( 4 ) صـفـحـات نـقـلبهـا مـن قـرائــتنا لـغـزوة مـؤتـة
أخي الحبيب
أهلا ومرحبا بك
قد سبق الحديث في هذا المجلس عن
[ غــــزوة مـــــؤتـــة ]
وها أنت الآن تتطلع على صفحات أربع
الــــــــصـــــــفـــــــحـــــة الأولــــــى:
لقد ألقت ـ غزوة مؤتة ـ الدهشة والحيرة والرعب في قلوب الروم وحلفائهم , وذلك بثبات وشجاعة وصمود
رجالها , أما أعداد الروم ودخولهم معهم في المعركة وقتالهم وخطتهم الحربية التي صنعها خالد بن الوليد
ـ رضي الله عنه ـ تلك الخطة التي كان لها الأثر العجيب في نفوس الأعداء ، حيث علموا أن عناصر النصر عند
المسلمين لا تعتمد على العدد والعدة فحسب بل على أسباب لا تدخل في حساب الذين لا يفقهون ولا يعلمون
موالاة الله لأوليائه ولعباده المؤمنين , ولذلك قدمت الوفود على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد غزوة
مؤتة تتحالف معه وزاد الداخلون في الدين وصار الأعداء قديما وحديثا يحسبون الحسابات الكثيرة لمواجهة
أهل الحق ، ليس في معارك القتال فحسب , بل حتى في اللقاءات والحوارات والاجتماعات والمناظرات
وغيرها , ولا شك أن فينا مظاهر ضعف , لكن ينبغي ألا تعمينا هذه المظاهر عن عناصر القوة التي مدفونة
فينا ولم نأخذ بها , و أقوى هذه المظاهر الثبات على المبدأ ، الثبات على الحق الذي عرفته ، فإن الثبات
عليه حتى الموت نصر لك بعد موتك وعزة وشرف وذكر حسن، قال ـ عز وجل ـ
{ فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنت الأعلون والله معكم }
وهذا ما أدركه أعدائنا على أرض الواقع ، وخاصة في ميادين الجهاد والقتال في سبيل الله , مما جعلهم
يسعون للحوار والمناظرات بسرعة ونداء ودعوة غير مسبوقة وغير معهودة , وما ذاك إلا ليحصلون في
الحوار على ما عجزوا عنه في ميادين القتال ، وصاحب الحق والسنة يقذف الله الرعب والهيبة في قلوب
مخالفيه بما معه من الحق ما لا يطري على بال , يقول حبيبنا ـ عليه الصلاة والسلام ـ
" نصرت بالرعب مسيرة شهر"
قال بعض أهل العلم " وكل متبع مقتد برسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ له من هذه النصرة نصيبا وافرا
ما النصيب الأكبر فهو لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلنحقق الإيمان ولنعمل صالحا وعندها فلنبشر
بنصر الله ووعده الذي لا يخلف لمن نصر دينه ولزم حدوده وأدى حقوقه واتبع سنة رسوله
ـ عليه الصلاة والسلام ـ والله لينصر من آمن وعمل صالحا , قال الله تعالى
{ ولينصرن الله من نصره } وقال سبحانه { وكان حقا علينا نصر المؤمنين }
فهل آن لنا أن نحقق الإيمان ونعمل صالحا , ونعيد العزة باستقامتنا على ديننا؟
{ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا }
الـــصـــــفــــحـــــة الـثــانــــيــــة:
نقلبها لنجد فيها التحالف الدائم ضد الحق و أهله , تجده مستمرا في كل زمان ومكان , يختلف باختلاف
الظروف والأحداث والمستجدات والطرق والوسائل والمصالح المشتركة بين المتحالفين , وهذا واضح في
واقعنا اليوم كما هو واضح في غزوة مؤتة حيث تجهز جيش الروم حتى أن هرقل تهدد المسلمين في
