مواطن عبس وذبيان أصحاب داحس والغبراء


المجلس الـــــعــــــــام للمواضيع التي ليس لها تصنيف معين

موضوع مغلق
قديم 15-09-2006, 04:10 PM
  #1
أبو عامرية
عضو
تاريخ التسجيل: Sep 2006
المشاركات: 31
أبو عامرية is on a distinguished road
افتراضي مواطن عبس وذبيان أصحاب داحس والغبراء

مواطن عبس وذبيان أصحاب داحس والغبراء


الذي يقرأ أخبار وفود القبائل العربية على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الوفود, وأخبار حروب الردة, والأقطار التي وطئتها جيوش أبي بكر لحرب المرتدين، يتعرف على مواطن كثير من بطون القبائل العربية، ولو أن مؤرخينا الأوائل حين دوّنوا لأيام العرب في الجاهلية, رجعوا لأحداث البعثة المحمدية وأخبار الردة, للتعرف على مواطن القبائل العربية, بدلاً من الاستشهاد بأسماء المواضع الواردة في الشعر الجاهلي، سيما والأمكنة تتسامى, فيكون الاسم الواحد في أكثر من قطر، لما كان هذا الخلط في مواطن أحداث الجاهلية وأخبارها، لهذا السبب لا أجد لي مندوحة في بحثي عن مواطن عبس وذبيان, من استعراض بعض أخبار حروب الردة, قبل تطبيق منهاجي البحثي المبين في البحث المعنون –امرؤ القيس كان ملكاً على عسير-.
روى عمر بن شبة في تاريخ المدينة, أن وفد غطفان قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الوفود, فأراد أن يستعمل عليهم رجلاً منهم, فتنافسوا الإمرة, فولى عيينة بن حصن على بني فزارة، والحارث بن عوف على بني مرة
ونعيم بن مسعود على أشجع، وعبدالله بن عمرو بن سبيع الثعلبي على ثعلبة ونمير وبني عبدالله بن غطفان .
ليس من هذه البطون أي بطن من عبس، والمؤرخون يزعمون أن عبساً مع غطفان بين خيبر والمدينة المنورة, أتراهم كانوا قلة أذلة يتبعون أحد هذه البطون فلم يول عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رئيساً منهم, هذا يخالف تاريخ عبس ذات الشوكة، أم أنهم لم يكونوا في هذه المواطن فيفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبناء عمومتهم؟, زد على ذلك أن عيينة بن حصن في حروبه مع المسلمين وضدهم, ما قال قط يالبغيض ولا يا لغطفان، دعوة شاملة للحيين عبس وذبيان, ما كان يقول إلا يا لفزارة, وفي هذا رد على من قال إنهم كانوا خلطاء فزارة, لو كانت عبس مع ذبيان, ما كان لعيينة أن يتجاوزهم في دعوته الجاهلية, وفي ردة أسد وغطفان لا نجد ذكراً لعبسي, سيداً كان أو فارساً أو شاعراً، وما من قبيلة تخلوا من واحد من هؤلاء، إلا ما يقال عن أسر الحطيئة الشاعر، ولكن الحطيئة في تعبسه مقال، ألا يدل هذا على أن عبساً التي منها عنترة وقيس بن زهير وغيرهما, لم تكن مع غطفان أعراب المدينة المنورة, ولا مع من ديارهم بين المدينة وخيبر كما ادعى الرواة وتوهم المؤرخون.
وذهب بعض المتأخرين إلى أن عبساً كانت في القصيم, اقتناعاً بما قاله الهمداني في صفة جزيرة العرب، وليس للهمداني من حجة أو دليل إلا قول عنترة ابن شداد في معلقته :

