عبدالله عفا عن قاتل ابنه لوجه الله قبل نزول السيف على رقبته.. ودون مقابل
الأمير سلمان يستقبل المواطن آل غانم ويثني على مبادرته الكريمة

الأمير سلمان لدى استقباله والد القتيل آل غانم وأبناءه وخال القتيل
تغطية - محمد السهلي / تصوير - بندر بخش
استقبل صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض في مكتب سموه بقصر الحكم صباح أمس المواطن عبدالله بن سالم آل غانم وأبناءه.. وقدم سموه الشكر له على تنازله عن ناصر بن محمد بن هادي عسيري الذي قام بقتل محمد بن عبدالله بن سالم آل غانم بإطلاق النار عليه من مسدسه إثر شجار وقع بينهما.. وكان ذلك في مدينة الرياض عام 1424ه، وقد صدر بحق الجاني ناصر بن محمد عسيري حكم شرعي يقضي بقتله قصاصاً وصدق الحكم من محكمة التمييز ومن مجلس القضاء الأعلى وصدر الأمر السامي الكريم بالتنفيذ وتم تحديد موعد التنفيذ يوم الثلاثاء الموافق 1428/1/4ه بساحة العدل بالرياض.
وقد تم احضار الجاني لساحة العدل وكان ذلك بحضور والد المجنى عليه عبدالله بن سالم آل غانم وأبنائه وأقاربه ليشهدوا تنفيذ الحكم وبعد أن تم احضار الجاني في ساحة العدل، تلي بيان وزارة الداخلية المتضمن حيثيات القضية وتنفيذ الحكم الشرعي بحق الجاني وقبل أن يرفع السياف يده لتنفيذه الحكم رفع عبدالله بن سالم آل غانم يده وهو يقول: أشهد أنني اعتقته لوجه الله تعالى، فتم ايقاف التنفيذ، بعد ذلك توجه عبدالله بن سالم آل غانم وأبناؤه لسمو أمير منطقة الرياض في مكتبه للسلام عليه وقد رحب سموه بالجميع مثمناً لعبدالله آل غانم هذا الموقف النبيل، ودعا الله أن يجزيه خير الجزاء.. وقد شكر عبدالله آل غانم وأبناؤه سمو الأمير على ما سمعوه من سموه من دعاء وإشادة بموقفهم.
وكان المواطن عبدالله بن سالم آل غانم تنازل لوجه الله تعالى رافضاً جميع الوجاهات والعروض المالية المغرية وذلك ابتغاءً لوجه الله تعالى ولم يقبل بريال واحد ولم يفرض شرطاً واحداً بل كان مبتسماً وفرحاً وهو يتحدث ل "الرياض" الجريدة الوحيدة التي حضرت لحظة بلحظة لتنقل من قصر الحكم بالرياض موقفاً انسانياً نبيلاً للغاية.
واستقبل صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض لذوي القتيل.
وفي مكتب مدير عام الحقوق بامارة منطقة الرياض الأستاذ إبراهيم الشثري التقينا والد القتيل الشيخ عبدالله بن سالم بن سالم بن حمود آل غانم السلاطين والذي تحدث قائلاً: لقد تنازلت ابتغاء لوجه الله تعالى عن قاتل ابني محمد بن عبدالله بن سالم آل غانم الذي قتل زميله في العمل ناصر بن محمد عسيري وكثرة الشكاوي ضعايف ونحن نبحث عما عند الله تعالى.. إن الله يجبر الثلوم من عنده ويعوضنا في ابننا ويغفر الله له ويسكنه فسيح جناته.
ويضيف صمت شهر رمضان المبارك قبل عامين ولم يأت عيد الفطر المبارك إلا وقد قررت التنازل عنه لوجه الله تعالى ولم أتنازل لوجاهة أي مخلوق وإنما تنازلت لوجه الله تعالى وأخلصت العمل لله عز وجل.
@ وعندما حضرت هذا اليوم لساحة العدل والجاني ينتظر حد السيف ما لم ترفع يديك صف لنا هذا الموقف؟
- لا إله إلا الله كررها مراراً وواصل نعم كان الجاني واقفاً أمامي وثوبه إلى أكتافه والله لا يبلانا ولا يبلاكم والمؤمن الذي يرجو ما عند الله تعالى سوف يلين قلبه وفعلاً أصبح الجاني عندي في تلك اللحظة بمنزلة ابني المقتول وكنت حنوناً عليه وتذكرت وفاة ابني محمد فتخيلته الواقف امامي رغم انه قاتل ابني رحمه الله.. تلك المشاعر التي جعلتني أراه في منزلة ابني ويعطف له قلبي لأجد نفسي أرفع يدي قائلاً أشهد أنني اعتقته لوجه الله تعالى.
@ هل هناك وجهاء وأعيان وأهل خير حاولوا اقناعك بالتنازل؟
- نعم سلطان السلاطين الله رب العباد.