المدينة بأن يرسل إليهم جيشا عظيما لا طاقة لهم به فيؤدبهم ويعرفهم به سوء صنيعهم ـ على حد زعمه ـ
وحتى يعلموا أن لا طاقة لهم بحرب الروم , وتحالف مع الروم مائة ألف عميل من العرب
ـ وما أشبه الليلة بالبارحة ـ وكأن التاريخ يكرر نفسه في مناخ مختلف , يخبرك عن استطالة جديدة
استطالة فارسيه ويهودية ونصرانيه ، وانكماش عربي آخر قد تلبس بالنفاق والخيانة والعمالة ، وصدق الله
حيث يقول { ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا }
والله إنه لواضح ، وهذا هو الذي عرفناه منهم وعنهم , هذه هي الحصيلة التي قدمتها لهم أنفسهم
{ لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم }
نعم والله ترى سخط الله عليهم قد علا وجههم وأشكالهم وكلامهم ، والله ثم والله ما استطالت اليهود
والنصارى وعملائهم تحقيق أهدافهم إلا لما وجدوا من الخونة والمنافقين والعلمانين ومن كان على
شاكلتهم من يحقق لهم مطامعهم وأهدافهم ، إنهم وربي حبال من الناس متينة تمد لليهود والنصارى
هذا فيما نراه ونسمعه ونقرأه { ولا تزال تطلع على خائنة منهم } لكن هناك أعمال لا نعلمها ولا نطالع
عليها هي في غياب التكيتيم الإعلامي والخطط السرية والعمل الجاد حتى إذا أتيحت لهم الفرصة عندها
{ لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة }
وأهل السنة والجماعة هم المعنيين في خارطة الطريق وخريطة الصراع , فالعلاقات بين الكفار وعملائهم
محل تقدير و اتفاق وتعاون ومدد , وإن بدأ في وسائل الإعلام غير ذلك , وإن بدأ في الخطابات
والتصريحات ، فعنوان اليهود والنصارى كما قال الله تعالى
{ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى }
وعنوان حلفائهم من أهل النفاق والرفض والتشيع كما قال الله
{ يريدون أن يأمنوكم و يأمنوا قومهم }
فهؤلاء { تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون }
تراهم { يسارعون فيهم } حلقة الوصل بيننا وبين عملائهم إيمانهم { اتخذوا أيمانهم جنة }
وقاية يتقون به في جميع أقوالهم وأحوالهم وأعمالهم , وأحداث غزوة مؤتة لتذكرنا بهذا التحالف
النجس ضد الحق وأهله , والأحداث لا يصنعها النائمون واللاعبون اللاهون , لا يصنعها إلا العاملون
الجادون والمخططون وإن كانوا على باطل.
الـصـــفـــحــة الــثـــالــثـــة:
وهي أن المسلم لا يقاس أبدا بمظهره ولا بصورته ولا بجسده ولا بما نراه فيه وعنده فقط كلا
وإنما يقاس بإيمانه وعمله الصالح وقوته وشجاعته في الحق وثباته عليه , كما كان حال خالد بن الوليد
ـ رضي الله عنه ـ فقد اتضح دوره وما له في الإسلام إلا خمسة أشهر , فما هو دوري ودورك ولنا الذين
ولدنا في الإسلام وبلد الإسلام سنوات؟ ماذا قدمت منذ أن عرفت هذا الدين؟
وأنت يا من عرفت حلاوةالهداية والاستقامة ماذا قدمت للآخرين؟
أخي المسلم: ما هو دورك مع نفسك ومع ما وكل إليك من واجب ومسؤولية ؟
يا أخي الحبيب: العبد لا يقاس بماله ولا برتبته ولا بنسبه ولكنه يقاس بعمله ودورة لدينه ووطنه
وأن المؤمنين لا يقاتلون إلا على دين ولأجل الدين , ولا ينصرون وينتصرون إلا بهذا الدين , فمن ابتغى
العزة في غيره وأضاعه وتركه وأعرض عنه وزاغ عنه أذله الله , وأوكله إلى نفسه.
