
أبها
[[center]size=5][frame="7 60"][size=4]الخميس 1 جمادى الآخرة 1429هـ الموافق 5 يونيو 2008م العدد (2806) السنة الثامنة
كتاب اليوم
علي سعد الموسى
أبها
ولولا أنني أعلم أنها طاهرة نقية، لقلت إنها تغتسل من الذنوب أو تتطهر من جنابة.
تلك أبها - الأبهى - التي تقتسم اليوم - يومها - إلى ثلاثة فصول، لأنها اختارت أن تضع الصيف في قلب الثلاجة. في هذه المدينة فقط، ومن بين كل مدن الأرض قاطبة، يستطيع المرء أن يمسك قطرة المطر في نصف المسافة ما بين الغيمة والأرض.
فيها فقط تشرق الشمس وقد لبست نقابا يكشف نصف وجهها الصفراوي المائل لحمرة الحياة وفيها فقط تغرب الشمس وقد لبست حجابا كاملا من غيمة داكنة. فيها فقط، تغيب الشمس حين تستيقظ الحرارة في كل جهات الأرض الأربع: الشمس هنا تحتجب ما بين الصلاتين، فلا أعرف أي صلوات أقصد. في أبها فقط، لا تقام الصلاة، إلا بعد أن تغتسل الطاهرة النقية.
علمتني هذه الأبها - الأبهى - كيف أكسر الركود في منتصف الليل. كيف - أتحنحن - تقليدا للرعد الكاسر الذي يشغل كل المسافة من الأرض للسماء في كل المساحة ما بين العصر للمغرب. علمتني هذه الأبها - الأبهى - كيف يقتل البرق سكون الأشياء: كيف تختال الطير في الفترة القصيرة الفاصلة ما بين البرق والرعد. علمتني هذه الأبها - الأبهى - كيف ينبت الزهر على أطراف المقابر، فكأن المدينة الحلم تبعث جذور الحياة نحو الأموات وتدعو الأحياء لزيارة عذراء الحياة في مرحلة فاصلة قبل الموت.
في أبها فقط ينبت الغيم من رائحة الصخر (ويصعد المطر من الأرض نحو السماء)، وفيها فقط تتبارى أنواع الحياة، تتشابك عروق النبات تحت قشرة من التراب كأنها لون العسجد. في هذه المدينة فقط: شجرة تتسلق فوق غصون الأخرى، وزهرة تلطم بأشواكها سطح وردة مجاورة، فكأن كل الحياة اختزلت مساحة الأرض: كأن هذه الأبهى - دورة أولمبية - للمنافسة بين الجمال والجبال والأزهار والأحياء والأموات والقبور والمساكن والغيم والندى والرعد والبرق. هذه مدينة تجمع كل حروف العطف، وترفض حروف الاستثناء وتذهب لصدرها كل حروف وأسماء الإشارة.
هذه مدينة - الإعراب - بكسر الهمزة - وموطن الأعراب بفتح الهمزة. [/frame][/size][/center][/size]
التعديل الأخير تم بواسطة إبن ناشر ; 07-06-2008 الساعة 07:51 AM