر حزبه، وأنجز وعده ، مع وجود الفارق في العدد والعدة.
(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) ، لقد أراد الله سبحانه أن يعرف المسلمون على مدى التاريخ أن النصر سنةٌ من سنن الله، وهو سبحانه إنما ينصر من ينصره ، فليس النصر بالعدد والعدة فقط، وإنما هو بمقدار اتصال القلوب بقوة الله (وما النصر إلا من عند الله) .
ونحن اليوم قبل أن نقول: أين نصر الله؟ نقول: أين المسلمون؟
وما فتئ الزمان يدور حتى مضـى بالمجـد قوم آخرونَ
وآلَمني وآلـم كلَّ حـر سؤال الدهر: أين المسلمونَ؟
أين المسلمون ، واليهود يدنسون المسجد الأقصى وينتهكون الحرمات في الأرض المباركة؟! أين المسلمون وديار الإسلام تضيع الواحدة تلو الأخرى؟!.
لقد أصبح المسلمون اليوم مع كثرتهم غثاءً كغثاء السيل، كما أخبر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإذا أراد المسلمون نصر الله فلينصروا الله بالتمسك بدينه أولاً ، ثم بالأخذ بأسباب النصر من قوةٍ وعُدة ، (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
يا قدس مهما الليل طال *** فلن يدوم الاحتلال
الكفر ولّى لن يعود *** ولست في هذا مغال
الفجر آت لا محال *** والظلام إلى زوال
لاحت تباشير الصباح *** وجاء دورك يا بلال
4) ومن دروس هذه الغزوة ، أن رابطة الدين وعقيدة الولاء والبراء أعظم من كل العلاقات والقرابات والأنساب.
ها هو عبد الرحمن بن أبي بكر بعدما أسلم ، يقول لأبيه أبي بكر رضي الله عنه: لو رأيتني وأنا أُعرِض عنك في بدر حتى لا أقتلَك، فقال أبو بكر: أما إني لو رأيتك وقتئذٍ لقتلتك. ويقابل أبو عبيدة رضي الله عنه أباه في المعركة فيقتلَه. ويمر مصعب بن عمير بعد نهاية المعركة ورجل من الأنصار يأسِرُ أخاه أبا عزيز، فيقول مصعب: شدَّ وثاقه فإن أمَّه ذاتُ مال، فيقول أخوه: أهذه وصاتك بي؟! فيقول مصعب: هو ـ أي: الأنصاري ـ أخي دونك .
إنها صور فريدة ، تمثل التطبيق الواقعي لمبدأ الولاء والبراء، فالرابطة الحقيقة هي رابطة الدين والعقيدة، فلا نسبَ ولا صهر ، ولا أهلَ ولا قرابة ، ولا وطنَ ولا جنس ، ولا عصبةَ ولا قومية ، حين تقف هذه الوشائج دون ما أراد الله، وإنما الحب والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين . أولئك حزب الله ، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هو الغالبون .

الخطبة الثانية
الحمد لله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ، وصلى الله على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليماً كثيراً .
عباد الله .. أيام معدودة وتنسلخ العشرون الأُوَلُ من شهر رمضان، وتدخل العشر الأواخر منه، العشر المباركة ، التي هي أعظم أيام رمضان فضلاً ، وأرفعُها قدرًا ، وأكثرُها أجرًا، تصفو فيها الأوقات للذيذ المناجاة، وتسكب فيها العبرات بكاءً على السيئات، فكم فيها لله من عتيق من النار، وكم فيها من أسير للذنوب وصله الله بعد الجفاء، وكتب له السعادة بعد طول شقاء، إنها الفرصة التي إذا ضاعت فلن تنفع بعدها الحسرات، والأعمار بيد الله، (وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ) .
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنهما قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله .
فلا ينبغي لك أخي أن تفوت هذه الفرصة الثمينة على نفسك وأهلك . وما هي إلا ليالٍ معدودة لعلك تدرك فيها نفحةً من نفحات الرحمن ، تكون بها سعادتك في الدنيا والآخرة .
إنه لمن الحرمان العظيم والخسارة الكبيرة أن تجد فئاماً من المحرومين في هذه العشر، رجال دَأبهم سهر في الاستراحات ، ومشاهدة للمحرمات ، وتسكع في الطرقات، ونساء شغلهن التردد على الأسواق لحاجة وغير حاجة ، والانشغال بالتوافه من الأمور .
فاغتنموا عباد الله شريف الأوقات، وبادروا بالأعمال الصالحات ، واعملوا وأحسنوا وأبشروا، إن الله لا يضيع أجر المحسنين .
اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ...
__________________


التعديل الأخير تم بواسطة المناضل السليماني ; 26-08-2010 الساعة 04:58 PM
المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 30-09-2010, 07:24 AM
  #176
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

هذه الخطبة عن شيخ الاسلام ابو بكر الصديق رضي الله عنه وارضاه


الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا يسأل في المصيبة إلا هو، ولا يرجو المكروبون المضطرون المظلومون سواه، أحمده سبحانه، وأسأله أن يوفقنا إلى حمده حمد العارفين، وشكره شكر الصالحين، والرضا بقضائه رضا الأوابين المنيبين. وأصلي وأسلم صلاة وسلاما دائمين متلازمين على سيد الأولين والآخرين، وقائد الغر المحجلين، إمام المتقين وحبيب رب العالمين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل
عباد الله حديثنا في هذه الخطبة عن اعظم رجل عرفته الدنيا بعد الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم ورضي الله عنه وأرضاه الذي نال منه المبغضون اعداء الاسلام مانالوا لتشويه سمعته والتي هي والله انقى من مطر السماء سنعرفه بعد قليل

اخوة الاسلام إن التاريخ الإنساني لم يشهد رجالاً اشتدت بالله عزائمهم وصدقت لله نواياهم ولرضاه نذروا حياتهم، إنه لم يشهد كما شهد الرجال الأبطال صَحبَ رسول الله رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

نعم، فتحوا الفتوح في بضع سنين، وشادوا بالقرآن وكلماته نظاما جديدًا وعالمًا فريدًا، راع روعته الدنيا كلها من أقصاها إلى أدناها، كل هذا يدعونا دعوة مُلحة إلى أن نغوص في أعماق حياة أولئك الرجال، ونتمثل سيرهم وحياتهم التي صاغ الدين فضائلها وهذَّب بالقرآن سجاياها.

اقرؤوا التاريـخ إذ فيه العبر ضلّ قومٌ ليس يدرون الخبر

سائلوا التاريخ عنا كيف كنا نحن أسّسنا بناءً أحمديــا

وإن أمر هذه الأمة ـ يا رعاكم الله ـ لن يصلح إلا بما صلح به أولها، ما أحوجنا إلى دراسة السير والتاريخ لسلفنا الصالح، لنقدم رجالاته ونساءه للجيل الناشئ وللأمة كلها لتعلم تاريخها، ومن هم آباؤها وأجدادها، وعلى أكتاف من قام تاريخها ومجدها.

ما أحوجنا إلى ذلك في زمن قلت فيه القدوات التي تحتذى، بل لمَّعت أبواق الشرّ أعدادًا من المغنين والمغنيات والتافهين والتافهات، ليكونوا قدوات للشباب الصاعد والجيل الواعد.

أيها الإخوة، إننا اليوم أمام سيرة رجلٍ من هؤلاء الرجال، رجل حقٌّ للأمة أن تفاخر بسيرته الأمم، وأن تبز بحياته سائر متّبعي الملل، رجلٌ انتصر الإسلام بإسلامه، وأعز الله الدين بإيمانه، كاد عمود الدين أن يسقط فأقامه، يوم أن علّق قلبه بالله وجعله أمامه، إنه رجلٌ عظيم القدر، رفيع المنزلة، لكَمْ وكم جعل روحه فداء لرسول الله قولاً وفعلاً، إنه من نصر الرسول يوم خذله الناس، وآمن به يوم كفر به الناس، وصدّقه يوم كذبه الناس، إنه عبد الله بن عثمان بن عامر أفضل الصحابة، إنه أبو بكر الصديق ، ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على خير من أبي بكر، إنه أوّل من آمن من الرجال على الصحيح، إنه من لو وضع إيمان الأمة في كفة وإيمان أبي بكر في كفة لرجحت كفة أبي بكر، إنه الورِع الحييّ الحازم الرحيم، التاجر الكريم، لم يؤثر عنه أنه شرب خمرًا قط، ولم يؤثر عنه أنه سجد لصنم قط، ولم يؤثر عنه كذبٌ قط، دُعي إلى الإسلام فما كبا ولا نبا ولا تردد، وإنما بادر وما تلبّث ولا تلعثم، هو الصاحب في الهجرة والغار، ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ [التوبة:40]، وهو العتيق من النار، كلّ باب يغلق إلا بابه، يعلنها من على المنبر خطيبًا بها: ((إن من أمَنّ الناس على في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقى بابٌ في المسجد إلا باب أبي بكر))، مكافأته يوم القيامة يقولها : ((ما لأحد عندنا يدٌ إلا وكافيناه بها ما خلا أبا بكر، فإن له يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة)).

يقدم أبو بكر يوم القيامة وفي ميزان حسناته ستة من العشرة المبشرين بالجنة قد أسلموا على يديه.

يقدم أبو بكر يوم القيامة وفي كفة درجاته عشرون صحابيًا أعتقهم من ربقة العبودية بأربعين ألف دينار هي لله وفي الله.

يقدم الجمع يوم القيامة أبو بكر فيدعى من أبواب الجنة كلها، كما أثبت له ذلك رسول الله كما في الصحيحين.

