الجنادرية.....هل خرجت عن إطارها؟
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما بدأت الجنادرية " المهرجان الوطني للتراث والثقافة" قبل أكثر من عشرين عاماً كنت حريصاً على الذهاب يومياً والعودة عند منتصف الليل ، كان كل شي يوحي بأنه اسماً على مسمى حتى الاوبريت كان يوحي بأنه جزء من هذا التراث حتى وان كان الاوبريت ليس من تراثنا وثقافتنا الا انه جسد تراثاًَ ولو شكلاً أما المضمون فبحاجة إلى وقفات.
ذهبت إلى الجنادرية هذا العام فلم أجد التراث الا من وراء خرم إبرة ولم اجد الثقافة الا تجارةً ومسمى.
أي تراث نبحث عنه في الجنادرية؟ أهو قصر عسير ؟ أم برج القصيم؟ أم بيت الميدنة؟ هل أنقلب تراث عسير إلى فرقة طرب؟ حتى هذه الفرقة المسكينة التي كل تراثها " تنكة وطار أو زير " اصبحت بمفعول ثقافة الجنادرية ترقص على أنغام "الأورق" والآلات الحديثة ، حتى تلك الوجوه المنهكة من ضرب الارض بالاقدام من أجل ثمن بخس هي شئنا أم أبينا واجهة منطقة عسير وشعاره ، إنهم يذكرونني بالمنتخب الوطني ، يخيل لي بعض الأحيان أنهم منتخب افريقي. هل اصبحت هذه الفِرق عنوان لعسير ؟ وهل اصبح عبدالله الشريف من قبلهم رمزاً لتراث المنطقة؟
هل انقلب تراث القصيم إلى صندوق "كليجا " ؟ وإلى مكنسة من سعف النخيل. وهل اصبح تراث المدينة المنورة بقدسيتها وبحاضرتها وباديتها تراث طبخ ونفخ؟ وبيع للنعناع والكراث.
أي تراث نبحث عنه ؟ وأي ثقافة ضائعة نريد حضورها واثباتها؟ انقلبت الجنادرية إلى عشرات الاسواق التجارية التي تعرض المنتجات العالمية وحتى تلك التي نعتبرها تراثاً اصبحت من صنع الغير حتى المنفاخ على سهولة صنعه وكثرت الصناع لدينا اصبح باكستانياً حتى في ألوانه. هل الذرة الامريكية والهت دُق والبطاطس الفرنسية من تراثنا؟
حتى الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس حضرت لتعلن وجودها من ضمن التراث ، ولم يتجرأ احداً من منسوبيها بوضع صاع أو مدِ قديم على المدخل ليربطوا الحاضر بالماضي. هل هذه الطائرة الجاثمة أمام جناح القوات المسلحة من التراث ؟ اين صنعت؟ انها تباع في بلدها الأصلي خردةً لتجار الحديد ..!!!. ماذا تعمل عشرات الدوائر الحكومية في الجنادرية ؟ ما هو دخل السكك الحديدية والموانيء وغيرها في التراث والثقافة.
أعجبني خبراً نقل عن الدكتور عبدالله بن صالح بن عثيمين في جريدة الوطن بعد أن شاهد عرضاً اوبريتياً سابقاً حيث ورد في الخبر " لم أرى أي شي من التراث !! كل ما رأيت هو تمايلاً بالاجسام والايدي لايمت للتراث بصله" لقد صدق الدكتور واللبيب بالإشارة يفهم.
أما الثقافة وهي الشق الثاني لهذا المهرجان فمن وجد لها نشاطاً ملموساً فل يبصرني –جزاه الله خيراً- حتى معرض الكتاب أكلته الإرضة فلم يشارك الا ثلاث مكتبات وعلى استحياء. أما باقي المشاركات فللعرض فقط ويمنع الاقتراب ، فقط مشاركة لاثبات التواجد والحصول على الانتداب.
كل شي تغير بل أقول كل شي هنا في الجنادرية خرج عن إطاره حتى الجمهور وتعليقاته واساليبه غير الحضارية. لقد حمدت الله كثيراً انني لم اصطحب اطفالي الصغار لأنني وبكل بساطة لن استطيع اجابة استفساراتهم عن ما يرون ويسمعون.
سمعت أحد المتفرجين على عرضة الدحة في خيمة الجوف تلك العرضة التي لا مجال للنعومة والتمايل فيها فإذا بالتعليقات الساذجة من رجال لو رايتهم منصتين لقلت انهم من علية القوم هنداماً وشكلاً. ولم يهدأ غضبي الا عندما رأيت متفرجين آخرين يعلقون على عرضة بيشة. وكما تدين تدان.
لقد انتشرت قبل فترة موضة " دق اللطمة" لدى الكثير من الشباب قبل موضة القبابيع ، أما في الجنادرية فقد انعكس الوضع وأصبح كبار السن من العقلاء يتلثمون بالشمغ خجلاً ممن حولهم.
اقيمت صلاة المغرب في الساحة الكبيرة وسلّم الإمام وتجمعات الشباب في كل ارجاء الساحة ، منهم من يدخن ومنهم من يرقص ومن كان منهم في بداية الطريق إلى المجهول أنزوى في احدى " العواير" استحياءً
حتى الندوات التي تقام على هامش المهرجان لم يتغير فيها شي حتى اصبح الاديب الطيب صالح أحد اهم رموز تراثنا الثقافي ، ولم لا ونحن نراه في كل عام ولمدة عشرون عاماً أكثر مما نرى بعض المسؤلين.
بقي شيئاً واحداً من التراث رايته كل عام وهو ان بعض العسكر يحملون في ايديهم عصي الخيزران وهو فعلاً من التراث ، قل ان تجد رجلاً من أهل الجزيرة سابقاً الا ومعه عصا. ويبقى السؤال هل يحملونها تراثاً أم ثقافتاً؟ ترهيباً أم حمايتاً؟
هذا ما أستطعت البوح به وما خفي كان أعظم.
انصحكم بعدم الذهاب إلى الجنادرية.
.