خلق الملائكة ((منقووووول ))
قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عارم أبو النعمان، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن هرقل كتب إلى معاوية وقال: إن كان بقي فيهم شيء من النبوة، فسيخبرني عما أسألهم عنه.
قال: فكتب إليه يسأله عن المجرة، وعن القوس، وعن بقعة لم تصبها الشمس إلا ساعة واحدة.
قال: فلما أتى معاوية الكتاب والرسول، قال: إن هذا الشيء ما كنت آبه له أن أسأل عنه إلى يومي هذا، من لهذا؟
قيل: ابن عباس، فطوى معاوية كتاب هرقل، فبعث به إلى ابن عباس، فكتب إليه:
أن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق، والمجرة: باب السماء الذي تنشق منه الأرض، وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من النهار: فالبحر الذي أفرج عن بني إسرائيل.
وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنه.
فأما الحديث الذي رواه الطبراني؛ حدثنا أبو الزنباع: روح بن الفرج، حدثنا إبراهيم بن مخلد، حدثنا الفضل بن المختار، عن محمد بن مسلم الطائفي، عن ابن أبي يحيى، عن مجاهد، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((يا معاذ.. إني مرسلك إلى قوم أهل كتاب، فإذا سُئلت عن المجرة التي في السماء، فقل: هي لعاب حية تحت العرش)).
فإنه حديث منكر جداً، بل الأشبه أنه موضوع، وراويه الفضل بن المختار هذا أبو سهل البصري، ثم انتقل إلى مصر.
قال فيه أبو حاتم الرازي: هو مجهول، حدث بالأباطيل.
وقال الحافظ أبو الفتح الأزدي: منكر الحديث جداً.
وقال ابن عدي: لا يتابع على أحاديثه، لا متناً ولا إسناداً.
(ج/ص: 1/41)
وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 12-13].
وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164].
وروى الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن شيخ من بني غفار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((إن الله ينشئ السحاب، فينطق أحسن النطق، ويضحك أحسن الضحك)).
وروى موسى بن عبيدة بن سعد بن إبراهيم أنه قال: إن نطقه الرعد، وضحكه البرق.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام، عن عبيد الله الرازي، عن محمد بن مسلم قال: بلغنا أن البرق ملك له أربعة وجوه: وجه إنسان، ووجه ثور، ووجه نسر، ووجه أسد، فإذا مصع بذنبه فذاك البرق.
وقد روى الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، والبخاري في كتاب الأدب، والحاكم في (مستدركه) من حديث الحجاج بن أرطاة، حدثني ابن مطر، عن سالم، عن أبيه، قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال: ((اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك)).
وروى ابن جرير من حديث ليث، عن رجل، عن أبي هريرة رفعه:
كان إذا سمع الرعد قال: ((سبحان من يسبح الرعد بحمده)).
وعن علي أنه كان يقول: سبحان من سبحت له.
وكذا عن ابن عباس، والأسود بن يزيد، وطاوس، وغيرهم.
وروى مالك، عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال: سبحان من يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، ويقول: إن هذا وعيد شديد لأهل الأرض.
وروى الإمام أحمد، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((قال ربكم: لو أن عبيدي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولما أسمعتهم صوت الرعد، فاذكروا الله، فإنه لا يصيب ذاكراً)).
وكل هذا مبسوط في التفسير، ولله الحمد والمنة.
باب ذكر خلق الملائكة وصفاتهم
قال الله تعالى: {. وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 26-29].
وقال تعالى: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الشورى: 5].
وقال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [غافر: 7-8]. (ج/ص: 1/42)
وقال تعالى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38].
وقال: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 19-20].
وقال تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ *وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} [الصافات: 164-166].
وقال تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} [مريم: 64].
وقال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الإنفطار: 10-12].
وقال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31]
وقال تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23-24].
وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر: 1].
وقال تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلاً * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً} [الفرقان: 25].
وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً * يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً} [الفرقان: 21-22].
وقال تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98].
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
والآيات في ذكر الملائكة كثيرة جداً، يصفهم تعالى بالقوة في العبادة، وفي الخلق، وحسن المنظر، وعظمة الأشكال، وقوة الشكل في الصور المتعددة، كما قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 76 - 77] الآيات.