عُذرًا رحمنى الله وإياكم، فإني أقف عاجزًا عن أن أوفيه حقه، أو أن أتكلم بفضائله التي طفحت بها كتب السنة.

عُذرًا فأنا أمام بحرٍ لا يدرك غوره، وكنزٍ لا تنفد دُرره، ولكنها مواقف ودُرر وصورٌ ذات عبر، نسلط الضوء عليها في حياة صديق الأمة، فيها الذكرى لمن تذكر والعبرة لمن اعتبر.

الموقف الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما اجتمع أصحاب النبي وكانوا قرابة تسع وثلاثين رجلاً ألحّ أبو بكر على رسول الله في الظهور وعدم الاختفاء، فقال : ((يا أبا بكر إنا قليل))، فلم يزل أبو بكر يلحّ حتى وافقه ، وكان رسول الله والمسلمون تفرقوا في نواحي المسجد، وقام أبو بكر خطيبًا في الناس، فكان أول خطيب دعا إلى الله ورسوله، فثار عليه المشركون، وثاروا على المسلمين معه، فضربوا أبا بكر ضربًا شديدًا، حتى أن عتبة دنا منه وجعل يضرب وجهه بنعلين مخصوفتين، ثم نزوا على بطن أبي بكر حتى ما يعرف وجهه من أنفه ، حتى جاء بنو تيم قوم أبي بكر وأجلوا عنه المشركين، ويحمل رضي الله عنه مغمى عليه إلى بيت أهله وقد سالت دماؤه، واشتكت أعضاؤه، ولم يفق من غشيته إلا آخر النهار، وأمه عند رأسه تبكي بيدها الطعام والماء، وتفتح عينا أبي بكر وهو يرى أمه وجراحه وآلامه، فأول ما قال: أماه ما فعل رسول الله ؟ فتغضب أمّه: والله ما أوقعك فيما أنت فيه إلا صاحبك، ما لي علم به، فيقول: أماه، اسألي لي عن خبره، فأرسلت إلى أم جميل فاطمة بنت الخطاب، فقدمت وبشرته بأنه سالم بحمد الله، فأقبلت عندها أمه بطعامها وشرابها عله يشرب أو يأكل، فقال: يا أماه، لله علي أن لا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى آتي رسول الله وأراه.

يا لله، أيُّ حبٍ هذا؟! هل سمع التاريخ مثله؟! فلتر الأمة كلَّها كيف الإيمان العظيم والحب الكبير لرسول الله ، ويحمل أبو بكر رجلاه تخطّ في الأرض إلى أن يدخل على النبي ، فما أن يراه رسول الله ويرى جراحه ودماءه إلا وينكبُّ عليه ويقبله، فينكب عليه المسلمون يقبلونه.

نُلام على محبتكم ويكفــي لنا شرفًا نلامُ وما علينا

إذا اشتبهت دموعٌ في خـدودٍ تبين من بكى ممن تباكى

فماذا يقول عندها أبو بكر لحبيبه وصفيه ؟ يقول له: بأبي أنت وأمي، ليس بي من بأس إلا ما ناله الفاسق من وجهي يا رسول الله، ثم قال: يا رسول الله، هذه أمي برّة بولدها وأنت مبارك فادع الله لها وادعها إلى الله أن يستنقذها من النار، فدعا لها ودعاها، فما أن رأت ذلك الحب وذاك المشهد إلا أن قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمدٌ رسول الله.

الله أكبر، همه الدعوة، همه هداية الناس، يريدُ برها، وأعظم البر أن يدعوها لدين الله، إنه أبو بكر لطالما اقترب المشركون من رسول الله يريدون أذيته فما يقف أمامهم إلا أبو بكر يدافع ويناضل عنه، إنها الشجاعة والبطولة، يعترف بها علي بن أبي طالب إذ قال يومًا: أخبروني بأشجع الناس، قالوا: أنت، قال: أما إني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه، ولكنه أبو بكر ، لقد رأيت رسول الله وقريش تشده وتجره، يقول علي: والله، ما دنا منا أحد إلا أبا بكر يجاهدهم ويقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله، ثم رفع علي عنه بردة كانت عليه وبكى حتى اخضلت لحيته ثم قال: أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون أفضل أم أبو بكر؟ فسكت القوم، فقال علي: والله، لساعة من أبي بكر خير منه، ذلك رجل يكتم إيمانه وهذا يعلن إيمانه. رواه البزار وأصل القصة في البخاري.

الموقف الثاني: من الذي له الشأن الأعلى والقدح المعلى في هجرة رسول الله إلا أبا بكر، يعرض الرسول الهجرة فيبكي فرحًا، يا لله أيبكى لأنه سيسير في موكب مهيب؟! لا وربي، بل موكب مطارد مهدر دمه، ولكنها الصحبة والمحبة، يدخل الغار قبله ويمشي عن يمينه وشماله، فداءٌ وتضحية، وإقدامٌ بلا إحجام، فاللهم ارض عنه وجازه عن الإسلام خير الجزاء، واحشرنا معه، وأقر أعيننا برؤياه في جنات النعيم.

أقول ما تسمعون...




الخطبة الثانية


الحمد لله رفع قدر أولي الأقدار، وأشكره على فضله المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الأطهار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القرار.

أما بعد: الموقف الثالث: جاء في صحيح البخاري عن أبي الدرداء قال: كنت جالسًا عند النبي إذ أقبل أبو بكرٍ آخذًا بطرف ثوبه، حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي : ((أما صاحبكم فقد غامر))، فسلَّم وقال: يا رسول الله، إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليَّ، فأقبلت إليك، فقال: ((يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثًا))، ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثمّ أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى النبي فجعل وجه النبي يتمعَّر، حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله, والله أنا كنت أظلم، مرتين، فقال النبي : ((إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟!)) مرتين، فما أوذي بعدها.

يا لله، إنه درسٌ عظيم في العفو والتسامح، إنه درس في صفاء القلوب، إنه درس في عظم منزلة الصديق عند رسول الله، وفي الحديث فوائد لمن استفاد، وذكرى لمن تذكر.

الوقفة الرابعة: في يوم عسير من أيام المسلمين، كادت فيه قاعدة الإسلام أن تموج، لكن رجل المواقف الصديق لها، ذاك يوم أن توفي رسول الله ، وهاج الناس وماجوا وتضاربت الأقوال، وأغلق باب النبي فلا يفتح حتى يأتي أبو بكر، ويأتي والناس ينتظرون، ويتيقن الخبر، ثم يخرج والعبرة تخالج حلقه، والدمعة بعدما رقأت من عينه، لكن يخرج ليقول كلمات الحق وإن كانت مُرّة، وإن كانت في أحب الناس إليه، لكنه دين الله ورضاه فوق كل الناس، ويصدع: (من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)، ويعز الله الدين وينصره ويثبته بأبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.

الموقف الخامس: وبعد وفاة رسول الله يأمر أبو بكر الصديق بإنفاذ جيش أسامة الذي عقد لواءه رسول الله في آخر حياته، وأمره أن يتجه إلى الشام لحرب الروم، فيأتيه الصحابة يراجعونه في ذلك لما رأوا ردة العرب، فيجيب أبو بكر بحزم وثبات: والله، لو علمت أن السباع تجرّ برجلي إنه لم أرده ما رددته، ولا حللت لواءً عقده رسول الله . ويأتيه عمر ويقول عن الأنصار: أمروني أن أبلغك لو وليت أمر الجيش من هو أقدم سنًا من أسامة حيث كان أسامة قريب الثمان عشرة سنة، فوثب أبو بكر وكان جالسًا وأخذ بلحية عمر وقال: ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب، استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه؟! وأمر بالجيش فجمع وأوصاهم بوصاياه العظيمة في الحرب، ويركب أسامة فرسه وأبو بكر تحت عنقها يمشي معه يودعه ويوصيه، فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله، والله لتركبن أو لأنزلن، قال: والله لا تنزل، ووالله لا أركب، وما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة. لله دره من حزم وثبات وشجاعة وإقدام.

ومثل هذا حرب المرتدين يوم أن فرقوا بين الصلاة والزكاة، والصحابة يراجعون أبا بكر، وعمر يأتيه ويقول: علام نقاتلهم؟! دعهم ما أقاموا الصلاة، وأبو بكر يرفض، ويجأر بأعلى صوته: لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة، ولو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه، ومضى جيش المسلمين لحرب المرتدين كما أراد أبو بكر، ويعود مظفرًا منصورًا، فما كان من عمر بعدها إلا أن قبّل رأس أبي بكر وقال: وجدتك ـ والله ـ أحسم مني وأمضى.

الموقف السادس: روي في السير عن عمر بن الخطاب قال: كنت أفتقد أبا بكر أيام خلافته ما بين فترة وأخرى، فلحقته يومًا فإذا هو بظاهر المدينة ـ خارجها ـ قد خرج متسللاً، فأدركته وقد دخل بيتًا حقيرًا في ضواحي المدينة، فمكثت هناك مدة، ثم خرج وعاد إلى المدينة، فقلت: لأدخلن هذا البيت، فدخلت فإذا امرأة عجوز عمياء وحولها صبية صغار، فقلت: يرحمك الله يا أمة الله من هذا الرجل الذي خرج منكم الآن؟ قالت: إنه ليتردّد علينا، ووالله إني لا أعرفه، فقلت: فما يفعل؟ فقالت: إنه يأتي إلينا فيكنس دارنا، ويطبخ عشاءنا، وينظف قدورنا، ويجلب لنا الماء، ثم يذهب، فبكى عمر حينذاك وقال: الله أكبر، والله لقد أتعبتَ من بعدك يا أبا بكر.