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
كيف المزار وقد تربع أهلها=بعنيزتين وأهـلنا بالغـليم[/poem]
وأول من قال بهذا من المتأخرين الشيخ حمد الجاسر رحمه الله, ولكن أن يظن الجاسر أن لا عنيزة في جزيرة العرب على مر العصور, إلا عنيزة القصيم أمر غير مقبول، سيما وقد ورد في الشعر الذي قيل في حرب خزازى عنيزة اسماً لجبل وليس لمدينة, وفي غير نجد,ومن ذا يقطع يقيناً بعدم وجود عنيزات أخريات دثرت أو تسمت بأسماء أُخَر.
وإذا نحن تتبعنا خط سير الجيوش التي وجهها أبو بكر رضي الله عنه لحرب المرتدين, لا نجد ذكراً لعبس في عامة نجد، وفي كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر يقول ابن خلدون: وفي هذه السنة "العاشرة" قدم وفد عبس, قال ابن الكلبي وفد منهم رجل واحد فأسلم, ورجع إلى أهله ومات في الطريق، وفي هذا الخبر ملمح إلى بعد ديار هذا الوافد عن مواطن غطفان آنفة الذكر، وإلا لعرف سبب امتناع قومه عن الوفادة، ولعرف لِمَ لمْ يكن ضمن أحد وفود غطفان الآنف ذكرها؟، سواء ناب عن قومه أو كانت وفادته لخاصة نفسه، والذي يتتبع أخبار غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه, يتيقن أنه لم يكن بالحجاز حي من عبس ذو شأن، وإن ورد ذكر لعبس في أحداث ما حول المدنية المنورة فلا يخلو من أحد ثلاثة، أما أن يكون مقحماً من الراوي لا دليل عليه, لاقتران اسم عبس في أذهانهم بذبيان، أو أن يكون لأفراد معدودين في بطون غطفان الأخرى حول المدينة وفي خيبر، أو أن يكون لعبس سليم, وهو بطن قليل العدد، وليس لعبس عنترة الغطفانية ذات الشوكة, التي سيتضح لنا أنها في غير هذه المواطن, وتتناثر بطون القبائل العربية في جزيرة العرب على مرّ الدهور, ومن زمن غابر, إذ لا يوجد ما يحول بين القبيلة وتنقلها واستقرارها حيث شاءت, ومجاورتها لمن تشاء, سيما وبين العرب من وشائج القربى, ومن أعراف التحالف والجوار ما يُقرّب القبائل إلى بعضها البعض.
نعود للجيوش التي سيرها أبوبكر رضي الله عنه لحرب المرتدين، لقد عقد رضي الله عنه أحد عشر لواءً لقتال المرتدين في نجد وهجر والبحرين واليمن وحضرموت ومهرة وعُمان والأطراف الشمالية الغربية للجزيرة العربية
وسأستعرض خبر ستة ألوية من الأحد عشر لواءاً, لحاجتي لذكر المواطن التي وطئتها, والطرق التي سلكتها، وهي جيش خالد بن الوليد، وجيش عكرمة بن أبي جهل، وجيش شرحبيل بن حسنة، وجيش المهاجر بن أبي أمية, وجيش عمرو بن العاص، وجيش العلاء بن الحضرمي، رضوان الله عليهم أجمعين، لقد عقد أبو بكر لخالد وأمره بطليحة الأسدي, فإذا فرغ منه سار إلى مالك بن نويرة بالبُطاح, ولعكرمة وأمره بمسيلمة الكذاب، ولشرحبيل بن حسنة في أثر عكرمة ردءاً له وقال له إذا فرغت فالحق بقضاعة، وللمهاجر وأمره بجنود العنسي ومعونة الأبناء على قيس بن مكشوح المرادي, ثم يسير ومن أعانه من أهل اليمن إلى كندة في حضرموت، وللعلاء بن الحضرمي وأمره بمرتدة البحرين (الدمام والخبر)، وقبل التعرف على القبائل والمواطن التي طرقتها تلك الجيوش, وهل كان بينها عبس عنترة وذبيان النابغة، لابد من الإشارة إلى الخبر الذي أورده الطبري عن أعراب المدينة وموقف أبي بكر منهم، وقد ورد اسم عبس في هذا الخبر مرتين, وفي كلتي المرتين كان فيما أرى مقحماً من الطبري نفسه، حيث ساق الخبر عن رواته ثم قال: واجتمعت ثعلبة بن سعد ومن يليهم من مرة وعبس بالأبرق من الرَّبَذة, ويمضي في رواية الخبر وهو طويل إلى أن يقول : إن أبا بكر أخذ أهل المدينة بحضور المسجد، فلم يلبثوا إلا ثلاثاً حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل، فأتبعهم أبو بكر ليلاً إلى ذي حُسىً, فخرج على المسلمين ردء للمرتدين بأنحاء قد نفخوها فدحرجوها في وجوه إبل المسلمين فنفرت بهم إلى المدينة لا تلوي على شيء، ولم يسقط من المسلمين أحد، فظن القوم بالمسلمين الوهن, فبعثوا إلى أهل ذي القَصَّة بالخبر فقدموا إليهم، فبات أبو بكر ليلته يتهيأ, ثم خرج على تعبية من أعجاز ليلته, فما طلع الفجر إلا وهم والعدو على صعيد واحد، فاقتتلوا ليلتهم فما ذر قرن الشمس إلا ولوهم الأدبار، فأتبعهم أبو بكر إلى ذي القَصَّة، فوثب بنو ذبيان وعبس على من فيهم من المسلمين فقتلوهم، والمراد بذبيان هنا من لم يحضروا الحرب هذه وهم فزارة وأشجع, وديارهم بين ديار بني أسد وخيبر، وهنا نتساءل هل ديار عبس مع ثعلبة بن سعد في الرَّبَذة؟, أم مع فزارة عيينة بن حصن في خَيْبر؟، أم في الموضعين كليهما, ثم يقول الطبري إن أبا بكر حرم الرَّبَذة على ذبيان بعد هذه المعركة, فلما انتهت حروب الردة جاءت بنو ثعلبة وهي كانت منازلهم "الرَّبَذة", فقالوا علام نمنع من نزول بلادنا؟, فقال: كذبتم بل هي موهبي ونقذتي، وحمى الأبرق لخيول المسلمين, وأرعى سائر بلاد الرَّبَذة الناس، ثم حماها كلها لصدقات المسلمين، وهذا الخبر يدل على أن عبساً لم تكن بالرَّبَذة وإلا لخاطبوا أبا بكر فيها كما خاطبته ثعلبة، وشاهد آخر على عدم وجود عبس بهذي الديار قول زياد بن حنظلة عن هذه الواقعة:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ويوم بالأبارق قد شهدنا=على ذبيان يلتهب التهابـا
أتيناهم بداهية نسـوفٍ=مع الصديق إذ ترك العتاب[/poem]
لم يذكر عبساً ولم يعرض بها، ولو كانت موجودة في هذه المعركة ما سقط ذكرها, فعبس عنترة كانت مكافئة لذبيان في حروب داحس والغبراء, ولنفس الشاعر أبيات ذكر فيها عبساً, ولكنها لا يطمئن القلب إلى صحتها, الأمر المرجح أن جميع البطون الغطفانية في المواضع الآنفة ذمع الصديق إذ ترك العتاببيانية غلب عليها اسم غطفان.
ويقول الطبري: ولما فضت عبس وذبيان أرزوا إلى طليحة وقد نزل على بُزاخة، وسنرى بتتبع خبر جيش خالد بن الوليد وما آلت إليه الحرب بينه وبين أسد وغطفان أن اسم عبس مقحم هنا كما أقحم في خبر الرَّبَذة, أحسب الطبري ظن في الخبر نقصاناً, فكيف تذكر ذبيان ولا تذكر عبس معها, وهما في أخبار داحس والغبراء متلازمان؟!, فاحتاط لخبره بإقحام اسم عبس فيه, مخافة أن يكون سقط من الراوي.
لا شك أن الجيوش التي سيرها أبو بكر رضي الله عنه كانت قليلة العدد بسبب تفرقها إلى أحد عشر لواءاً، وبسبب قلة العدد كانت الغلبة لمسيلمة الكذاب على جيش عكرمة وشرحبيل من بعده إن صح خبر الطبري، وأشك في صحته فيما يخص شرحبيل على وجه الخصوص, يقول الطبري إن عكرمة بن أبي جهل سار إلى اليمامة وواقع بني حنيفة فنكبوه، فكتب إلى أبي بكر بالذي كان من أمره, فكتب إليه أبو بكر أن لا يرجع فيوهن الناس, وأن يمضي على وجهه فيساند حذيفة وعرفجة, فيقاتل معهما أهل عُمان ومهرة، وإن شغلا فيمضي حتى يلتقي والمهاجر بن أبي أمية باليمن وحضرموت.
وأما شرحبيل بن حسنة, فحين وصل اليمامة, يقال إنه أصيب بما أصيب به عكرمة, فكتب إليه أبو بكر أن يقيم حيث هو حتى يلحق به خالد بن الوليد فيجتمعا على حرب مسيلمة, فإذا فرغا منه فيلحق بعمرو بن العاص لحرب قضاعة
وأحسب أن إقامته في اليمامة, إلى حين لحق به خالد, تدل على عدم حدوث حرب بينه وبين بني حنيفة, وإلاّ لصابحوه وماسوه وشردوا بجيشه في صحاري نجد جيش مهزوم يتنعم بالإقامة في أرض عدوه خبر فيه وهن؟!, والمرجح أنه أُمر أن لا يبادئهم بحرب.
وقد مضى عكرمة كما أمره أبو بكر من اليمامة إلى عمان, فإلى مهرة وحضرموت, فإلى أبين قرب عدن, ولم يرد ذكر لعبس في أي قطر من هذه الأقطار، وقد ورد ذكر لناجية والأزد وراسب وعبدالقيس في حروب عمان
وَوجود عبدالقيس في عمان, يؤكد قولي إن بطون القبائل العربية متناثرة في جزيرة العرب منذ أزمنة سحيقة، وجاء النسابون في عصر متأخر, فاختلقوا أنساباً سلسلوها إلى أبينا إسماعيل, وجاء آخرون فسلسلوا انساباً إلى نبي الله هود، دون أن يرجعوا في ذلك إلى كتاب مدوّن, أو حتى نقش في صخر، وبينهم وبين عاد ما لا يقل عن خمسة أو سبعة آلاف سنة, ناهيك عن أن الأسماء التي سلسلوها إلى نبي الله هود لا تبلغ أعمار أجيالهم ربع هذه المدة, والله أعلم إن كان أصحاب المراجع التي أخذت عنها هذه الأنساب خطتها أقلامهم أم دست عليهم من أعدائنا.
أما مسير خالد بن الوليد فكان من المدينة المنورة إلى بلاد طيء ونزل أجأ وقيل سلمى، وسار إلى الأُنسر, فاجتمع له من طيء ألف وخمسمائة مقاتل, يتقدمهم عدي بن حاتم "ابن حاتم الطائي"، ومن بلاد طيء سار إلى بُزاخة, حيث اجتمعت أسد وفزارة على طليحة الأسدي، وبعد أن هزم الله أسداً وفزارة أقام خالد بن الوليد أياماً بديار أسد, حتى استتب الأمر, وفاءوا إلى أمر الله, ومن بُزاخة سار إلى الحَوْأب, لقتال سلمى بنت مالك بن حذيفة بن بدر الفزارية, وقد اجتمع إليها قبائل غطفان وهوازن وسليم وأسد وطيء، وبعد هزيمة سلمى سار إلى البُطاح وقد تفرقت عنها يربوع بأمر من مالك بن نويرة، ثم كان ما كان من قصة قتل مالك، ومن البُطاح سار إلى اليمامة للقاء مسيلمة وبني حنيفة، وانضم له في اليمامة شرحبيل بن حسنة، وعسكر مسيلمة من اليمامة بقرية يقال لها عَقْرَباء، لا أظن موضع هذه القرية معروفاً, فلو عرف لوجب بناء سور على قبور ستمائة صحابي قتلوا في هذه المعركة، رضوان الله عليهم وعلى أبي بكر وعامة صحابة رسول الله, فلما فرغ خالد من مسيلمة سار إلى العراق, وعرج على دومة الجندل
ولم نسمع في أي قطر من هذه الأقطار التي وطئتها جيوش خالد ذكراً لعبس، فقد ذكرت أسد وغطفان وهوازن وسليم في الحجاز وما حول المدينة، وفي نجد من جبليّ أجا وسلمى, إلى نهاية اليمامة, ذكرت طيء وتميم وبنو حنيفة، وعدم وجود ذكر لعبس في هذه المواطن يؤكد أنها لم تكن بالقصيم كما يدعي الهمداني ومن تلقف هذه الكلمة من المتأخرين،وخلال تتبعي مسير جيش خالد لم أقع على ذكر لبكر بن وائل في اليمامة, ولا في ما بينها وبين جبلي طيء، أقصد شيبان وبني محلم وبني همام الحرث وأسعد وغيرهم, لا أدري إن كان الخطأ مني, أم أنهم سكنوا اليمامة بعد حروب الردة, وبعد الفراغ من مسيلمة لحق شرحبيل بن حسنة بعمرو بن العاص في دومة لحرب قضاعة، والغريب في أمر جيش عمرو بن العاص سكوت المؤرخين عنه حتى لا يعرف عن وقائعه شيئاً، وإذا كانت وجهته دومة الجندل كما قيل, فكيف أن خالد بن الوليد حين فرغ من الحيرة وتوجه إليها وقتل أكيدر بن مالك, كانت دومة في أكمل عدد وعدة, ولم يلتق لا عمرو بن العاص ولا شرحبيل بن حسنة، يغلب على الظن أن وجهة جيش عمرو بن العاص كانت شمال غرب جزيرة العرب, وكذلك شرحبيل, وياقوت الحموي في كتابه – المشترك وضعاً والمفترق صقعاً – يقول إن دومة التي أغار عليها خالد وقتل رئيسها أكيدر كانت في العراق، أي ليس هي دومة الجندل التي في منطقة الجوف
أيّ أن هناك دومتان, واحدة في بادية الشام, وأخرى في العراق,كلتاهما تتبع أكيدر بن مالك, أحسب أن انقطاع خبر جيش عمرو بن العاص حمله على هذا القول وأظنه فيها مخطئاً.
أما جيش العلاء بن الحضرمي فكانت وجهته مرتدة هجر والبحرين "المنطقة الشرقية", وقد سلك الدهناء, وانضمت إليه جموع من تميم، فلما فرغ من هجر والبحرين, خاض بجيشه البحر إلى دارين " جزيرة البحرين", فقطعوا البحر بالخف والحافر, آية من الله ومِنّة، ومن القبائل التي ورد ذكرها في المواطن التي وطئها جيش العلاء، تميم في اليمامة, وفي هجر والبحرين عبدالقيس وبكر بن وائل وعجل وتيم اللات وعنزة بفتح العين والنون والزُّط والسباجة, والسباجة قوم من السند يستأجرون للحرب ثم سكنوا تلك الديار، أما الزُّط فناس من الهند استوطنوا الساحل الغربي للخليج العربي, وهم حرفيون في الغالب, وبكر بن وائل وعبدالقيس في هجر والبحرين يعرفون بربيعة، ولذلك يخطئ البعض فينسب أحداث تغلب في الجاهلية إلى هذا القطر، وليس من تغلب أحد بالساحل الغربي للخليج العربي، إنما هم في سراة وتهامة عسير إلى قرب حلي بن يعقوب, وفي شمال مقاطعة جيزان, وفي الجزيرة الفراتية بين الشام والعراق, ويلاحظ من أسماء القبائل آنفة الذكر أن ليس منها عبسي واحد.
