حقوق الأبناء على الوالدين

مجموعة الرسائل الحقوقية القصيرة

حق الأبناء على الوالدين


قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا"1. وصية للوالدين بالأبناء سابقة لوصيته عز وجل الأبناء بآبائهم. كثير من تقصير الأبناء نحو آبائهم وعقوقهم لهم راجع إلى تقصير الوالدين نحو الأبناء.

من حقوق الأبناء على والديهم وكافليهم والقائمين عليهم ما يأتي:

أولاً: التخير للنطف بإختيار الزوجة الصالحة: "وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا"2، "فاظفر بذات الدين تربت يداك"3، "وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ"4، "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ"5.

ثانياً: الدعاء والتضرع "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا"6 فسؤال الله الزوجة الصالحة والذرية الصالحة سبب أساسي لنيل ذلك.

ثالثاً: الزواج عبادة فينبغي الالتزام فيه بالشرع واجتناب المخالفات الشرعية نحو المغالاة في المهور "خيرهن أقلهن مهراً" والإسراف في الوليمة، وإقامة الحفلات الغنائية واختلاط النساء بالرجال وما شابه ذلك.

رابعاً: من أخطر حقوق الزوجة والأبناء على الزوج والوالدين تجنب المكاسب الخبيثة المحرمة والمكروهة، وإطعامهم الحلال الطيب "كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به".

خامساً: أن يختار لهم الأسماء الطيبة ويتجنب الأسماء المحرمة والمكروهة، وإن صدر منه شيء من ذلك غير للكبار دعك للصغار، وأن يعق عن مولوده شاتان للغلام وشاة للبنت إن كان مستطيعاً، وإلا شاة عن كل منهما. ويختن الغلام في يوم سابعه أو بعده، والبنت بين سن السادسة والعاشرة، فالختان السني من سنن الفطرة وهو واجب على الذكر والأنثى في أرجح قولي العلماء.

سادساً: الحرص على تحصينهم في الصغر فقد كان نبينا يحصن الحسن والحسين بـ:"أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة" وبغير ذلك وقال: إن إبراهيم كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق. وإذا كبروا حفَّظهم ذلك.

سابعاً: أفضل وسيلة للتنشئة الخيرة القدوة الحسنة، بالفعال قبل الأقوال.

وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان علمه أبوه

ثامناً: تعويدهم على الطاعات منذ الصغر قالت الرُّبَيِّع بنت معوذ الأنصارية رضي الله عنها: كنا نصنع لأطفالنا الرُّضَّع اللعب من العهن لينشغلوا عن الرضاع في يوم عاشوراء نعودهم على الصيام. فيعود الصغار على الوضوء والصلاة، ويؤمروا بها عند السابعة، ويضربوا عليها عند العاشرة، ويفرق بينهم في المضاجع.

تاسعاً: من حقهم على والديهم تأديبهم وتعليمهم، والعدل بينهم في العطاء والمنع. قال علي رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: "قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا" علموهم وأدبوهم. وقال الحسن في تأويلها: مروهم بطاعة الله وعلموهم الخير.

أول ما يبدأ به تعليم الصغار حفظ القرآن والحديث ومبادئ القراءة والكتابة.

قال الثوري: ينبغي للرجل أن يُكْرِه ولده على طلب الحديث، فإنه مسؤول عنه. وقال: إن هذا الحديث من أراد به الدنيا وجدها ومن أراد به الآخرة وجدها. وقال ابن عمر: أدب ابنك، فإنك مسؤول عنه، ماذا أدبته وماذا علمته؟ وهو مسؤول عن برك وطواعيته لك.

روى سعيد بن منصور في سننه قال: سئل الحسن عن قرة العين في قوله تعالى: "رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ" أفي الدنيا أم في الآخرة؟ قال: لا، بل والله في الدنيا. قيل: وما هي؟ قال: والله أن يرى اللهُ العبدَ من زوجته، من أخيه، من حميمه طاعة الله، لا والله ما شيء أحب إلى المرء المسلم من أن يرى ولداً، أو والداً، أو حميماً، أو أخاً مطيعاً لله عز وجل.

عاشراً: إذا قصر الأب في القيام بالواجب أو فقد لأي سبب، فينبغي للأم أن تقوم بالواجب فكثير من العلماء وجهتهم أمهاتهم إلى العلم الشرعي: سفيان الثوري، الشافعي، ومالك وشيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن وغيرهم كثر.

أحد عشر: من لم يتمكن من توجيه وتربية أبنائه لجهله أو لشغله، وكان من أهل اليسار فعليه بالمربين الأخيار، فهناك العديد من الشباب من ذوي الخلق والدين والأدب والعلم والحاجة، يمكن أن يستفاد منهم. وكان للمربين في الماضي دور كبير في إصلاح الأبناء، فها هو عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان لمربيه صالح بن كيسان أثر واضح في توجيهه للخيرـ تأخر مرة عن صلاةالجماعة لانشغاله بترجيل شعره ـ فشكاه إلى أبيه فأمره أن يحلق شعره.