وتنتهي هذه الحياة الحافلة بالعطاء، ويمرض أبو بكر الصديق خمسة عشر يومًا، يثقل يومًا بعد يوم، ولما حضرته الوفاة إذ بالصدّيقة عائشة عند رأسه تبكي وتقول:

لعمروك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر

فيقول أبو بكر: لا تقولي هكذا يا بنية، ولكن قولي: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19]. ويموت ويدفن بجانب إمامه رسول الله ، وتأتي عائشة ابنته، فتقف على قبره والدموع في عينيها وتقول: نضّر الله وجهك يا أبتاه، وشكر لك صالح سعيك، فلقد كنت للدنيا مذلاً بإعراضك عنها، وللآخرة مغرًا بإقبالك عليها، ولئن كان أجلّ الحوادث بعد رسول الله رزءك وأعظم المصائب بعده فقدك إن كتاب الله ليعد بالعزاء عنك حسن العوض منك، فأنا أنتجز من الله موعده فيك بالصبر عليك، وأستعيضه منك بالدعاء لك، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون، وعليك السلام ورحمة الله، توديع غير قالية لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك
عباد الله صلوا وسلموا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه
الدعااااااااااااء
__________________


التعديل الأخير تم بواسطة المناضل السليماني ; 30-09-2010 الساعة 07:39 AM
المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 30-09-2010, 10:15 PM
  #177
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

هذه الخطبة عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها

الخطبة الاولى
الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره ، وأومن به وأتوكل عليه ، وأستهدي الله بالهدى ، وأعوذ به من الضلال والردى ، ومن الشك والعمى ، من يهد الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت ، يعز من يشاء ، ويذل من يشاء ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، إلى الناس كافة رحمة لهم وحجة عليهم ، والناس حينئذ على شر حال ، في ظلمات الجاهلية ؛ دينهم بدعة ، ودعوتهم فرية ، فأعز الله [ به الدين ] ، وألف بين قلوب المؤمنين ، فأصبحوا بنعمته إخوانا متحابين . صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
كما نعلم ان ابابكر الصديق كان كما قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((إِنَّهُ لَيسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ في نَفسِهِ وَمَالِهِ مِن أَبي بَكرِ بنِ أَبي قُحَافَةَ، وَلَو كُنتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلاً لاتَّخَذتُ أَبَا بَكرٍ خَلِيلاً، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسلامِ أَفضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوخَةٍ في هَذَا المَسجِدِ غَيرَ خَوخَةِ أَبي بَكرٍ))، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((مَا لأَحَدٍ عِندَنَا يَدٌ إِلاَّ وَقَد كَافَأنَاهُ مَا خَلا أَبَا بَكرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِندَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللهُ بها يَومَ القِيَامَةِ)

ثم تَوَّجَ أَبُو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَا بَذَلَهُ لِرَسُولِ اللهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ بِابنَتِهِ وَفَلَذَةِ كَبِدِهِ عَائِشَةَ، فَدَفَعَ بها إِلَيهِ وَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا؛ لِتَكُونَ امرَأَةَ إِمَامِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَلِتَصِيرَ زَوجَتَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، وَلِتُصبِحَ أُمًّا لِلمُؤمِنِينَ وَتَنضَمَّ إِلى بَيتِ النُّبُوَّةِ الكَرِيمِ، ذَلِكُمُ البَيتُ المُبَارَكُ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، المُمتَلِئُ عَفَافًا وَطَهَارَةً وَنَزَاهَةً، فَيَقُولُ اللهُ سُبحَانَهُ: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا، وَلِتَغدُوَ الصِّدِّيقَةُ بِنتُ الصِّدِّيقِ في مَكَانَةٍ لا تُوَازِيهَا فِيهَا امرَأَةٌ مِن نِسَاءِ الأُمَّةِ إِلاَّ أُمَّهَاتُ المُؤمِنِينَ الَّلاتي أَرَدنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، فَيَقُولُ سُبحَانَهُ عَنهُنَّ: يَا نِسَاءَ النَّبيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيتُنَّ، وَلِتَغدُوَ عَائِشَةُ بِنتُ أَبي بَكرٍ وَأَبُوهَا أَحَبَّ النَّاسِ إِلى رَسُولِ اللهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فَعَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَن أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيكَ؟ قَالَ: ((عَائِشَةُ))، قِيلَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: ((أَبُوهَا)).

أُمَّةَ الإِسلامِ، عَائِشَةُ بِنتُ أَبي بَكرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا وَعَن أَبِيهَا وَأَرضَاهُمَا- عَلَمٌ عَلَى رَأسِهِ نَارٌ، هِيَ بُشرَى جِبرِيلَ لِرَسُولِ اللهِ وَرُؤيَاهُ في مَنَامِهِ، وَهِيَ زَوجُهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، وَلم يَتَزَوَّجْ بِكرًا غَيرَهَا، وَهِيَ فُرقَانٌ بَينَ حَقٍّ وَبَاطِلٍ، وَفَيصَلٌ بَينَ مُؤمِنٍ مُحِبٍّ وَمُنَافِقٍ شَانِئٍ، عَابِدَةٌ زَاهِدَةٌ، خَطِيبَةٌ أَدِيبَةٌ، عَالِمَةٌ فَقِيهَةٌ، مُحَدِّثَةٌ فَصِيحَةٌ، طَاهِرَةٌ مُطَهَّرَةٌ، تَقِيَّةٌ نَقِيَّةٌ، أَقرَأَهَا الرُّوحُ الأَمِينُ السَّلامَ، وَنَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ في لِحَافِهَا وَثَوبِهَا، وَأَحَبَّهَا رَسُولُ اللهِ طُولَ حَيَاتِهِ، وَتُوُفِّيَ في بَيتِهَا وَفي يَومِهَا وَبَينَ سَحرِهَا وَنَحرِهَا، وَجَمَعَ اللهُ بَينَ رِيقِهَا وَرِيقِهِ عِندَ مَوتِهِ، بِكُلِّ ذَلِكَ صَحَّتِ الأَخبَارُ وَثَبَتَتِ الآثَارُ.

قَالَ : ((كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلم يَكمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَريَمُ بِنتُ عِمرَانَ وَآسِيَةُ امرَأَةُ فِرعَونَ، وَفَضلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ))، وَعَنهَا رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ : ((أُرِيتُكِ في المَنَامِ ثَلاثَ لَيَالٍ، يَجِيءُ بِكِ المَلَكُ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ فَقَالَ لي: هَذِهِ امرَأَتُكَ، فَكَشَفتُ عَن وَجهِكِ الثَّوبَ فَإِذَا أَنتِ هِيَ، فَقُلتُ: إِنْ يَكُن هَذَا مِن عِندِ اللهِ يُمضِهِ))، وَعَنهَا رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ جِبرِيلَ جَاءَ بِصُورَتِهَا في خِرقَةِ حَرِيرٍ خَضرَاءَ إِلى رَسُولِ اللهِ فَقَالَ: هَذِهِ زَوجَتُكَ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، وَعَنهَا رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللهِ : ((يَا عَائِشُ، هَذَا جِبرِيلُ يُقرِئُكِ السَّلامَ))، قَالَت: وَعَلَيهِ السَّلامُ وَرَحمَةُ اللهِ.

وَعَنهَا رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّونَ بِهَدَايَاهُم يَومَ عَائِشَةَ، يَبتَغُونَ بِذَلِكَ مَرضَاةَ رَسُولِ اللهِ ، وَقَالَت: إِنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللهِ كُنَّ حِزبَينِ: فَحِزبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَودَةُ، وَالحِزبُ الآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ ، فَكَلَّمَ حِزبُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلنَ لَهَا: كَلِّمِي رَسُولَ اللهِ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَيَقُولُ: مَن أَرَادَ أَن يُهدِيَ إِلى رَسُولِ اللهِ فَليُهدِهِ إِلَيهِ حَيثُ كَانَ. فَكَلَّمَتهُ فَقَالَ لَهَا: ((لا تُؤذِيني في عَائِشَةَ؛ فَإِنَّ الوَحيَ لم يَأتِني وَأَنَا في ثَوبِ امرَأَةٍ إِلاَّ عَائِشَةَ))، قَالَت: أَتُوبُ إِلى اللهِ مِن ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ. ثُمَّ إِنَّهُنَّ دَعَونَ فَاطِمَةَ فَأَرسَلنَ إِلى رَسُولِ اللهِ فَكَلَّمَتهُ فَقَالَ: ((يَا بُنَيَّةُ، أَلا تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟)) قَالَت: بَلَى، قَالَ: ((فَأَحِبِّي هَذِهِ)).

وَعَن أَبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: مَا أَشكَلَ عَلَينَا أَصحَابَ رَسُولِ اللهِ حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلنَا عَائِشَةَ إِلاَّ وَجَدنَا عِندَهَا مِنهُ عِلمًا.