أما المهاجر بن أبي أمية فقد فصل من المدينة إلى مكة, ثم إلى الطائف, ثم مضى قاصداً اليمن وحضرموت, حتى حاذى نجران، وكان سبقه إلى نجران جرير ابن عبدالله, حيث فل في طريقة جموع المرتدين غضباً لذى الخلصة, من خثعم وبجيلة وأزد شنوءة, ومن تأشب لهم من الأزد والقبائل الأخرى "جميع هذه القبائل في عسير وما حولها"، "من جبل شمرخ إلى جبل الصحن وما سامتها من تهامة", ولما حاذى المهاجر نجران انضم إليه جرير, وسار المهاجر حتى جاوز صنعاء, وتعقب الفالة اللحجية التي كانت تعيث في اليمن فساداً، وقد ورد ذكر لقبائل عربية عديدة في البلدان التي مر بها المهاجر أو جرير بن عبدالله، منها خثعم وبجيلة وأزد شنوءة والأزد وبني الحارث وكندة وغيرهم، ولم يرد ذكر لأي بطن من بطون عبس في البلدان التي وطئتها جيوش المهاجر وجرير بن عبدالله من المدينة إلى الطائف مروراً بمكة فإلى صنعاء فإلى حضر موت.
الأقطار التي وطئتها الجيوش الإسلامية في حروب الردة وسلف بيانها تشمل عامة هضبة نجد, والساحل الغربي للخليج العربي, وجبال السروات, ومهرة وعمان, وحضرموت والشحر، أما تهامة فلم تكن بها ردة, إلا ما كان من مدلج في تهامة الحجاز, وكان عليهم عتّاب بن أُسيد, وقد ركب من ارتد بمن ثبت على إسلامه وأعادهم إلى الجادة, كذلك ما كان من عك ومن تأشب إليهم من الأشعريين وعرفوا بالأخابث, وأرضهم زبيد وصُحار "سحار" وما حولها في الجمهورية العربية اليمنية، وكان عليهم الطاهر بن أبي هالة, فركب من ارتد بمن ثبت على إسلامه, وقتلهم شر قتلة, ولم يرد ذكر لعبس لا مع مدلج ولا مع عك والأشاعرة.
وإذا كنّا قد تبينا من واقع إستعراضنا لحروب الردة عدم وجود قبيلة عبس في أي من الأقطار آنفة الذكر, فاحتمال أن تكون في قُطْرٍ لم تكن فيه ردة ولم تطئه جيوش أبي بكر هو المرجح، لذا تبدَّى لي أن أستعرض مواطن كل قبيلة اسمها عبس أو ذبيان في وقتنا الحاضر, أو في اسمها ما يشير إلى أحد الاسمين
ثم أطبق أسس بحثي التي بينتها في مقالي عن مملكة حجر بن عمرو الكندي, لعلنا نجد موطناً تنطبق عليه دلالات شعر القبيلتين، فيكون حكمنا عليه أنه موطن عبس عنترة وذبيان النابغة بمنطق يقر به العقل, لأن الاستشهاد فقط بأسماء المواضع يدخلنا في جدل لا ينتهي, كل سيقول كانت تلك القبيلة في قطري, فهاهي المواضع الواردة في أشعارهم أو بعضها, ففي تهامة كثير من المواضع التي وردت في الشعر الجاهلي وقيل إنها في نجد, ولا تخلو السراة من نفس المواضع أو بعضها, ولو أردت الاستشهاد بها ليس إلاّ لكانت حجتي مكافئة للآخرين, ولكني أريد حجة دامغة أحسم بها الجدل, والذي جعلني أقرر استعراض مواطن القبائل التي تعرف بعبس وذبيان في وقتنا الحاضر, كون جزيرة العرب فقيرة الموارد, وبسبب شح مواردها تتشبث كل قبيلة بمواطنها التي تتوفر فيها مقومات حياتها, إلاّ أن تحترب القبيلة فيخرج منها البطن المهزوم, وهذا يعني أن القبائل العربية باقية في عين مواطنها الأصلية, أو التي هاجرت إليها البطون المفارقة لقبيلتها بسبب الحرب أو الجوع, وهذه البطون المهاجرة في الغالب تدخل في جوار أو حلف قبيلة أخرى
فتصير منها, مع احتفاظها باسمها, والعرب يسمون مثل هذه البطون نواقل, جمع ناقلة, ومع تقادم العهد نُسي كثير من هذه الأحلاف والجوار, وهذا ما جعل النسابون يخترعون فرية شمال عدناني وجنوب قحطاني, وأكثر هذه الهجرات كانت قبل أن يأمن العرب بالإسلام بأس بعضهم, ولهذا السبب فأنا في كتاباتي عن مواطن القبائل العربية في العصر الجاهلي أضرب بعلم الانساب عُرض الحائط, كفى به زوراً أن يطعن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاهتمامي يرتكز علي اسم القبيلة لا على نسبتها أنّى وجدت, فإذا وجد الاسم وانطبقت أسس البحث على القطر الذي هي فيه, حكمت أنها القبيلة التي تنسب إليها الأحداث الغابرة, دون اكتراث لموطنها عند الرواة والمؤرخين, كما أني على قناعة أن القبائل العربية مختلطة المواطن في شمال الجزيرة وجنوبها, قبل علم الأنساب بآلاف السنين, بقحطانيها وعدنانيها، وكان العرب في الجاهلية يسمون أنفسهم أبناء معد, بفتح الميم والعين, من كان في شمال الجزيرة ومن كان في جنوبها, ويرون أنهم متكافئو النسب, لم يفخر عربي بقحطانية ولا عدنانية, وجاء الإسلام وهم على ذلك, ومن شاء فليرجع إلى الشعر الجاهلي، سأضرب مثلين اثنين أؤكد بهما كذب علم الأنساب وأهله، وأولهما قول ابن هشام في المجلد الأول من السيرة عن نسب خولان " خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، ويقال خولان بن عمرو بن مرة بن أدد بن زيد بن مهسع بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان " وكهلان غير قضاعة, ويقال خولان بن عمرو بن سعد العشيرة بن مذحج " وما يقال عن خولان يقال عن أي قبيلة عربية شئت، فهم ينسبون القبيلة تبعاً لموقعها, أو إلى القبيلة التي دخلت معها في حلف أو جوار, دون الاستناد إلى حقيقة علمية أو آثارية مدونة, وأي باحث يتجرد من الهوى والعصبية, ويتخذ الحجة والمنطلق عماد بحثه, لا يتخذ من علم الأنساب شاهداً أو دليلاً، لأنه بني على غير أساس علمي أو عقلي, ولم يسلم من كيد الأعداء, أما المثل الثاني الذي أريد أن أضربه, فأريد منه توكيد قولي عن تداخل القبائل العربية في شمال الجزيرة وجنوبها, فقد ذكر الطبري في أخبار ردة اليمن, وحروب الردة من تاريخنا المدون، قال في خبر فيروز وقيس بن مكشوح حين سير قيس عيالات الأبناء "فيروز وأقاربه" في البر والبحر لإعادتهم إلى فارس, وكان قيس قد ارتد فيمن أرتد في ردة اليمن الثانية, قال الطبري: " وقام فيروز في حربة وتجرد لها وأرسل إلى بني عُقيل بن ربيعة بن عامر بن صعصة رسولا بأنه مفتخر بهم يستمدهم ويستنصرهم في ثقله على الذين يزعجون أثقال الأبناء, فركبت عُقيل وعليهم رجل من الحلفاء يقال له معاوية, فاعترضوا خيل قيس, وتنقذوا أولئك العيال إلخ ", ويوحي هذا الخبر أن عُقيلاً في تهامة غير بعيد عن عك، ولا يزال منهم بيوت في مقاطعة جيزان وتهامة اليمن إلى يومنا هذا, ولكننا لا نجد عند النسابين ذكراً لعقيل إلا في شمال الجزيرة العربية, تبعاً لفرية تقسيم جزيرة العرب إلى جنوب قحطاني وشمال عدناني، والذي يتتبع فرية هذا التقسيم يترجح لديه أن أيادي الأعداء امتدت إلى مخطوطات بعض الكتب التي اعتمدناها مراجع علمية, كصفة جزيرة العرب للهمداني, حيث فيها من الأقوال ما لا يمكن للهمداني أن يقوله, سيما وأكثر نسخ المراجع جئ بها من مكتبات الغرب, وغاية الأعداء تقسيمنا إلى فريقين, أحنقهم أن يصهرنا الإسلام فريقاً واحداً, وأضل شيء في حديث الأنساب تسمية العرب إلى عاربة ومستعربة, أي أن أبناء إسماعيل عجم وأبناء هود عرب والله جلّ جلاله يقول "ذُرِّيـّـة بَعْـضُـهـا مِــنْ بَـعْـض" آل عمران.
مواطن القبائل العبسية في وقتنا الحاضر:
أولاً توجد قبيلة تسمى عبساً في ما يجاور مدينة تعزّ باليمن, في منطقة جبلية، وليس معها أو بجوارها أي قبيلة تحمل اسم ذبيان أو غطفان، كما توجد قبيلة أخرى تعرف بعبس في سهل تهامة, في اليمن بالقرب من الحدود السعودية وحاضرتهم مدينة حرض, وأرضها سهل مطمئن، ولا يوجد بقربها أو معها أي قبيلة في اسمها ما يشير إلى ذبيان أو غطفان، وتوجد قبيلة تسمى عبساً في حزون منطقة جيزان من قرية الحقو ( بفتح الحاء وضم القاف) شمالاً، إلى وادي ضمد جنوباً ، وأهم قراهم الجوف، وكانت بوادي ضمد مدينة تاريخية تعرف بهجر بفتح الهاء والجيم, ذكر العقيلي في معجمه أن بعض أطلالها باقية إلى يومنا هذا، وقد ورد في أخبار عبس في الكامل التجاؤهم إلى هجر, ويجاور عبساً هذه من الشرق قبيلة الريث، ومعلوم أن لاريث في القبائل العربية ألا ريث بن غطفان، وقبل العهد السعودي الذي أمَّن البلاد والعباد وأحيا مثل الإسلام, وإبان الحروب القبلية، كانت دعوى هذه القبيلة يا آل الحُطَيط, وكتب التاريخ تذكر حلفاً في الجاهلية بين ذبيان وآل الحطيط "بضم الحاء" بن ثقيف, وثقيف هو منبه، وفي هذه الكلمة إشارة إلى هذا الحلف, وإلى اختلاط هذين الحيين "الحطيط وذبيان" وغلب عليها اسم الريث بعد ذلك, ومن مقتضيات المنطق, أن أطبق بحثي على هاتين القبيلتين "عبس وقبائل الريث", أولاً على أنهما القبيلتين اللتين خاضتا حرب داحس والغبراء
ومنهما كان عنترة والنابغة الذبياني، لعدم وجود عبس وذبيان متجاورتين في غير هذا الموطن، فإذا خالف موطنهما أسس البحث, رجعنا للقبائل العبسية التي لا يجاورها أي اسم لذبيان, كما توجد بضع أُسر في تهامة عسير قرب قرية خاط يعرفون بعبس، ويوجد شرق مدينة الليث في جبال الغور الواطئة قبيلة تسمى ذبيان, ولاشك أنها بطن من ذبيان، والموضعان متباعدان, أما القبائل التي تعرف بمرة فموجودة في حضرموت وفي الساحل الغربي للخليج العربي، ومعلوم أن مرّة من ذبيان, ولا يوجد في هذين القطرين أيّ بطن من عبس, وقد اتضح لنا ذلك في حروب الرِّدة, وقبل تطبيق منهاجي على تلكما القبليتين "في حزون منطقة جيزان" سأقدم وصفاً لتضاريس موطنهما لنحكم بعد الاستشهاد ببعض أشعار عبس وذبيان على مدى موافقة أو مخالفة تلك التضاريس لما ورد في أشعار القبيلتين
فإذا وافقت التضاريس شعر القبيلتين دعمتها بأسس البحث الأخرى.
تقع مواطن عبس المشار إليها في الطرف الشرقي لحزن منطقة جيزان, أقرب إلى جبال الغور, بطول أربعين إلى خمسين كيلاً وعرض عشرين كيلاً تقريباً, وهي أرض قُف تتخللها أودية وشعاب وبعض الجبال منخفضة الارتفاع وفيها حرّات وبعض الأخياف, ومناخ هذا الحزن هو مناخ تهامة المختلف عن مناخ السراة ونجد، وشرقي الطرف الشمالي لهذا الشريط الحزني تقع مواطن قبائل الريث, حيث تمتد شرقاً داخل جبال الغور بمقدار أربعين كيلا طولا ومثلها عرضا، وتقع في هذا الحيز جبال عالية الارتفاع, لعل أهمها جبل القهر الذي يبلغ ارتفاعه ألف وثمانمائة متر فوق سطح البحر، وفي هذا الجبل عجائب قد لا يصدقها القارئ، أولها أن جهتيه الغربية والشمالية صخرة واحدة ملساء من قعر الوادي إلى قمته, لا يمكن أن يرقاها إنسان أو حيوان، الثاني أنه ليس له من مسلك غير طريق واحدة, لا يعرفها غير أهله, ويمكن سدها عند الحاجة، تتصل بالسهل لا بالسراة, الأمر الثالث أن قمة الطرف الغربي من هذا الجبل نجد مستو واسع فيه المساكن وقليل من المزارع, الرابع جبل القهر هذا دائري يطيف بأرض فيها الحداب والجبال والأودية والمزارع, لا يمتد طولياً شأن الجبال الأخرى, وهو مستقل بذاته غير متصل بجبل أو سراة، لذلك فأهل هذا الجبل يقضون الصيف في قمته المستوية, وإذا حل الشتاء نزلوا إلى مساكنهم في الأرض التي يطيف بها الجبل, وهذه الصفة توافق صفة أرض ثمود ومصيفهم ومشتاهم عند الطبري, فهم بداخله في حجر حصين الوصول إليهم غير ميسور، وتوجد في تلك الأرض التي يحيط بها الجبل شواهد كثيرة تدل على أن ثمود كانت هناك لا في حجر المدينة, الخامس يوجد في هذا الجبل كهوف حصينة وواسعة من صنع الإنسان، ويغلب على الظن أن جبل القهر هذا كان لطيء, وكانت تغير منه على عبس وذبيان في السهل, ثم يعودون ويتحصنون فيه، فلقيت غطفان منهم أذىً كثيراً, فتربصوا بهم حتى نزلوا إلى سهل تهامة واستولوا عليه، فلما عادت طيء إلى الجبل وجدت ذبيان قد احتلته, وعجزوا عن إخراجهم فنزحوا إلى شمال الجزيرة ، هذا ظن غالب لديّ لا أجزم به لأنه يحتاج إلى بحث في بطون الكتب لتوكيده أو نفيه, والقبائل التي تجاور عبساً وذبيان في المواضع آنفة الذكر من الغرب قبائل تعرف بقبائل عُصَيرة, بضم العين وفتح الصاد, عند النسابين أعصر " منبه " بن سعد بن قيس عيلان, وفي خبر مقتل شأس إبن سيد عبس - زهير بن جذيمة - أنه قتله قوم من غني بن أعصر, لأنه مر بمياههم, ذكر ذلك ابن الأثير في الكامل, وعند الهمداني عُصير من قحطان، والهمداني يختلق أنساباً على أساس فرية الشمال والجنوب، ولا شك أن بعض ما ورد في صفة جزيرة العرب من وضع الأعداء, ومن الشرق تجاورهما قبائل من خولان قضاعة ومن قحطان، ومن الشمال قبائل من قحطان وأنمار "شهران" وربيعة, والجدير بالذكر أن عبساً وذبيان كانتا قبل هذه المواطن في مدينة الدرب أو قريباً منها, بين واديي بيض وعتود، مجاورين بني أسد عسير, فلما ثارت حرب داحس والغبراء حالفت ذبيان أسداً "قبائل عسيرية من وادي عدوان في السراة إلى جبل ضَنَك بفتح الضاد والنون, في صفة جزيرة العرب "ضنكان", شرق البحر حسب قول الأستاذ هاشم سعيد النعمي بخمسة وعشرين كيلاً, فأجلوا عبساً إلى مواطنها الحالية في الحزن الخشن السالف، وفي ذلك يقول النابغة ممتدحاً أسداً:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فدع عنك قوما لا عتاب عليهم=هم ألحقوا عبسا بأرض القعاقع[/poem]

