
وقـفـة ثـانـيـة مـــع الإبـــتـــلاءات
أسعد الله أوقاتك أخي الحبيب بكل خير
لمعلوميتك أنه قد سبق الحديث بعنوان
[ الحياة موطن للبلاء ]
ثم جاء بعده العنوان التالي
[ أولى الوقفات مع الإبتلاءات ]
وها أنت أخي المبارك تتصفح ـ الوقفة الثانية ـ والتي هي بعنوان
[ عند نزول البلاء .. تتضح الحقيقة ]
إننا في قاعة امتحان كبيرة , نمتحن فيها كل يوم , والحياة أيام ، والأيام دول
وكل ما فيها امتحان وابتلاء لنا , فكل ما نملكه أو ما هو سيأتينا فيما بعد فهو ابتلاء
وفتنة حتى نلقى ربنا و بدون تفصيل فقد أو جزر ربنا ذلك بقوله تعالى:
{ و نبلوكم بالشر والخير فتنة }
قال القرطبي :" نختبركم بالشدة والرخاء , والحلال والحرام , فننظر كيف شكركم وجدكم "
{ وإلينا ترجعون }
للجزاء بالأعمال ، والابتلاء بالخير أشد وطأة وإن خُيِّل للناس أنه دون الابتلاء بالشر
إن كثيرين يصمدون للابتلاء بالشر ، ولكن القلة القليلة هي التي تصمد للابتلاء بالخير
كثيرون يصبرون على الابتلاء بالمرض والضعف ، ولكنَّ قليلين هم الذين يصبرون على الابتلاء
بالصحة والقدرة ، ويكبحون جماح القوة الهائجة في كيانهم
كثيرون يصبرون على الفقر والحرمان فلا تتهاوى نفوسهم ولا تذل
ولكنَّ قليلين هم الذين يصبرون على ما سيذهب من بين أيديهم من نعمة كانوا فيها منعمين
كثيرون يصبرون على التعذيب والإيذاء فلا يخيفهم ، ويصبرون على التهديد والوعيد فلا يرهبهم
ولكنَّ قليلين هم الذين يصبرون على الإغراء بالرغائب والمناصب والمتاع والثراء
فمن منَّا يعي هذه الحقيقة ويبادر إلى الوقاية في الحالين؟
وإن كانت حالة السراء أشدَّ وآكد ، ومن توكل على الله ورضي وصبر واحتسب كفاه ووقاه
وجعل له من أمره يسرا ومخرجا ، ولا بد أن تعرف ـ أخي المسلم ـ حق المعرفة أنه لا بد أن
تتضح الحقيقة ، ولذا يقول الله
{ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }
فلا يكفي أن يقول الناس آمنا ، لا بد أن يتعرضوا للفتنة والابتلاء بالخير والشر
والله ـ عز وجل ـ يعلم ما في القلوب قبل الابتلاء ، ولكن الابتلاء يكشف ما يغيب عن الناس
فتتضح الحقيقة ويتبين الأمر في الواقع ، قال تعالى
{ فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }
وهذا فضل من الله وعدل وتربية ، فلا يجازى أحد إلا بما استعلن من أمره ، وبما حققه فعله
ولذا قال قتادة " ليعلم الصادق من الكاذب ، والطائع من العاصي ، وقد كان يقال:
إن المؤمن ليضرب بالبلاء كما يفتن الذهب بالنار "
وقد سئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي الناس أشد بلاء؟
فقال :" أشد الناس بلاء الأنبياء , ثم الأمثل ثم الأمثل " رواة البخاري .
وعند أحمد والترمذي أنه قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ
" أشد الناس بلاء الأنبياء , ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل "
إذن كلما كان العبد يحذو حذو الأنبياء والصالحين كلما زيد له في البلاء والامتحان
يبتلى الرجل على حسب إيمانه , لأن الإيمان أمانة لا يحمله إلا من هو أهل له
فيصبح عنده القدرة على تحمل تبعات هذا الإيمان ، وفي قلبه تجرد له وإخلاص
وهذا الإيمان يأتي بعده الابتلاء والتحميص ، وهذا ليس تعذيبا وهلاكا لمن يحمل الإيمان
لكنه رفعة لمن ينجح وخسارة لمن يرسب ففينا من ينجح وفينا من يرسب
فالناجح: هو صاحب الإيمان والتقوى والصبر والاحتساب
والراسب: هو ضعيف الإيمان والتقوى ، وهو الذي لا يتحلى بصبر ، بل يجزع ويعترض
على قضاء الله وقدره ـ عياذا بالله ـ ورحم الله الفضيل بن عياض حين قال:
" الناس ماداموا في عافية فهم مستورون , فإذا نزل بهم البلاء صاروا إلى حقائقهم
فصار المؤمن إلى إيمانه , وصار المنافق إلى نفاقه " وصدق الله إذ يقول
{ وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين }
وهذا هو السر في قضية البلاء والابتلاء.
ولنا لقاء إن شاء الله مع وقفة أخرى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.