وَعَنهَا رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: إِنَّ مِن نِعَمِ اللهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ تُوُفِّيَ في بَيتي وَفي يَومِي وَبَينَ سَحرِي وَنَحرِي، وَأَنَّ اللهَ جَمَعَ بَينَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِندَ مَوتِهِ، دَخَلَ عَلَيَّ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ أَبي بَكرٍ وَبِيَدِهِ سِوَاكٌ وَأَنَا مُسنِدَةٌ رَسُولَ اللهِ فَرَأَيتُهُ يَنظُرُ إِلَيهِ، وَعَرَفتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ فَقُلتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَتَنَاوَلتُهُ فَاشتَدَّ عَلَيهِ وَقُلتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَلَيَّنتُهُ فَأَمَرَّهُ، وَبَينَ يَدَيهِ رَكوَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدخِلُ يَدَيهِ في المَاءِ فَيَمسَحُ بهمَا وَجهَهُ وَيَقُولُ: ((لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، إِنَّ لِلمَوتِ سَكَرَاتٍ))، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: ((في الرَّفِيقِ الأَعلَى))، حَتَّى قُبِضَ وَمَالَت يَدُهُ. وَعَنهَا رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: مَاتَ النَّبيُّ بَينَ حَاقِنَتي وَذَاقِنَتي.

هَذِهِ هِيَ أُمُّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةُ، الصِّدِّيقَةُ بِنتُ الصِّدِّيقِ، نَشَأَت مُنذُ نُعُومَةِ أَظفَارِهَا في بَيتِ إِسلامٍ وَصَلاحٍ، لم تَعرِفْ جَاهِلِيَّةً وَلا ضَلالاً، وَلم تُجَرِّبْ غِوَايَةً وَلا سَفَاهَةً، قَالَت رَضِيَ اللهُ عَنهَا: لم أَعقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ.

إِنَّهَا المَرأَةُ الَّتي عَاشَت في قَلبِ رَسُولِ اللهِ قَبلَ أَن يَبنيَ بها بِبِشَارَةِ اللهِ لَهُ، ثُمَّ دَخَلَ بها بَعدَ أَن هَاجَرَ إِلى المَدِينَةِ وَنَصرَهُ اللهُ في غَزوَةِ بَدرٍ الكُبرَى، تَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا: تَزَوَّجَنيَ رَسُولُ اللهِ في شَوَّالٍ، وَبَنَى بي في شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ أَحظَى عِندَهُ مِنِّي؟!

ثُمَّ إِنَّهَا رَضِيَ اللهُ عَنهَا عَاشَت مَعَهُ حَيَاتَهُ وَهِيَ الشَّابَّةُ الصَّغِيرَةُ الحَدِيثَةُ السِّنِّ المَحَبَّةُ لِلَّعِبِ، فَكَانَ مِن حُبِّهِ إِيَّاهَا يُسَرِّبُ إِلَيهَا صَوَاحِبَهَا يُلاعِبْنَهَا، وَمَكَّنَهَا مِن أَن تَضَعَ رَأسَهَا عَلَى كَتِفِهِ الشَّرِيفِ وَخَدُّهَا عَلَى خَدِّهِ مُستَتِرَةً بِهِ لِتَنظُرَ إِلى الأَحبَاشِ وَهُم يَلعَبُونَ بِحِرَابِهِم في المَسجِدِ، وَكَانَ مِن حُبِّهَا أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ مُحَادَثَتَهَا إِذَا سَافَرَ، وَسَابَقَهَا مَرَّةً فَسَبَقتُهُ، ثُمَّ سَابَقَهَا أُخرَى فَسَبَقَهَا، وَبَلَغَ مِن حُبِّهِ إِيَّاهَا أَن كَانَ يُدَلِّلُهَا فَيَقُولُ : ((يَا عَائِشُ)) و ((يَا مُوَفَّقَةُ)) و ((يَا بِنتَ الصِّدِّيقِ))،

وَإِذَا غَارَت زَوجَاتُهُ مِنهَا قَالَ : ((إِنَّهَا بِنتُ أَبي بَكرٍ))، بَل بَلَغَ مِن حُبِّهِ إِيَّاهَا أَن جَعَلَ يَعلَمُ بما يَدُورُ في خَاطِرِهَا تُجَاهَهُ، فَعَنهَا رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ : ((إِنِّي لأَعلَمُ إِذَا كُنتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنتِ عَلَيَّ غَضبَى))، قَالَت: فَقُلتُ: مِن أَينَ تَعرِفُ ذَلِكَ؟! فَقَالَ: ((أَمَّا إِذَا كُنتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنتِ عَلَيَّ غَضبَى قُلتِ: لا وَرَبِّ إِبرَاهِيمَ))، قَالَت: قُلتُ: أَجَلْ، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَهجُرُ إِلاَّ اسمَكَ.

وَكَانَ يُدَاعِبُهَا فَيَتَعَمَّدُ شُربَ المَاءِ مِنَ المَوضِعِ الَّذِي تَشرَبُ مِنهُ وَالأَكلَ ممَّا تَأكُلُ مِنهُ، فَعَنهَا رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ يُعطِيني العَرْقَ فَأَتَعَرَّقُهُ، ثُمَّ يَأخُذُهُ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوضِعِ فِيَّ، وَيُعطِيني الإِنَاءَ فَأَشرَبُ، ثُمَّ يَأخُذُهُ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوضِعِ فِيَّ. حَتَّى إِذَا مَرِضَ استَأذَنَ نِسَاءَهُ في أَن يُمَرَّضَ في بَيتِهَا فَأَذِنَّ لَهُ، ثُمَّ مَاتَ في حِجرِهَا وَهُوَ رَاضٍ عَنهَا، بَل وَدُفِنَ وَصَاحِبَاهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا في بَيتِهَا.

وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ بَقِيَتِ الصِّدِّيقَةُ بَعدَهُ مَنَارَةَ عِلمٍ وَمَوئِلَ فِقهٍ، فَأَفتَتِ المُسلِمِينَ في عَهدِ عُمَرَ وَعُثمَانَ، وَجَلَسَت لِلتَّحدِيثِ فَرَوَى عَنهَا كِبَارُ التَّابِعِينَ، وَكَانَ مَسرُوقٌ إِذَا حَدَّثَ عَنهَا قَالَ: حَدَّثَتني الصِّدِّيقَةُ بِنتُ الصِّدِّيقِ حَبِيبَةُ حَبِيبِ اللهِ المُبَرَّأَةُ فَلَم أُكَذِّبْهَا.

فَرَضِيَ اللهُ عَن عَائِشَةَ وَأَرضَاهَا، وَرَضِيَ عَن أَبيهَا وَأَرضَاهُ، وَحَشَرَنَا في زُمَرَتِهِمَا مَعَ مُحَمَّدٍ وَالَّذِينَ أَنعَمَ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. ذَلِكَ الفَضلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا.



الخطبة الثانية
الحمد الله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أفضل رسله وخاتم أنبيائه محمد الصادق الأمين ، المبعوث إلى الأحمر والأسود أجمعين ، وعلى آله وصحبه حملة لواء الدين ، وعلى من تبعهم بإحسان من الأئمة والهداة والدعاة والأتقياء والصالحين ، وعلى كل من سلك سبيلهم إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيرا .

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ مَا كَانَ سُبحَانَهُ لِيَختَارَ لِرَسُولِهِ وَخَيرِ خَلقِهِ إِلاَّ خَيرَ الزَّوجَاتِ، مِن أَفضَلِ النِّسَاءِ دِينًا وَخُلُقًا وَأَكمَلِهِنَّ عَقلاً وَعِلمًا، غَيرَ أَنَّ مِن حِكمَتِهِ سُبحَانَهُ أَن جَعَلَ أَشَدَّ النَّاسِ بَلاءً الأَنبِيَاءَ ثُمَّ الأَكمَلَ فَالأَكمَلَ، فَكَانَ أَنِ ابتَلَى نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وَصَاحِبَهُ أَبَا بَكرٍ الصِّدِّيقَ وَزَوجَهُ الصِّدِّيقَةَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا بِأَن تَنَاوَلَت أَلسِنَةُ المُنَافِقِينَ النَّجِسَةُ عِرضَهَا الشَّرِيفَ، فَقَذَفُوهَا وَاتَّهَمُوهَا بما تَرتَجِفُ الأَفئِدَةُ مِن أَن تَتَّهِمَ بِهِ امرَأَةً مِن سَائِرِ النِّسَاءِ، فَكَيفَ بِزَوجِ رَسُولِ اللهِ المُحصَنَةِ المُؤمِنَةِ العَفِيفَةِ؟!

وَكَانَ أَن حَدَثَت قِصَّةُ الإِفكِ الَّتي تَوَلَّى كِبرَهَا رَأسُ المُنَافِقِينَ عَبدُ اللهِ بنُ أُبيِّ بنِ أَبي سَلُولٍ، وَوَلَغَ فِيهَا مَن وَلَغَ مِنَ المُنَافِقِينَ أَو ممَّن ضَعُفُوا مِن غَيرِهِم، إِلاَّ أَنَّ اللهَ تَعَالى لم يَترُكْ حَبِيبَةَ رَسُولِهِ دُونَ أَن يُبَرِّئَهَا، فَأَنزَلَ سُبحَانَهُ بَرَاءَتَهَا في آيَاتٍ كَرِيمَاتٍ في سُورَةِ النُّورِ، آيَاتٍ تُزَكِّيهَا وَتُطَهِّرُهَا، وَتَرفَعُ الدَّنَسَ عَنهَا وَعَن بَيتِ النُّبُوَّةِ، لِيُؤَكِّدَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَيَقُولُ: ((أَبشِرِي يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللهُ فَقَد بَرَّأَكِ))،