والقعاقاع الأرض الخشنة الصلبة, ثم لحقت ذبيان بعبس فيما بعد ربما بسبب حرب مع ربيعة أو أسد، وفي ذكر بيض وعتود نسب ابن بلهيد في معجمه هذا البيت إلى عروة بن الورد العبسي وبعضهم ينسبه إلى غير عروة :

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ونحن منعنا بين بيض وعتود=إلى خيف رضوى من مجر القبائل[/poem]
وهذان الواديان في الطرف الشمالي لمقاطعة جيزان، وقد ذكرت في مقالي عن الملك حجر بن عمرو الكندي أن بني هلال وكنانة تجاور أسدا من الشمال والشمال الغربي، في عَمِق و البِرْك ووادي حلي, وسوف نستعرض أشعار عبس وذبيان للاستشهاد على ما سلف ذكره من التضاريس وقبائل الجوار ونتم استشهادنا بالمناخ والشجر.

أولاً/ شواهد قبائل الجوار :
في مقالي عن مملكة حجر بن عمرو كنت أرى أن زهير بن جناب كان في سراة جنب, وسراة جنب تقع جنوب جرش, وجرش مدينة قديمة غير بعيد عن أحد رفيدة المعروفة الآن، وبإمكان مؤرخو وجغرافيو عسير أن يصححوا لي هذه المعلومة, لعل منهم من حدد موضعها, وقد حارب زهير بن جناب عبساً وذبيان وانتصر عليهم، حين كانوا بين بيْض وعتود فيما أرى, وكانوا قبله قد حاربوا صداء وانتصروا عليها, وصُداء بضم الصاد قبيلة يمنية مذحجية في سراة اليمن وتهامتها، ولا يوجد في الحجاز ولا في نجد من صُداء أحد في قديم الزمان وحديثه, فكيف تحاربها عبس وذبيان وهي في اليمن وهم في خيبر وزهير في دومة في بادية الشام, حسب قول المؤرخين, هذا غير ممكن والأقرب إلى العقل ما ذهبت إليه من أن زهير بن جناب كان في سراة جنب, لا في دومة الجندل، وأن عبساً وذبيان هي هذه القبيلة الموجودة في شرق وشمال شرق جيزان، غير بعيد عنه, وأنا لا أنفي ذبيان خيْبر والمدينة ولكني أقول إن أصحاب داحس والغبراء هم هاتان القبيلتان, فالحروب القبلية لا تقوم إلاّ بين متجاورين, وإمكانيات القبيلة لا تتجاوز محيطها, واجتياز مثل هذه المسافة لا تتجشمها إلاّ جيوش الملوك للفتوحات أو لتأديب الخارجين على السلطان, الممتنعين عن دفع الإتاوة, قال زهير بن جناب عن حربه تلك:

[poem=font="Simplified Arabic,4,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ولو لا صبرنا يوم التقينـا=لقينا مثل مـا لقيت صـداء
غداة تضرعوا لبني بغيض=وصدق الطعن للنوكي شفاء[/poem]

وينسب للربيع بن زياد العبسي قوله يعاتب فزارة لقبولها جوار قيس بن زهير أحد سادات عبس وقد كان على خلاف معه:

[poem=font="Simplified Arabic,4,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ألا أبلغ بني بدر رسولا=على ما كان من شنأ ووتر
بأني لم أزل لكم صديقا=أدافع عن فزارة كل أمـر
أسالم سلمكم وأرد عنكم=فوارس أهل نجران وحجر[/poem]
نجران تقع في جنوب المملكة, وقبائل حجر بفتح الحاء وسكون الجيم في سراة جنب وفي سراة حجر في عسير، ويقطن الأخيرة قبائل باللسمر وباللحمر وبنو شهر وبنو عمرو, أما ألمع وهي من حجر ففي جبال الغور من عسير
وعبس وذبيان في جيزان مواطنهم في تهامة سراة جنب، والأبيات الأنفة تتحقق في مثل هذا الجوار, ولا يعقل أن أهل نجران كانوا يغيرون على ذبيان خيبر ثم يعودون إلى نجران, وبين نجران وخيبر أكثر من ألف وخمسمائة كيلومتر وعدد لا يحصى من القبائل سيتخطفون أهل نجران في ذهابهم وإيابهم, وأظن الربيع بن زياد عنى بحجر من كان في سراة جنب, فكثيراً ما خضعوا لنجران.
وقال النابغة عن الحلف بين ذبيان وأسد:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ليهنئ بني ذبيان أن بـلادهم=خلت لهم من كل مولى وتابع
سوى أسد يحمونها كل شارق=بألفي كمي ذي سلاح ودارع[/poem]

وأسد موجودة في أماكن كثيرة من جزيرة العرب منها سراة وتهامة عسير، ولا اعتبار عندي أن يقال أسد خزيمة بن مدركة وأسد بن ربيعة بن نزار وأسد مراد وغيرهم فالنسابون اختلقوا أنساباً على أساس التقسيم الجغرافي لا حجة فيها ولا دليل غير عصبية بغيضة.
وكان النابغة قد حذر قومه مغادرة مواطنهم الحصينة لأن عدوهم من قضاعة يتربص بهم فلم يطيعوه فأصابهم ما حذرهم منه فقال في ذلك:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لقد نهيت بني ذبيان عن أُقر=وعن تربعهم في كل أصفار
فقلت يا قوم إن الليث منقبض=على براثنه لعدوة الضاري[/poem]
ويقول عن ذلك العدو:

[poem=font="Simplified Arabic,4,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ساق الرفيدات من جوش ومن حدد=وماش من رهط ربعي وحجار[/poem]
وبنو رفيد وربيعة وحجور جميع هذه القبائل توجد متجاورة في سراة جنب وسراة وتهامة عسير، وعبس وذبيان تجاورهم في جيزان, في المناطق التي ذكرت آنفاً، ولا توجد هذه القبائل على هذا التجاور في أي موضع آخر, ولاشك أن قصيدة النابغة هذه قيلت بعد أن سكنت ذبيان الجبال وفارقت عبساً, وهذا العدو الذي يحذر النابغة قومه منه ليس زهير بن جناب, لا أظن النابغة أدرك زهيراً, وأظنه وَبْرة ابن رومانس الكلبي أخو النعمان لأمه, كان على نجران بعد أن أزال المناذرة ملك كندة عن عسير, يقال إنه أسر يوم السلان أسرته عامر, يبدو لي أنه كان يجبي الإتاوات من القبائل للمناذرة, وسبب حربه مع بني عامر امتناعهم عن دفع الإتاوة, أو التعرض لقوافل المناذرة التجارية في مواسم الحج, أو تلك التي تتجه إلى نجران وعسير.