فذكرنا في التفسير ما ذكره غير واحد من العلماء، من أن الملائكة تبدو لهم في صورة شباب حسان، امتحاناً واختباراً، حتى قامت على قوم لوط الحجة، وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
وكذلك كان جبريل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صفات متعددة؛ فتارة يأتي في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وتارة في صورة أعرابي، وتارة في صورته التي خلق عليها.
له ستمائة جناح، ما بين كل جناحين، كما بين المشرق والمغرب، كما رآه على هذه الصفة مرتين.
مرة منهبطاً من السماء إلى الأرض، وتارة عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى.
وهو قوله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 5 - 8].
أي جبريل: كما ذكرناه عن غير واحد من الصحابة، منهم ابن مسعود، وأبو هريرة، وأبو ذر، وعائشة {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 9 - 10] أي: إلى عبد الله محمد صلى الله عليه وسلم. (ج/ص: 1/43)
ثم قال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 13- 17].
وقد ذكرنا في أحاديث الإسراء، في سورة سبحان، أن سدرة المنتهى، في السماء السابعة.
وفي رواية في السادسة، أي أصلها وفروعها في السابعة، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها.
قيل: غشيها نور الرب جل جلاله.
وقيل: غشيها فراش من ذهب.
وقيل: غشيها ألوان متعددة كثيرة غير منحصرة.
وقيل: غشيها الملائكة مثل الغربان.
وقيل: غشيها من نور الله تعالى فلا يستطيع أحد أن ينعتها. أي من حسنها وبهائها.
ولا منافاة بين هذه الأقوال، إذ الجميع ممكن حصوله في حال واحدة.
وذكرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثم رفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها كالقلال)).
وفي رواية: ((كقلال هجر، وإذا ورقها كآذان الفيلة)) وإذا يخرج من أصلها نهران باطنان، ونهران ظاهران. فأما الباطنان ففي الجنة. وأما الظاهران فالنيل والفرات.
وتقدم الكلام على هذا في ذكر خلق الأرض، وما فيها من البحار والأنهار.
وفيه: ((ثم رفع لي البيت المعمور، وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودونه إليه آخر ما عليهم)).
وذكر أنه وجد إبراهيم الخليل عليه السلام، مستنداً ظهره إلى البيت المعمور. وذكرنا وجه المناسبة في هذا أن البيت المعمور، هو في السماء السابعة بمنزلة الكعبة في الأرض.
وقد روى سفيان الثوري، وشعبة، وأبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة، أن ابن الكوا سأل علي بن أبي طالب عن البيت المعمور فقال: هو مسجد في السماء يقال له: الضُراح، وهو بحيال الكعبة من فوقها. حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة، لا يعودون إليه أبداً.
وهكذا روى علي بن ربيعة، وأبو الطفيل، عن علي مثله.
وقال الطبراني: أنبأنا الحسن بن علوية القطان، حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار، حدثنا إسحاق بن بشر أبو حذيفة، حدثنا ابن جريج، عن صفوان بن سليم، عن كريب، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((البيت المعمور في السماء، يقال له: الضُراح، وهو على مثل البيت الحرام بحياله، لو سقط لسقط عليه، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يرونه قط، فإن له في السماء حرمة على قدر حرمة مكة)) يعني في الأرض.
وهكذا قال العوفي، عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والربيع بن أنس، والسدي، وغير واحد، وقال قتادة: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه:
((هل تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: قال: مسجد في السماء بحيال الكعبة، لو خر لخر عليها، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم)).
وزعم الضحاك أنه تعمره طائفة من الملائكة، يقال لهم: الجن، من قبيلة إبليس لعنه الله، كان يقول: سدنته وخدامه منهم، والله أعلم. (ج/ص: 1/44)
وقال آخرون: في كل سماء بيت، يعمره ملائكته بالعبادة فيه، ويفدون إليه بالنوبة والبدل، كما يعمر أهل الأرض البيت العتيق بالحج في كل عام، والاعتمار في كل وقت، والطواف والصلاة في كل آن.