وَلِيَبقَى قَولُهُ سُبحَانَهُ: إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفكِ عُصبَةٌ مِنكُم لا تَحسَبُوهُ شَرًّا لَكُم بَل هُوَ خَيرٌ لَكُم لِكُلِّ امرِئٍ مِنهُم مَا اكتَسَبَ مِنَ الإِثمِ وَالَّذِي تَوَلىَّ كِبرَهُ مِنهُم لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ، لِيَبقَى هَذَا القَولُ الكَرِيمُ نِبرَاسًا لِكُلِّ مُؤمِنٍ أَحَبَّ اللهَ وَرَسُولَهُ، لِيَعلَمَ أَنَّهُ مَهمَا تَكَلَّمَ المُنَافِقُونَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا في عِرضِ هَذِهِ الطَّاهِرَةِ المُطَهَّرَةِ المَصُونَةِ فَإِنَّ في ثَنَايَا ذَلِكَ مِنَ الخَيرِ لِلمُؤمِنِينَ مَا لا يَعلَمُونَهُ، وَمَا لا يَتَوَقَّعُهُ أُولَئِكَ الأَفَّاكُونَ الظَّلَمَةُ الحَاقِدُونَ، وَالَّذِينَ ابتَدَأَهُم ابنُ أُبَيٍّ وَشِرذِمَتُهُ الظَّالِمَةُ الحَاقِدَةُ،

وَمَا زَالَ الأَشرَارُ الأَنجَاسُ مِنَ الرَّافِضَةِ يُحيُونَ مَظلَمَتَهُ وَيُرَدِّدُونَهَا في كُتُبِهِم وَمَوَاقِعِهِم، وَيَفضَحُ اللهُ بها كُبَرَاءَهُم وَرُؤُوسَهُم، فَيَأبى مَا في نُفُوسِهِم مِن سُوءِ نِيَّةٍ وَفَسَادِ طَوِيَّةٍ إِلاَّ أَن يَطفَحَ عَلَى أَلسِنَتِهِم في مَحَافِلِهِم، لِيُعلِنُوا -شَاؤُوا أَم أَبَوا- كُفرَهُمُ البَاطِنَ بِبُغضِ أَهلِ بَيتِ رَسُولِ اللهِ، وَإِنِ ادَّعُوا ظَاهِرًا مَحَبَّتَهُم وتَقدِيسَهُم؛ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يُبَرِّئَانِ أُمَّ المُؤمِنِينَ مِنَ الفَاحِشَةِ، وَتُعلَنُ طَهَارَتُهَا في الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَيَأبى هَؤُلاءِ إِلاَّ رَدَّ كَلامِ اللهِ وَكَلامَ رَسُولِهِ، لِيَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحيَى مَن حَيِيَ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيم.

فَاللَّهُمَّ عَلَيكَ بِالرَّافِضَةِ وَمَن سَارَ سَيرَهُم أَو صَحَّحَ مُعتَقَدَهُم أَو تَقَرَّبَ إِلَيهِم، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسلامَ وَأَظهِرِ السُّنَّةَ وَانصُرْ أَهلَهَا، وَأَذِلَّ الشِّركَ وَاقمَعِ البِدعَةَ وَاخذُلِ المَفتُونِينَ بها...
__________________


التعديل الأخير تم بواسطة المناضل السليماني ; 30-09-2010 الساعة 10:25 PM
المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-10-2010, 07:40 AM
  #178
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

صحابة رسول الله والرد على الرافضة

الحمد لله مستحقِ الحمد بلا انقطاع، ومستوجبِ الشكر بأقصى ما يستطاع، الوهابُ المنان، الرحيم الرحمن، المدعو بكل لسان، المرجو للعفو والإحسان، الذي لا خير إلا منه، ولا فضل إلا من لدنه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الجميل العوائد، الجزيل الفوائد، أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، عالم الغيوب مفرّج الكروب، مجيب دعوة المضطر المكروب، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الوافي عهده، الصادق وعده، ذو الأخلاق الطاهرة، المؤيّد بالمعجزات الظاهرة، والبراهين الباهرة. صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وتابعيه وأحزابه، صلاة تشرق إشراق البدور.
أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، واعلموا أن تقوى الله خير زاد يدخر، وأرجى ثواب عمل ينتظر، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة: 197].
{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

معاشر المسلمين، إنهم خير جيل عرفتهم البشرية، إنهم الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا، إنهم السابقون الذين تمثلوا هذا الدين في أكمل صورَة، وطبقوا هدايته على نحو لا يتكرر أبدا، إنهم صحابة رسول الله ، مصابيح الدجى وشموس الهدى، سادة الأمة وعنوان مجدها، هم قدوة المؤمنين وخير عباد الله بعد الأنبياء والمرسلين، أغزر الناس علما، وأدقّهم فهما، وأصدقهم إيمانا، وأحسنهم عملا، بدمائهم وأموالهم وصل الإسلام إلى أطراف الأرض، وبجهادهم وتضحياتهم قام صرح الدين وانهدم شرك المشركين.
كانوا في الحياة أولياء، وبعد الممات أحياء، رحلوا إلى الآخرة قبل أن يصلوا إليها، وخرجوا من الدنيا وهم بعد فيها. آمنوا بالنبي حين كذبه قومه، ودافعوا عنه حين آذاه الناس، وآووه حين طرد من وطنه. قوم اختصهم الله بصحبة خليله وحبيبه، واصطفاهم ربهم بتبليغ رسالة نبيه ، أخلصوا دينهم لله، فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 146]. نقلوا القرآن والسنة، وهدوا العباد إلى السنة، فكانوا بذلك أهلا لرضوان الله ومحبته ورحمته وجنته، كانوا بذلك طليعة خير أمة أخرجت للناس، إنهم بحقٍّ جيل فريد في إيمانه وجهاده وعلمه وعمله وصدقه وإخلاصه، يعجز اللسان عن ذكر مآثرهم، ويكل القلم في تعداد فضائلهم.
إخوة الإيمان، إن معرفة قدر الصحابة وما لهم من شريف المنزلة وعظيم المرتبة من أولى المهمات المتعلقة بصلاح العقيدة واستقامة الدين، ولذا كان علماء الإسلام يؤكدون في كتب العقائد على مكانة الصحابة في الأمة، ويذكرون في ذلك فضلهم وفضائلهم وأثرهم وآثارهم، مع الدفاع عن أعراضهم وحماية حياضهم؛ إذ الدفاع عنهم دفاع عن رسول الله ، فهم بطانته وخاصته، ودفاعا أيضا عن الإسلام، فهم حملته ونقلته.
قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته: "ونحبّ أصحاب رسول الله ، ولا نفرّط في حب أحدٍ منهم، ولا نتبرّأ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان".
صحابة رسول الله تسوّروا العز والشرف وتبوَّؤوا الفخر والسّنا يوم أن زكاهم ربهم الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، تقلّدوا من ربهم ثناء عاطرًا ووسامًا خالدًا، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 42]. شهد لهم ربهم وكفى بالله شهيدا أنهم مؤمنون حقا: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال: 74]. كما شهد لهم ربهم بصلاح سرائرهم واستقامة ضمائرهم، فرضي عنهم وأرضاهم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: 18]. بل إن شرفهم وفضلهم قد سطر قبل مبعث محمد ، وصفهم ربهم بأكمل الصفات وأجمل السمات في التوراة والإنجيل: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّار [الفتح: 29]. هم أنصار خير البشر وخاتم الرسل، هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 62]. وفازوا بتوبة الله عليهم، لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ [التوبة: 117].
إخوة الإيمان، لم تشهد البشرية أبدا أن تآلف قوم فيما بينهم من غير نسب ولا مصاهرة ولا مرابطة دم وعن طواعية واختيار إلا في صحابة رسول الله ، ولم يظهر الإيثار والكرم في أمة من الأمم كما ظهر في صحابة رسول الله ، ولذلك استحقّوا الثناء العاطر من ربهم بقوله: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر: 9].
الصحابة كانوا في السلم معلمين مصلحين هداة عاملين، وصفهم رسول الله أنهم أمان لأمته، فقال : ((النجوم أمنة السماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد, وأنا أمنة لأصحابي, فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد)) أخرجه مسلم.
أما في الحروب والذود عن حياض الإسلام فقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في نصرة الدين والاستجابة لله وللرسول، يقول الله شاهدا على جهادهم وثباتهم: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 172، 173].
يخرج النبي ومعه أصحابه يريدون عيرا لقريش، فلم يفجأهم إلا قريش قد خرجت من مكة بكبرها وكبرائها وحدها وحديدها، والمسلمون على غير ميعاد واستعداد لهذا العدو، فقام رسول الله خطيبا في الناس فقال: ((أشيروا علي أيها الناس))، فقام الصديق فقال وأحسن القول، ثم قام الفاروق فقال وأحسن القول، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا أنا معكما مقاتلون، والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك دونه حتى تبلغه ـ وبرك الغماد موضع باليمن يبعد عن مكة بخمس ليال ـ والنبي ساكت يريد أن يسمع رأي الأنصار، فقام سعد بن معاذ فقال: والله، لكأنك تريدنا يا رسول الله، فقال النبي : ((أجل))، فقال سعد بن معاذ: قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض ـ يا رسول الله ـ لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء، ولعلّ الله إن يريَك منا ما تقرّ به عينك، فسِر على بركة الله، فسُرَّ رسول الله من كلام صحابته وثباتهم ونصرتهم.
عباد الله، وحينما نقلب دواوين السنة نجد محبّة النبي لصحابته ظاهرة جليّة، ولذا نهى عن سبهم وإيذائهم، وأخبر أن قدرهم لا يبلغه عمل عامل، روى البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين أن النبي قال: ((لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)). ولما رأى المصطفى تعب الصحابة وجهدهم في حفر الخندق واساهم بكلمات ملؤها المحبة والرحمة، فقال: ((اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فأصلح الأنصار والمهاجرة))، وقال عن أهل بدر: ((لعل الله اطلع عليهم فقال: اعملوا ما شئتم))، وقال عن أهل بيعة الرضوان: ((لا يدخل النار ـ إن شاء الله ـ من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها)).
وما مات رسول الله إلا وهو عنهم راض، فرضي الله عنهم أجمعين. لقد كانوا بحقّ جيلا صالحا لا يتكرر، ورجالا اجتمع فيهم من الفضل والخير ما لم يجتمع في غيرهم ولا بعدهم.
إخوة الإيمان، ولا تزال أمة محمد بخير ما عرفت للصحابة حقهم وحقوقهم، حقّ على أمة محمد إن رامت الصلاح والفلاح أن تلزم منهج صحابتها الكرام في الاعتقاد والسلوك والعمل، حقّ على الأمة أن تنشر فضائلهم وتسطر مناقبهم، وأن تربي الأجيال على سيرتهم، وأن تملأ القلوب محبة لهم. ومن حقهم أيضا الدفاع عن أعراضهم وصيانة أقدارهم والتحذير من شر الطاعنين فيهم اللامزين في عدالتهم.
ومن أصول عقائد السنة التأدب مع صحابة رسول الله، والاستغفار لهم، والترضي عنهم، وإمساك اللسان عما شجر بينهم من خصومة واقتتال، وأن فعلهم ذلك دائر بين الأجر والأجرين، فهم إما مجتهدون مصيبون فلهم أجران، وإما مجتهدون مخطئون فلهم أجر أيضا.
وهؤلاء المخطئون لهم من السوابق الحسان والمحاسن العظام ما يوجب رفعة درجاتهم وتكثير حسناتهم، والله عز وجل يغفر لهم إما بتوبة ماضية أو بمصائب مكفرة، ولا نقول إلا كما علمنا وأدبنا ربنا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم.



الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد إن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فيا عباد الله، وبعد الكلام عن الصحابة وفضلهم لا بد من الحديث عمّن ناصب صحابة رسول الله العداء واتهمهم في دينهم وطعن في مقاصدهم؛ لنعرف من خلال ذلك حقيقة هؤلاء الطاعنين ومكانتهم من الإسلام. لقد طمس الله على قلوب الرافضة، فلا هم يعرفوا للصحابة فضلا ولا هم يذكروا لهم شرفا، وإنما شرعوا عليهم سهام الحقد والعداء والفتك والافتراء، زعمت الرافضة أن الصحابة بعد رسول الله قد ارتدوا إلا نفرا يسيرا منهم، وأنهم ما أظهروا الإسلام إلا نفاقا؛ لأطماع دنيوية ومصالح ذاتية، وكتبهم مليئة بمئات الروايات الصريحة في تكفير الصحابة وشتمهم ولعنهم، بل جعلوا من الطعن فيهم ديانة زلفى يتقربون بها إلى ربهم تعالى، وصدق الله: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103، 104]. وحتى لا يكون الحديث جزافا ورجما بالتهم نستنطق كتب الرافضة عن حقيقة موقفهم من صحابة رسول الله ، وبالأخص الصديق والفاروق وأم المؤمنين عائشة رضي الله عن الجميع.
إخوة الإيمان، الصديق أول الصحابة إسلامًا، وأقرب الناس مودة من قلب رسول الله ، لم يتردّد في قبول دعوة الإسلام، وواسى رسول الله بنفسه وماله، أسلم على يديه صفوة الأصحاب، وأعتق بماله الكثير من الرقاب، بشره الرسول بالجنة، واختاره رفيقَ دربه في الهجرة، لم تحمل الغبراء ولم تظلّ السماء بعد الأنبياء رجلا أفضل منه.
ولكني أحب بكـل قلبي وأعلم أن ذاك من الصواب
رسول الله والصديق حبا به أرجو غدا حسن الثواب
فماذا عن كتب الرافضة وآياتها عن هذا الرجل العظيم الكريم؟! لقد سلقوه بألسنة حداد، لم يرقبوا فيه صدق الصحبة ولا مكانة القربة، اتهموه في إسلامه وأخلاقه وعرضه وأمانته.
وصفه نعمة الله الجزائري أحد كبار مراجعهم في كتابه "الأنوار النعمانية" بأنه رجل سوء. وصنف محمد بن الحسن العاملي الملقب عند الشيعة بالمحقق الثاني، صنف كتابا أسماه: "نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت"، وأراد بالجبت أبا بكر والطاغوت عمر، زعم في كتابه هذا أن أبا بكر كان عابدا للأوثان، وكان يصلي خلف النبي والصنم معلّق في عنقه يسجد له. وزعم البحراني في كتابه "البرهان" أن أبا بكر كان يفطر متعمدا في نهار رمضان، وأنه كان يشرب الخمر ويهجو رسول الله . وذكر الطوسي أحد كبار علمائهم أن أبا بكر مشكوك في إيمانه، وأنه لم يكن عارفا بالله تعالى قط. أما عظيم الرافضة محمد بن باقر المجلسي مفتي الدولة الصفوية فقد قال بعدم هدايته في كتابه "مرآة العقول"، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا.
وأما الفاروق فرق الله بإسلامه بين الحق والباطل، كان إسلامه عزا وولايته فتحا، جعل الله الحق على لسانه وقلبه، تهاوت في عهده ممالك الروم، وأطفأت جيوشه نار المجوس، كان عدله وزهده وخوفه من ربه مضرب المثل في تاريخ الأمة الإسلامية، فماذا كتبت الرافضة عن الفاروق؟!
لقد أبغضوه بغضا لا يوصف، رموه بكل شين ونقيصة، قال عنه المجلسي: "لا مجال لعاقل أن يشك في كفر عمر"، ثم لعن الفاروق ولعن كل من اعتبره مسلما، بل لعن كل من يكفّ عن لعنه. يقول المجلسي أيضا: "وعقيدتنا ـ أي: عقيدة الرافضة ـ أننا نتبرأ من الأصنام الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية، ومن النساء الأربع: عائشة وحفصة وهند وأم الحكم، ومن جميع أتباعهم وأشياعهم، وإنهم شرّ خلق الله على وجه الأرض". أما إمامهم في هذا العصر الهالك الخميني فقال عن عمر: "إن عمر آذى رسول الله في آخر حياته، فأثر ذلك على رسول الله، وكانت صدمة له عجلت برحيله عن هذا العالم، وإن هذا الإيذاء من جانب عمر إنما كان تعبيرا للكفر والزندقة التي يبطنها عمر بداخله".
بل إن الرافضة اعتبروا استشهاد عمر يوم عيد لهم وفرح عندهم، ويعتبرون قاتله أبا لؤلؤة المجوسي مسلما شجاعا، ويلقبونه بابا شُجاع الدين، وبنوا له في مدينة كاشَان الإيرانية ضريحًا عظيمًا زعموا أنه قبر أبي لؤلؤة المجوسي. وفي التاسع والعاشر والحادي عشر من ربيع الأول من كل سنة يحيون ذكرى أبي لؤلؤة المجوسي ويشدون الرحال إلى قبره. وألف أحد علمائهم كتابا سماه: "عقد الدرر في بقر بطن عمر"، ذكر فيه أشعارًا كثيرة قيلت فرحًا بمقتل عمر، بل إن الرافضة قالوا عن الفاروق كلام سوء يُستحيَى ـ والله ـ من قوله وتدنيس الأسماع بذكره.
وهنا سؤال هل الذين يزعمون محبة آل البيت يفرحون حينما ترملت أم كلثوم بنت علي بن ابي طالب زوجة عمر بن الخطاب وقتل زوجها هل هذا هو الحب لآل بيت رسول الله أم هو التستر بهذا المسمى ليهدمون الدين بإسم محبة آل البيت
أيها المسلمون، عائشة رضي الله عنها هي أم المؤمنين بنصّ القرآن، حازت على قصب السبق إلى قلب رسول الله من بين سائر أزواجه، برأها الله من فوق سبع سماوات، ولم يتزوّج النبي بكرا غيرها، وقبض رسول الله ورأسه بين سحرها ونحرها، وقبر في بيتها؛ لأنها كانت من أحب الناس إليه، فهل يحب الشيعة عائشة وينزلونها المنزلة التي أنزلها الله وأنزلها رسول الله عليه الصلاة والسلام؟!
لقد آذى الرافضة رسول الله في أهله كما آذاه المنافقون حيا في عرضه، يزعم أحد كبار علمائهم أن عائشة هي المعنية بقوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا [النحل: 92]. وذكر القمي أشهر مفسريهم عند قوله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا [التحريم: 10]، فقال: "والله، ما عنى بقوله: فَخَانَتَاهُمَا إلا عائشة". ووصف الرافضة أم المؤمنين بأم الشرور والشيطان، وأنها تسافر مع الرجال، وأنها كانت تكذب على رسول الله ، بل اتهموها ـ والعياذ بالله ـ بالزنا، ونسبوا إليها أقوالا في غاية الخسة والدناءة.
إن الروافض شر من وطئ الحصـى من كل إنس ناطق أو جـان
مدحـوا النبيَّ وخوّنـوا أصحـابه ورموهم بالظلـم والعـدوان
حبـوا قرابتـه وسبّـوا صحبـه جدلان عنـد الله منتقضـان
عباد الله، هذه بعض مواقف الرافضة مع هؤلاء الثلاثة، وشيء من أقوالهم، وكتبهم مسودّة بمثل هذه الشنائع وأعظم؛ ولذا فإن التحذير من الرافضة وأقوالهم من أولى الواجبات؛ لأنهم دعاة هدم الإسلام وتشويهٍ لصورة رعيله الأول. قال الإمام احمد رحمه الله: "إذا رأيت أحدا يذكر أصحاب رسول الله بسوء فاتهمه على الإسلام".
أيها المسلمون، ويزعم الرافضة اليوم أو بعضهم أنهم لا يسبون الصحابة، ونحن ـ والله ـ نتمنى أن يكونوا صادقين في دعواهم، لكن لسان الحال والواقع يكذب دعواهم، فلا زال الرافضة يحيون المذهب الإمامي وينشرون تراثه، ويطبعون كتبهم القديمة المليئة بالكفر والزندقة، لا زال معاصروهم ينقلون من هذا التراث الأسود، لا زال بعض آياتهم كالخميني والخوئي وغيرهم يعلنون السباب واللعن للصحابة. "دُعاء صَنمي قريش" طبع في إيران والهند قبل سنوات. لا زال علماؤهم المعاصرون يدبجون أنواع المدح والثناء للكليني والقمي والمجلسي والعاملي وغيرهم الذين أعلنوا كفرهم صراحة بتكفير الصحابة ولعنهم.
إن كان الرافضة صادقين في دعواهم فليتبرؤوا من علمائهم الذين لعنوا الصحابة وكفروهم، وليقولوها صراحة: إن غالب روايات كتبهم في المذهب فيها كذب واختلاق. أما أن يعيدوا طباعة كتب علمائهم القديمة وينشروها ويمجدوا مؤلفيها فهذا لا نجد له إلا تفسيرا واحدا، هذا التفسير هو من صُلب عقيدتهم وأساس دينهم، إنها التقيَّة التي اعتبروها تسعة أعشار الدين، ولا دين لمن لا تقية له.
ولذا لا يمكن أن نتقارب معهم أو نتعايش معهم سلميّا حتى يكفوا عنا قَيأَهم وسبَّهم لصحابة رسول الله ، ويتبرّؤوا صراحة من أئمتهم وآياتهم.
لا تركنـن إلى الروافـض إنّهـم شتموا الصحابة دونَما برهان
لعنوا كمـا بَغَضُوا صحـابة أحمد وودادُهم فرضٌ على الإنسان
حب الصحابـة والقرابـة سنـة ألقـى بهـا ربي إذا أحيـاني
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد...
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-10-2010, 07:45 AM
  #179
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