ثانياً: شواهد التضاريس:-
في وصفي الآنف لمواطن عبس قلت إنها حزن خشن فيه جبال متوسطة الإرتفاع يقول عنترة:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وتحل عبلة بالجواء وأهلنا=بالحزن فالصمان فالمتثلم[/poem]
يقول الشراح إن الجواء والصمان والمتثلم مواضع بنجد, ومرادهم أن عنترة أراد أن يذكر مواطنه ومواطن عبلة ذكراً جغرافياً ليس إلاّ, ولا أرى إلا أن عنترة أراد المقابلة بين موطن عبلة في سهل مطمئن من الأرض " الجواء " وهم في حزن خشن، ليقدم ملمحاً إلى أنها منعمة, وهو بضد ذلك, لأنه يقابل بعد ذلك بين حاله وحالها فيقول:

[poem=font="Simplified Arabic,4,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وتظل عبلة في الخزوز تجره=وأظل في حلق الحديد المبهم
تمسى وتصبح فوق ظهر حشية=وأبيت فوق سراة أدهم ملجم[/poem]
الخز الحرير والحشية الوسادة أو النمرقة.
والديار التي كان فيها الحيان بين بيض وعتود حيث لا تزال عبلة حين قال عنترة هذه الأبيات, قبل أن تلحق ذبيان بأخوتهم عبس, سهل مطمئن من الأرض, وكل سهل مطمئن يسمى جواءً بكسر الجيم, أي أن الجِواء هنا ليس موضعاً بعينه
ومن نافلة القول إن عبلة ذبيانية وليست عبسية كما يزعم الرواة، لأن عنترة يقول:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
علقتها عرضاً وأقتل قومهـا=زعماً لعمـر أبيك ليس بمزعـم
حالت رماح بني بغيض دونكم=وزوت جوابي الحرب من لم يجرم[/poem]
وليس في أشعار عبس وذبيان ما يشير إلى حرب عبسية عبسية زمن عنترة، بل كانت الحرب بين عبس وذبيان، وعبس وذبيان كلاهما أبناء بغيض بن ريث بن غطفان, وعنترة حين يقول حالت رماح بني بغيضٍ تصح في ذبيان, وأغار قوم على عبس ثم صعدوا بعض الجبال وأخطأوا الطريق فتهوروا من فوق الجبل وهلكوا جميعاً ، وفي ذلك يقول عنترة بن شداد :

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
كأن السرايا يوم نيق وصـارة=عصائب طير ينتحين لمشرب
شفى النفس مني أودنا من شفائها=تهورهم من حالق متصوب[/poem]

وتضاريس القصيم ليست على هذه الصفة فهي أرض منبسطة، وهلاك هذه السرايا على هذه الحال لا يتحقق في عامة نجد، فليس في نجد من الجبال إلا طويق وهي جبال ترابية رخوة لا مزالق خطرة فيها شأن جبال الغور.
ويقول النابغة معبراً عن جسارته في إجتياز الأرض الموحشة:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ومهمة نازح تعوي الذئاب به=نائي المياه عن الـوراد مقفار
جاوزته بعلنــداة مناقلــة=وعر الطريق على الحزان مضمار[/poem]

إن هذا الطريق الضامر الوعر الذي تقطعة ناقة النابغة مناقلة, لا يكون إلا في منحدرات أودية وشعاب وقلل وجبال, في أرض خشنة, وقد بينت صفة جبل القهر الذي تسكنه قبائل الريث, وكيف أنه صخرة واحدة لا يرقاها إنسان أو حيوان, وقد نوه النابغة عن مفارقة ذبيان عبساً وسكناهم الجبال العظام.
قال النابغة :

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أبلغ بني ذبيان أن لا أخالهم=بعبس إذا حلوا الدماخ فأظلما[/poem]
والدماخ الجبال العظام، وفاعل حل بنو ذبيان لا عبس كما توهم الشراح، فهو يحذرهم مفارقة إخوانهم عبس, والتحول عن السهل الذي يجمع القبيلتين, إلى الجبال العظام التي تجعل نجدة أحدهما للآخر مستحيلة.
ويغلب على الظن أن عنترة مات قبل أن تلحق ذبيان بعبس في ديارهم الحالية ولعل نبوغ النابغة كان بعد حرب داحس والغبراء وصلح القبيلتين, فليس في شعره ما يدل عليها, لذلك أظن عنترة متقدماً على النابغة بعض الشيء.
وقال النابغة:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وحلت بيوتي في يفاع ممنـع=تخال به راعي الحمولة طائرا
تزل الوعول العصم عن قذفاته=وتضحي ذراه بالسحاب كوافرا[/poem]

وليس في نجد ولا في ما بين المدينة وخيبر جبل على هذه الصفة, وأقرب وصف لجبل القهر "السالف ذكره" الذي تحله قبائل الريث في شعر النابغة قوله:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
إما عصيت فإني غير منفلـت=مني اللصاب فجنبي حرة النار
فموضع البيت في صماء مظلمة=بعيدة القعر لا يسري بها الساري
تدافع النــاس عنا حين نـركبها=من المظالم تدعى أم صبار[/poem]
اللصب بكسر اللام في لسان العرب مضيق الوادي والشق في الجبل دون اللهب وأوسع من الشعب, والمراد بالشق في الجبل واللهب الشقوق التي يحدثها إنحدار السيول، ولا تزال كلمة لصب دارجة على ألسن قبائل الريث, ولكن بفتح اللام
والصماء الصخرة الملساء، ويتفق هذا البيت مع صفة جبل القهر، ويروى هذا البيت في سوداء مظلمة بدل صماء, وتقيد العير بدل بعيدة القعر, والشراح فسروا أم صبار بالداهية, ولكني وفي هذا البيت على وجه الخصوص أظن الضمير في فعل – تدعى- يعود للصخرة التي يركبونها "الجبل" إذا غشيتهم المظالم فلا يصل إليهم الأعداء, فهي تدافع عنهم دفاع الأم عن بنيها, فهي أمٌ ولكن لمن صبر على وعورتها ومشقة العيش فيها, فالصخرة "الجبل" هي أم صبار, وليست الداهية
وبين هذه الكنية "أم صبار" وتسمية الجبل بالقهر تقارب.

ثالثاً: شواهد الشجر:-
قال مسافر العبسي يصف إبلاً:
[poem=font="Simplified Arabic,4,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]

عبسية لم تـرع طلحاً مجعما=ولم تواضع عرفطاً وسلما
لكن رعين الحزن حيث أدلهمما=بقلا تعاشيب ونوراً توأمـا[/poem]
الشجر المجعم المرعي, الذي لم تبق إلا أصوله، والعرفط من العضاه بينه وبين السلم شبه يسير, إلا أنه كريه الرائحة, إذا رعته الإبل خبثت جِرَّتُها، فإذا اجترت وجد لأنفاسها ريح كريهة، وهو من شجر الحزن, ويكثر في أطرافه الغربية الأقرب إلى السهل اللين, ومراد الشاعر أن هذه الإبل ليست سروية ترعى الطلح
ومنابت الطلح السراة, ولا سهلية ترعى العرفط, بل حزنية ترعى أفضل المرعى وأخصبه.
وقال عنترة :

تسعى حلائلنا إلى جثمانه=بجنى الأراك تفيئة والشُّبرم

جنى الأراك الكباث، والأراك من شجر تهامة في السهل والحزن، وقد يوجد في عروض نجد كبيشة ورنية والخرمة في هيئة شجيرات متفرقة ضعيفة، وأما الشبرم بضم الشين وسكون الباء فشجر شبيه بالشبرق إلا أنه يبسط سيقانه على الأرض حبالاً, قد يصل طول الواحد منها ثلاثة أمتار, وله زهرة حمراء، أكبر قليلاً من زهرة الشبرق, وله شوك كشوك الشبرق, ولحاء جذوره يستعمل مسهلاً
حيث يدق ويداف في اللبن الرائب, وهو من شجر تهامة خاصة, وهو في الحزن والسهل اللين، ويوجد في مواضع محددة يستوطنها, لم أجده في نجد ولا السراة ولا فيما حول المدينة المنورة, ولم أزر خيبر ولكني أظنها كالمدينة المنورة, لذلك لا أظنه يوجد بها.
وقال النابغة يشبه حبيبته بالظبية:

[poem=font="Simplified Arabic,4,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
خلت بغزالها ودنا عليها=أراك الجزع أسفل من سنام
تسف بريره وترود فيه=إلى دبر النهار من البشـام[/poem]