قال سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، في أوائل كتابه المغازي: حدثنا أبو عبيد في حديث مجاهد أن الحرم حرم مناه، يعني قدره من السماوات السبع، والأرضين السبع، وأنه رابع أربعة عشر بيتاً في كل سماء بيت، وفي كل أرض بيت، لو سقطت سقط بعضها على بعض.
ثم روى مجاهد، قال: مناه أي مقابله، وهو حرف مقصور.
ثم قال: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي سليمان مؤذن الحجاج، سمعت عبد الله بن عمرو يقول: إن الحرم محرم في السموات السبع، مقداره من الأرض، وإن بيت المقدس، مقدس في السماوات السبع، مقداره من الأرض. كما قال بعض الشعراء:
إن الذي سمك السماء بنى لها * بيتا دعائمه أشد وأطول
واسم البيت الذي في السماء: بيت العزة، واسم الملك الذي هو مقدم الملائكة فيها: إسماعيل. فعلى هذا يكون السبعون ألفاً من الملائكة الذين يدخلون في كل يوم، إلى البيت المعمور، ثم لا يعودون إليه، آخر ما عليهم، أي لا يحصل لهم نوبة فيه إلى آخر الدهر. يكونون من سكان السماء السابعة وحدها.
ولهذا قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31].
وقال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن مورق، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد، لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصعدات، تجأرون إلى الله عز وجل)).
فقال أبو ذر: والله لوددت أني شجرة تعضد.
ورواه الترمذي، وابن ماجه، من حديث إسرائيل فقال الترمذي: حسن غريب. ويروى عن أبي ذر موقوفاً.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا حسين بن عرفة المصري، حدثنا عروة بن عمران الرقي، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم بن مالك، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما في السماوات السبع موضع قدم، ولا شبر، ولا كف، إلا وفيه ملك قائم، أو ملك ساجد، أو ملك راكع، فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعاً ما عبدناك حق عبادتك، إلا أنا لا نشرك بك شيئاً)).
فدل هذان الحديثان على أنه ما من موضع في السماوات السبع، إلا وهو مشغول بالملائكة، وهم في صنوف من العبادة.
منهم: من هو قائم أبداً.
ومنهم: من هو راكع أبداً.
ومنهم: من هو ساجد أبداً.
ومنهم: من هو في صنوف أخر، والله أعلم بها.
وهم دائمون في عبادتهم، وتسبيحهم، وأذكارهم وأعمالهم التي أمرهم الله بها، ولهم منازل عند ربهم، كما قال تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} [الصافات: 164-166]. (ج/ص: 1/ 45)
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها!
قالوا: وكيف يصفون عند ربهم؟
قال: يكملون الصف الأول، ويتراصون في الصف)).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((فضلنا على الناس بثلاث: جعلت لنا الأرض مسجداً، وتربتها لنا طهوراً، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة)).
وكذلك يأتون يوم القيامة، بين يدي الرب، جلَّ جلاله، صفوفاً كما قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر: 22].
ويقفون صفوفاً بين يدي ربهم، عز وجل، يوم القيامة، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} [النبأ: 38].
والمراد بالروح ههنا: بنو آدم، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة.
وقيل: ضرب من الملائكة، يشبهون بني آدم في الشكل. قاله ابن عباس، ومجاهد، وأبو صالح، والأعمش.
وقيل: جبريل. قاله الشعبي، وسعيد بن جبير، والضحاك.
وقيل: ملك يقال له: الروح، بقدر جميع المخلوقات.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} قال: هو ملك من أعظم الملائكة خلقاً.
وقال ابن جرير: حدثني محمد بن خلف العسقلاني، حدثنا داود بن الجراح، عن أبي حمزة، عن الشعبي، عن علقمة، عن ابن مسعود، قال: الروح في السماء الرابعة، هو أعظم السماوات والجبال، ومن الملائكة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة، يخلق الله من كل تسبيحة ملكاً من الملائكة، يحيي يوم القيامة صفاً وحده. وهذا غريب جداً.
وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكيم المصري، حدثنا ابن وهب بن رزق أبو هبيرة، حدثنا بشر بن بكر، حدثنا الأوزاعي، حدثني عطاء، عن عبد الله بن عباس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((إن لله ملكاً، لو قيل له التقم السماوات، والأرضين بلقمة واحدة، لفعل، تسبيحه: سبحانك حيث كنت)).
وهذا أيضاً حديث غريب جداً، وقد يكون موقوفاً.
وذكرنا في صفة حملة العرش، عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله، من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام)).
رواه أبو داود، وابن أبي حاتم، ولفظه: ((مخفق الطير سبعمائة عام)). (ج/ص: 1/46)
وقد ورد في صفة جبريل عليه السلام أمر عظيم، قال الله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}.
قالوا: كان من شدة قوته، أنه رفع مدائن قوم لوط، وكن سبعاً بمن فيها من الأمم، وكانوا قريباً من أربعمائة ألف، وما معهم من الدواب، والحيوانات، وما لتلك المدن من الأراضي، والمعتملات، والعمارات، وغير ذلك.
رفع ذلك كله على طرف جناحه، حتى بلغ بهن عنان السماء، حتى سمعت الملائكة نباح الكلاب، وصياح ديكتهم، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها، فهذا هو شديد القوى.
وقوله: {ذُو مِرَّةٍ} أي: خلق حسن، وبهاء، وسناء.
كما قال في الآية الأخرى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير: 19]، أي: جبريل رسول من الله كريم، أي: حسن المنظر.
{ذِي قُوَّةٍ} أي: له قوة وبأس شديد.
{عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} أي: له مكانه، ومنزلة عالية رفيعة، عند الله.
{ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: 19]، {مُطَاعٍ ثَمَّ} أي: مطاع في الملأ الأعلى.
{أَمِينٍ} أي: ذي أمانة عظيمة.
ولهذا كان هو السفير بين الله، وبين أنبيائه عليهم السلام، الذي ينزل عليهم بالوحي، فيه الأخبار الصادقة، والشرائع العادلة، وقد كان يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وينزل عليه في صفات متعددة، كما قدمنا.
وقد رآه على صفته التي خلقه الله عليها مرتين، له ستمائة جناح. كما روى البخاري: عن طلق بن غنام، عن زائدة الشيباني، قال: سألت زراً عن قوله: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 8-9] قال: حدثنا عبد الله يعني ابن مسعود، أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا شريك عن جامع بن راشد، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه التهاويل من الدر والياقوت، ما الله به عليم.
وقال أحمد أيضاً: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود في هذه الآية {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 13- 14] قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رأيت جبريل وله ستمائة جناح، ينتشر من ريشه التهاويل الدر والياقوت)).
وقال أحمد: حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا الحسين، حدثني عاصم بن بهدلة، سمعت شقيق بن سلمة يقول: سمعت ابن مسعود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((رأيت جبريل على السدرة المنتهى، وله ستمائة جناح)) فسألت عاصماً عن الأجنحة، فأبى أن يخبرني، قال: فأخبرني بعض أصحابه أن الجناح ما بين المشرق والمغرب. وهذه أسانيد جيدة قوية، انفرد بها أحمد. (ج/ص:1/47)
وقال أحمد: حدثنا زيد بن الحباب، حدثني حصين، حدثني شقيق، سمعت ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أتاني جبريل في خضر تعلق به الدر)).
إسناده صحيح.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن بزيع البغدادي، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قال:
((رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا رفرف، قد ملأ ما بين السماء والأرض)).
إسناد جيد قوي.
وفي (الصحيحين) من حديث عامر الشعبي، عن مسروق قال: كنت عند عائشة فقلت: أليس الله يقول: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ}، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} فقالت: أنا أول هذه الأمة، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، فقال:
((إنما ذاك جبريل، لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين، رآه منهبطاً من السماء إلى الأرض، ساداً عِظمُ خلقه ما بين السماء والأرض)).
وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا عمر بن ذر (ح) وحدثني يحيى بن جعفر، حدثنا وكيع، عن عمر بن ذر، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ألا تزورنا أكثر مما تزورنا؟ قال: فنزلت {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} الآية [مريم: 64].
وروى البخاري من حديث الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.
