شعبان فرصة للمتيقظين وحسرة على الغافلين ( 3 )
جاء في صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار ـ رضي الله عنه ـ
عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال
" العبادة في الهرج الهجرة إلي" مسلم
والهرج هو وقت الفتن واختلاط الأمور ، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها
ولا يتفرغ لها إلا أفراد ، ووجه تمثيله بالهجرة أن الزمن الأول كان الناس يفرون فيه من دار الكفر
وأهله إلى دار الإيمان وأهله فإذا وقعت الفتن تعين على المرء أن يفر بدينه من الفتنة إلى العبادة
وعند أحمد بلفظ " العبادة في الفتنة كالهجرة إلي "
وسبب ذلك أن الناس في وقت الفتن تستولي عليهم الغفلة ويتبعون أهوائهم ولا يرجعون إلى دين
فهم وراء الجديد و الجديد من أعمال المنافقين و العلمانيين , فتراهم وراء هذه
المحدثات والمضلات وتلك الشبهات والشهوات , حتى كأنك تنظر لحالهم إذا هو شبيه بحال الكفار أو
بحال الجاهلية المعاصرة , فإذا انفرد من بين هؤلاء من تمسك بدينه , واستن بسنة
رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأتبع مرضات ربه واجتنبت مساخطه كأنه بمنزلة من هاجر من بين هؤلاء
إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مؤمنا به , متبعا لأوامره , مجتنبا لنواهيه , محافظا على سنته
وهديه وطريقته في كل زمان ومكان , فيا أيها الغريب قل:
{ أني آمنت بربي فاسمعون }
وقل { إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاء في البينات من ربي وأمرت أن أسلم
لرب العالمين } يا أيها الغريب: إن كان صدرك يضيق بما يقولون ويفعلون ويعملون وينشرون ويمكرون
{ فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين }
أخي المسلم: شهر شعبان هو كالمقدمة لرمضان يشرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القران
إنه كالتمرين حتى لا يدخل المسلم رمضان في مشقة وكلفه , بل يدخل رمضان وقد تمرن على الصيام
وأعتاده , ووجد بصيامه في شعبان وقراءته للقرآن في قلبه حلاوة الصيام و القران , فإنما هو يتأهب
لرمضان ويروض نفسه على الطاعات حتى لا تثقل عليه , ولهذا كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكثر
من الصيام في شعبان ويغتنم وقت غفلة الناس وهو من هو ـ صلوات ربي و سلامه عليه ـ؟
إنه الذي غفر له ما تقدم وما تأخر من ذنبه لكنه يريد أن يكون كما قالت عائشة ـ رضي الله ـ عنها لما
سألته وهو قائم يصلي قال
" أفلا أكون عبداً شكورا "
ولو تأملت كتاب الله لوجدت أنه حصر هؤلاء المتيقظون فقال
{ وقليل من عبادي الشكور }
أما حال السلف الصالح في شعبان , فهو حال عجيب , فهم يتأهبون في شعبان لرمضان تأهباً
غير عاديا , يتأهبون كتأهب الحبيب لحبيبة , كيف ..لا وهم يدعون الله بعد رمضان لمدة ستة أشهر
أن يتقبل منهم رمضان , ثم يدعونه بعد ذلك أن يبلغهم رمضان , يقول سلمة بن كهيل
( كان يقال شهر شعبان شهر القراء )
نعم شهر القراء للقرآن ، لا للجرائد والمجلات والمواقع
وهذا عمر بن قيس كان إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن
وقال الحسن بن سهل يا رب جعلتني بين شهرين عظيمين ، فمالي؟
قال: جعلت فيك قراءة القرآن
وهذا بعض السلف الصالح يصف شعبان فيقول:
شهر رجب شهر الزرع
وشهر شعبان شهر سقي الزرع
وشهر رمضان شهر حصاد الزرع
فمن لم يزرع لم يسق ، ومن لم يسق فكيف يحصد؟
{ ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء }
ويقول أحدهم أيضاً
( مثل شهر رجب كالريح ، ومثل شعبان مثل الغيم ، ومثل رمضان مثل المطر )
فيا أخي الحبيب: لقد مضى رجب ودخل شعبان فما أنت فاعل فيما بقى فيه إن كنت تريد رمضان؟
لقد سمعت وقرأت عن حال نبيك ـ عليه الصلاة والسلام ـ وسمعت وأطلعت عن بعض حال السلف
الصالح في هذا الشهر العظيم ، فما هو حالي وحالك؟
إنه حال نحتاج أن نغيره من حال إلى حال ، وذلك بفعل الطاعات والصالحات والتنافس والاستباق
للخيرات ، والإعداد والاستعداد والتأهب والتهيئة لرمضان ، وبعد هذا إنني أنادي من يعيش حياته
حياة الضياع والإعراض والإسراف والتسويف.
أنادي من يعيش سبهلالاً وأقول له ولنفسي:
مـــضـــى رجــب ومـــا أحــسـنـت فـــيــه >>>>> <<<<< وهـــــذا شــــعــــبـــــان الـــمـــبـــارك
لـــــقـــد ضـــيـــــعــت الأوقـــات جــهــــلاً >>>>> <<<<< فــــهـــل تـــفـــق وتـــحـــذر بـــــوارك
... يا أيها الغافل تيقظ ...
فــــســـوف تــــفــــارق اللـــذات قــهـــراً >>>>> <<<<< ويــخــلى الــمــوت قــهــراً مــنــك دارك
يـــا مـن اتخذ دينه لهواً ولعباً وأسرف على نفسه في الخطايا
تـــدارك مـــا اســـتــطــعــت مــن الخـطــايـــا >>>> <<<< بـــتــوبــة مــخــلـص واجــعــل مــدارك
عــــلى طــــلـــب الـســلامــة مــن جـحـيـم >>>> <<<< فـخــير ذوي الـجـرائــم مــن تــــدارك
فـهل نـتدارك بتوبـة صادقة وإنـابـة إلى الله؟
طوبى لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ، هنيئاً لمن استمع القول فاتبع أحسنه أولئك الذين هداهم الله
هنيئاً لمن آمن وعمل صالحاً
{ أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً }
طوبى لمن خاف وأدلج ، فإن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة
{ وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى }
بهذا لعله اكتمل الموضوع ، وإن كان من إضافة وفائدة فلا تبخل
أسأل الله لي ولك التوفيق
والسلام عليكم.
13-07-2010, 09:21 AM
تعليمات المشاركة
المواضيع المتشابهه
العرض الشجري