البشام من شجر حزون تهامة وهو شجر طيب الرائحة, يبلغ ارتفاع الواحدة منه في حزون منطقة جيزان وتهامة عسير الثلاثة أمتار، وفي مكة وما حولها لا ترتفع البشامة أكثر من متر, وإذا وجد في غير حزون تهامة كالجبال التي غربي بيشة فإنه يوجد بندرة وتقزم، وأقول هذا من كلام أهل المنطقة, أما أنا فلم أعثر عليه غربي بيشة, ولا يجتمع الأراك والبشام في غير حزون تهامة، وللبشام حب في حجم صغار الزيتون، ويسيل من جذوعه صمغ في أشهر الصيف يستعمله أهل بادية الحجاز للدغ الأفاعي ويسمونه البيلسان، وفي تذكرة أولي الألباب لداود الأنطاكي البيلسان غير ذلك، والبرير الثمرة الأولى للأراك, تحات عن الثمرة الثانية الكباث, ولو كانت مواطن عبس في القصيم كما يذكر الهمداني, لما خلت أشعار العبسيين من أي ذكر للأشجار التي تختص بها نجد, ولا توجد في تهامة ولا السراة، كالعوسج والقيصوم، ويجب على الباحث أن يضع في حسبانه أن من الأشجار التي تختص بها نجد ما يكون في عروضها القريبة من السروات كالغضا والعرار، لذا قد يرد بندرة في شعر السرويين بسبب تقارب المواطن، فإذا كان الشجر مما تختص به أواسط نجد كالعوسج والقيصوم فلن تجد له ذكراً في أشعار تهامة والسراة, كذلك ما تختص به تهامة لو ذكره النجدي أو السروي الذي لم يتردد على تهامة فإنه سيخطئ صفته, كالشمّاخ بن ضرار الغطفاني حين ذكر النبع فأخطأ صفته، وهذا يدل على أنه من غطفان البادية النجدية لخيبر، والنبع من شجر حزون سهل تهامة خاصة, وقد وصفته في مقالي عن مملكة حجر بن عمرو الكندي، وأكثر ما يكون في حزون جيزان وعسير.
قال الشماخ بن ضرار يصف قوساً:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
مطلاً بزرق مـا يــداوي رميها=وصفراء من نبع عليها الجلائز
تخيرها القواس من فرع ضالة=لهـا شذب مـن دونها وحرائز[/poem]
مطلاً أي مشرفاً, والزرق النصال والفاعل القواس، والشماخ في البيت الأول يصرح أن القوس من نبع, ثم يقول في البيت الثاني : تخيرها القواس من فرع ضالة، والضال أحد نَوْعَيّ السدر، فالسدر نوعان الضال والعُبْري، والعبري قليل الشوك وقد لا يكون به شوك ، وشتان بين النبع والسدر، فالنبع ليس من عظام الشجر, إنما هو قضبان سمحة, ولا شوك له ولا يصنف في العضاه والسدر بخلاف ذلك كله.
قال النابغة يصف حصانا:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
بعاري النواهق صلت الجبين=يستن كالتيس ذي الحلَّب[/poem]
يستن يعدو والحلب بضم الحاء وتشديد اللام بقلة سهلية صيفية ترتفع قدر ثلاثين سنتمترا مع وفرة الري, وتكون دون ذلك، خضراء تعلوها غبرة يسيرة، ورقها أصغر من ورق الرجلة قليلا، ولا تبسط سيقانها على الأرض كما يزعم صاحب اللسان، وفي أباط أوراقها حب دقيق أبيض، وإذا قطف جزء من ورق أو سيقان الحلب سال عنه لبن أبيض, إذا قطر في اللبن انعقد، وكنا نسمي اللبن فيما مضى لبناً, واللبن الرائب حقيناً ورَيْباً، فغير الأشقاء العرب ألسنتا، فأصبحنا نسمى اللبن حليباً, قال تعالى "من بين فرث ودم لبناً خالصاً"النحل, فذلك الذي يخرج من الضرع هو اللبن, والحقين صرنا نسميه لبناً وإياك أن تسمي الحقين حقيناً أو ريباً أو روباً فيسخر منك, وكنا نسمى لبن الإبل محضاً، قال الشاعر الشعبي السلامي: "يا صاحبي للمحض هيا تعال بنا", وعما قريب سنسميه لبن جمل, وكلمة تعال بنا أيّ اصعد بنا الحزون ودع السهل لتجد الإبل المرعى الجيد, فتدر اللبن الجيد, ولا تعني هلم بنا.
والحلَّب من مراعي سهل تهامة خاصة, وهو من جيد المرعى, ومراعي حزون تهامة أفضل مراعي جزيرة العرب على الإطلاق، أفضل من السهل والخبوت، وأفضل من نجد والسراة، إذ تقل فيها الحموض وتكثر أحرار البقول وجيد الأعشاب كالسعد والنجم والخيفان, ناهيك عن الأشجار الجيدة كالقفل والبشام والمظ، وفي حزون جيزان أخياف طينية كانت فيما مضى إذا رعت فيها الأبقار يغطيها الخَيفان والسَّعْد فلا يعرف مكانها إلا باهتزاز العشب، كخيف الخطيم (تصغير خطام) الواقع في مواطن عبس والريث، قال الربيع بن زياد مفتخراً بمراعي الحزن معيراً أصحاب السهل بمراعي السباخ :

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ترعى الروائم أحرار البقول بها=لا مثل رعيكم ملحاً وغسويلا[/poem]
والغسويل شجر ينبت في السباخ, ترجح لديّ أنه ما يعرف في جيزان بالحمض وتستخرج منه مادة كان الناس يستخدمونها فيما مضى في غسل الثياب والآنية وقد أثبته في كتابي معجم أشجار جزيرة العرب "لم ينشر" في حرف الغين باسم الغسويل, ويعرف في تهامة اليمن بالهرم, بفتح الهاء وسكون الراء, وهو اسم له ثانٍ فصيح أيضاً, لقد أعرضت عن ذكر الأشجار التي تشترك فيها نجد والسراة وتهامة كقول النابغة:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فما وجدت بها شيئاً ألوذ به=إلاّ الثمام وإلاّ موقد النار[/poem]

رابعاً: شواهد المناخ:-
طقس سهل تهامة فصلان في السنة, صيف حار رطب وشتاء معتدل، لا ربيع فيه بين ولا خريف ملحوظ، فالفروق في درجات الحرارة بين الصيف والخريف والربيع غير محسوسة, أما جبال الغور فأقرب إلى الاعتدال صيفاً وشتاءً, وتتأثر تهامة عسير ومنطقة جيزان بمنخفضات الهند والسودان, وقد تتأثر بمنخفض البحر المتوسط، ولكن بندرة, لذلك كان مناخها لا يخلو فيه فصل من فصول السنة من منازل ممطرة من منازل القمر، قبل أن يعم جزيرة العرب هذا الجفاف، ولهذه الخاصية كان المطر الظاهرة الجمالية اللافتة التي تستثير قرائح الشعراء، وللمطر في تهامة بهجة لا تجدها في السراة ولا في نجد، فالمطر في نجد والسراة يعقبه في الغالب الأعم برد شديد يحول بين الناس والاستمتاع به، أما في تهامة فإن أحدهم لا يبالي أن يصيبه المطر في البراري, لأنه إن صرد بدل ثيابه بأخرى جافة أو جففها ولبسها فيسري الدفء في عروقه، وأفضل ما يكون المطر في تهامة في أواخر الشتاء ويسمونه ربيعاً وأحياناً يتقدم فيكون في منتصف الشتاء, والخريف أغزر أمطاراً, وأهل تهامة يحسبون بمنازل القمر, وأجمل ما في نجد ربيعها والسراة صيفها وتهامة شتاؤها, ولا أظن الباحث يجد في أشعار تهامة ذكراً للضريب والصقيع والبرد الشديد, فهي ظواهر غير معروفة للتهامي، وتهب رياح الشمال على تهامة ولا يتأذى بها إلا من يفترش الغبراء ويلتحف السماء, أما من كان في بيت من مدر أو شجر فإنه ينام دون أن يستغشي ثوباً، وليس الحال هكذا في السراة ونجد, وإذا نحن تتبعنا شعر النابغة الذبياني نجد صورة المطر والبَرَد وما يصحبه من رياح مرسومة في مخيلته وغالباً ما تصاحب أمطار الخريف في تهامة عواصف رعدية وترابية, وتكون الصواعق في هذا الموسم مابين 24يولية إلى 5أغسطس, أما الربيع فأهنأ مطر تهامة على الإطلاق, وتكثر في مطر الشتاء الصواعق.
قال النابغة يشبه ناقته بثور وحشي قد أصابته سارية:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
سرت عليه من الجوزاء سارية=تزجي الشمال عليه جامد البَرَد
فارتاع من صوت كلاب فبات له=طوع الشوامت من خوف ومن صرد[/poem]
وقال في موضع آخر في نفس التشبيه:
[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
باتت له ليلة شهباء تسفعه=بحاصب ذات شفان وأمطار
وبات ضيفاً لإرطاة وألجأه=مع الظلام إليها وابل ساري[/poem]
والإرطاة ضرب من الشجر، وهكذا يفعل الرعاة والناس عموماً في حزون منطقة جيزان، إذا أصاب أحدهم المطر التجأ إلى الشجر يحتمي به لوفرة الشجر, أما في نجد فالشجر نادر أو شبه معدوم, والشفان ريح باردة عند صاحب الجمهرة، وفي جيزان وربما في تهامة عسير, إذا كان المطر مصحوباً بريح يسفع بالقطر الأرض سفعاً يسمى ذلك شيفاً، وكلمة شيف قريبة من كلمة شفان.
وقال عنترة بن شداد وقد وقف على اطلال عبلة:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
جادت عليه كل بكر حرة=فتركن كل قـرارة كالدرهـم
سحاً وتسكاباً فكل عشية=يجري عليها الماء لم يتصرم[/poem]

أحسب عنترة يصف مطر الربيع, فهو سح وتسكاب لا عواصف فيه ولا أحسب في شعر عنترة أو النابغة ما يشير إلى برد قارس كبرد نجد و السراة، والشاعر ابن بيئته، أنظر لأعشى باهلة عامر بن الحارث، أرجح أنه من سراة بني مالك جنوبي الطائف حيث يقول :

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وأجحر الكلبَ مبيضُ الصقيع به=وضمت الحيَّ من صراده الحجرُ[/poem]
مبيض الصقيع فاعل أجحر، والصقيع شدة البرد, يصبح فيه الندى جامداً مبيضا على العشب، ويسقط الندى في تهامة في اثنتين وخمسين ليلة في السنة، من الرابع عشر من ديسمبر إلى صبح الرابع من فبراير في الغالب الأعم، وأظنه في السراة يسقط في نفس الموعد, لا يسقط كل ليلة ولكن يسقط ويغيب في هذه المدة، وهذا من ملاحظاتي الخاصة, أتمنى أن أكون فيه مصيباً.