تم الحذف لتكراره لما قبله
__________________


التعديل الأخير تم بواسطة المناضل السليماني ; 14-10-2010 الساعة 08:47 AM
المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 14-10-2010, 08:49 AM
  #180
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

هذه الخطبة بعنوان إلا من أتى الله بقلب سليم

الخطبة الأولى
الحمد لله الملِك الحقِّ المبين، عالمِ الغيب والشهادة هو الرّحمن الرحيم، أحمد ربي سبحانه وأشكره على فضلِه العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، المعبود في السماء والمعبود في الأرضِ وهو الحكيم العليم، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: عباد الله، فإن الشيطان لما طُرد من الجنة امتلأ غِلاً وبُغضًا لآدم وذريته، وأخذ عهدًا على نفسه بإغوائهم وإشقائهم. ومِن أعظم وسائله في ذلك زرعُ الغلِّ والبغضاء في النفوس، وقد كان ذلك أوَّل ذنب عُصي الله تعالى به في الأرض، وأدّى إلى قتل ابن آدم الأوّل لأخيه.
واليومَ ومع تسارُع إيقاع الحياة وشدَّة تنافس الناس في أمور الدنيا شاع هذا المرضُ القلبيّ وانتشر، وأرهق أصحابَه، وكدّر معيشتهم، وأساء علاقاتِ الناس بعضهم ببعض. قلَّما ترى اليوم رجلاً وقد سلِم قلبه من الغلِّ والبغضاء. ومن مظاهر ذلك التقاطعُ والتهاجر والكراهية بين الناس والسخريةُ والحطُّ من أقدار الآخرين، وفي حين أن الناسَ يهتمّون بطهارة ظاهرهم وثيابهم وهيئاتهم، فإنّ القليل منهم من يهتمّ بطهارة قلبه وسلامته.
عباد الله، لقد امتدح الله أقوامًا بأنهم يدعونه تعالى أن يطهِّر قلوبهم ويسلِّمها من البغضاء والشحناء فقال: وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإيمَـٰنِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ [الحشر:10]. وأخبر سبحانه أنه لا نجاةَ يوم القيامة إلا لمن سلِم قلبه، وسلامةُ القلب تقتضي طهارتُه من الغلِّ والشحناء والبغضاء، يقول جل من قائل: يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88، 89]. كما أنه سبحانه أتمَّ النعمة على أهل الجنة بأن نزعَ ما في قلوبهم من الغلّ وجعلهم إخوانًا، ذلك أن الغلَّ يُشقي صاحبه ويتعذَّب به، يقول سبحانه عن أهل الجنة: وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ [الحجر:47]. وبيَّن سبحانه أنّ من مقتضيات التقوى حصولَ ذلك الصلاح في ذات البين وطهارة القلوب وسلامتها، فقال سبحانه: فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ [الأنفال:1].
معاشر المؤمنين، إنَّ سنةَ النبي عامرةٌ بالنصوص المؤكِّدة على أهمية طهارةِ القلوب وسلامتها من الغلِّ والشحناء والبغضاء، يُسأل عليه الصلاة والسلام: أيُّ الناس أفضل؟ فيقول: ((كلّ مخموم القلب صدوق اللسان))، فيقال له: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ فيقول : ((هو التّقي النقي، لا إثم ولا بغي ولا غلَّ ولا حسد)) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، ويقول : ((لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا)) متفق عليه، بل إنه يقول: ((لا تدخُلوا الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا)) رواه مسلم، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((ألا أخبركم بأفضلَ من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟)) قالوا: بلى، قال: ((إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين)) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
أيها المؤمنون، إن في سيرة النبي من المواقف العظام المؤكِّدة على هذا الأصل الكبير، أصلِ سلامة القلوب وطهارتها من الغلّ والشحناء، فمن أعظم المواقف قولُه حين استأذنه ملكُ الجبال أن يُطبق الأخشبين ـ وهما جبلان عظيمان يحيطان بمكة ـ على أهلها حين كذّبوه ، وحين ناصبوه العدَاء، فقال وقد سلِم قلبه وامتلأ بالطهارة وانعدم منه الغلّ والشحناء: ((بل أرجو الله أن يخرجَ من أصلابهم من يعبدُ الله وحده)) متفق عليه، وقال في موقفٍ آخر: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)) رواه مسلم، وقد ذكر الطبراني بإسناد صحيح قصةَ هذا الحديث الذي وقع في أعقاب إيذاءٍ عظيم حصل للنبي ، وحين دخل عليه الصلاة والسلام مكةَ فاتحًا لها وصارت تحت قبضته عليه الصلاة والسلام قال لأهلها الذين ناصبوه العداء واتهموه في عقله فقالوا عنه: مجنون، واتهموه في عدالته فقالوا عنه: كاذب، وآذوه في نفسه وفي أصحابه، قال لهم حينئذ: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء))، وقال في موقفٍ آخر ينمّ عن مدى طهارة قلبه وسلامته من الغلّ والشحناء وعدم إرادته تكدُّرَ نفسه بشيء من ذلك: ((لا يُبلِغني أحدٌ عن أحد من أصحابي شيئًا، فإني أحبّ أن أخرج إليكم وأنا سليمُ الصدر)) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.
أيها المؤمنون، ولقد فقه الصحابةُ هذا الأمرَ العظيم، فإذا بهم يحرصون على تنقية قلوبهم وسلامتها، وحين قال ذاتَ يوم لأصحابه: ((يطلع عليكم الآن رجلٌ من أَهل الجنة))، فطلع رجل تنطف لحيته ماءً من أثر الوضوء، فتبعه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فبات عنده ثلاث ليالٍ، فلم يرَ عنده كثيرَ صلاة ولا صيام، فسأله الخبر، فقال له: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه. رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح. بل إنه عليه الصلاة والسلام قال لصاحبه وخليفته وأفضل المؤمنين أبي بكر رضي الله عنه ذات يوم: ((يا أبا بكر، لعلَّك أغضبتهم ـ يعني أصحابه من أهل الصفة ـ، لئن كنتَ أغضبتَهم لقد أغضبتَ ربَّك))، فأتاهم أبو بكر رضي الله عنه فقال: يا إخوتاه، أأغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفرُ الله لك يا أُخَيّ. رواه مسلم.
وقصةٌ أخرى لأبي دجانة رضي الله عنه الذي تذكّر شيئًا من أرجى أعماله في لحظاته الأخيرة فقال: كنتُ لا أتكلّم فيما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليمًا. لم يتذكر موقفه العظيم في يوم أحد حينَ أخذ السيف بحقِّه، فجالد به المشركين، لكنه تذكّر سلامة قلبه وطهارتَه لإخوانه المسلمين. وحين قال رجلٌ لعمرو بن العاص رضي الله عنه: والله، لأتفرّغنَّ لك، قال له كلمة تنمّ عن حكمة عظيمة: إذا تقَعُ في الشُّغل. فإنّ من أشغَلَ قلبه بالآخرين غِلاً وحسَدًا وقع في الهمّ والبلاء، وأشغل نفسه ووقته بما لا يعنيه وما لا طائلَ له من ورائه.
عباد الله، إن سلفنا الصالحَ قد راعَوا هذا الأمر واهتموا به أشدَّ الاهتمام، هذا إمام السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وقد أوذي وسجن وعذِّب عذابًا شديدًا، لكنه بعد تلك المحنة يصفَح عن كلِّ من أساء إليه إبَّان سجنه فيقول لأحدهم: "أنت في حلٍّ، وكل من ذكرني في حلّ، إلا مبتدع، وقد جعلت أبا إسحاق في حلّ ـ يعني المعتصم أمير المؤمنين ـ رأيتُ الله يقول: وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ [النور:22]، وما ينفعك أن يعذَّب أخوك المسلم بسببك؟". وله موقفٌ آخر رحمه الله حين قيل له: نكتُب عن محمد بن منصور الطوسي؟ قال: "إذا لم تكتب عنه فعمّن يكون ذلك؟!" قالها مرارًا، فقيل له: إنه يتكلّم فيك، قال: "رجل صالح، ابتلي فينا فما نعمل؟!" فلم يمنعه كونُ الرجل يتكلّم فيه من تزكيته؛ لأن قلبه قد سلم من الغلّ والبغضاء والشحناء.
وموقفٌ آخر للإمام الشافعي رحمه الله بعدَ أن ناظره يونس الصّدفي، فلما لقيه بعد ذلك أخذ بيده وقال له: "يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكونَ إخوانًا وإن لم نتّفق في مسألة؟!" وهذا ما حمل الصدفي على القول: "ما رأيت أعقل من الشافعي".
أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد كان له موقفٌ من أعدائه وخصومه، حيث صفح عنهم وعفَا قائلاً: "لا أحبّ أن يُنتَصَر من أحد بسبب كذبه عليّ أو ظلمه وعدوانه، فإني قد أحللتُ كلَّ مسلم، والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي"، وذكر تلميذه ابن القيم أنه ما رأى أحدًا أجمع لخصالِ الصفح والعفو وسلامة الصدر من ابن تيمية، وأن أحد تلاميذه بشّره بموتِ أكبر أعدائه الذين آذوه، فنهره ابن تيمية وغضب عليه واسترجع وقام من فوره، فعزّى أهل الميت، وقال لهم: "إني لكم مكانَه".
فأين هذه المواقف ـ عباد الله ـ من قلوب مُلِئت غلاً وبُغضًا؟! إنك لتجد الرجلين في مجلسٍ واحد وما بينهما أحدٌ، لكن في قلب كلِّ منهما مثل الجبل العظيم من الغلّ والحسد والبغضاء على الآخر، وإنك لتجد الجارين ليس بينهما إلا جدار واحدٌ لا يطيق أحدهم الآخر، فضلاً عما يحصل من السخرية والاستهزاء والهمز واللمز والتنابز بالألقاب والغيبة في المجالس.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْرًا مّنْهُمْ وَلاَ نِسَاء مّن نّسَاء عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَـٰبِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ [الحجرات:11].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون من القول، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.




الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا وإمامنا وقدوتنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا.
أما بعد: عباد الله، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله لنا وللذين من قبلنا: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّـٰكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ [النساء:131].
أيها المؤمنون، ما هي أسباب الغلّ والشحناء؟ وما هي الآثار التي تنتُج عنه على الأفراد والمجتمعات؟ وما هي وسائل العلاج التي يُتَّقى بها هذا المرض القلبي الخطير؟ أسئلة ثلاثة هي من الأهمية بمكان.
أما أسباب هذه الظاهرة:
فأولها: تحريش الشيطان بين المؤمنين، فقد قال الله سبحانه: وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء:53]، وقد قال : ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم)). وقد نال من خلال هذا المسلك كثيرًا من مُراده ومبتغاه حين أكلس له كثير من الناس عنانهم، فانساقوا خلفَ هذا المرض القلبي.
ومن الأسباب الغضب، فإن الإنسان إذا عجز عن إخراج غضبه رجع إلى باطنه فصار حقدًا وغلاً، ولذلك أوصى النبي ذلك الرجلَ بأن لا يغضب، فردد مرارًا فأوصاه بهذه الوصية العظيمة.
من الأسباب كذلك الحسد، وقد قال : ((دَبّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء)). والحسدُ هو تمنّي زوال النعمة عن الآخرين، وهو مرضٌ من أخطر أمراض القلوب.
ومن أسباب التشاحن والغلّ بين الناس الهوى والجدال والتعصّب للرأي، حين يتعصّب كلُّ أحد لرأيه، ويجادل عنه جدالاً مذمومًا، ويتقاصر عن ذلك في سبيل أن يؤدّي إلى نصرة ما أراده من هواه ورغباته الشخصية، فإنه حينئذ سوف يحمل الحقد والشحناءَ والبغضاء على من خالفه في رأيه؛ لأن الوصولَ إلى الحق لم يكن الدافع في هذا النقاش الذي دار بينهما.
ومن الأسباب كذلك ـ عباد الله ـ التنافسُ على الدنيا وحطامها، فإنها ترهِق أصحابها المتنافسين في طلبها، وتحصُل العداوات بسببها، وقد قال ذاتَ يوم لأصحابه: ((إذا فُتحت عليكم فارس والروم أيّ قوم أنتم؟)) قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله، قال : ((أو غير ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون)) رواه مسلم.
ومن الأسباب كذلك النجوى وكثرة المزَاحُ، وقد أخبر الله سبحانه أن النجوى من الشيطان، والنجوى أن يتحادث اثنان دون الثالث وليس في المجلس سواهم، فهذا مما يوغر الصدور، ويحرّش بين الناس، كما جاء في حديث النبي .
أيها المسلمون، ما هي الآثار التي تترتّب على الغلّ والشحناء؟
إن من أهمها التفرق والضعف والهوان، وقد بين لنا ربنا ذلك في قوله: وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46].
ومن آثارها تأخيرُ مغفرة الذنوب، وقد قال : ((تعرض الأعمال كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك به شيئًا، إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أَنظروا هذين حتى يصطلحا)) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
من الآثار الوعيدُ بسوء الخاتمة في حقّ من كان قلبُه يحمل الغلَّ والحسدَ والبغضاء على إخوانه، وقد قال : ((لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجره فوق ثلاث فمات دخل النار)) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
ومن الآثار كذلك ما يقع في القلب من الأذى والهمّ والغمّ والعذاب الذي يتلظّى به صاحبُ الشحناء والبغضاء، ولذلك كان من نعيم أهل الجنة أن نزع الله من صدورهم الغل.
عباد الله، من الآثار الغيبةُ والنميمةُ وتتبُّع الزلات والهمز واللمز، فقلّما تجد من يحمل في قلبه شحناءَ على مسلم إلا وسعى في كل مجلسٍ إلى عيْبه وهمزه ولمزه وتنقُّصه، بل وقوع في الكذب في كثير من الأحيان وفي الظلم وتجاوز الحدّ وغفلةٍ عن عيوب النفس وأخطائها.
إخوتي الكرام، أما كيفية سلامة الصدور وعلاجها من هذا الداء فإن أعظم ذلك إخلاصُ العمل لله عز وجل، بأن يكون المقصد هو وجهه سبحانه، وقد جاء في الصحيح عنه : ((ثلاث لا يغلّ عليهن قلب مسلم: إخلاصُ العمل، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم)) رواه الإمام أحمد.
ومن العلاج كذلك ملازمةُ الدعاء وسؤال الله عز وجل أن يطهِّر القلبَ من هذا المرض، يقول سبحانه مبينًا حال المؤمنين الممتَدَحين: وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ [الحشر:10]، وقد جاء في دعائه : ((واسْلُل سخيمةَ قلبي))، وقال سبحانه: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ [فصلت:36].
ومن العلاج حُسنُ الظن بالأخ المسلم، وإعذار المخطئ من الناس، فإن المسلمَ حين يحمل إخوانه على مبدأ حسن الظن ويعذرهم إذا أخطؤوا فإن قلبه يبقى سالمًا له من الغلّ والشحناء.
ومن العلاج كذلك صيامُ ثلاثة أيام من كلّ شهر، فقد قال : ((ألا أخبركم بما يذهب وحرَ الصدر؟! صوم ثلاثة أيام من كل شهر)) رواه النسائي.
ومن العلاج الهديةُ وإفشاء السلام، وقد جاء في الحديث: ((تهادَوا تحابّوا))، وقوله : ((أفشوا السلام بينكم)).
والصدقة كذلك والكلمة الطيبة من العلاج لهذا المرض، يقول سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]، ويقول سبحانه: وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ .
إخوتي الكرام، صلوا وسلموا بعد ذلك على الهادي البشير والسراج المنير، فقد أمركم الله بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى فيه بملائكته المسبّحة بقدسه، وثلث بكم أيها الموحدون من جنه وإنسه، فقال قولاً كريمًا: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء...
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أذكار, أدعية, خطب, خطبة الجمعة, صلاة الجمعة, إسلاميات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من يوقف هدردماءاهل السنه يامسلمين في ايران المجوسيه الرافضية الصفوية ؟؟ ابومحمدالقحطاني فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 10 29-04-2015 06:44 PM
إبن سبأ اليهودي مؤسس الديانة الشيعية ابو عائشة الطائي فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 2 20-12-2009 10:31 PM
غزوات حدثت في شهر الانتصارات في رمضان المناضل السليماني مجلس الإسلام والحياة 5 30-08-2009 06:27 AM
أرقـــــــام وإيمـــيــلاتــ الدكـــتـــور جــــــــابـــــر القحطاني وبعض الوصفاتـــ سعيد الجهيمي عالم الصحه والغذاء 12 20-03-2008 12:02 PM
فتاوى السحر والمس والعين مفرغا من شريط للعلامة ابن باز : اعداد بعض طلبة العلم ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 26-05-2007 01:52 PM


الساعة الآن 11:58 PM

سناب المشاهير