عالم لا يتعلم من أزماته 1/12: هوس زهرة التيوليب


المال والأعمال مال ، اعمال ، اسهم ، إدارة ، وظائف , عقار،بيع وشراء ,Forex Currency Trading,Forex Market

إضافة رد
قديم 12-06-2010, 01:57 AM
  #1
خالد العاصمي
مشرف مجلس التربية والتعليم
 الصورة الرمزية خالد العاصمي
تاريخ التسجيل: Jul 2006
الدولة: نجد
المشاركات: 8,288
خالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond repute
افتراضي عالم لا يتعلم من أزماته 1/12: هوس زهرة التيوليب

بواسطة د.محمد إبراهيم السقا بتاريخ 7 يونيو 2010

متى يتعلم الناس في العالم من الأزمات العديدة التي مرت بهم أو عليهم؟ متى يتجنب الناس إلحاح الرغبة في المضاربة على الصعود اللانهائي للأسعار تحت ضغط حلم تحقيق الثراء السريع والانضمام إلى نادي الأثرياء؟ مدفوعين بالقصص التي تروى ليل نهار عن أثرياء البورصة، وأثرياء الأراضي والعقارات، وأثرياء السلع… الخ. إنها قائمة لا نهائية من الآمال التي يحلم بها الأشخاص المهووسين بالمضاربة على كل شيء وفي كل وقت وبأي ثمن.

الأزمات التي مرت على العالم تصل بنا إلى خلاصة هامة وهي أن هناك قاعدة شبه ثابتة تقريبا وهي، أنه “لا يوجد هناك شيء قابل للصعود إلى ما لانهاية”، وأنه مهما طال الأمد فإن هناك سقفا تبلغه الأسعار في لحظة ما عندما يتكون ما يمكن أن نطلق عليه “الكتلة الحرجة من المضاربة” التي تدفع بالأسعار نحو الصعود، وهو ما اصطلح على تسميته بـ “فقاعة الأسعار Buble” التي ما إن تتكون مدفوعة بعزم المضاربة، فان ضغوط ارتفاع الأسعار تستمر داخل الفقاعة حتى تصل إلى المستوى الحرج ومن ثم تنفجر. الغريب في الموضوع أن القصة نفسها، هي هي، تتكرر في كل أزمة مرت على العالم، ويبدو أن الناس في هذا العالم تمتلك ذاكرة قصيرة جدا، فسرعان ما ينسى الجميع ما حدث في الأزمة الماضية، ويعيدون المحاولة مرة أخرى، ربما بدافع الاقتناع بأن الظروف هذه المرة مختلفة، أو أن الأوضاع ليست كما هي في الأزمة السابقة، أو أن الإرباح شبه مضمونة هذه المرة، أو أن المضاربين لم يحضروا الأزمة الماضية.. إلى آخر الأسباب التي تدفع الناس نحو الجحيم، “جحيم المضاربة” الذي يبدو أنه مرضا نفسيا تتزايد أعداد المصابين من زمن إلى آخر.

عندما ندرس الأزمات المالية التي مرت على العالم نجد أنه في كل مرة يواجه فيها العالم أزمة تتكرر التطورات الآتية بصورة أو بأخرى:
1. تصاعد التوقعات بارتفاع أسعار الأصول المالية أو الحقيقية أو السلع.
2. انتشار حمى المضاربة بين قطاع كبير من المتعاملين في سوق الأصول أو السلع.
3. انتشار حمى الطمع في الثراء السريع استنادا إلى تدفقات المعلومات حول معدلات الارتفاع في الأسعار.
4. الاعتقاد باستمرار ارتفاع الأسعار هكذا والى الأبد بدون أي سقف يحدها.
5. حدوث سلسلة فجائية من الاتجاهات المعاكسة التي تعمل بشكل سريع تؤدي إلى انعكاس التوقعات في فترة قصيرة جدا لا تمكن معظم المتعاملين من اتخاذ أي إجراء يحول دون تدنية خسائرهم التي يمكن أن تترتب على هذه التطورات.
6. الهبوط المدمر للأسعار، أو انتشار الأزمة.

