الإضــــــاعــــــة الـــــثـــــا نـــــيــــــة

أخي الحبيب:

لعلك اطلعت على الإضاعة الأولى

تلك التي كان الحديث فيها عن

[ القلب ]

وهو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ إذ يقول:

" إضاعتان هما أصل كل إضاعة "

1 ـ إضاعة القلب:

2 ـ وإضاعة الوقت:

وقد سبق الحديث حول الإضاعة الأولى

والآن بين يديك وأمام عينيك الحديث عن الإضاعة الثانية

[ إضاعة الوقت ]

وقد ذكر الشيخ ـ رحمه الله أن إضاعة الوقت من طول الأمل فاجتمع الفساد كله في اتباع الهوى وطول الأمل

والصلاح كله في اتباع الهدى والاستعداد للقاء الله ، أخي المسلم: لا أشك أنك تعلم أن الحياة تافهة وحقيرة

ومغرية وفاتنة ، المسلم في هذه الحياة هو كما قال الله { يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه }

سواء كان هذا الكدح في طاعة أو معصية ، المهم أنك ستلقى ما عملت ، ولتعلم أن عملك هذا كان فيه انفاق

للوقت ، والذي يترك نفسه بلا ضابط ، وفكره بلا محتوى ، وحياته بلا هدف ولا معنى ، فهو يعيش حياة اللهو

والعب والعبث ، ليس له دور في نفع نفسه ولا نفع غيره تراه يأكل ويتمتع ويلهه الأمل

أخي المبارك: اعلم وفق الله أن مرحلة الشاب مرحلة حرجة ومنعطف حاد ، فالمرء يفترسه عامل الفراغ وغموض

الهدف ، لذا يقول الشيخ/ ناصر العمر ـ حفظه الله ـ " الأهداف الكبرى تتحقق رويداً رويدا، وخطوة خطوة

فعشرات المجلدات التي يكتبها عالم من العلماء ، ليست إلا مجموعة من الحروف ضم بعضها إلى بعض

حتى صارت كلمات ، ثم موضوع ، ثم كتاب ، ثم أصبحت تراثاً خالداً على مر الدهور والأجيال

" ففترة الشباب فترة ذهبية من حياته ، يؤسس فيها القواعد الأولى لحياة هادفة قد تكون منطلقاً لآفاق

أوسع ، فالهدف لا بد من وضوحه ، وعندما نسأل عن الهدف لا نذهب بعيداً ، فكتاب الله بين أيدينا يقول

فيه عز وجل { ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ } فتحقيق غاية العبودية بمفهومها الشامل هو الغاية

والهدف في الحياة ، إذا علمنا الهدف فهل يكفي ذلك للوصول إليه ، لا أظن أن هناك إجابة تزاحم قولنا

بأنه لا بد من علم ومعرفة دقيقة بواقعنا ، لكي نسير على بصيرة ، فعندما ننظر من حولنا نرى غزواً

فكرياً خطيراً قد استشرى واستفحل خطره ونحن لاهون عنه غافلون ، فهو يسلك طرقاً خفية حتى ينفث

سمومه في العقول والأفكار ، ثم يصبح بعد ذلك فسادا واقعا عمليا ، ولا يدري بعض الشباب إلا وقد

ضاعت شخصيته وهويته الإسلامية ، وزالت معاني أصالتها وقوتها من عقله وفكره ، وسرى ذلك الغزو

حتى ترك بصماته على جزء من هذا الجسد المسلم ، وما كان ذلك السريان إلا نتيجة لـ :

1- الفراغ الذي ملأ أوقاته بغير ما ينفع ، بل تراه مع الذين قال الله عنهم

{ يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم } ومع { الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا }.

2- ضعف الإيمان في قلبه ، فلا تجده يوما ما قال " اللهم جدد الإيمان في قلبي ".

3- قد غلبه الجهل المتراكم وذلك بسبب إعراضه عن تعلم ما ينفعه ، وتجد هذا قد سار حتى في الطبقات

التي تدعي العلم وحمل الشهادات . 4- قلة التربية الصحيحة السليمة لنفسه ولعقله ، فهو من صغره في

البيت على أفلام الكرتون ، وشاشة تغيير الأفكار والدين ، وفي المدرسة مع الأصحاب فقمة الضياع

وفساد التربية ، وباقي يومه مع عيال الحارة أو أجهزة الترفيه أو الشارع .

