
مرثيه منقوله من الجزيره
Thursday 18th May,2006 12285العدد الخميس 20 ,ربيع الثاني 1427 أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت
انت في "الرأي"
أأبكي الشيخ محمد بن نجر أم أبكي خلقه؟!
دليل بنت محمد القحطاني
ومات أبي.. نعم مات أبي.. كلمات تفجرت من أعماق أعماقي كدوي بركان هائل أشعر الآن بحرارته في داخل أعماقي.. سقط ذلك الطود الشامخ.. وانهار ذلك الجبل الشاهق بكل هيبة ووقار..
فهو الإنسان الصابر المحتسب، لا يكثر الحديث ولكن يكثر التأمل، وإذا ما تحدث فكأنما ترى الحكمة تسيل من بين ثناياه..
يمرض فلا يهن.. ويتألم فلا يشكو.. لقد عاش حياته وهو مريض ولم أره يوماً أو أسمعه يشتكي، ولكنه بحمد الله يشكر ويصبر.. فوالله ما في جسده من مضغة إلا أصابها البلاء، فتذكرت قول الله ثم صبرت: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، وقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ}، وتذكرت قول الرسول وصبرت: (مَن يرد الله به خيراً يصب به).. وعندها علمت أن الله أراد بأبي خيراً في مُصابه.. فمات إثر مرض عضال في بطنه.. فأرجو الله أن يتقبله شهيداً؛ لأن المبطون شهيد إن شاء الله كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أأبكيك يا أبي، أم أبكي حسن خُلقك؟!
فأنت الصابر المحتسب. الحليم ذو الأناة.. تفرج الكرب.. وتصلح بين الخصوم.. وتعتق الرقاب.. وتكرم الضيف.. وتكظم الغيظ.
وأنت السمح إذا ما بعت أو اشتريت أو اقتضيت، فرحمك الله رحمة واسعة.. وأنت كافل اليتم.. وعندها تذكرت قول الرسول فصبرت: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين)، وأشار بالسبابة والوسطى.. أسأل الله لك أن يرزقك ببيت في جوار الرسول صلى الله عليه وسلم.
نعم، أبي كافل الأيتام.. فقد كفل ثلاث عوائل لإخوته المتوفين، فرعى حقوق الله فيهم وفي أموالهم، فتاجر فيها بما يرضي الله فأدى الأمانة.. فتذكرتُ قول الله تعالى والوعد بالجنة لمن حفظ الأمانة: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}.
ووالدي هو عضو بجمعية البر الخيرية بالرياض.. والكل يعلم فضل هذه الجمعية وعملها النبيل في مساعدة المحتاجين والفقراء وكفالة الأيتام.
لقد كان أبي يهب لمساعدة من يطلب العون، ويكرم نزلهم، ويشهد بذلك بيته في حي الشميسي قبل نحو 40 سنة عندما كان الناس في ضيق من العيش وقلة من المال والعمل.. فيفتح أبواب بيته على مصاريعها، ويفتح معها قلبه الذي ينبض حباً للناس، (فتح الله له أبواب الجنة)، فيكرم من يأتيه ويهب لمساعدة من يطلب العون.
فإذا ما أردتَ الدخول لمجلسه فإنك لن تجد موطأ قدم على الأرض من كثرة الناس الذين يلوذون به؛ فقد كان كالشجرة التي تظلل زائريه في صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا زاد.. وعندها تذكرت قول الرسول وصبرت: (مَن نفَّس عن مسلم كُربة من كُرَب الدنيا نفَّس الله عنه كُربة من كُرَب يوم القيامة).. فأسأل الله العلي العظيم أن ينفِّس كُربتك أيها الطيب..
أأبكيك يا أبي أم أبكي الخلق الطيب فيك؟!
(فطبتَ حياً وميتاً يا أبتاه)..
أأبكي الصدق.. أم أبكي طلاقة الوجه.. أم أبكي طهارة القلب.. أم أبكي حبك للناس؟!
لكن بشراك إن شاء الله أيها الحبيب؛ فالرسول يقول: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم).. ما أعظم مصيبتنا فيك أيها الحبيب.. فصبراً إخوتي الأحبة.. وصبراً والدتي الغالية.. وصبراً أحبة الشيخ محمد بن نجر.. أسأل الله العلي العظيم الذي حرمنا اللقاء بك في الدنيا ألا يحرمنا اللقاء بك في الفردوس الأعلى من الجنة، اللهم آمين.
وإنما أشكو بثي وحزني إلى الله لفراقك يا أبتاه.. فلقد جعلت مشكاي إلى الله؛ فإنه أكرم مسؤول وأقرب من دُعي.
وإذا رُميت من الزمان بشدة
وأصابك الأمر الأشق الأصعب
فاضرع لربك إنه أدنى
لمن يدعوه من حبل الوريد الأقرب
فأسأل الله العلي العظيم أن يتقبلك شهيداً في الفردوس الأعلى، وأن يبدلك داراً خيراً من دارك، وأهلاً خيراً من أهلك، وزوجاً خيراً من زوجك، وأن يخلف علينا فيك بالصبر والسلوان.
وليس لي من الأمر شيء إلا أن أقول: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}) .. اللهم أجرْنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها( ، والحمد لله من قبلُ ومن بعدُ.
التعديل الأخير تم بواسطة عاشق الوطن ; 19-05-2006 الساعة 09:49 AM