لقد حققت دبي إنجازات عظيمة ولافتة للانتباه على مدار الثلاثين عاما الماضية، لا سيما في تطورها كمركز إقليمي لقطاعات مختلفة تشمل التجارة والنقل والسياحة والقطاع المالي والعقاري. فمدينة دبي هي أحد أهم المدن العربية بل العالمية، ويشار لها بالبنان وشهرتها بلغت الافاق وأصبحت أشهر من نار على علم ففيها برج دبي أطول مبنى في العالم، وبرج العرب أطول فندق في العالم، والمبنى رقم 3 في مطار دبي الدولي أكبر صالة مطار في العالم، وجزر النخيل أكبر جزر صناعية في العالم. ولكن يبقى السؤال الأهم، هو كيف؟ أي كيف استطاعت دبي أن تصل إلى ما وصلت إليه في فترة قصيرة من الزمن ومن دون أن تساعدها آبار نفطية كالتي تنعم بها مثلا جارتها أبوظبي.

لقد جاءت الأزمة لتكشف حقيقة ما كان غائبا عن البعض وتبيّن لنا أن معجزة دبي التي لفتت الأنظار وبهرت كل العيون، واستوجبت اعجاب كل من رئاها، كانت مبنية على قروض مصرفية. وجاءت الأزمة كذلك لتكشف لنا أن الاعتماد على قروض بنكية بفائدة (ربا) يحدث خسائر كبيرة فالله حذرنا من الربا في كتابه الكريم وقال: "فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ" أي فأستعدوا لحرب من الله و رسوله حرب قد تصل فيها الخسائر المالية إلى المليارات من الدولارات، فلقد وصلت خسائر بورصتا دبي وأبو ظبي في يومين فقط 14مليار دولار.

سياسة المساعدة الانتقائية

نأتي الآن إلى طريقة التعامل مع الأزمة، أو إلي السياسة التي اتبعتها أبوظبي لمعالجة الأزمة وذلك بعد الإعلان عن إعادة هيكلة شركة دبي العالمية، ألا وهي “selective support” أي سياسة المساعدة الانتقائية للشركات التي تعاني نقص السيولة، والتي انتقدها البعض على أنها تهدم توقعات كثير من المستثمرين الذين افترضوا أن أبو ظبي ستدعم دبي بالكامل وليس بطريقة انتقائية.

إن هده السياسة ليست بالجديدة علينا وهناك دول أخرى اتبعت نفس السياسة، والمثال الأكبر هنا هو الولايات المتحدة الأمريكية وذلك عندما تدخلت لإنقاذ شركتي "فاني ماي" و "فريدي ماك"، اللتان تمثلان عماد صناعة الرهن العقاري في أميركا، بينما تخلت عن انقاذ رابع أكبر بنك استثمارى وهو " ليمان براذرز" والذي وضع تحت حماية قانون الإفلاس قبل تصفيته.

إيران وسياسة أبوظبي الإنتقائية

نظرا لما تمر به منطقتنا من عواصف مالية ومخاطر أمنية وتدخلات فارسية في شؤوننا الداخلية، لابد لنا هنا أن نتساءل هل بالإمكان الاستفادة من أزمة دبي المالية لخدمة قضايانا العربية والتي هي بالأساس إسلامية، بحكم أننا مسلمين. أي هل تقوم أبوظبي بتوظيف سياسة المساعدة الانتقائية بحيث تستثني جميع الشركات والبنوك التي لها إرتباطات بإيران، وإذا ما تم ذلك بالفعل فما هو التأثير المتوقع من إجراء كهذا، علي إستمرارية العلاقات التجارية القائمة حاليا بين إيران ودبي بشكل خاص، وعلي الإقتصاد الإيراني بشكل عام.