وقال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن ابن شهاب، أن عمر بن عبد العزيز أخرَّ العصر شيئاً، فقال له عروة: أما إن جبريل قد نزل فصلى أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: أعلم ما تقول يا عروة.
قال: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((نزل جبريل فأمني، فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، يحسب بأصابعه خمس صلوات)).
ومن صفة إسرافيل عليه السلام - وهو أحد حملة العرش - وهو الذي ينفخ في الصور بأمر ربه نفخات ثلاثة:
أولاهن: نفخة الفزع.
والثانية: نفخة الصعق.
والثالثة: نفخة البعث. كما سيأتي بيانه في موضعه من كتابنا هذا بحول الله وقوته، وحسن توفيقه. (ج/ص: 1/ 48)
والصور: قرن ينفخ فيه. كل دارة منه كما بين السماء والأرض. وفيه موضع أرواح العباد حين يأمره الله بالنفخ للبعث، فإذا نفخ تخرج الأرواح تتوهج.
فيقول الرب جلَّ جلاله:
((وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى البدن الذي كانت تعمره في الدنيا، فتدخل على الأجساد في قبورها، فتدب فيها كما يدب السم في اللديغ، فتحيى الأجساد، وتنشق عنهم الأجداث، فيخرجون منها سراعاً إلى مقام المحشر))، كما سيأتي تفصيله في موضعه.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى جبهته، وانتظر أن يؤذن له)).
قالوا: كيف نقول يا رسول الله؟
قال: ((قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا)).
رواه أحمد، والترمذي، من حديث عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن سعد الطائي، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الصور فقال:
((عن يمينه جبريل، وعن يساره ميكائيل)) عليهم السلام.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا محمد بن عمر، أن ابن أبي ليلى، حدثني عن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال:
بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل بناحية، إذ انشق أفق السماء، فأقبل إسرافيل يدنو من الأرض ويتمايل، فإذا ملك قد مثل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد إن الله يأمرك أن تختار بين نبي عبد، أو ملك نبي؟
قال: فأشار جبريل إلي بيده أن تواضع، فعرفت أنه لي ناصح، فقلت: ((عبد نبي)).
فعرج ذلك الملك إلى السماء.
فقلت: ((يا جبريل قد كنت أردت أن أسألك عن هذا فرأيت من حالك ما شغلني عن المسألة، فمن هذا يا جبريل؟)).
فقال: هذا إسرافيل عليه السلام، خلقه الله يوم خلقه بين يديه صافاً قدميه، لا يرفع طرفه بينه، وبين الرب سبعون نوراً، ما منها من نور يكاد يدنو منه إلا احترق، بين يديه لوح، فإذا أذن الله في شيء من السماء أو في الأرض، ارتفع ذلك اللوح، فضرب جبهته، فينظر فإن كان من عملي أمرني به، وإن كان من عمل ميكائيل أمره به، وإن كان من عمل ملك الموت أمره به.
قلت: ((يا جبريل وعلى أي شيء أنت؟)).
قال: على الريح والجنود.
قلت: ((وعلى أي شيء ميكائيل؟)).
قال: على النبات والقطر.
قلت: ((وعلى أي شيء ملك الموت)).
قال: على قبض الأنفس، وما ظننت أنه نزل إلا لقيام الساعة، وما الذي رأيت مني إلا خوفاً من قيام الساعة. هذا حديث غريب من هذا الوجه.
وفي (صحيح مسلم)، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يصلي يقول:
((اللهم رب جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)).
وفي حديث الصور أن إسرافيل أول من يبعثه الله بعد الصعق، لينفخ في الصور. (ج/ص: 1/ 49)
وذكر محمد بن الحسن النقاش أن إسرافيل أول من سجد من الملائكة، فجوزي بولاية اللوح المحفوظ، حكاه: أبو القاسم السهيلي في كتابه (التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأعلام).
وقال تعالى: وقال تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98].
عطفهما على الملائكة لشرفهما، فجبريل: ملك عظيم، قد تقدم ذكره.