في هذه السلسلة من الحلقات أتناول بالتحليل وبشكل مختصر الأزمات التي مرت على العالم حتى الأزمة الحالية، وسوف أبدأ بهوس زهرة التيوليب Tulip باعتبارها أغرب الأزمات المسجلة لتي مرت على الإنسان. هوس زهرة التيوليب، أو التيوليبمانيا Tulipmania، أصبح من العبارات شائعة الاستخدام حاليا للتعبير عن الحالة التي تتكون فيها فقاعة للأسعار والتي تحدث عندما يتجاوز السعر السوقي للأصل أو السلعة ألقيمه الحقيقية بشكل واضح، ليتكون نتيجة لذلك فقاعة سعرية تكون قابلة للانفجار في أي لحظة لاحقا. ووفقا لتاريخ الأزمات التي مرت بالعالم، يعد الهوس ببصيلات زهرة التيوليب والذي بلغ أقصاه في فبراير 1637 أول حالة مسجلة للفقاعات السعرية في العصر الحديث.

لا أدري من أين أبدا فالقصص المثيرة والمتاحة لدينا عن الفقاعة كثيرة ومتنوعة لدرجة أنه قد يصعب أن نتأكد من صحتها أو أن نجزم بحدوثها لأن بعضها قد لا يصدق على الإطلاق، على سبيل المثال وفقا لبعض الروايات بيعت 12 هكتارا من الأرض في مقابل بصيلة واحدة من التيوليب تسمى سمبر أوجستس Semper Augustus. كذلك يقال بأنه في عام 1636 كان يتم تبادل الزهرة التي لم تر من قبل بعربة يجرها حصانين، ثم تطورت الأمور على نحو أسوأ، لدرجة أن إن أسعار الزهور أخذت في الارتفاع حتى قبل أن تظهر على النبات بعد، وفي كتاب له عن تاريخ الأزمات المالية في العالم يذكر جيليبرث ان زهرة واحدة من نوع سمبر أوجستس، كانت تباع بحوالي 3000 فلورين هولندي، أو ما يزيد عن 50000 دولار بأسعار اليوم، المثير في القصة هو أن هذه الأزمة لم تحدث بسبب المضاربة في أسواق الأسهم أو في سوق العقارات، أو في أسواق السلع مثل الذهب أو النفط، وإنما للغرابة الشديدة بسبب المضاربة على “بصيلات التيوليب”، أنها بالفعل تظل أغرب الأصول التي تمت المضاربة عليها على الإطلاق.

جلبت بصيلات زهرة التيوليب إلى أوروبا في القرن السادس عشر، واستغرق الأمر حوالي قرن من الزمان لبدء عملية المضاربة عليها، وقد ازداد تقدير الزهرة بشكل خاص بين السكان في هولندا، وكلما ازداد جمال الزهرة وازدادت ندرتها، كلما ارتفع سعرها، حتى أنه في عام 1630 بدأت الأسعار السوقية للزهرة في الارتفاع بشكل غير مسبوق، وكلما انتشرت المعلومات حول اتجاهات أسعار بصيلات التيوليب كلما ازداد الطلب عليها إلى حد أنه يشاع أن كل من كان يقيم في هولندا في ذلك الوقت أقدم على المضاربة على أسعار هذه الزهرة تقريبا، ونظرا لانتشار الهوس بالزهرة تم إنشاء أماكن متخصصة في تبادل التيوليب في بورصات تبادل الأسهم في أمستردام وروتردام وهارلم، وغيرها من أنحاء هولندا، وأخذت المضاربة على الزهرة في التزايد، وحقق العديد من الاشخاض ثروات استثنائية نتيجة لذلك.

اعتقد المضاربون في أسواق تبادل بصيلات التيوليب أن عشق الناس للزهرة سوف يستمر إلى الأبد، وأن الأغنياء في كافة أنحاء أوروبا سوف يستمرون في إرسال أموالهم للحصول على الزهرة وبأي سعر، بحيث انتشرت حمى زهرة التيوليب بين كافة الطوائف تقريبا، أي بين النبلاء والأغنياء، والمزارعين، والبحارة، وحتى الخدم.

