اسطورة العادات
قبل سنوات قرأت عن تجربة جميلة توضح كيف يتكرر السلوك الأعمى بلا سبب حقيقي. ورغم أنني نسيت اسم القائم على التجربة - أو أين تمت - إلا أنها بقيت في رأسي بسبب مغزاها الاجتماعي والتربوي الجميل...
فقد عمد أحد علماء الحيوان إلى حبس خمسة قرود في قفص كبير. وفي أعلى القفص علّق موزة جميلة ووضع تحتها سلماً صغيراً.. وكلما حاول أحد القرود أخذ الموزة كان العالم يعاقبه (مع بقية المجموعة) بتيار قوي من الماء البارد..
وبعد أن حاول كل قرد لعدة مرات اقتنع الجميع بخطورة نيل الموزة المعلقة بالسقف.. ليس هذا فحسب بل اتفقت المجموعة بأكملها على ضرب أي قرد يحاول مجدداً (لأنها أدركت بالتجربة أن تهور الفرد يضر الجماعة )
وهكذا عاشت القردة بسلام لعدة أيام - وتجاهلت وجود الموزة تماماً - حتى أخرج العالم أحد القرود وأدخل قرداً جديداً.. ولأنه جديد (وما عنده سالفة) نظر فوراً إلى الموزة المعلقة ولسان حاله يقول «مال هؤلاء الحمقى لا يأكلون الموزة، هل أصيبوا بالعمى أم ماذا!؟».. أما بقية القرود فتوقفت عن اللعب فجأة وأخذت تنظر برعب إلى القرد الجديد ولسان حالها يقول «سنتعرض للعقاب مجدداً إن حاول هذا الأحمق أكل الموزة».. وبعد لحظات ثقيلة من الصمت والتوتر تحرك القرد الجديد فجأة - وتسلق السلم لنيل الموزة -فقفزت عليه بقية القرود وأوسعته ضرباً ولكماً (خوفاً من الماء البارد). وكان المسكين كلما حاول أكل الموزة يتعرض للضرب المبرح حتى تعلم عدم جواز مسها أو حتى النظر إليها - رغم جهله بسبب المنع الحقيقي -!!
وبعد عدة أيام قام العالم بسحب قرد ثان وأدخل بدلاً منه قرداً جديداً. ولأنه - مثل صاحبه الأخير - لا يملك خلفية عن الموضوع انطلق فوراً نحو الموزة المحرمة فهجمت عليه بقية القردة (بما فيه القرد الأخير) وأوسعته ضرباً حتى تعلم عدم المساس بها..
وبعد عدة أيام سحب العالم قرداً ثالثاً وأدخل قرداً جديداً انطلق بدوره نحو الموزة فنال نصيبه من الضرب والتنكيل - وبمشاركة القردين الأخيرين -. ثم كرر عملية التبديل حتى أخرج جميع القردة الأصلية (التي تعرضت للعقاب بالماء البارد) واستبدلها بخمسة جديدة لم تتعرض للعقاب (ولكنها تعلمت حرمة الموزة وخطورة المساس بها )
وهكذا؛ رغم أن العالم لم يعد يستعمل رشاش الماء إلا أنه (حبس القرود) داخل فكرة اجتماعية متوارثة مفادها: خطورة قطف الموزة أو الاقتراب منها.. ليس هذا فحسب بل قرر الاستمرار في عملية الاستبدال فأدخل قرداً سادساً وسابعاً وثامناً تعرضوا جميعهم للضرب من الجيل السابق.. وفي كل مرة كان الجيل الجديد يتعلم حرمة أكل الموزة بدون أن يتساءل عن سر التحريم الحقيقي (رغم أن الأجيال التالية لم تتعرض - أو حتى تسمع - برشاش الماء البارد )
منقوول
فهد الأحمدي – جريدة الرياض
وهكذا العادات إذا كانت غير نابعة من عقل أو دين !!!
التعديل الأخير تم بواسطة نسناس ; 09-10-2005 الساعة 02:42 PM