أخي الشباب: أنت أمل الأمة: ننظر إليك بأن تغيير من واقعك ، فتكن صالحا مصلحا ، قل لي بربك :

ما هو دورك الآن؟

ما هو برنامجك؟

ما هو هدفك؟

ما هي غايتك؟

ما هي همتك؟

اسأل نفسك ..؟؟

أنا لا أسألك عن وقتك الذي قبل سن التكليف ، فهذا لا تسأل عنه ، نعم هناك وقت للنوم ، وهذا لا

أسألك عنه ، ولكن أسألك عن أوقات الصلاة أين أنت؟

قبل الصلاة أين أنت؟ ......... وبعد الصلاة أين أنت؟

أليس هناك وقت للدوام؟ ................... لكن خارج الدوام كيف وقتك؟

إن مما يجعل سؤالاً يؤرق أجفان عباد الله المؤمنين ، ألا وهو:

ما منشأ ذلك الحال الذي يعيشه الشباب والفتيات؟ إن مما لا يختلف عليه اثنان ، أن عقيدتنا تدعونا

إلى الصلاح والإصلاح والعمل ، واستغلال جميع الأسباب النافعة التي ترتقي بنا وتعلينا ، ديننا يحثنا

على المسارعة والتنافس والمبادرة والتمييز ، فهل تعي ذلك ـ أخي الشاب ـ وتدركه؟ لا تقل واقع أمتنا

وواقع شبابنا ، وواقع ... وواقع ... ولكن قل واقعي أنا ودوري أنا ما هو؟ قل إنه يجب علي مضاعفة

جدي ونشاطي ودوري ، ولا تكن كمن رأى حال شباب الأمة فحرج عليهم حتى أصبح موقفه سلبي

والتفت إلى حضارات ومدنيات بُنيت على الكفر والإلحاد ، مزخرف ظاهرها خراب باطنها ، إن الأمة تريد منا

شباباً عالمين بدورهم عاملين به ، وإلا فنحن في أمية من نوع آخر ، ليست هي الجهل بالقراءة فحسب

بل هي الجهل بالتزام ما نعتقده ونعلمه ونقرؤه التزاماً عملياً في كل شؤون حياتنا

في المسجد ....... المنزل ........ المكتب ........ الشارع ............... المصنع ... .........

يا شباب .. عليكم تلقى الآمال ، ومنكم يطلب الكثير ، فالطريق طويل والصعاب فوق ما نتصور ولكن تأمل

في قوله { إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }

إن علو الهمة في طلب الكمال وقوة العزيمة في تحقيق الأهداف من أهم أخلاق المؤمن الصادق بل العاقل

كما يقول ابن الجوزي:

"من أعمل فكره الصافي دله على طلب أشرف المقامات ، ونهاه عن الرضى بالنقص في كل حال "

وقد قال المتنبي:
و لم أر في عيوب الناس عيبا >>>>>>>>>>>>> كنقص القادرين على التمام

فينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه ، فلا يدري أحدنا ما هو مقبل عليه ، ولا ما ينتظره من الأقدار

والصوارف والفتن والمشغلات ، فاغتنم ـ أخي الشاب ـ:

" خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك

وحياتك قبل موتك " هذا ما وصى به حبيبنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ حال وجودنا في الحياة الدنيا

أما في الآخرة ، فقد أخبر ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن لا تزول قدما عبد يوم القيامة:

" حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، .." رواه الترمذي ،

أخي الشاب: إنك وربي في نعمتان ، قد تطلبهما في وقت فلا تجدهما ، قال ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ:

" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ " رواه البخاري.

بمعنى: أن الذي لا يستعمل الصحة والفراغ في طاعة الله واتباع سنة رسوله فهو المغبون المقهور الذليل

فانتبه لشبابك وعمرك وصحتك ووقتك في أي شيء استخدمتها؟؟

استودعك الله ، وأملي أن ألتقي معك على صفحة أخرى ـ إن شاء الله ـ .

__________________

عــــش مـــع الـــقــرآن .... تــعــش الــــحــيــاة

اللهم اجعلنا ممن يقضون اوقاتهم في طاعة الرحمن ..

لاهنت يا سعيد والله يجزاك كل خير ..

نسأل الله تعالى أن يبارك في أعمارنا وأوقاتنا وأن نعمر هذه الأوقات في طاعته وعبادته
شيخ سعيد طرحك قيم وهام جدا ويستحق الوقوف والتمعن بين السطور

دمت بخير وصحة وسلامة

أشكر لكما مروركما وتعليقكما

وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد

__________________

عــــش مـــع الـــقــرآن .... تــعــش الــــحــيــاة