
هذا هو قدرها عند من يعرفها
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا هو قدرها عند من يعرفها
.
.
انها الدنيا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما الدنيا في الآخرة، إلا مثلُ ما يجعل أحدكم إصبعه هذه – وأشار يحيى [بن سعيد] بالسبابة – في اليم، فلينظر: بم يرجع ؟" [مسلم/في الجنة/باب فناء الدنيا].
هذه مقابلة بين الدنيا والآخرة، يتضح منها: أن الدنيا في مقابل الآخرة هي بقدر ما يعلق بالإصبع من الماء، إذا أدخل في البحر، وأن الآخرة هو البحر كله.. فكم سيكون قدر الدنيا ؟.
هكذا هي الدنيا في حالها؛ تقلُّبها بأهلها، وتبدُّلها من السعة إلى الضيق، ومن السرور إلى الأحزان.. والآخرة غير ذلك للمؤمن، لا تتغير ولا تنقص، بل تزيد من حسن إلى أحسن. إلا للكافر.
- قال صلى الله عليه وسلم: "الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر".[مسلم/الزهد والرقاق2956].
.
نوع آخر من المقارنة في الحال، قال صلى الله عليه وسلم:
- "موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها". [البخاري/الرقاق/ باب: مثل الدنيا والآخرة].
قدر موضع السوط: خط طويل في الأرض، لا عرض له. فلو جمع بالحساب لكان مجموع مساحته مربع صغير لا يتجاوز سنتيمترات. فهذه كيفية الدنيا في الآخرة، تختزل جميع ما فيها من جنات، وأنهار، وزخرف، ومباهج، ورفاهية، وترف. في مساحة صغيرة جدًّا، لا تكاد ترى بالنظر إلى جنة عرضها السموات والأرض. قال تعالى:
- {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين}.
قال صلى الله عليه وسلم:
- "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وعالم ومتعلِّم". [الترمذي/الزهد/14]..
بعد معرفة قدر الدنيا في الآخرة، ندرك لم زهد النبي صلى الله عليه وسلم، وزهّد أصحابه فيها، وخوفهم، وحذرهم منها:
- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثر الرمال بجنبه، متكئ على وسادة من أدم، حشوها ليف..)، قال: (ثم رفعت بصري في بيته، فو الله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر، غير أَهَبَة ثلاثة، فقلت: ادع الله فليوسع على أمتك، فإن فارس والروم وسع عليهم، وأعطوا الدنيا، وهم لا يعبدون الله. وكان متكئا، فقال: أو في شك أنت يا ابن الخطاب ؟، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا"، [البخاري/المظالم/باب:الغرفة والعُلّية المشرفة].
- وعن عبد الله بن مسعود قال:"دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نام على رمال حصير، وقد أثر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله!، لو اتخذنا لك وطاء تجعله بينك وبين الحصير، يقيك منه ؟، فقال: مالي وللدنيا، ما أنا إلا كراكب استظل تحت ظل شجرة، ثم تركها وراح". [الترمذي/الزهد/باب 44].
- وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: "إني فرطكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها". [البخاري/الرقاق/باب: ما يحذر من زهرة الحياة الدنيا والتنافس فيها].
الحياة سفر، والراحة والمتاع فيها بقدر استظلالٍ تحت ظل شجرة، ليتجدد النشاط، ثم يمضي في الطريق خفيفًا سريعًا. وقد اتبع الصحابة النهج النبوي في التعامل مع الدنيا، وآثارهم في هذا كثيرة جدا، ما من صحابي إلا وله موقف يحكى، فزهد أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والعشرة، وأمهات المؤمنين أشهر من أن يذكر، فإجماعهم منعقد على ترك تعظيم الدنيا، والإقبال على الآخرة.
- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل". [البخاري/الرقاق/ باب في الأمل وطوله].
__________________