وقد قام الناس على اختلاف طوائفهم بتحويل ممتلكاتهم إلى نقود سائلة لأغراض الاستثمار في الزهرة، وكلما ارتفعت الأسعار كلما ازداد الإقبال على عرض المنازل والأراضي ومختلف الممتلكات للبيع بأسعار زهيدة بهدف الحصول على الأموال اللازمة للمضارة على الزهرة، أو تم رهن الممتلكات لتمويل صفقات التيوليب. انتشرت أيضا أخبار هوس زهرة التيوليب في هولندا إلى الخارج حيث انتشرت حمى التيوليب هناك أيضا، ومن ثم بدأت الأموال تتدفق من الخارج إلى هولندا بحثا عن الثراء السريع من المضاربة على الزهرة. مع تراكم الثروات، مقاسة بمخزون بصيلات التيوليب، بدأ التضخم في هولندا في الانتشار حيث ارتفعت أسعار كل شيء تقريبا، وهو نتيجة غير مستغربة لحالة الرواج إلى خلقتها عمليات المضاربة على الزهرة.

شهد عام 1637 بدء التحول في سوق التيوليب، وكما انتشرت المضاربة على الزهرة بسرعة جنونية انطفأت الأسعار أيضا بنفس السرعة، وعلى نفس نمط ما حدث في كافة الأزمات التي مر بها العالم لاحقا انتشرت حمى البيع بسرعة ومن ثم هوت الأسعار وانهارت معها الثروات، وتحول الأثرياء الذين اغرموا بالتيوليب إلى شحاذين في الشوارع، حيث تعرض كل من اشترى الزهرة، بصفة خاصة بكميات كبيرة للإفلاس. ففي فبراير 1637 لم يعد متداولو البصيلات يجدون العروض المناسبة لشراءها، وبدأت الشكوك في أن الطلب على بصيلات التيوليب سوف يختفي وهو ما ولد ذعرا كبيرا بين البائعين، ومن ثم بدأت حمى البيع التي تسببت في انفجار الفقاعةً، وتحولت عقود بيع البصيلات التي كانت تساوي ثروات هائلة إلى عقود لا تساوي شيئا. حدث انهيار مالي عظيم طال كل من اشترك في المضاربة على الزهرة هؤلاء الذين كانوا يسارعون نحو عقد الصفقات على نطاق واسع، بصفة خاصة للضغط على أسعار الزهرة نحو الارتفاع، تحولوا بنفس السهولة نحو الإفلاس، وانتهت حمى التيوليب في هولندا، لكنها بالفعل كانت البداية الحقيقية لازمات سوف تتكرر مرارا وتكرارا في القرون التي تليها في كافة أنحاء العالم، حيث يبقي المضاربون في النهاية مع خسارتهم.

انتهت أزمة التيوليب ودخل الاقتصاد الهولندي حالة كساد طويل، وانتهت معها حمى زهرة التيوليب واستمر الهولنديون يزرعون الزهرة حتى يومنا هذا، وعلى الرغم من أن الزهرة قد سببت أحد أوائل الأزمات المالية في التاريخ، إلا إن من يقرأ عنها ويعود بذاكرته نحو الوراء فانه لا يقارن بين تلك الأوضاع وأوضاع اليوم وإلا لكانت عبرة للمضاربين عن مدى خطورة المضاربة غير المحسوبة. إنها نفس المقارنة التي يمكن أن تتم بين الأزمة الحالية والأزمة القادمة، فمع خمود الأزمة الحالية سوف تبدأ نيران المضاربة بشكل آخر أو أدوات أخرى أو أسواق أخرى في الاشتعال تحت الرماد حتى تظهر على السطح مع مسح ذاكرة المتعاملين في السوق عن كل ما حدث.

نسي العالم بسرعة ما حدث من هوس التيوليب، ولكن العالم طور إشكالا أخرى من الهوس في المساكن والأسهم وأدوات أخرى ومن ثم استمرت الأزمات تتكرر واحدة تلو الأخرى دون أن يتعلم العالم مما حدث. الحلقة التالية من هذا المقال تتناول قصة أزمة أخرى.
خالد العاصمي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-06-2010, 08:46 PM
  #2
خالد العاصمي
مشرف مجلس التربية والتعليم
 الصورة الرمزية خالد العاصمي
تاريخ التسجيل: Jul 2006
الدولة: نجد
المشاركات: 8,288
خالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : عالم لا يتعلم من أزماته 1/12: هوس زهرة التيوليب