خامساً: مفردات لغوية:-
قال النابغة يصف دروعا يعتني بها بالجلي والتبييض:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
عُلين بكديون وأُشعرن كُرَّة=فهن إضاءٌ صافيات الغلائل[/poem]
الكرة بضم الكاف وتشديد الراء، فسرها بعض أصحاب المعاجم بالبعر, وفسرها بعضهم بالبعر المتعفن، وعلى هذا الأساس فهي إسم للجمع في رأيهم، ولم يذكروا له مفرداً, وفي مقاطعة جيزان وتهامة عسير الكُرًّة واحدة روث الحمير والبغال والخيل ، وتجمع على كُر بضم الكاف، فالبعر عندنا للغنم والظباء والإبل والأرانب, وروث الخيل والبغال والحمر الكُرُّ، أما أخثاء البقر فيسمى ضفعاً, بفتح الضاد وسكون الفاء, وكل حيوان نجوه رخو كأخثاء البقر فهو الضفع، كرجيع الفيل على سبيل المثال، وحتى الإنسان إذا كان حدثه رخواً يقال ضفع الرجل
بفتح الضاد والفاء، هذه المفردات فصيحة ولا تزال دارجة في لهجات جيزان وعسير، وأظن أن صواب معنى الكُرَّة المذكورة في بيت النابغة هو المعنى المتداول في جيزان وعسير لا كما ورد في لسان العرب.
وقال النابغة يتخيل حال الناس إذا مات النعمان:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وتنحطْ حصان آخر الليل نحطةً=تقضقض منها أو تكاد ضلوعها[/poem]
الخوار والنحط والنحيم من أصوات البقر وتستعار للإنسان إذا صدر عنه صوت شبيه بها، فالخوار صوت ممدود رخو تتنادى به الأبقار، والنحط صوت غير ممدود وغير رخو يكون مصحوباً بهواء مضغوط بشدة، يصدر في الغالب عن الثور وأحياناً عن البقرة، على سبيل المثال لمن لم يرع الأبقار ولا قناها, إذا طابت المراعي وشبعت الأبقار, تجد أقوى الثيران في القطيع إذا رأى صرمة أخرى بعيدة عنه, برز عن القطيع منفرداً, ثم يأخذ ينحط ويحفر الأرض بقوائمه
كأنه يحذر القطيع الآخر من الاقتراب، ذلك الصوت هو النَّحط, والإنسان إذا اشتد به الحزن فبكى قد يخور كما يخور الثور, وقد ينحط من حرقة قلبه كما تنحط الأبقار, وليس بعد النَّحط في البكاء درجة، أما النحيم فصوت دون النحنحة في الإنسان، ويصدر عن البقرة وعنها فيما أظن استعير للإنسان، إذا عادت الأبقار من المرعى تحننت المناتيج منها لصغارها بهذا الصوت، كذلك عند رضاع البقرة للحسيل, ولا أظن هذه المفردات توجد في غير منطقة جيزان وعسير في وقتنا الحاضر, ولم تكن البقر توجد قطعاناً في غير تهامة من جزيرة العرب لوفرة المرعى, أعتذر للإطالة في شرح هذه المفردات, أردت أن أقول للناشئة إن معظم مفردات لهجاتكم فصيح.

كلمة أخيرة:-
قد يقول قائل: كيف تزعم أن عبساً وذبيان في حزون جيزان التي لا تعرف الجليد ولا الصقيع وشدّاد بن معاوية والد عنترة يقول عن فرسه جروة:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,medium,gray" type=4 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وإن تك سائلا عني فإني=وجروة كالشجا تحت الوريد
أقوتهـا بقوتي إن شتونـا=والحفها ردائـي فـي الجليد[/poem]

أقول: الجليد جامد الندى وليس الثلج كما يتوهم البعض ففي الحديث } حُسن الخلق يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد{ ثم إن هذا البيت ليس فيه من جزالة الشعر الجاهلي مثقال ذرة، على وجه الخصوص قوله كالشجا تحت الوريد, فالشجا لا يكون تحت الوريد، لأن الوريد عرق في صفحة العنق، والشجا الحزن وموضع الحزن القلب، فإن كانت له غصة كانت في الحلق, وليست تحت الوريد، وكذلك الشجا العظم يبلعه الإنسان فيعترض في حلقه، وكفى به أذيًّ أن يقال في الحلق، لا أن يقال تحت الوريد، وإذا كانت جروة لشداد كالشجي, فبئس الفرس وبئس القِنْية, صابر عليها صبر من اعترض عظم في حلقه قد أعياه إخراجه, فهي له غصة, وفي لهجتنا في جيزان وعسير عن السلعة يريد صاحبها الخلاص منها فلا يشتريها أحد, فيقول: هذه السلعة حلت في نحري, وهذه الكلمة شبيهة بقول كالشجا تحت الوريد, وقد تفرد برواية هذين البيتين ابن عبد ربه، والنحلة فيهما ظاهرة، ولقد أعرضت عن كثير من شعر عنترة والنابغة الذبياني لعدم اقتناعي بصحة نسبته إليهما, وليس هذا فحسب، بل إن ما يقال عن عبودية عنترة ومتجردة النعمان وأن النابغة شاعر بلاط يتردد بين المناذرة والغساسنة كل هذه الأقوال لا تثبت أمام التحليل العقلي, واحسب سبب ورود اسم النعمان في شعر الشاعرين وقوع عسير وجيزان ونجران ضمن المناطق ذات الأهمية التجارية للفرس والروم وأذنابهما المناذرة والغساسنة زمن الشاعرين, ويكفي أن نذكر أنه بعد زوال ملك حجر بن عمرو والد امرئ القيس عن عسير, أظن ذلك كان عام 528م, أصبح على نجران أخو النعمان لأمه, واسمه وَبْرَة بن رومانس الكلبي, يؤمن التجارة بين الحيرة والحجاز وعسير ونجران, وقد قاد وَبْرَة هذا حرباً ضد بني عامر لأسباب تجارية عرفت بيوم السلان, وما كان على نجران أيام ملك كندة من يمت للمناذرة بصلة, وأظن ذلك كان بتنافس فارس والروم على جزيرة العرب بعد زوال دولة حمير
السابقة لدولة كندة, لتأمين الطرق التجارية للدولتين, لقد جعل أصحاب الرواية تاريخنا صعلكة وقبيلة, وأغفلوا دور فارس والروم, الذي ظل يعبث بجزيرة العرب حتى كان الغزو الحبشي ثم الفارسي من بعده, وجاء المؤرخون فأخذوا عن الرواة أحاديث سمرهم وتأولاتهم وكذبهم.
هذا رأيي وما منا إلاّ يصيب ويخطئ, وعلى القارئ أن يقلب فيه رأيه متجرداً من أي هوىً, وباحثاً عن الحق خدمة للعلم والمعرفة, ثم يرد بما يرى أنه الحق, وليكن على يقين أني لم أكتب هذه البحوث في مواطن القبائل العربية بدافع عصبية قطرية, بل بدافع المعرفة, ما انتفاعي بعنترة والمهلهل؟!.
وأقول للإخوة الذين يأبون علي أن أقول إن الحدث الفلاني لم يكن بنجد بل في تهامة أو السراة, وليس لهم من حجةٍ إلاّ أسماء المواضع, أقول لهم: إني ذاكر لكم بعض أسماء المواضع في جيزان حيث عبس وذبيان موضوع هذا البحث
وستجدون هذه الأسماء في الشعر الجاهلي للقبيلتين, وما أحب أن أستشهد بأسماء المواضع, ولكن لأبين أن المواضع تتسامى, فلا تجعلوها حجة, فإذا كانت المواضع تتسامى في وقتنا الحاضر, فكيف كانت عبر آلاف السنين؟, وكم منها دثر وكم منها تغير واكتسب اسماً غير اسمه؟, خذوا على سبيل المثال لا الحصر:} قنا وادي وعليه قرية تحمل نفس الاسم "عسير", بيض وعتود واديان, برام جبل, المخاضة منهل, الغمر حلة, الحيمر دمنة أصله أحيمر, الحقو قرية صحف فصار في كتب التاريخ الحنو, هجر مدينة داثرة, الصوام ثلاثة أجبل صغيرة "قور", قد يكون تحريفاً للصمان, وعال وادي صغير, لجب وشرج واديان{, إن جميع هذه الأسماء وردت في شعر عبس وذبيان وهي الآن موجودة في مواطنهما, هذا ما يحضرني الآن.

خــتـامــــاً:-
الذي يقرأ هذا البحث من غير سكان جزيرة العرب, قد يجد صعوبة في فهم بعض المفردات, على سبيل المثال "سهل تهامة اللين, حزون تهامة, جبال الغور" وهذه مكونات تضاريس سهل تهامة, وتهامة هي الجزء المحصور بين جبال السروات والبحر الأحمر, وتمتد بامتداد البحر الأحمر, وتنقسم إلى ثلاثة مكونات جغرافية في أشرطة طولية, متتالية من الغرب إلى الشرق, فالشريط الأول سهل لين محاذٍ للبحر بطول تهامة وبعرض ثلاثين كيلاً تقريباً, ثم يليه من الشرق حزن خشن بنفس الامتداد وبعرض مابين سبعين إلى ثمانين كيلاً, ويلي الحزن جبال مختلفة الارتفاع تعرف بجبال الغور, وهذه الجبال أسفل من أشفاء السراة بألف متر وأكثر, وهي عبارة عن جبال متجاورة, وعرض هذه المنطقة أربعين كيلاً تقريباً, وقد ورد ذكر الحزن والحزان كثيراً في أشعار العرب والمراد حزن تهامة.
هادي على أحمد أبوعامرية.
e-mail: haa-aha@hotmail.com





فهرس المراجع.

1- تاريخ المدينة لابن شبة.
2- تاريخ الطبري "المعروف بتاريخ الأمم والملوك".
3- تاريخ العبر لابن خلدون.
4- المشترك وضعاً والمفترق صقعاً لياقوت الحموي.
5- سيرة ابن هشام.
6- جمهرة أشعار العرب لأبي زيد محمد بن الخطاب القرشي.
7- صفة جزيرة العرب للهمداني.
8- الكامل لابن الأثير.
9- لسان العرب لابن منظور.
10- تذكرة أولي الألباب لداود الإنطاكي.
11- تاريخ الأدب العربي لعمر فروخ.

التعديل الأخير تم بواسطة مخاوي سهيل ; 15-09-2006 الساعة 06:46 PM
أبو عامرية غير متواجد حالياً  
قديم 15-09-2006, 05:07 PM
  #2
ماجد الخليفي
عضو ذهبي
 الصورة الرمزية ماجد الخليفي
تاريخ التسجيل: Apr 2006
المشاركات: 15,133
ماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond reputeماجد الخليفي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مواطن عبس وذبيان أصحاب داحس والغبراء

الاستاذ الكريم ابو عامرية
يشرفني ان اكون اول من يشكرك على هذا البحث القيم والمعلومات التي اقراها اول مرة
ساعيد قراءة الموضوع بتمعن بعد ردي هذا
وتقبل عاطر تحياتي
ولا تحرمنا من علمك
ماجد الخليفي غير متواجد حالياً  
قديم 15-09-2006, 06:56 PM
  #3
مخاوي سهيل

.: مشرف ســـابق :.

