مشرف
آخبار ومناسبات قحطان
والديار وقصص وسوالف من الماضي
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 15,960

طـــرافــــة أبـــو دلامـــــــــــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان شاعراً مطبوعاً كثير النوادر في الشعر،وكان صاحب بديهة يداخل الشعراء ويزاحمهم في جميع فنونهم،وينفرد في وصف الشراب والرياض.
وزاد أبو الفرج أنه كان فاسد الدين رديء المذهب،ولكن الذي روّج له عند الخلفاء:السفاح،المنصور،المهدي،وجعله يتمكن عندهم ولا سيما المنصور،ويأخذ منه على بخله جزيل العطايا،هو صراحته وخفة روحه،وحضور بديهته،وسرعة جوابه على بلاغته ومتانة شعره.
وكان يضحك الخلفاء حتى في المواطن التي لا يسوغ في مثلها الضحك،ماتت حمادة بنت عيسى زوجة المنصور،وخرج الخليفة ووجوه القواد وكبار الرجال في جنازتها،فلما وقفوا على القبر قال المنصور لأبي دلامة يعظه ويذكره:ماذا أعددت ويحك لهذه الحفرة؟ (و أشار إلى القبر).
قال:حمادة بنت عيسى زوجة أمير المؤمنين.
فضحك المنصور وكل من حضر وقال له:فضحتنا قبحك الله.
وخرج مع المهدي وعلي بن سليمان مرة إلى الصيد،فرمى المهدي غزالاً فأصابه،ورمى علي فأخطأ وأصاب سهمه كلباً من كلاب الصيد.
فقال أبودلامة على البديهة:
قــد رمــى الــمـهــدي ظــبـيــاً..........شـــك بـالســهم فــؤاده
وعليّ بـــن ســـليـمـا............ن رمــى كـلـــباً فــصاده
فــهــنــيـئـاً لـهــما...........كـــل إمــرئ يــأكـل زاده
فضحك المهدي حتى كاد يسقط عن سرجه، وأجازه.
وكان ينطلق لإستدرار عطايا الخلفاء،دخل مرة على السفاح،فقال له:سلني حاجتك؟....قال:كلب صيد.
قال:ويلك! أهذه حاجتك؟ كلب؟....قال:نعم...
قال:أعطوه إياه...
قال:يا أمير المؤمنين،فكيف ألحق به،أأعدو على رجلي؟
قال:أعطوه فرساً.... قال:فمن يخدم الفرس؟
فأمر له بغلام، قال:فإن صدت صيداً فمن يطبخه؟
فأمر له بجارية. قال:يا أمير المؤمنين،وهؤلاء يبيتون في الطريق؟
فأمر له بدار. قال: يا أمير المؤمنين،قد صيرت في عنقي جملة من العيال، فمن أين أنفق عليهم؟
فأعطاه مالاً جزيلاً، وقال بقيت لك حاجة؟
قال:نعم. تدعني أقبل يدك. . .قال:أما هذه فلا.
قال:ما منعتني حاجة أهون عليّ منها.
قال الجاحظ:فانظر إلى حذقه في المسألة ولطفه فيها. ابتدأ بالكلب فسهل القصة،وجعل يأتي بما يليه على ترتيب وفكاهة حتى نال ما لو سأله ابتداء ما وصل إليه.
وولدت له بنت فغدا على المنصور،فقال:يا أمير المؤمنين،إنه ولد لي
الليلة بنت،قال:وما تريد؟ قال:أريد أن يعينني عليها أمير المؤمنين.
وأنشده:
لو كان يقعد فوق الشمس من كـرم........قوم لقيل اقعدوا يا آل عباس
ثم ارتقوا في شعاع الشمس إن لكم.......مجداً تليداً وأنتم أفضل الناس
قال:فهل قلت في ابنتك شيئاً؟ فأنشد على الفور:
فـمـا ولـدتـك مـريـم أم عـيـسـى..........ولا ربـاك لـقـمـان الـحـكـيـم
ولــكــن قـد تــضــمــك أم سوء...........إلـى لــباتــهــا وأب لــئــيـــم
قال:فماذا تحب أن أعينك ؟
قال:بملء هذه.... وأخرج خرقة بين أصابعه...
قال المنصور: املؤوها له،فلما فتحوها إذا هي كيس من قماش رقيق جداً متين وسع أربعة الآف درهم.
ولما قدم المهدي من الري دخل عليه أبو دلامة فأنشأ يقول:
إني نذرت لئن رأيتك سالماً..............بقرى العراق وأنت ذو وفر
لتصـلين عـلى الـنبـي محمد..............ولــتــمــلأن دراهماً حجري
فقال:صلى الله على محمد، أما الدراهم فلا.
قال:أنت أكرم من أن تفرق بينهما ثم تختار أسهلهما....
فأمر بأن يملأ حضنه دراهم.
ومن حسن تخلصه أنه دخل مرة على المهدي،وعنده جلة القواد ووجوه بني هاشم،فقال له المهدي ليضحك منه:أحلف لئن لم تهجُ واحداً من هذا المجلس لأضربنك ضرباً مبرحاً...فجعل ينظر في وجوه القوم،فكلما نظر إلى واحد غمزه بأن يعطيه،فما كان منه إلا أن هجا نفسه فقال:
ألا أبـلـغ إلـيـك أبـو دلامــة..............فـليـس مـن الكـرام ولا كـرامـة
إذا لبس العمـامة كان قـرداً................وخـنزيـراً إذا نــزع العـمامـة
فإن تك قد أصبت نعيم دنيا..............فــلا تفــرح فقد دنت الــقيــامــة
فضحك القوم،ولم يبق أحد إلا أجازه.