عالم لا يتعلم من أزماته 2/12: فقاعة المسيسبي

د. محمد ابراهيم السقا 12/06/2010
فقاعة المسيسبي مثال آخر على نوع مختلف من الأزمات التي ارتكزت على الرغبة الحميمة في الثراء السريع المدفوع بادعاءات ليست قائمة على أساس من الواقع، أو ما يمكن أن نطلق عليه “ترويج الوهم”! ترويج الوهم خطة يمكن أن تنجح عندما نجد جمهورا لا يسأل نفسه عن مدى صحة ما يتم الترويج له، ربما لسبب بسيط هو أنه لا يرغب في أن يصدم بأن ما يتم الترويج له غير صحيح، فيندفع الجميع كالقطيع نحو الوهم، ليكتشفوا في النهاية أن نقطة المبتغى كانت ببساطة شديدة نوع من السراب. الشخص المسئول عن أزمة اليوم، أو على الأقل الذي قدم للعالم وأمام الكواليس على أنه المسئول الأول عنها، هو الاقتصادي الانجليزي “جون لو John Law”، والذي يعد أشهر شخص في تاريخ الأزمات المالية التي تعرض لها العالم قاطبة. ولد “جون لو” في اسكتلندا لأسرة تعمل في مجال المال، حيث كان والده جواهرجيا في أدنبرة، وفي عام 1694 قبض على “جون لو” بتهمة القتل وحكم عليه بالسجن، إلا أنه بعد فترة قصيرة استطاع الهرب من السجن، ويشاع أن ذلك قد تم بمباركة رسمية، لينتقل بعد ذلك “جون لو” في المنفى عبر قارة أوروبا، ولكنه استطاع أن يكون ثروة كبيرة من عمليات القمار، حيث يشاع أنه كان يملك عقلا فذا يمكنه من إجراء العمليات الحسابية اللازمة لحساب أوراق اللعب ومن ثم الفوز بالمقامرات في ألعاب الورق.

كانت الحروب التي أشعلها لويس الرابع عشر قد تركت فرنسا مفلسة اقتصاديا وماليا، وهو ما أدى إلى تراجع الكميات المتداولة من النقود المعدنية، الأمر الذي أدى لاحقا إلى تقييد عملية سك المزيد منها، وعندما قدم “جون لو” نفسه لفرنسا كانت قد بدأت بالفعل في التوقف عن سداد دينها القائم، وبدأت قيمة العملة الفرنسية في التراجع، بسبب حالة عدم التأكد حول مستقبل الدولة. في ظل هذه الأجواء، سلمت فرنسا نفسها إلى “جون لو” لكي يقدم الحلول المناسبة لتلك المشكلات، فقد قام “فيليب دو أورليانز″ الوصي على العرش في ذلك الوقت بتعيين “جون لو” في وظيفة المراقب العام للمالية الفرنسية، وبالفعل استطاع “جون لو” أن يأتي بفكرة تخلص المملكة من أعباء دينها العام. كان “جون لو” يعتقد أن العرض غير المستقر من الذهب والفضة هو السبب في تباطؤ الاقتصاد الفرنسي، وليس المشكلات الحقيقية التي تواجهها فرنسا، ومن ثم فإن المزيد من عرض النقود يمكن أن يشجع التجارة والنمو في فرنسا، وهي نفس الأفكار التي ترتكز عليها عمليات صناعة السياسة النقدية في عالم اليوم، وكان “جون لو” قد أصدر كتابا بعنوانMoney and Trade Considered ، وقد ضمنه مقترحا لكيفية إصدار النقود في صورة بنكنوت بدلا من النقود المعدنية، وذلك استنادا إلى أن النقود المعدنية غير مستقرة سواء من حيث الكم أو النوع، وأن إصدار النقود في صورة بنكنوت سوف يزيل القيود من على عاتق الاقتصاد.

