كيف تمت صياغة التاريخ العربي .. وكيف وصلت إلينا هذه الصياغة عبر حقب مختلفة؟
إن الذين يكتبون التاريخ في أي حقبة من الحقب عادة ما يجدون في كل تلك الحقب .. تمجيدا لها وتنديداً وتسفيهاً وإسقاطاً للحقبة التي سبقتها .
ولعل أي جولة عابرة على المكتب الصادرة في أي قطر عربي وخصوصاً الكتب المدرسية والجامعية المتعلقة بالتاريخ أو المتعلقة بغيره .. ليس فيها غير الإشادة والإطراء والتمجيد للحقبة لحاضرة وتجميل كل الصور عنها .
وعندما تنطوي حقبة أو تنقلب حقبة على حقبة .. يطوي ذلك الإطراء والتمجيد والإشارة وقد يحل محلها إطراء وتمجيد وإشادة للحقبة اللاحقة ويذهب الإطراء والإشادة والتمجيد بالفترة السابقة هباءً وقد يحل محلها تنديد وتسفيه وذم لها .
إن التاريخ الذي كتب عن الأمويين في عهد العباسيين .. جعلهم أسفل سافلين .. وحط من دولتهم ومن شأنهم .. وعلق عليهم كل الأوزار ، وعندما انطوى عهد العباسيين .. وأصبح التاريخ ليس لهم .. كان هناك تسفيه لدولتهم وخصوصاً في عهدها الثاني .. وتعليق الكثير من الأوزار والمثالب عليها .
وعندما قامت ثورة عبد الناصر في مصر .. علقت كل الأوزار على العهد الملكي .. وكتب التاريخ بصيغة تضفي على عهد عبد الناصر كل الجلال والجمال والتمجيد .. وأعقبه السادات فكتب التاريخ بصيغة تطوي ما أمكن من ذلك الجلال والجمال والتمجيد .. ولو على استحياء بحكم أن السادات ناصري الحقبة .. وتضفي على عهد السادات كل تلك الصفات .. وهكذا الأمر عبر الحقب المتعاقبة .. وعبر كل الدول المتعاقبة .
لا ريب أن كتابة التاريخ .. تحتاج إلى الذين لا يخدعهم بريق الصورة التي تجمل بها الدول أو الحقبة نفسها .. ولا يترددون في الالتزام بالحق والصدق مهما كان جبروت الدولة أو الحقبة طاغياً .
ولكن هل هؤلاء هم الذين كتبوا التاريخ فعلاً ؟ أم أن المحققين وهم بمنأى عن البريق وبمأمن من الجبروت هم الذين يصححون التاريخ المكتوب ويحاولون تنقيته من كل الشوائب . وهل أفلحوا في ذلك!