ومن طرائفه أنه دخل على المهدي وهو يبكي، قال:مالك؟
قال:ماتت أم دلامة.وأنشده قوله فيها:
وكنا كزوج من قطا في مفازة..........لدى خفض عيش ناعم مونق رغد
فأفـردني ريب الزمان بـفـقـده.........ولم أر شـيـئاً قـط أوحـش من فـرد
فأمر له بثياب وطيب وأموال،وخرج،فدخلت أم دلامة على الخيزران تبكي،وأعلمتها أن أبا دلامة قد مات،فحزنت لها وأعطتها مالاً.
فلما دخل المهدي على الخيزران قالت: قد مات أبو دلامة. قال:بل أم دلامة التي ماتت.
قالت: كيف وقد كانت عندي، قال: بل هو الذي كان عندي.
وعرفا الحيلة فضحكا....
وكان جباناً يفر من القتال ويحتال لذلك بشتى الحيل،واضطر مرة إلى الخروج في جيش روح بن حاتم المهلبي لقتال الخوارج،فكانت القصة من أعجب القصص،فيها حل لهذه المشكلة التي استعصت على الحلول مشكلة الحرب.
كان قريباً من الأمير في المعركة،فغلب عليه ما ركب في نفسه من الطمع،وجرب إحدى حيله،فقال للأمير:أما والله لو أن تحتي فرسك ومعي سلاحك لفعلت في العدو الأفاعيل...فضحك الأمير، وقال: والله العظيم لأدفعن إليك ذلك،ولآخذنك بالوفاء بشرطك. ونزل عن فرسه،وأعطاه سلاحه،ودفعهما إليه دفعاً...
قال أبو دلامة:فلما حصل ذلك في يدي،وزالت عني حلاوة الطمع قلت: أيها الأمير، هذا مقام العائذ بك،وقد قلت بيتين فاسمعهما، قال:
هات ،فأنشده:
إني استجرتك أن أقدم في الوغى............... لـتـطـاعـن وتـنـازل وضـراب
فهب السـيـوف رأيـتها مشـهـورة...................فتركـتها ومـضيت في الهرّاب
قال الأمير:سترى ما أصنع بك إن هربت...وبرز فارس من الخوارج،بطل من الأبطال ما بارزه أحد إلا قتله. قال:اخرج إليه يا أبا دلامة.
قلت:الله الله أيها الأمير في دمي...قال:والله لتخرجن.
فلما رأيت من الجد قلت:أيها الأمير، فإنه أول يوم من أيام الآخرة
،وآخر يوم من أيام الدنيا، فأمر لي برغيفين ودجاجة محمرة، فأنا والله جائع،ما شبعت من الجوع،فأمر له به،وقال:وبشيء من الحلوى وفاكهة...فأخذته وبرزت عن الصف. فلما رآني الخارجي أقبل عليّ
،وسيفه في يده،وعيناه تقدان،وعليه فرو قد أصابه المطر فابتل، و أصابته الشمس فانفتل،فكان كأنه الوحش....
فقلت:على مهلك يا هذا،قف نتكلم أولاً،فتوقف،هل تقاتل من لا يقاتلك؟
قال:لا . قلت:أتقتل رجلاً على دينك؟ ... قال:لا .
قلت: فلماذا تقاتل؟ ...قال:اذهب إلى لعنة الله.
قلت:لا أفعل أو تسمع مني.. قال: قل...
قلت: هل كان بيننا عداوة قط أو ثأر أو تعرفني بحال تغضبك عليّ أو تعلم بين أهلي وأهلك ثأراً؟ قال: لا والله... قلت: ولا أنا والله.و إني لأهواك وانتحل مذهبك وأدين دينك وأريد السوء لمن أراده لك.
قال: يا هذا جزاك الله خيراً، فانصرف.
قلت:إن معي زاداً أحب أن آكله معك، وأريد مؤاكلتك،لتتأكد المودة بيننا، ويرى أهل العسكر هوانهم علينا. قال: فافعل.
فنزلنا عن أفراسنا، وقعدنا على الأرض نأكل، والعسكران قد ماتا من الضحك.
فلما استوفينا ودعني، ثم قلت: إن هذا الجاهل(يعني الأمير)،إن أقمت على طلب المبارزة ندبني إليك فتتبعني فانصرف راشداً. فانصرف.
ومن مجونه أنه مرض والده،فاستدعى طبيباً ليداويه،وشرط له أجراً معلوماً. فلما برئ قال: والله ماعندنا شيء نعطيك،ولكن ادع على فلان اليهودي حتى أشهد لك أنا وابني شهادة زور. فمضى الطبيب إلى قاضي الكوفة، وهو الإمام الجليل ابن أبي ليلى، فادعى عليه،وأنكر اليهودي قال:لي بينة، وذهب فأحضر أبا دلامة وولده، وخاف أبو دلامة ألا تقبل شهادته لفسقه، فأنشد في الدهليز قبل أن يدخل بحيث يسمعه القاضي:
إذا الناس غطوني تغطيت عنهم........وإن بحثوا عني ففيهم مـبـاحث
فلم يكن من القاضي إلا أن دفع للطبيب الأجرة من ماله، و أعرض
عن الدعوى.
هذه صورة شاعر ماجن، لا أسردها لتكون قدوة للناشئين، بل لتكون سلوة للسامعين، وليحمد الله ذو الدين على دينه وذو الوقار على وقاره.
وأعتذر إلى من لا يعجبه إلا الجاد النافع من الأحاديث....
تحياتي ....
__________________
:: سبحان الله وبحمده :: سبحان الله العظيم ::
شـبـكـة قـحـطـان * الموقع الرسمي لقبيلة قحطان *
../ اعتذر لقلّة تواجدي ومشاركاتي في المنتدى وذلك لظروف الاختبارات ، لا تنسوني من صالح دعائكم /..