في مايو 1716 تم منح “جون لو” حق إنشاء بنك أسمي “البنك الملكي Royal bank” برأس مال 6 مليون جنيها فرنسيا، كما منح الحق في إصدار الصكوك، والتي تم استخدامها بواسطة البنك لدفع النفقات الجارية للحكومة، وكانت هذه الصكوك قابلة للتحويل إلى ذهب، إذا أردا حاملها ذلك، مما هيأ القبول السريع لها، وقد تولى البنك استقبال المودعات في صورة عملات معدنية، ثم إصدار أوراق بنكنوت في مقابلها، وهي فكرة بدت غريبة في وقتها، غير أنها ستشكل لاحقا الأساس الذي ستقام عليها النظم النقدية في العالم أجمع. ساعد “جون لو” الحكومة الفرنسية في التحول نحو النقود الورقية، من خلال البنك الملكي، والذي طبق أفكار “جون لو” حول إصدار النقود الورقية، وكانت الآلية هي قبول الودائع بالعملات المعدنية، ثم إصدار أوراق بنكنوت تساوي في قيمتها العملات المعدنية يوم الإيداع، وعلى الرغم من أن البنك الملكي كان بنكا خاصا، إلا ان ثلاثة أرباع رأس ماله كان عبارة عن أذون وأوراق مقبولة من الحكومة.

مع تزايد رصيد الصكوك كانت هناك حاجة لدفع الفوائد عليها، وهو ما تم توفيره من الناحية العملية من خلال إنشاء شركة المسيسبي التي قام البنك الملكي بإنشائها، وعين “جون لو” مديرا عاما للشركة الجديدة، ومنحت الحكومة الفرنسية شركة المسيسبي صلاحيات تجارية واسعة أهمها حقها في البحث عن الذهب في صحراء ولاية لويزيانا، على الرغم من عدم وجود أي دلائل على وجود الذهب الذي ستتولى الشركة مهمة اكتشافه، فلم تعجز قريحة “جون لو” الفذة هذه عن البحث عن طريقة تمكن فرنسا من تسديد ديونها وذلك من خلال فتح الاكتتاب لبيع أسهم لشركة للتنقيب عن الذهب غير الموجود أصلا في لويزيانا في الولايات المتحدة، وبدأ “جون لو” في الترويج لهذا الوهم. للأسف لم يشأ أحد من المضاربين على أسهم شركة المسيسبي أن يسأل نفسه عن مدى صحة احتمال وجود هذا الذهب الذي تدعي الشركة أنها ستتولى اكتشافه، ربما لان الجميع لديه الرغبة في الاستفادة من فرصة ادعاء اكتشاف الذهب، ومن ثم لم يكلف أحدا نفسه عناء مناقشة ما إذا كان هذا الاحتمال صحيح أم لا.

تاريخ الأزمات المالية التي مرت على العالم يشير إلى انه عندما يلوح في الأفق احتمال تحقيق أرباح استثنائية فان المضاربين غالبا ما لا يقبلون مناقشة مدى صحة الاحتمال المناقض، ربما لأنهم من الناحية السيكولوجية يرغبون في ان يستمر هذا الاحتمال حتى ولو كان خاطئا.

ففي عالم يصعب فيه الحصول على الثروة، فإن فرصة تحقيقها تعد نادرة في الحياة الإنسانية، وهي فرصة ربما لا نود أو لا نرغب في ان تفوتنا. المهم تم طرح أسهم الشركة للجمهور، غير أن إيرادات عمليات بيع أسهم شركة المسيسبي لم تذهب للبحث عن الذهب في صحراء لويزيانا الذي لم يتم اكتشافه حتى يومنا هذا، وإنما استخدم لسداد ديون الحكومة الفرنسية.

الذي حدث بعد ذلك هو ان كل جنيه استخدمته الحكومة في سداد الدين للجمهور كان يتم إعادة استخدامه مرة أخرى في تمويل شراء الأسهم، وهو ما ساعد على رفع أسعار الأسهم من الناحية الاسمية، ومن ثم تمكين الحكومة من إيجاد مصادر لتمويل عمليات إصدار صكوك جديدة، ولما كانت هذه الصكوك مغطاة بالذهب في البنك الملكي فإن العلاقة بين الرصيد المعدني (الذهب) وحجم هذه الصكوك أخذت في الاختلال، وأصبح الرصيد الذهبي محدودا جدا بالقياس إلى حجم الصكوك المصدرة، إنها نفس القصة التي تكررت مرارا وتكرارا لاحقا، وأسوأ أشكال تكرارها هو ما قامت به الحكومة الأمريكية في ظل نظام بريتون وودز بإصدار كميات هائلة من الدولار قياسا برصيدها الذهبي، لتبيع للعالم حلما زائفا “دولار مغطى بالذهب”، بينما لم يكن الأمر كذلك، الأمر الذي أدى لاحقا إلى انهيار النظام في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، ومن ثم تم فصل النقود عن الذهب بصفة نهائية.