وأما ميكائيل: فموكل بالقطر والنبات، وهو ذو مكانة من ربه عز وجل، ومن أشراف الملائكة المقربين.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، حدثنا ابن عباس، عن عمارة بن غزنة الأنصاري، أنه سمع حميد بن عبيد، مولى بني المعلى يقول: سمعت ثابتاً البناني، يحدث عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لجبريل: ((ما لي لم أرَ ميكائيل ضاحكاً قط؟)).
فقال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار.
فهؤلاء الملائكة المصرح بذكرهم في القرآن، وفي الصحاح، هم المذكورون في الدعاء النبوي: اللهم رب جبريل، وميكائيل، وإسرافيل.
فجبريل: ينزل بالهدى على الرسل لتبليغ الأمم.
وميكائيل: موكل بالقطر والنبات اللذين يخلق منهما الأرزاق في هذه الدار، وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه، يصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الرب جل جلاله.
وقد روينا أنه ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقررها في موضعها من الأرض.
وإسرافيل: موكل بالنفخ في الصور، للقيام من القبور، والحضور يوم البعث والنشور، ليفوز الشكور، ويجازى الكفور، فذاك ذنبه مغفور، وسعيه مشكور، وهذا قد صار عمله كالهباء المنثور، وهو يدعو بالويل والثبور.
فجبريل عليه السلام يحصل بما ينزل به الهدى.
وميكائيل يحصل بما هو موكل به الرزق.
وإسرافيل يحصل بما هو موكل به النصر والجزاء.
وأما ملك الموت فليس بمصرح باسمه في القرآن، ولا في الأحاديث الصحاح، وقد جاء تسميته في بعض الآثار بعزرائيل، والله أعلم.
وقد قال الله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 11].
وله أعوان يستخرجون روح العبد من جثته، حتى تبلغ الحلقوم، فيتناولها ملك الموت بيده، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها منه، فيلقوها في أكفان تليق بها، كما قد بسط عند قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27].
ثم يصعدون بها، فإن كانت صالحة فتحت لها أبواب السماء، وإلا غلقت دونها، وألقى بها إلى الأرض، قال الله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 61-62]. (ج/ص: 1/ 50)
وعن ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد أنهم قالوا: إن الأرض بين يدي ملك الموت، مثل الطست يتناول منها حيث يشاء.
وقد ذكرنا أن ملائكة الموت يأتون الإنسان على حسب عمله، إن كان مؤمناً أتاه ملائكة بيض الوجوه، بيض الثياب، طيبة الأرواح. وإن كان كافراً فبالضد من ذلك، عياذا بالله العظيم من ذلك.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن أبي يحيى المقري، حدثنا عمرو بن شمر، قال: سمعت جعفر بن محمد قال: سمعت أبي يقول: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت، عند رأس رجل من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
((يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن)).
فقال ملك الموت: يا محمد طب نفساً، وقر عيناً، فإني بكل مؤمن رفيق، واعلم أن ما في الأرض بيت مدر، ولا شعر، في بر ولا بحر، إلا وأنا أتفحصهم في كل يوم خمس مرات، حتى إني أعرف بصغيرهم وكبيرهم بأنفسهم، والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك، حتى يكون الله هو الآمر بقبضها.
قال جعفر بن محمد: أبي هو الصادق بلغني بتفحصهم عند مواقيت الصلاة، فإذا حضر عند الموت، فإذا كان ممن يحافظ على الصلاة، دنا منه الملك، ودفع عنه الشيطان، ولقنه الملك لا إله إلا الله محمد رسول الله في تلك الحال العظيمة.
هذا حديث مرسل، وفيه نظر.
وذكرنا في حديث الصور من طريق إسماعيل بن رافع المدني القاص، عن محمد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث بطوله.
وفيه ((ويأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق، فينفخ نفخة الصعق، فيصعق أهل السماوات وأهل الأرض، إلا من شاء الله، فإذا هم قد خمدوا، جاء ملك الموت إلى الجبار عز وجل.
فيقول: يا رب قد مات أهل السماوات والأرض، إلا من شئت.
فيقول الله -وهو أعلم بمن بقي-: فمن بقي؟
فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل، وميكائيل.
فيقول: ليمت جبريل، وميكائيل، فينطق الله العرش.
فيقول: يا رب يموت جبريل، وميكائيل!
فيقول: اسكت، فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي، فيموتان.
ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار عز وجل.
فيقول: يا رب قد مات جبريل وميكائيل.
فيقول الله -وهو أعلم بمن بقي-: فمن بقي؟
فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقيت حملة عرشك، وبقيت أنا.
فيقول الله: لتمت حملة عرشي، فتموت.
ويأمر الله العرش فيقبض الصور من إسرافيل، ثم يأتي ملك الموت.
فيقول: يا رب قد مات حملة عرشك.
فيقول الله وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي؟
فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقيت أنا.
فيقول الله: أنت خلق من خلقي، خلقتك لما أردت فمت، فيموت، فإذا لم يبقَ إلا الله الواحد القهار، الأحد، الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، كان آخراً كما كان أولاً)).
وذكر تمام الحديث بطوله.
رواه الطبراني، وابن جرير، والبيهقي، ورواه الحافظ أبو موسى المديني، في كتاب (الطوالات) وعنده زيادة غريبة وهي قوله: ((فيقول الله له: أنت خلق من خلقي، خلقتك لما أردت، فمت موتاً لا تحيى بعده أبداً)). (ج/ص: 1/ 51)
ومن الملائكة المنصوص على أسمائهم في القرآن: هاروت وماروت في قول جماعة كثيرة من السلف.
وقد ورد في قصتهما، وما كان من أمرهما آثار كثيرة، غالبها إسرائيليات.
وروى الإمام أحمد حديثاً مرفوعاً عن ابن عمر، وصححه ابن حبان في تقاسيمه. وفي صحته عندي نظر.
والأشبه أنه موقوف على عبد الله بن عمر، ويكون مما تلقاه عن كعب الأحبار كما سيأتي بيانه، والله أعلم.
وفيه أنه تمثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر.
وعن علي، وابن عباس، وابن عمر أيضاً أن الزهرة كانت امرأة، وأنهما لما طلبا منها ما ذكر، أبت إلا أن يعلماها الاسم الأعظم، فعلماها. فقالته، فارتفعت إلى السماء، فصارت كوكباً.
وروى الحاكم في (مستدركه) عن ابن عباس قال: وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب.
وهذا اللفظ أحسن ما ورد في شأن الزهرة.
ثم قيل: كان أمرهما، وقصتهما في زمان إدريس.
وقيل: في زمان سليمان بن داود، كما حررنا ذلك في التفسير.
وبالجملة، فهو خبر إسرائيلي مرجعه إلى كعب الأحبار، كما رواه عبد الرزاق في (تفسيره)، عن الثوري، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر، عن كعب الأحبار بالقصة، وهذا أصح إسناداً، وأثبت رجالاً، والله أعلم.
ثم قد قيل: إن المراد بقوله {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة: 102]. قبيلان من الجان، قاله ابن حزم، وهذا غريب، وبعيد من اللفظ.
ومن الناس من قرأ {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} بالكسر، ويجعلهما علجين من أهل فارس. قاله الضحاك.
ومن الناس من يقول: هما ملكان من السماء، ولكن سبق في قدر الله لهما ما ذكره من أمرهما، إن صح به الخبر، ويكون حكمهما كحكم إبليس، إن قيل إنه من الملائكة، لكن الصحيح أنه من الجن، كما سيأتي تقريره.
ومن الملائكة المسمين في الحديث: منكر ونكير عليهما السلام.
وقد استفاض في الأحاديث ذكرهما في سؤال القبر، وقد أوردناها عند قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].
وهما فتانا القبر، موكلان بسؤال الميت في قبره عن ربه، ودينه، ونبيه، ويمتحنان البر، والفاجر، وهما أزرقان أفرقان، لهما أنياب، وأشكال مزعجة، وأصوات مفزعة، أجارنا الله من عذاب القبر، وثبتنا بالقول الثابت آمين. (ج/ص: 1/52)
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا ابن وهب، حدثني يونس، عن ابن شهاب، حدثني عروة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟
قال: ((لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا به عليك، وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم.
فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمد، فقال ذلك فما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئاً)).
ورواه مسلم من حديث ابن وهب به
(((( منقوووووووووووووووووووووول من موقع نداء الأيمان)))))