
موجـــــة الصــــلاة
الصلاة لا تأتي في وقت واحد على مكان واحد، بجميع فروضها، بل تمر على جميع مناطق العالم متعاقبة، ومتسلسلة، وفي ذلك التعاقب والترتيب يحيا العالم ويتجدد.
ووقت الصلاة له دورة متعاقبة، تغطي العالم وتوفيه حقه بالتوازن والاكتمال. فهي تمر على يابسه وبحاره، من شرقه لغربه، وفي ليله ونهاره، تتدرج التدرج المحكم الموزون. فلا يمر وقت إلا في بلد أذان أو صلاة، وكأن الصلاة بهذه الحالة موجة تشق طريقها العريض مبحرة تنهض كل موطن تمرّه، وترفع جناح كل قطاع تغمره. حتى إذا اكتملت هذه الدورة، بدأت من جديد، على نفس النهج، لتعيد الكرة على العالم مرة أخرى.
وهذه الدورة (الموجة) لا يعقبها دمار ولا خراب. بل يعقبها أجر وثواب إن شاء الله. فهي تبدأ بالأذان، وتقتفي بالتهليل والاطمئنان.
وهي موجة النجاة. فالسعيد من وافق هذه الموجه وكان له منها نصيب. والخاسر من فاته الركب ولم يكن لداعي الله مجيب.
إن للمصلين في توافدهم على المسجد إذا حان وقت الصلاة، واصطفافهم الصف، واتجاههم الاتجاه الواحد، لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو بصير.
بل لو تمعنا كيف أنهم يلتمون بعضهم إلى بعض، فتشتبك الأكتاف، وتتوحد النوايا، ويتوحد الإمام، ليؤتم به... بعدها ترتفع الأيدي، وتعلن الألسن التكبير "الله أكبر". ثم تضم الأيدي على الصدور، رابطة أحزمة الأمان، لرحلة الإيمان، التي تحلق في الأكوان، خشوعاً واطمئناناً.
رحلة يبدأ فيها الإمام بقراءة أم الكتاب، والتي لا تصح صلاة مسلم إلا بقراءتها، وبها يحمد الرب، ويمجَّد، ويعظم، والمأمومون من خلف الإمام يتابعون، ويتأملون، ويرجون من الله ما يرجون، حتى إذا أتى آخر السورة وكل تأهب، لتتوحد الكلمة، ويوحد الصوت، ويقولون "أمين"، وكأن الطيور، التي ضمت أجنحتها على الصدور، آنست ربيع قلوبها فغردت، وتحركت أشجانها فأنشدت كلمتها الصغيرة "آمين" التي ترجو منها عطاء رب العالمين العظيم.
وهي كلمة تنبض بها قلوبهم، وتنشدها ألسنتهم، وتخرجها آمالهم.
إنها لعبرة كلمة (آمين)، وهي تسمع من المصلين، بين الفترة والحين، وهي كلمة قلناها، فهل وعيناها، وأديناها بخشوع وإخلاص، لنحصل على رضى وقبول رب الناس؟!
التعديل الأخير تم بواسطة أبن سعيّد ; 16-11-2007 الساعة 08:11 PM