في عام 1719 خرج “جون لو” بفكرة إعادة هيكلة الدين القوم الفرنسي من خلال شركة المسيسبي، وذلك عن طريق استبدال أسهم الشركة في مقابل صكوك الدين وضمان تحقيق أرباحا طائلة على هذه الأسهم، واستطاع “جون لو” أن يضخم من الثروة المتوقعة في لويزيانا من خلال خطة تسويقية محكمة، مما أدى إلى زيادة عمليات المضاربة على أسهم الشركة في 1719.

ترتب على تزايد شعبية هذه الأسهم بين الجمهور تزايد الحاجة نحو طبع المزيد من البنكنوت، فعندما بدأت أسعار أسهم شركة المسيسبي في الارتفاع عني ذلك ضرورة أن يتم إصدار المزيد من البنكنوت لتمويل عمليات شراء هذه الأسهم، وقام البنك الملكي بإصدار كميات هائلة من البنكنوت كرد فعل لذلك ومن ثم بدأ التضخم يرتفع في فرنسا.

استطاع “جون لو” أن يكون احتياطيات ضخمة من خلال عمليات الإصدار للأسهم وكذلك تحقيق أرباح من خلال إدارة الاحتياجات المالية للحكومة. وفي ظل إدارة “جون لو” تم توسيع نطاق أعمال شركة المسيسبي لتشمل عمليات جمع الضرائب والاتجار خارج أوروبا، وفي عام 1720 أرسل أمير ”كونتي” صكوكه إلى البنك الملكي لتحويلها إلى نقود ذهبية، ويقال أن الأمير قد أرسل 3 عربات حملت بالذهب في مقابل صكوكه، إلا أن “فيليب دو أورليانز″ قد تدخل لاحقا، بناء على طلب من “جون لو”، وأمر الأمير بإعادة الذهب مرة أخرى إلى البنك. غير أن الآخرين قد بدءوا في التفكير بأن الاحتفاظ بالذهب ربما يكون أفضل من الاحتفاظ بالصكوك، وفي محاولة زائفة لإقناع الجمهور بجدية نشاط الشركة، تم تجنيد كتيبة من المتسولين في باريس، وتم تسليحهم بالمعاول، كما لو أنهم في طريقهم إلى صحراء لويزيانا للبحث عن الذهب، غير أنه في غضون أسابيع عاد هؤلاء إلى أماكن عملهم مرة أخرى، مما أظهر حقيقة الموضوع على أنه عملية نصب رسمي على نطاق واسع، ولأن قيمة الأسهم كانت لا تعبر عن القيمة الفعلية لها، قام “جون لو” بتخفيض قيمة البنكنوت والأسهم إلى النصف، إلا أن قرار “جون لو” دفع الناس إلى موجة من البيع للأسهم، وهو ما أدى إلى تدهور الأسعار السوقية لها بشكل كبير.

لسوء حظ “جون لو” أن الجمهور كان يفضل أن تتم عمليات دفع الأرباح من خلال الذهب والفضة، حسبما اعتاد الناس وقتها، وخوفا منه على الرصيد الذهبي للبنك الملكي، ولمعرفته بأن القيام بذلك سوف يكشف غطاء البنكنوت الذي أصدره، توقف البنك الملكي عن صرف الصكوك بالعملات المعدنية، وانتهت القصة بصورة مأساوية للأسف، لتشكل مرة أخرى نفس الصورة التي ستنتهي بها كل أزمات العالم لاحقا، حيث انفجر بالون المسيسبي في أواخر عام 1720، ومثلما هو الحال في أي أزمة، لم يكن أمام الجميع الوقت الكافي للتقليل من خسائرهم، والنتيجة المعروفة هي الاندفاع كالقطيع نحو استبدال أوراق البنكنوت بالذهب.