@ عند مقتل ابنك محمد كم كان عمره؟
- 27عاماً وكان مقتله في عام 1424ه بمدينة الرياض وكنت في خميس مشيط وهم زملاء في الرياض.
@ أبناؤك ووالدة محمد كيف كان موقفهم؟
- في بداية الأمر كانوا ضد موافقتي لكنهم أخيراً بارك الله فيهم ووجههم للعلم الغانم والطيب ولله الحمد وهب الله لي أبناء مطيعين لي في كل الأمور منذ صغرهم لكنني لم أبلغهم رغبتي حتى لا ينزعجوا وتركتهم حتى اتخذوا قراراتهم برغبتهم وكان الفضل لله تعالى في إقناعهم ثم لأخيهم الأكبر الابن عبدالعظيم وهو الذي سعى للتأثير على جميع اخوانه وعلى والدته وأخواله واتصل بي أمس طالباً المجيء للرياض وعدم اعطاء أي مخلوق علم برغبتي في العفو.
@ قابلت يوم أمس سمو الأمير سلمان بعد العفو كيف كان اللقاء؟
- طلب مني سموه مقابلته قبل القصاص ولكنني آثرت مقابلته بعد العفو للسلام على سموه أطال الله في عمره ورحب بنا سموه وقابلنا مقابلة طيبة أدخلت الفرح في قلوبنا وأنستنا ما نحن فيه وولاة الأمر رحمة من الله تعالى للمواطنين ونحن لم نتعلم الطيب إلا من ولاة أمرنا وقدم سموه لنا الشكر على موقفنا وامتدح ذلك العمل وهذا من طيب معدن سموه الكريم وقد طلبت منه وفقه الله بالموافقة على اطلاق سراح الجاني لوجه الله تعالى.
@ كم عدد الأبناء؟
- لي من الأبناء 11ولداً وأدعو الله تعالى أن يغفر لابني محمد ويسكنه فسيح جناته ويجعل مصيبته سبباً من أسباب الله تعالى في جعله من ضيوف جنات النعيم وأن يبارك الله لي في اخوانه ويكفيهم ويكفينا كل الشرور.
شقيق القتيل (عبدالعظيم) مهندس العفو
وتحدث ل "الرياض" الشقيق الأكبر للقتيل محمد الأستاذ عبدالعظيم الموظف بمستشفى القوات المسلحة (الملك فهد) بخميس مشيط بالشؤون الدينية قائلا وقع القتل في 1424/7/28ه بالرياض الساعة 11ليلاً وجاءني الخبر وكنا في خميس مشيط وحضرت للرياض ورأيت القضية ولله الحمد والمنة انكشفت الغمة وظهر الجاني والأخ غالي اغلى من الابن ومن الناس جميعهم وفعلاً عندما تأتي الإنسان الفاجعة في بداية الأمر في ظنه أنه لا يكفيه مقتل قاتل أخيه بل سيفدي الجميع بأخيه بولده وماله وكل شيء ولكن الإنسان عندما يمر عليه الزمن ويرى الأمور التي تصير ويتذكر عظم الله عز وجل وأجر الله الكريم والأجر الذي سيعود لوالدنا ولوالدتنا وميتنا واخوتنا هنا القلب يتراجع عما هو عليه في السابق وأريد ارسال رسالة لجميع من ابتلاهم الله تعالى بتذكر قوله تعالى {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} وملاحظة أخرى عظم هذا الأجر الكبير الله جعله مبهماً لكبر الأجر والذي أراه في الوقت الحاضر أن من يصلح ويقول تنازلت عن ولدي بمبالغ ملايين الريالات لا يعتبر تنازلاً والتنازل هو لوجه الله تعالى وبدون مقابل سوى دية الشرع التي اقرها الشرع اذا أراد ونحن تنازلنا لوجه الله تعالى وهناك من يتنازلون بعشرة ملايين ولله الحمد وأقسم بالله لم نأخذ قرشاً واحداً من أجل التنازل عن ابننا وإذا قال أحد أننا أخذنا مقابل قل أو كثر فأقول له وبملء فمي كاذب كاذب كتذب.
فأنصح الجميع من تنازل فليتنازل لوجه الله تعالى المال يذهب والأجر يبقى ومن يتنازل يأخذ حكم الشرع 120الف ريال ولا يشترط بيع دم أخيه أو ابنه وعرضت علينا ملايين الريالات وأمور كثيرة وعرض علينا التغريب وآخر ذلك يوم أمس ووالله لم نختر غير وجه الله تعالى بديلاً فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه وطلب منا طلبات مفتوحة ووافقوا على تنفيذ ما نطلبه حتى فجر يوم القصاص وكانت الوساطات من اعلى المستويات واخترنا أعلى المستويات (الله تعالى) ورفضنا جميع الوساطات إلا وساطة الله رب العالمين وولدنا كان باراً بوالدته فاخواني بررة ونسأل الله أن يجمع شملنا وكلمتنا واحدة ولله الحمد والمنة والأجر يعود على أسرتنا وكما تدين تدان واليوم لنا وبكره علينا لعل من في قلبه عظة يتعظ أن الدنيا دوارة وبالنسبة للوالدة فالطيب عندنا هو من طيب والدنا ووالدتنا ووالدتي كانت أول الرافضين وعندما ذكرناها بالله تعالى وبالأجر العظيم قالت ابني محمد من ذمتي لذمتك يا عبدالعظيم فإن رأيت العفو خيراً له أعف عنه وان رأيت القصاص فليتم وأشكر بعد الله تعالى اخواني والخال محمد والذين سعوا لاقناع الوالدة وفي ساحة القصاص كان الموقف مؤثراً ووالله لو أتينا ونحن بنية القصاص ورأينا هذا المنظر فسوف نتنازل لأننا شهدنا مشهد نطق الحكم ونعتبر أننا أخذنا حقنا الشرعي وهذا العمل الذي عملناه الآن هو حقنا في الدنيا ونريد الآخرة بدلاً من الدنيا.
فشاهدنا الرجل حاسر الرأس مغطى العينين والسيف فوق رقبته وانتقل من موت إلى حياة فنسأل الله كما أحيينا هذه النفس بإرادة الله تعالى أن الله يرزقنا أجر احياء الأمة جميعاً وأكرر وأرجوك ابراز ذلك أن من يعفو فليعفو لوجه الله تعالى لا يعفو بالملايين ثم يقول: عفوت لأنها تتحول إلى بيع وشراء وشفع عندنا ناس من جميع الطبقات وتركنا شفاعتهم واخترنا الله تعالى.
ونشكر الأمير سلمان على استقباله الحافل وقيامه من مكتبه لاستقبال الوالد والذي أثنينا عليه فكان كعادته كريماً وأثنى علينا بأكثر مما أثنينا عليه وقال لولا أنكم طيبون لما كنا طيبين وهذا من تواضعه وولاة الأمر هم أهل الطيب والرسول صلى الله عليه وسلم يوصي بولاة الأمر ونحن طائعون لهم بما يرضي الله عز وجل.
وكنا مقتنعين بالعفو فقط كانت هناك بعض الأمور ووفقنا الله بعد صلاة الفجر لتجاوزها ولم ندخل أحداً في القضية ولم نشترط على الجاني أيا من الشروط ولا نريد إلا الله تعالى طلبوا منا تغريب القاتل ورفضنا وقالوا نقدم لكم الحق والثأر وأجبناهم لا نريد شيئاً غير ما عند الله تعالى ووالدي كما تراه حصل له حادث قبل 12سنة ومصاب بشلل ولكن ولله الحمد والمنة كأنه لم يكن مريضاً.
خال القتيل وحديث ل"الرياض"
وتحدث خال القتيل المواطن رفعان بن مسفر القحطاني قائلاً: سعينا فيما يرضي رب العالمين وكان لهم نية طيبة لا يريدون شيئاً من الدنيا واتخذوا وجاهة الله تعالى وتحقق ذلك من طيب معدنهم وأختي والدة القتيل تحدثت معها كثيراً بالسر ومع اخواني لاقناعها بالتنازل إكراماً له في قبره وكسب الأجر من عند الله تعالى وكنا جميعاً نتبارى على العلم الطيب ابتغاء لوجه الله تعالى وأثنى على استقبال الأمير سلمان بن عبدالعزيز وكلماته الأبوية الحانية.
السياف يصف لحظات العفو
وتحدث منفذ القصاص سياف نايف بن ناصر البيشي قائلاً ل"الرياض" العفو كانت أمنية وتحققت ولله الحمد فلا نريد القتل وكنت على غير العادة لدي ارتياح بأن هناك عفو سيصدر وكان الجاني يردد الشهادتين أكثر من 20مرة ولم أسمع أن هناك عفواً ولكنني بداخلي توقعت ذلك وطلبت منه الشهادة وعندما بشرته خصمك عفا عنك ردد الحمد لله ماذا تقول؟ أجبته خصمك عفا عنك ليردد سامحني سامحني ثم تشهد مرة أخرى وأصابته لحظة فرح لم يستطع التعبير عنها وكان قادماً لساحة القتل وهو متيقن بقتله وكانت نظرتي لوالده بعد قراءة البيان لعل وعسى وفرحت عندما رفع اصبعه للسماء وعينه في عيني ونادى عفوت عنه وكان الجاني قبل القصاص يتشهد وبعدها قال بيض الله وجهك وأشهد أن لا إله إلا الله.
وبهذا يسجل المواطن عبدالله بن سالم آل غانم أروع المثل ابتغاء لوجه الله تعالى ويعفو عن قاتل ابنه وبدون مقابل.
وحضرت "الرياض" استقبال سمو الأمير سلمان لوالد القتيل وابنائه بمكتب سموه في قصر الحكم صباح أمس الثلاثاء.