
لماذا نخاف من....
* لماذا دائماً نَحِنُ إلى الماضي...لماذا نخاف من....
هل لأن الماضي جزء من حياتنا الصافية التي لم يخلطها شوائب التقدم وصعوبة معترك الحياة؟
أم لأن الماضي استطعنا أن نتكيف معه، بل نُبْرِزُ كثيراً من تفوقنا عليه.
أم أن الماضي له نكهة خاصة لازال طعمها في أفواهنا.
أم أن الحاضر أتعبنا بالجري وراء كل جديد.
أم أننا لم نستطع أن نتكيف مع الحاضر، وأظهر علينا تفوقه في كل شيء.
عندما نستعرض شريحة من الناس ونعقد مقارنة بين الماضي والحاضر، فإن الكثير منهم يَحِنُ إلى الماضي، لماذا؟
لماذا الماضي يسحبنا إليه حنيناً، بل تجد من يخرج الآهات من صدره بشكل يجعلك تخاف من الحاضر.
إن هذه الآهات لها رواسبها المتغلغلة في ردهات أنفسنا، بل في مناطق اللاشعور، ولأن لها طعم شجي، وحياة بسيطة يستطيع الطفل قبل الشيخ أن يعيش فيها بدون تأفف أو تكلف، أو حتى بروتوكولات، بل على سجيته، إذاً سحر الماضي لازال يلازمنا بل يفرض علينا أحياناً أن نعيش فيه، ونحن نعيش في هذا الحاضر.
إذاً ما هي الجذور المتصلة بين شعورنا بعصيان الحاضر علينا، وطواعية الماضي لنا، لذلك نحبه ونتمنى أن نرجع إليه بكل شظف عيشه وبساطة حياته في كل شيء...
الحاضر يخيفنا لأننا لم نستعد له بأن نتكيف معه ونستفيد من كل معطياته ونسخرها لخدمتنا، بل لرفاهية الإنسان.
المقارنة بين الماضي والحاضر، خاسرة والتفوق واضح وجلي، إذاً يجب أن ننظر إلى الأمام، ولا ننظر إلى الوراء، مهما كلفنا ذلك من مشاعر, لأننا بهذه الطريقة لا نستطيع أن نلحق بالحاضر لسرعة تقدمه وبطء تفكيرنا في التكيف معه.
الماضي جميل وهو اللبنة الأولى في كيان أي شخص ولهذا دائماً اللبنات النظيفة والقوية لها حلاوتها، بل تطبع في أنفسنا وتنقش تأثيرها، ومن ثم تُسَيرُ حياتنا المستقبلية.
الحاضر أجمل إذا استطعنا أن نجعله يخدمنا ويصفي أنفسنا ويخدمنا في تكوين حياة لها طابعية النرجسية، ولهذا فإن الماضي يدفعنا إلى التقدم والتكيف مع معطيات الحياة الجديدة، لذا يجب علينا أن نبذل ونتفانى في استغلال الوقت، وإذا لم نستطع أن نستفيد من الوقت أصبحنا في آخر ركب الحياة.
الماضي كانت التزاماته بسيطة ويسيرة، ومسؤولياته محدودة، فكان الإنسان منا يستطيع أن ينجز ما يوكل إليه في زمن قصير، ويستفيد من الزمن الباقي في إطلاق العنان لهواياته وأفراحه.
الحاضر بما فيه من تقدم أثقل كاهل الجميع بل شمر عن ساعدي التحدي، فإما أن تكون أو لا تكون.
إذاً علينا أن ننظم أوقاتنا، فلم تسبقنا الأمم الأخرى إلا عندما قدرت الوقت، بل رسمت خطط زمنية لمنهاج الحياة، ولهذا فإن تنظيم الوقت أمر رباني قبل أن يكون دنيوي، فالصلوات لها وقت معين، وكذلك الصوم، والحج، وقس باقي العبادات....
لكي نستمتع بالحاضر ونجعله أحلى من الماضي علينا أن نطور الذات البشرية بالاستفادة من معطيات الحاضر وتطويرها لخدمتنا، وليس العكس.
نعلم جميعاً أن التقدم العلمي والتكنولوجي يسير بسرعة الصوت، ولهذا يجب علينا أن نسير بسرعة الضوء. فكلاهما متلازمين، وإلا فإن الفوهة تكبر تدريجياً حتى لا نستطيع اللحاق بالركب؛ ومن هنا كلاً يغني على ليلاه بطريقته الخاصة.
الماضي بذرت الحاضر؛ وحصاد الحاضر بما نقدمه لأمتنا وشعوبنا، فالتاريخ مليء بأمجادنا، وهذه الأمجاد هي التي ارتكنا عليها فسبقونا غيرنا إلى الحاضر...
الزمن والتاريخ لا يمكن أن يرجع إلى الوراء، إذاً ما دَوْرُنَا نحن لنجعل من صفاء الماضي، شمعة للحاضر بل نطوع حاضرنا ليصبح مثل ماضينا الجميل، والربط وارد فمن لا ماضي له حاضره هش، لا يمكن أن يصمد أمام طوفان الحياة.
فالتخطيط، والتنظيم، والتنفيذ، والمتابعة، ووضع إستراتيجية للحياة، والنظرة الإيجابية، والتنحي عن النظرة السلبية، واستغلال الوقت المناسب يجعلك تعيش حاضراً مزدهراً، وغداً مشرقاً.
فلم أعهدكم من الذين يركنون إلى الدوران في دولاب الحياة دون أن يحدث تغيراً في مسارها، فأنتم أحفاد من صنع التاريخ، وحفروا للمجد طريقاً تمضي فيه الأمم، فسيروا على بركة المولى، وعين الله ترعاكم يا أحفاد ابوبكرٍ وعمر وصلاح الدين....