عندها اندفع الناس لتحويل الصكوك إلى معدن، كانت كمية النقود الورقية المصدرة عدة أضعاف الرصيد المعدني الفعلي في البنك الملكي، ومن شدة الازدحام فقد 15 شخصا أرواحهم نتيجة الاندفاع أمام البنك، وكما أعلن ريتشارد نيكسون الرئيس السابق للولايات المتحدة بعدها بمائتين وخمسين عاما تقريبا، أن الدولار لم يعد قابلا للتحويل إلى ذهب، أصبحت صكوك البنك الملكي غير قابلة للتحويل إلى ذهب، وتحول بالتالي أصحاب الملايين من مالكي هذه الصكوك إلى فقراء.

بقية القصة معروفة، حيث أفلس البنك الملكي في 1721، ومن ثم انخفضت أسعار الأسهم إلى الصفر، وتحولت الصكوك إلى نقود بلا قيمة، ودخل الاقتصاد الفرنسي في حالة كساد بعد الأزمة وفقد الكثير ثرواتهم، وبدلا من أن يلوم المضاربون أنفسهم بأن روح المضاربة الجشعة هي التي أدت بهم إلى هذا المصير، كان اللوم بكاملة يلقى على عاتق “جون لو”، الذي اضطر إلى أن يعود إلى المنفى مرة أخرى.

كان الموقف محرجا جدا للحكومة الفرنسية، وكان لا بد من البحث عن كبش للفداء لهذه القصة السخيفة، لكي يتم إلقاء اللوم عليه، وبالطبع لم يكن هناك أفضل من “جون لو”، غير أنه وبحماية من “فيليب دو اورليانز″ خرج “جون لو” من فرنسا لكي يقضي أربع سنوات في بريطانيا مع منحه حماية من جريمة القتل التي ارتكبها سابقا، ثم ذهب بعد ذلك إلى روما وكوبنهاجين وفينيسيا حيث عاش حتى مات فقيرا في 1729. ومن المؤكد أن الحماية التي تمتع بها “جون لو” بعد ذلك بقية عمره كانت بمباركة من “فيليب دو أورليانز″، كمكافأة له على خدماته للمملكة.

انتهت أزمة بالون المسيسبي، غير أنه في الوقت الذي انفجر فيه البالون كان هناك بالونا آخر يتكون أيضا، ولكن في بريطانيا هذه المرة، وهو موضوع مقالنا القادم بإذن الله تعالى.
خالد العاصمي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 17-07-2010, 02:13 PM
  #3
ابراد
عضو
تاريخ التسجيل: Nov 2004
المشاركات: 51
ابراد is on a distinguished road
افتراضي رد : عالم لا يتعلم من أزماته 1/12: هوس زهرة التيوليب

دش كثيررررررررررررررر نحن امة لاتحب القراءة
ابراد غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-08-2010, 07:15 AM
  #4
الحوير
عضو مشارك
 الصورة الرمزية الحوير
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 101
الحوير is on a distinguished road
افتراضي رد : عالم لا يتعلم من أزماته 1/12: هوس زهرة التيوليب

يعطيك العافية

ودي
الحوير غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 20-09-2010, 10:40 PM
  #5
ابونواف ابن جريب
عضو متميز
 الصورة الرمزية ابونواف ابن جريب
تاريخ التسجيل: Jun 2010
الدولة: الدمـــــــــــــــام
المشاركات: 762
ابونواف ابن جريب has much to be proud ofابونواف ابن جريب has much to be proud ofابونواف ابن جريب has much to be proud ofابونواف ابن جريب has much to be proud ofابونواف ابن جريب has much to be proud ofابونواف ابن جريب has much to be proud ofابونواف ابن جريب has much to be proud ofابونواف ابن جريب has much to be proud of
افتراضي رد : عالم لا يتعلم من أزماته 1/12: هوس زهرة التيوليب

لاهنت
__________________
ابو نواف ابن جريب
ابونواف ابن جريب غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معلومات شاملة أبو ريم مجلس الإسلام والحياة 10 28-08-2008 07:14 AM
الاخطبوط الشيعي في العالم؟؟ ادخل ولن تندم ابومحمدالقحطاني فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 12 18-07-2008 04:21 AM
أسئلة وأجوبة في البيوع 00000 منقول يحيى أبن عبدالله المال والأعمال 11 18-09-2007 02:01 PM
مناسك الحج و العمرة اللبيب مجلس الإسلام والحياة 6 28-04-2007 02:39 PM


الساعة الآن 07:39 AM

سناب المشاهير