 الصورة الرمزية مخاوي سهيل
تاريخ التسجيل: May 2005
الدولة: السعودية
المشاركات: 1,500
مخاوي سهيل has a reputation beyond reputeمخاوي سهيل has a reputation beyond reputeمخاوي سهيل has a reputation beyond reputeمخاوي سهيل has a reputation beyond reputeمخاوي سهيل has a reputation beyond reputeمخاوي سهيل has a reputation beyond reputeمخاوي سهيل has a reputation beyond reputeمخاوي سهيل has a reputation beyond reputeمخاوي سهيل has a reputation beyond reputeمخاوي سهيل has a reputation beyond reputeمخاوي سهيل has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مواطن عبس وذبيان أصحاب داحس والغبراء

هذه الاطلالة الأولي لأبي عامرية ، سأعود لاحقاً لأقراءها بتمعن، مرحباً بك بين أهلك وأخوانك في شبكة قحطان
دمت في ألق وتألق يا أبا فتحي
__________________
ليست مشكلتي إن لم يفهم البعض ما أعنيه.
وليست مشكلتي .. إن لم تصل الفكرة لأصحابها.
هذه قناعاتي .. وهذه أفكاري
وهذه كتاباتي بين أيديكم
أكتب ما أشعر به .. وأقول ماأنا مؤمن به
أنقل هموم غيري بطرق مختلفة
وليس بالضرورة ماأكتبه يعكس حياتي ..الشخصية
هي في النهاية .. مجرد رؤى لأفكاري.
مع كامل ووافر الحب والتقدير لمن يمتلك وعياً كافياً
يجبر قلمي على أن يحترمه
مخاوي سهيل غير متواجد حالياً  
قديم 16-09-2006, 08:06 PM
  #4
مرتاح البال
..:: قلم من ذهب ::..
 الصورة الرمزية مرتاح البال
تاريخ التسجيل: Aug 2005
الدولة: الخبر+ سراة عبيده
المشاركات: 4,240
مرتاح البال has a reputation beyond reputeمرتاح البال has a reputation beyond reputeمرتاح البال has a reputation beyond reputeمرتاح البال has a reputation beyond reputeمرتاح البال has a reputation beyond reputeمرتاح البال has a reputation beyond reputeمرتاح البال has a reputation beyond reputeمرتاح البال has a reputation beyond reputeمرتاح البال has a reputation beyond reputeمرتاح البال has a reputation beyond reputeمرتاح البال has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مواطن عبس وذبيان أصحاب داحس والغبراء

الاخ الاستاذ // ابو عامريه ---- لقد اتحفتنا بهذ ا -- البحث العلمي الهام ---- وقد قرأت --- الكثير من كتب التاريخ

ولكني اجد نفسي ---- اميل الى --- البحث الذي تقدمت به ---- وقناعاتي -- هي من الشواهد التي اورتها

من حروب الرده --- الى الجغرافيا -- الى النبات --- والشعر ---

اشكرك جزيل الشكر ---- ومن حظنا الطيب انك --- معنا في هذا المنتدى الراقي -------------- تحياتي
__________________
أبشرب من دلتك لو كلها سم .. ما أهز فنجانك و لا أقول كافي

دامها من يمناك و تقول لي سم.0. بسم الله أشرب كل سمك عوافي
مرتاح البال غير متواجد حالياً  
قديم 16-09-2006, 09:31 PM
  #5
ابن حابي
عضو متميز
تاريخ التسجيل: Nov 2005
المشاركات: 716
ابن حابي is a splendid one to beholdابن حابي is a splendid one to beholdابن حابي is a splendid one to beholdابن حابي is a splendid one to beholdابن حابي is a splendid one to beholdابن حابي is a splendid one to beholdابن حابي is a splendid one to beholdابن حابي is a splendid one to behold
افتراضي رد : مواطن عبس وذبيان أصحاب داحس والغبراء

السلام عليكم
اخي ابو عامرية اشكرك علي هذا البحث ولا شك ان كتب النسّابين فيها من الخلط الشيء الكثير
وصلت الى منتصف بحثك وأثار استغرابي ماكتبته ولا ادري على اي شيء اعتمدت في قولك هل خلطت ولخبطت كما سبقك من الباحثين والنسّابين ام في الأمر شيء (؟)
تقول في استشهاداتك من قبائل الجوار مملكة حجر بن عمرو........ الى ان تقول وأظن الربيع بن زياد عني بحجر من كان في سراة جنب فكثيرا ماخضعوا لنجران؟؟؟؟؟؟
ولا شك انك جانبت الصواب فلم تخضع سراة جنب لنجران على مر التاريخ والعصور ولم يورد التاريخ ولا المؤرخون مايدل على ماتقول فلا ادري كيف ادخلت هذه الجملة ولماذا؟؟؟

لي عودة لبقية البحث واتمنى ان تتقبل ملاحظاتي بصدر رحب
ابن حابي غير متواجد حالياً  
قديم 19-09-2006, 11:52 PM
  #6
أبو عامرية
عضو
تاريخ التسجيل: Sep 2006
المشاركات: 31
أبو عامرية is on a distinguished road
افتراضي رد : مواطن عبس وذبيان أصحاب داحس والغبراء

أخي الفاضل / حرش
أشكرك على ما ورد في رسالتك ، وأنا سعيد بنشر واحد من بحوثي في منتداكم الراقي .. أنا محظوظ بوجودي معكم أيها الأفاضل.
أشكرك..
أبو عامرية غير متواجد حالياً  
قديم 19-09-2006, 11:54 PM
  #7
أبو عامرية
عضو
تاريخ التسجيل: Sep 2006
المشاركات: 31
أبو عامرية is on a distinguished road
افتراضي رد : مواطن عبس وذبيان أصحاب داحس والغبراء

أخي الفاضل : ابن حابي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر ردك وحماستك وملاحظاتك تسعدني ولا تغضبني ، والذي آمله منك أن تنحي الميل الفطري للقطر والقبيلة جانباً، ثم تجعل الحقيقة العلمية بُغيتك فإنما أفسد تاريخ الجزيرة العربية الهوى والاعتزاء .
أوافقك لا شيء لدي يقول نصاً: (وقد كانت سراة جنب تتبع نجران)، ولكني اعتمدت على المنطق والعقل ، فالبوادي تتبع الحواضر ، والسلطان يقوم في الحاضرة ، وإذا رجعت إلى تاريخ جزيرة العرب من قبل الميلاد بقرن ، إلى نهاية القرن الرابع الميلادي ، وهو عصر مجد دولة حمير وضعفها ، وطمع الفرس والروم في جزيرة العرب ، يعينهم خونة اسمهم المناذرة والغساسنة (كخونة اليوم)، أقول: لو رجعت لتاريخ هذه الحقبة فستجد ذكر نجران حاضراً، وقد كانت حمير تعين عليها أقيالها ، ولن تجد لمنطقتنا عسر وجيزان ذكراً في القرنين الأول والثاني الميلادي ، وقد برز ذكر سراة جنب وعسير وجيزان في أواخر القرن الثالث الميلادي، حين جعلت حمير ولاتها على هذه المنطقة من قضاعة (من كلب بن رفيدة), وفي أواخر القرن الرابع الميلادي أو قل عام 428م لم يعد لسراة جنب ذكر بل كان الذكر لنجران وواليها رومانس بن وبرة وكان يسير الجيوش إلى الطائف لتأديب بعض القبائل العربية, وهذا ما جعلني أعتقد أن سراة جنب كانت إذا استقوت نجران بسطت سلطتها عليها ولا تلبث أن تنتفض وتستقل, ولا أخفيك أن تاريخ منطقتنا ضاع في تخرصات المؤرخين في الشام واليمن ونجد، ونسب كثير من أيام وأحداث هذه المنطقة إلى نجد والشام واليمن والجزيرة الفراتية ـ والأمر لا يجليه إلا الآثار والحفريات ، وسوف ندرك بعض تاريخ هذه المنطقة بالعقل ، وما أردت بهذه البحوث إلا أن أضئ شمعة لأمثالك من الشباب فالأمل معقود عليكم على أن لا تتعصبوا لغير الحقيقة العلمية ، فلقد أفسد التاريخ عصبيات المؤرخين .
تحياتي,,,
أبو عامرية غير متواجد حالياً  
قديم 20-09-2006, 05:49 AM
  #8
آل معمر
مراقب
الاستراحة والرحلات
 الصورة الرمزية آل معمر
تاريخ التسجيل: Nov 2004
الدولة: الجنوب
المشاركات: 11,982
آل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond reputeآل معمر has a reputation beyond repute
افتراضي رد : مواطن عبس وذبيان أصحاب داحس والغبراء

أشكرك ولو أنني ما قرأت إلا شيء بسيط

ينقل لمنتدى سوالف الأولين إن رأى مشرف الحوار العام ذلك
آل معمر غير متواجد حالياً  
قديم 23-11-2006, 05:47 AM
  #9
متعب الهاجري
عضو فضي
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 1,334
متعب الهاجري is a splendid one to beholdمتعب الهاجري is a splendid one to beholdمتعب الهاجري is a splendid one to beholdمتعب الهاجري is a splendid one to beholdمتعب الهاجري is a splendid one to beholdمتعب الهاجري is a splendid one to beholdمتعب الهاجري is a splendid one to behold
افتراضي رد : مواطن عبس وذبيان أصحاب داحس والغبراء

تسلم على هذا البحث

الذي اخبرتنا به على ان ذبيان وعبس الغطفانيه كانت ديارهم في جيزان كما اوضحت



انا كنت اعلم ان كافه قبائل غطفان في الحجاز وبالتحديد في منطقه خيبر التي كان اكثرها يهود








شكرا لك
متعب الهاجري غير متواجد حالياً  
قديم 28-12-2006, 12:37 AM
  #10
أبو عامرية
عضو
تاريخ التسجيل: Sep 2006
المشاركات: 31
أبو عامرية is on a distinguished road
افتراضي رد : مواطن عبس وذبيان أصحاب داحس والغبراء

الأخ الفاضل// بني هاجر...


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وأنا مثلك كنت أظن أن عبس وذبيان فقط بين المدينة وخيبر, وبعد أن درست الموضوع بعناية وبالرجوع إلى أكثر من مصدر, وعلى وجه الخصوص شعر القبيلتين, وما ورد فيه من ذكر للشجر والتضاريس والمناخ وقبائل الجوار, تنيقنت أن هاتين القبيلتين توجدان في أكثر من موقع من جزيرة العرب, ولعل بني هاجر من عبس, ولكن عبس عنترة وذبيان النابغة هما في اعتقادي حيث ذكرت في البحث (في منطقة جيزان), ولا تزال في المواضع المذكورة في البحث إلى هذه الساعة..
تقبل تحياتي الخاصة.
أخوك//هادي علي أحمد أبوعامرية.
أبو عامرية غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:01 AM

ملصقات الأسماء

ستيكر شيت ورقي

طباعة ستيكرات - ستيكر

ستيكر دائري

ستيكر قص على الحدود