الثاني عشر: من حق أبنائك عليك أن تدفع بهم إلى حلقات العلم في المساجد وأن تحرضهم على ملازمة المشايخ ومزاحمتهم والتلقي عنهم.

قالت والدة سفيان الثوري له: (يا بني خذ هذه عشرة دراهم، وتعلم عشرة أحاديث، فإذا وجدتها تغير في جلستك، ومشيتك، وكلامك مع الناس فأقبل عليه وأنا أعينك بمغزلي هذا وإلا فاتركه، فإني أخشى أن يكون وبالاً عليك)7.

وروى الذهبي في السير في ترجمة8 سفيان بن عيينة رحمه الله عن أحمد بن النضر الهلالي يقول: سمعت أبي يقول: كنت في مجلس سفيان بن عيينة، فنظر إلى صبي، فكأن أهل المسجد تهاونوا به لصغره، فقال سفيان: "كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ"9 ثم قاليا نضر، لو رأيتني ولي عشر سنين، طولي خمسة أشبار، ووجهي كالدينار، وأنا كشعلة نار، ثيابي صغار، وأكمامي قصار، وذيلي بمقدار، ونعلي كآذان الفار، أختلف إلى علماء الأمصار، كالزهري وعمرو بن دينار، أجلس بينهم كالمسمار، محبرتي كالجوزة، ومقلمتي كالموزة، وقلمي كاللوزة، فإذا أتيت قالوا: وسعوا للشيخ الصغير) ثم ضحك.

الثالث عشر: الحذر ثم الحذر أيها الآباء والأمهات أن تحولوا بين أبنائكم وبين المشايخ ودروسهم وحلقاتهم، وأن تضنوا عليهم بالعلم الشرعي حرصاً على متع الحياة الفانية، فالعلم الشرعي خير كله دنيا وأخرى، واعلموا أن البديل عن مجالسة المشايخ والارتباط بهم والالتفاف حولهم، قرناء السوء وشياطين الإنس والجن، ومعاقرة الخمور والمخدرات، والاسترسال في المترفات وعقوق الآباء والأمهات، وربما التخلص منهم بالقتل ومن هاب ذلك استعان عليه برفيقه، ولات حين مندم، ولا تلوموا إلا أنفسكم، وعلى نفسها جنت براقش، فالعاقل من اتعظ بغيره والجاهل من اتعظ بنفسه، نعوذ بالله من خسران الدنيا والآخرة.

الرابع عشر: لا تكرهوا وتجبروا أبناءكم وبناتكم على تخصص لا يرغبون فيه، ولا مقدور لهم عليه، ولا على الزواج ممن يكرهون ولا يحبون، فإن عصوكم في ذلك فهذا ليس من العقوق في شيء وأسوأ من هذا وذاك أن تحولوا بينهم وبين العلم الشرعي سيما إن كانوا راغبين فيه، أو الالتزام بالواجبات نحو اللحية للولد والنقاب للبنت مثلاً.

الخامس عشر: أيها الآباء احذروا خلق الجاهلين وبغضهم للبنات: "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ"10.

كان لأبي حمزة الضبي الأعرابي زوجتان فولدت إحداهما ابنة، فعز عليه، واجتنبها، وصار في بيت ضرتها إلى جنبها، فأحست به يوماً في بيت صاحبتها فجعلت ترقِّص ابنتها الطفلة وتقول:

مـا لأبي حمزة لا يأتينـــــا يظل في البيت الذي يلينـا

غضبـانَ ألا نلد البنيـنـــــــا تالله مـا ذلك في أيدينـــــــا

بل نحن كالأرض لزارعينا يلبث ما قد زرعوه فينــــــا

وإنمـا نأخذ مـا أعطينــــا

فعرف أبو حمزة قبح ما فعل، وراجع امرأته11.

دع عنك هذه الأباطيل والأراجيف واستمع إلى بشرى رسولك الكريم، عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد مؤمن يكون له ثلاث بنات فينفق عليهن حتى يبن أو يمتن، إلا كن له حجاباً من النار. فقالت امرأة: يا رسول الله، وبنتان؟ قال: وبنتان".

قال صالح بن أحمد بن حنبل: كان أحمد إذا ولد له ابنة يقول: الأنبياء كانوا آباء البنات.

السادس عشر: من حق الأبناء على والديهم ألا يلعنوهم ولا يدعوا عليهم. ولهذا قيل: الدعاء على الولد والأهل بالموت يورث الفقر. فلتحذر الأمهات خاصة من ذلك فقد صح أن كثرة اللعن سبب من أسباب غلبة النساء في النار.

اللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا، واهد أبناءنا وبناتنا، وأصلح أزواجنا، واغفر لأمواتنا إنك ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على أبر ابن وخير أب وزوج، وأرحم الخلق أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين.



وكتبه

الأمين الحاج محمد

رئيس الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان

لخمس ليالٍ خلت من شهر ربيع الأول 1431هـ