من الناحية العملية فإن دبي تمثل الرئة بالنسبة لإيران والمتنفس الحقيقي الذي تتنفس منه إيران تجارياً، فالتبادل التجاري بين دبي وإيران تجاوز 11 مليار دولار. وتلعب دبي دور الوسيط بين الشركات الأوروبية أو الآسيوية والشركات المالية التي ترغب في القيام بأعمال تجارية مع ايران، ومن دون أن يمثل ذلك انتهاكا لاي عقوبات دولية. كما وأصبح هذا النوع من العلاقات التجارية وسيلة للإلتفاف حول العقوبات الدولية التي تحظر على الشركات الأوروبية والآسيوية التعامل مباشرة مع ايران. ودبي هي من كبار المصدرين لإيران ومركز لإعادة تصدير السلع الإيرانية. هذا بالإضافة إلي وجود أكثر من نصف مليون إيراني في دبي، وهم يشكلون ثاني أكبر الجاليات بعد الجالية الهندية، ويسيطرون على جزء من التجارة ويتواجدون في مواقع إستراتيجية في الإمارة.

نلمس مما تقدم أهمية علاقات دبي التجارية بإيران، وضرورة أستثمار هذه العلاقات وتوظيفها لخدمة قضايانا العربية الإسلامية. إن الأمم الناجحة هي تلك التي تستطيع أن تستفيد من أزماتها وتحولها إلي فرص لتقهر بها التحديات وتصنع الانجازات، وها هي الفرصة قد سنحت لنا لكي نراجع حساباتنا وعلاقاتنا بإيران. فالدول التى تبني علاقاتها التجارية وسياساتها الخارجية الثنائية انظلاقا من مصالح استراتيجية عليا، وبعيدا عن المصالح الضيقة، هي الدول التي تقود ركب الحضارة وتحكم العالم اليوم.

إيران وسياسة طمس الهوية العربية

أن تدخلات إيران السافرة في شؤوننا العربية قاطبة من المحيط الى الخليج بلغت حداً خطيرا يستوجب دق نواقيس الخطر. فإيران تنتهج سياسة طمس هوية كل ما هو عربي. وهي تتطابق وسياسة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة. وهي أيضا سياسة ثابتة في تاريخ ايران، فلقد مارسها الشاه السابق ضد عرب الأهواز وسارت على خطاها وهديها الجمهورية الإسلامية. فالعراق الجديد أصبح فارسيا بمؤسساته المختلفة الدستورية والعسكرية والأمنية والسياسية، وهناك حملة إيرانية متواصلة لطمس هوية العراق وخاصة بغداد. أما الجزر الإماراتية فهي أيضا أصبحت فارسية والخليج العربي الذي يسكن كلتا ضفتيه عرب أصبح خليج فارسي وأخيرا وليس آخرا البحرين التي هي أيضا أصبحت محافظة فارسية.

وكانت وسائل الإعلام قد تناقلت حقيقة الموقف الإيراني من البحرين، وذلك استنادا الى مقالة حسين شريعتمداري مستشار المرشد الأعلى الإيراني، والمعروف بآرائه المتطرفة والمعادية للعرب، حيث كتب في صحيفة "كيهان" الإيرانية معلنًا أن البحرين جزء من الأراضي الإيرانية، وطالب بشكل واضح وعلني بإعادة هذه المحافظة إلى الوطن الأم والأصلي. إن حسين شريعتمداري ومن هم علي شاكلته غارقون في أحلام إعادة الأمجاد الفارسية البائدة لدرجة الانفصال عن الواقع وإلي درجة اللعب بالنار، وهم سيكونون من أكبر المتضررين من هذه الأحلام والأوهام، فإن أكبر الضرر أحيانا يأتي من صغار الشرر.

وفي الختام نتمني أن تكون رياح "أزمة دبي المالية" نسائم خير وبركة ونفع بدلاً من أن تكون عواصف مدمرة، هذا مع ثقتنا الكبيرة ﺑﻘﻮة اﻗﺘﺼﺎد دولة الأمارات ﻮقدرتها علي تخطي هذه الأزمة. فكارثة ديون دبي (59 مليار دولار) تعتبر ضئيلة إذا ما قيست بالخسائر الناجمة عن أزمه الرهن العقاري في امريكا والتي تجاوزت الثلاثة تريليونات دولار امريكى، و بنك ليمان براذرز وحده مسؤول عن 613 بليون دولار. كما نتمني من إيران أن تراجع حساباتها وتغير من سلوكها وفقا لمبدأ إسلامي رئيسى و أصيل ورد ذكره في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".

مع تحياتي

شاهين بيات العسيرى

6/12/2009

[grade="008080 008080 008080 008080"]لا اله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين[/grade][grade="DC143C DC143C DC143C DC143C"]beshry@hotmail.com[/grade]