بسم الله الرحمن الرحيم
جاء حديث القرآن الكريم عن الرزق جامعاً مانعاً ، شاملاً لأبعاده ، متناولاً لدقائقه مبيناً له غاية البيان ، مدللاً بشتى أنواع الأدلة على أن الله تعالى بيده الرزق ، وهو سبحانه وتعالى الذي يبسطه ويقدره ، وهو وحده جل في علاه الذي أوجد أسباب الرزق وقدرها ، وذلك كله وسواه دليل ساطع وبرهان واضح ، على عناية القرآن الكريم بهذا الموضوع الذي له شأنه وخطره وأثره في حياة الناس جميعاً ، فكان حديث القرآن عنه متنوعاً وجميلاً ، فيه الشفاء والغَناء والتمام والكمال ، والبهجة والسرور.
جاءت ألفاظ القرآن الكريم ، وصيغه ، كثيرةً متنوعةً في عرضها ، قوية في جرسها ، مشتملة على جوامع الألفاظ ، بأسلوب سلس متنوع : بأسلوب التأكيد تارة ، وأسلوب التمثيل تارة أخرى ، فيه بشارة بموعود الله تعالى وفضله ، وتنوعت الصيغ بين خبرية وإنشائية واستفهامية في عَرْضٍ جميل جليل رقيق أخَّاذ يبعث الأمل في النفوس ، وذلك كله في إطار عام تميزه خاصيتان :
أولاهما : البشارة بموعود الله تعالى لتقوية عقيدة المسلم وتثبيتها في النفس بإن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين ، وإدخال السكينة على قلب المسلم حتى لا يغلبه هواه وتضعف نفسه أمام الإغواء الشيطاني والإغراء المادي ، فخرج بذلك عن حدود طاعة الله تعالى ومرضاته في طلب الرزق وتلمس أسبابه ، ويدخل في دائرة الغضب والوعيد من ربه شبحانه تهلك بذلك نفسه ، ويهلك غيره.
ثانيتهما : بيان أهمية الهدى الرباني المعصوم في قضية الرزق ، وبيان معالمه الواضحة التي من اهتدى بها وُقِيَ من كل الشرور ، وبيان أن الناس بغير هذا الهدي لا يحسنون معرفة الطريق الصحيح ، بل إنهم بغيره يتهارشون في حياتهم – تهارش الحيوان الأعجم بلا عقل ولا رحمة – ويتخبطون بلا وعي ولا رؤية ، في متاهات مظلمة لا نهاية لها ، فخير البشرية وراحتها في موضوع الرزق هو هدي الإسلام العظيم وحده ، وليس في رأسمالية متبجِّحةٍ ظالمةٍ ، أو في شيوعيةٍ سمجةٍ ملحدةٍ ، أو في علمانية جاهلية متخلفة ، ولا يمكن للبشرية أن تجد ما تبحث عنه – وهي تائهة في ظلمات الحيرة والاضطراب – ليخرجها مما هي فيه ، إلاَّ في هدي الإسم العظيم وحده دون سواه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم