
توفي والدي والإبتسامة على وجهه
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
يقول الله تعالى ( كل نفس ذائقة الموت ) ويقول أيضاُ ( كل من عليها فان )
أرجو منكم تفهم ماسأكتبه.
توفي والدي رحمة الله تعالي وأسكنه فسيح جناته صبيحة الأربعاء الموافق 8/2/1427هـ عن عمر يناهز التسعين عاما وأكثر , بعد مرض عانا منه اربع سنوات ولكن !!!!! لم أنسى تلك الإبتسامة التي كانت تشع من وجهه نورا وقبل ذلك كله ترحم على والديه ونطق الشهادتين ومن ثم مات.
ومن هنا إسمحوا لي إعزائي الكرام ذكر بعض مواقف الوالد ( رحمه الله ) والله ليس من باب المفاخره ولكن ( ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) وخصوصاً أننا نعيش في زمن ضاعت فيه أشياء كثيره.
- عمل والدي بالقطاع العسكري في عهد المغفور له بإذن الله ( الملك عبدالعزيز ) وكان له مواقف مع الملك آنذاك ومنها عندما كان والدي أحد الحراس الذين وضعهم الملك على بوابات الحرم المكي الشريف , عندما أتى الملك عبدالعزيز للتشرف بالسلام على الحجر الأسود فقد كان والدي من أحد الحرس الذين يحيطون بالملك وكان يحمل بيده (عصا ) أو ماشابهها وذلك من باب الحماية فقط ( وهذه العصا سلمت لوالدي من قبل الجهة العسكرية التي يعمل بها ) فما أن رآه الملك حاملاً تلك العصا ناداه الملك قائلآ ( إنتبه أشوف أي واحد منكم يضرب بهذه العصا أي حاج ترى الحجاج ضيوف علينا ).
والموقف الآخر عندما تعسكر الوالد فطالت المده وهو يريد الرجوع إلى أهله بالجنوب وكانوا قد وعدوهم بأنه عندما تنتهي فترة التدريب العسكري سوف يعود كل شخص إلى أهله ولكن إنقضت فترة التعسكر ولم يوفوا بوعدهم , فتضايق والدي من ذلك لأنه يريد الرجوع إلى والده الذي كان مريضاً آنذاك , فحاول والدي معهم ولكنهم رفضوا فبعد ذلك ذهب والدي إلى الملك عبدالعزيز في الصباح إلى مجلسه وكان يراه من بعد جالساً على كرسيه ويوجد أحد الموظفين عند الملك يقرأ له الجريده وكانت الجريده تحجب الملك أن يرى والدي وهو خارج المجلس , فحاول والدي الدخول على الملك ولكن سكرتيره الخاص رفض ( وأظنه فلسطيني الأصل ولكن لايحضرني إسمه ) فعندما شعر والدي برفض السكرتير وهو يرى الملك أمامه من بعد , فرفع والدي صوته وقال ( أبغى أقابل الإمام , أبغى أقابل الإمام ) فعندما سمع الملك عبدالعزيز صوت الوالد فأزاح الجريده من أمام وجهه وقال ( خله يدخل ليش تمنعه ) فدخل الوالد على الملك وقال له ( ياطويل العمر أنا وضعي كذا وكذا وأنتهت فترة التعسكر ولكنهم رفضوا عودتنا لأهلنا فنبغى منك ياطويل العمر بان تسمح لنا بذلك ) فأمر الملك سكرتيره بإرسال برقية إلى الجهة المعنية بالسماح للعسكر للذهاب إلى ذويهم وذلك لفترة معينه.
أما الموقف الأخير مع جلالة الملك , كما تعلمون بأن الرياض قديماً كانت محاطه بسور وكان المدخل عن طريق البوابات ( الدروازه ) ومن ضمنها كان هناك دروازة إسمها دروازة الثميري ( هذه الدروازة موجوده حالياً في نهاية شارع الثميري بالرياض كاثآر فقط , بجانب قصر المصمك ) كان والدي رحمه الله حارساً على هذه البوابة آنذاك وكان عمر والدي في ذلك الوقت في العشرينات على مأظن المهم , كان موكب الملك عبدالعزيز قادماً للقصر عن طريق شارع الثميري وكان موكبه ليست كالمواكب الآن بل كان موكب مبسط وكان الملك يستقل سيارته , في ذلك الشارع كانت بيوت الطين بكثره كان يسكن في أحد هذه البيوت عجوز كبيرة بالسن كلما أتى موكب الملك خرجت هذه العجوز من منزلها وتعترض الموكب وتقول ( الله يوفق الإمام ) تقولها مرتين فكان يأمر الملك يإيقاف الموكب وكان يأمر من معه بإعطائها جنيهات ذهب , في ذلك اليوم كان موكب الملك قادما مرة أخرى كان الضابط أو كما يقال له زمان ( الشاووش ) قد بلغ والدي أنه إذا حضر موكب الملك إنتبه للعجوز لاتطلع من منزلها لكي لاتوقف موكب الملك مرة أخرى فقال والدي إن شاءالله , عندما أتى موكب الملك في اليوم التالي فخرجت العجوز المسنه لتعترض الموكب فلم يمنعها والدي للرحمته بها , فإعترضت الموكب وقالت نفس المقوله ( الله يوفق الإمام ) فأمر الملك يإيقاف الموكب وكان والدي بزيه العسكري بجانب العجوز ( الزي القديم آنذاك ) فقال الملك لوالدي : تعال , فقدم والدي إلى الملك فقال له ( فل الشال , والشال هو ماكان يلبسه العسكر قديما على رؤوسهم تقريبا كزي الحرس الوطني في التشريفات ) ففل والدي الشال عندها أخذ الملك صرة بجانبه كانت ممتلئة بالجنيهات الذهب فوضع الملك منها الكثير في شال والدي وقال الملك : عطها , فقال والدي : حاضر طال عمرك.
كان والدي من أوائل آل معمر الذين سكنو الرياض في ذلك الوقت إن لم يكن أولهم في المربع بالذات ومنفوحه عندما كانت في تلك الأيام أحياء جديده , فكان منزله مضيافاً لجيمع قبائل آل معمر خصوصاً وقحطان والجنوب على وجه العموم , لم يغلق والدي باب بيته في وجه ضيف قط , مع أن ذلك الوقت كان وقت فقر وضيقة في العيش وكان راتب والدي ريال إلا ربع , فكان مجلسه لايخلو من الضيوف القادمين من الجنوب قاصدين الرياض لكي يقضو حاجتهم في الدوائر الحكومية أو عند الملك عبدالعزيز وقتها , وكان لايملك شيئاً وإذا أتاه ضيف فلم يستطع إكرامه كان يأخذ أغلى أثاث المنزل ويبيعه في سوق الزل ويبيعه ليكرم ضيفه.
- قبل أكثر من ستين عاماً إمتلأ المنزل بالضيوف ولم يكن والدي يملك مايكرم به ضيفه فأخذ ( دلال القهوه ماركة رسلان الأصلية ) قاصداً بيعها في السوق لكي يشتري لحماً ليكرم ضيوفه , كان آنذاك الجو بالرياض شديد البرودة فخبأ والدي الدلال تحت بشته ليبيعها فرآه جاره وهو خارج من المنزل فقال جاره ( وش اللي تحت بشتك يافلان ) فقال والدي ( أبد معي دلال بروح ألمعها ) فقال جاره : اشوف الدلال جديده ليش تلمعها ؟ فما كان من جاره إلا أن أعطاه مبلغاً من المال مباشرة . وقال الجار : بابو فلان لاتبيع دلالك وخل هذي الدراهم معاك وتراها من عسرك ليسرك !!!!!
- عمل والدي مراسلاً بمكتب وزير الماليه أكثر من خمسة وخمسين عاما لم يتأخر عن دوامه ساعة واحدة إلى في ظروف خاصة كمرض أو غيره. وكان يحترمه الوزير قبل الفراش نظراً لأخلاقه وإبتسامته التي لاتفارق وجهه.
- كان والدي يتوسط لتعويضات ومستحقات مالية لبعض الجماعة تقدر بملايين الملايين ولم يكن يأخذ عليها ريالآ واحداً.
- كفل والدي ثلاثة أيتام من صغرهم ورباهم وزوجهم ووظفهم ولم يطلب منهم ريالا واحدا.
- شاهد طفلآ بعد صلاة الفجر مرمياً عند المسجد يبكي عمره لايتجاوز يوماً واحداً أخذه محاولة تربيته ولكن أتى فاعل خير وتبناه.
- لم يطلب مني والدي ريالاً واحدا طيلة حياته حتى وإن إحتاج , بل إنني أعطيه أحياناً وكان يرفض لرحمته بي.
- لم يخطئ على أحد بتاتا وكان كل من أخطأ عليه سامحه.
- كان يسير الحال لم أشعر في يوم ما أنني محتاج لشيئ ما.
- كان يحل المشاكل بالتسوية وكان يرضي الطرفين دائماً.
- بشهادة من رافقه لمدة تسعين عاماً وأكثر لم يتأخر عن الصلاة إلا مرة واحدة فقط حتى في أشد مرضه.
- كلمة دراجة على لسانه ( القناعة كنز لايفنى ).
- لم تكن عنده تفرقة أو عنصرية كان يعامل الناس سواسية.
- دخل أحد مجالس أعيان الرياض الكبار ليؤدي واجب العزاء فكان المجلس مزحوما وكان في صدر المجلس وزير الماليه , فما كان من الوزير إلا أن ناداه وأجلسه بجانبه وقال له : هذا مكانك بابو فلان , مع أن الوالد كان مراسلاً عنده.
- والله لم أذكر أن أحداً كان يكرهه بشهادة من رافقه.
- تعلم القراءة والكتابة من نفسه.
- كان يكره التكبر والكذب والغرور. كان يحب التواضع حتى في أرقى المناسبات.
- عندما كان يحتضر كان يدعي لنا بالتوفيق وقال والله إنني أحبكم يأولادي ومن ثم دعا لوالديه وثم نطق الشهادتين وإبتسم ومن ثم توفي.
- حضر عزاه أمراء ووزراء ورجال أعمال وفقراء ومشلولين وأناس مصابين بأمراض مستعصية وذلك حباً به.
- حضر إلى المسجد للصلاة عليه رجل لم يخرج من منزله عشرات السنين وذلك بسبب أمراض منعتهم من ذلك ولكن المرض لم يمنعهم وذلك لحبهم له.
- عندما كان يغسله مغسل الاموات كان يقول ماشاء الله تبارك الله والدك الإبتسامة واضحة بوجهه والنور كاسياً جسمه.
والله ماذكرت إلى جزءا يسير جداً جداً من حياته..
إعزائي وأحبائي أعلم بأن أكثر آبائكم بهذه الصفات وأن الطيب بكم وأن منكم من فعل أكثر من هذا ...
والله لم أذكر هذه الأشياء لارياء ولاسمعه ولا مفاخرة ولكن..
نحن في زمن قل فيه الوفاء
نحن في زمن الجار لايسأل جاره
نحن في زمن قل فيه التسامح
نحن في زمن قل فيه التواضع
نحن في زمن قلت فيه الثقه
نحن في زمن قل فيه الإحترام
نحن في زمن قست فيه القلوب
نحن في زمن سرقت فيه بعض حقوق الايتام
نحن في زمن ضعف فيه الوازع الديني
نحن في زمن أصبح صاحب المال هو فقط الشيخ هو فقط الكريم هو فقط المحترم
نحن في زمن كثرت فيه الفتن والمفاسد
نحن في زمن قلت فيه الإبتسامة البريئة والنية الطيبة
نحن في زمن قل فيه الصدق
مع أنني متيقن بأن السبب ليس بالزمن إنما السبب بنا نحن ولكن إلى متى؟؟؟؟
لست إنظر إلى المجتمع بنظرة تشاؤمية أو نظرة سوداوية ولكن هذا هو الواقع إلا من رحم الله وهذا لايمنع بأن الأخيار ليسوا موجودين ولكن ليس بتلك الكثرة التي كانت في زمن الأولين..
رحمك الله ياوالدي..
الله يرحمكم يالأولين
الله يرحمكم يالأولين
الله يرحمكم يالأولين
رحم الله جميع المسلمين..
ملاحظة ( اصابتني الحيرة في وضع هذه الموضوع في أي مجلس أتمنى من المشرفين التوجيه )
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
__________________
الباب الاسود !!
التعديل الأخير تم بواسطة ناصر المعمري ; 11-03-2006 الساعة 02:47 AM