الــصــفـــحــة الــرابــــعـــة:
إننا نسمع و نقرأ عن البطل والبطولات والشهيد والشهداء , لكنها توصف وتوضع بقوم وعلى قوم ليس
عندهم من الإسلام إلا اسمه هذا إن كانوا مسلمين , وهذا من لبس الحق بالباطل , ومن تلبيس العلمانين
والمنافقين , ولذا صوروا البطل والبطولات في الرياضة والفن والفلم والسينما , فقالوا شهيد الفن
وبطل الفلم ، وبطل كذا وكذا ، وهكذا حتى استخفوا شبابنا وفتياتنا بل وبعض كبارنا , فضاع دور
صاحب الحق , وسميت الأشياء بغير مسمياتها , واستخف كثير من الناس حتى ضاع حب الصحابة
والتابعين والعلماء ومن لهم نصرة وثبات على هذا الدين ، وضاع الإقتداء بهم ، وصدق رسولنا
ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ " المرء مع من أحب " ما علموا أن تاريخنا من أحفل تواريخ الأمم والشعوب
والدول بالبطولات وسير الشهداء والعلماء العاملين , تاريخنا غني بالأبطال والفوارس والشجعان
وهي بطولات على فذاذتها وروعتها حقائق واقعية موثقة بالأسانيد والرواة , وأبطال غزوة مؤتة نماذج
واضحة سمعت عنهم وعرفتهم , فعبدالله بن رواحه , وجعفر وزيد وخالد بن الوليد هم وأمثالهم ممن
شاركوا في أحد وبدر واليرموك والقادسية وغيرها هم الأبطال وهم الشهداء , هم أصحاب البطولات
والتضحيات , هم الذين نصروا دين الله وسنة رسوله ، هم الذين أذل الله بهم أعداء الدين , إنهم أصحاب
محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ جيل فريد في عقيدته وفكره وتصوره وبذله وتضحيته وجهاده وعبادته
وغاياته وأهدافه , وإيمانه بربه , وثقته بنصره ، وزهده في الدنيا ورغبته في الآخرة , أصحاب محمد
ـ صلى الله عليه وسلم ـ تربوا على مناهج النبوة , وتأدبوا بآداب الرسالة ’ وحملوا راية الدعوة والجهاد
فضحوا بأموالهم وأهليهم وأنفسهم في سبيل الله
هــــم الـــرجـال وعــيـب أن يــقــال ...................... لـــمــن لـــم يــكــن مــن مــثــلــهــم رجــل
سبقت لهم من الله الحسنى , وألزمهم كلمة التقوى فكانوا أحق بها وأهلها
فـــالــقــادسيــة مــا يــزال حـديــثــهـا ................ عـــبـــر تــضـــيء بـــأروع الأمـــثــــال
مكنوا للإسلام حتى وصل إلينا , وها نحن نعيش في ظلال أمنه وأمانه بعدما قدموا أرواحهم ودمائهم
وأموالهم رخيصة في سبيل نصرته , إنهم ورب الكعبة فخرنا وعزنا نحبهم أكثر من حبنا لإخواننا وأخواتنا
وما كانت بطولاتهم إلا بباعث من التقوى والشعور العميق بالكرامة , والإحساس الشديد بالإخوة والنصرة
والعزة والتضحية الواضحة لهذا الدين , والزهد في الدنيا من صفات الأبطال , أخي المسلم: لا يستخفنك
المنافقون والعلمانيون وأصحاب الشهوات فيصوروا لك البطولات في الرياضة والفن والفلم وأشياء أخرى
مثلها وهي من الملهيات والمشغلات إن لم تكن من المحرمات والفواحش والمنكرات البطولة الحقة
ياأخي المسلم: لا يحققها إلا أصحاب الهمم العالية ، لا يحقق البطولات التي ورائها نصرة الدين إلا من تعلقت
نفسه وروحه وتفكيره بالجنة ، البطولة الحقة لها رجال شجعان , وشباب أبطال
{ صدقوا ما عاهدوا الله عليه }
تــحــكـي مــفـاخـرنـا وتـذكـر مـجـدنـا ................ فــتـجـيـبـهـــا حـطـيـــن بـالـمـنـوال
صـفـحـات مـجـد في الـخـلود سطروهـا ................ تـاق الـزمـان لـهـا بــغـيـر جـــــــدال
إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا , باعوا أنفسهم رخيصة لله , فاشتراها الله منهم
بأغلى الأثمان , فلم يستقيلوا ولم يقالوا , فربح البيع وفازوا بالجنة وأخبرنا الله بقوله عنهم
{ رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدلهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم }
وبعد هذا فلعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من طعن فيهم أو استهزاء بهم أو لعنهم أو اعتداء
على قبورهم بنبشها أو البصق تجاها أو إلقاء القاذورات عليها أو رماها بالنعال أو نحو ذلك , وما ي
فعله إلا كافر أو منافق زنديق أو مبتدع حاقد فيه لوثة مجوسية وقد جاء في الأثر " أن من آذى
الصحابة فقد آذى الله عز وجل " فمما أحوجنا إخوة الإسلام في مثل هذه الظروف أن نعود إلى تاريخ
أسلافنا , وقراءة سير أبطالنا وإدراك ما كانوا عليه من صدق وتوحيد وإيمان وجهاد وعبادة وتضحية
وإيثار لله ولرسوله ولدينه على النفس والأهل والمال
فـمـا الـمـفـر للإســلام إلا بـظـلـهـم .................... ومــا الـمـجـد إلا مــا نـبـؤه وشـيــــدوا