عرض مشاركة واحدة
قديم 14-07-2009, 07:12 AM
  #1
عبدالهادي سعد القحطاني
عضو مشارك
 الصورة الرمزية عبدالهادي سعد القحطاني
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 183
عبدالهادي سعد القحطاني is a splendid one to beholdعبدالهادي سعد القحطاني is a splendid one to beholdعبدالهادي سعد القحطاني is a splendid one to beholdعبدالهادي سعد القحطاني is a splendid one to beholdعبدالهادي سعد القحطاني is a splendid one to beholdعبدالهادي سعد القحطاني is a splendid one to behold
افتراضي لا تـــــــــــحـــــــــــــــــزن

[size=6][لا تـــــــــــحـــــــــــــــــزن
بسم الله الرحمن الرحيم
في البدايه أتمنى من الله العلي القدير أن ينفع بهذا الموضوع وأسئله أن يرزقني العمل الخالص لوجهه وأن يجعل هذا الموضوع في ميزان حسناتي وكل من شاهده ومر عليه وكل المسلمين ..
وهو بكل صراحه دواء ليس كسائر الأدويه .. دواء للهم والغم دواء للأمراض والمشاكل .. دواء لكل من يجد الضيق في عيشه دواء لكل من يعاني من أي ضغوط أو مشاكل في حياته ..وصفات سحريه .. وكلمات لن يندم من قرأها ابدا بإذن الله ..

لا أريد أي رد على الموضوع بقدر ماأتمنى أن يقرأه كل شخص يمر من هنا .. أريد أن يشعر كل من قرأه بما شعرت به عندما قرأته.. لذلك حاولت تنسيقه وترتيبه وجمعه لعلّه يشفي بكلماته أنفس ضائقه .. وأرواح سئمت الحياة .. وأجساد تحمل قلوب حزينه .. ولو لم تكن هذه الكلمات كالدواء الشافي .. وكالماء البارد الذي ينسكب على نار حزن القلب ليطفئه .. لما وضعته هنا ولأكتفيت بالإشاره لإسم الكتاب فقط .. وقد لايستطيع كل شخص أن يقتني هذا الكتاب ويقرأه
إما لعدم وجود الوقت الكافي لذلك أو لأي أمر آخر .. لذلك وضعته هنا .. وأسئل الله العلي العظيم أن يساهم هذا الموضوع ولو بجزء يسير بإنفراج ضيق من به ضيق .. وارتياح من فيه مرض ..وانشراح صدر من بلي بالهموم والحزن ..

*سأضع الكتاب على هيئة ردود ليسهل على الجميع مشاهدته ..
وليس بالضروره قراءة الموضوع في يوم واحد فمن يجد الفرصه والوقت
لايبخل على نفسه بالقراءه ولو على فترات حتى يكمل الكتاب فهو كتاب
يستحق منا أن نعطيه كل أوقاتنا ..شاهد جميع نقاط الموضوع
فقد تجد نقطه تهمك كثيرا وعند قراءتها تتغير لديك مفاهيم .. أو ينشرح
صدرك .. أو يزيح عنك هم ..


الكتاب للدكتور والشيخ الفضيل / عائض القرني ..
بعنوان ( لاتحزن )
أخذت منه مارأيت أنه مفيد وأختصرته لعل الله أن ينفع به***


(( رسالة إلى كل مهموم ومغموم ))


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:

(لا تحزن !)

وهي رسالة لكل مهموم ومغموم ومحزون، تقول له:لا تحزن.

وهي خطاب لكل مصاب ومبتلى، وكل من سحقته المشقة والعناء، تقول له:لا تحزن!

وهي نداء لكل من أحدقت به المصائب، وأحاطت به النكبات، وخنقته الأزمات، تقول له:لا تحزن !

وهي دعوة لمن فقد ابنه وفُجع بثمرة فؤاده، وأصيب بفصيله من أهل الدنيا، ونُعي إليه حبيبُه، تقول له:لا تحزن !

وهي أمل لكل من أثقلته الديون، وعضَّه الفقر، وأمضته الحاجة، وأحاطت به البأساء، تقول له:لا تحزن !

وهي مواساة لمن أقعده المرض، ونغص عيشه السقم، وأقض مضجعه الألم، وشرد نومه اليأس، تقول له: لا تحزن!

وهي عزاء لمن أُوصِدت عليه الأبواب ولمن ذاق مرارة الغربة، واحتسى كأس الفراق، وشرب علقم الإحباط،تقول له:لا تحزن !

وهي سلوة لمن أشرف على الانتحار، ومل الحياة، وسئم العيش، وعاف البقاء، تقول له:لا تحزن !


(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)

من الذي يفزع إليه المكروب ؟! ومن الذي يستغيث به المنكوب ؟! من الذي تصمد إليه
الكائنات؟! ومن الذي تسأله المخلوقات؟! ومن الذي يلتجئ إليه العباد؟! ومن الذي تلهج الألسنة بذكره؟! ومن الذي تألهه القلوب؟! من هو الواحد الأحد؟! إنه الله الذي لا إله إلا هو. وحق عليَّ وعليك أن ندعوه في الشدة والرخاء، والسراء والضراء، ونفزع إليه في الملمات، ونتوسل إليه في الكربات، وننطرح على عتبات بابه سائلين باكين ضارعين منيبين، حينها يأتينا مدده، ويصل إلينا عونه، ويسرع إلينا فرجه، ويحل علينا فتحه، فينجي الغريق، ويرد الغائب، ويعافى المبتلى،وينصر المظلوم، ويهدي الضال، ويشفي المريض، ويفرج عن المكروب: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت65] ولن أسرد عليكم هنا أدعية إزالة الهم والحزن والغم، فهي معلومة في كتب السنة.
إذا وجدت الطريق إلى ربك فقد وجدت كل شيء، وإن فقدت الإيمان به؛ فقد فقدت كل شيء، إن دعاءك ربك عبادة أخرى، وطاعة عظمى ثانية فوق حصول المطلوب، وإن عبداً يجيد فن الدعاء حري ألا يهتم ولا يغتم، ولا يحزن، ولا يقلق: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة:51]. كل الحبال تتصرم إلا حبله، كل الأبواب توصد إلا بابه، كل الطرق تغلق إلا طريقه، هو قريب سميع مجيب يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] يأمرك -وأنت الفقير الضعيف المحتاج، وهو الغني القوي الواحد الماجد- بأن تدعوه: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] إذا نزلت بك النوازل، إذا ألمت بك الخطوب، فالهج بذكره، واهتف باسمه، واطلب مدده، واسأله فتحه ونصره، مرِّغ الجبين لتقديس اسمه لتحصل على تاج الحرية، وأرغم الأنف في طين عبوديته لتحوز وسام النجاة، مد يديك، ارفع كفيك، أطلق لسانك، أكثر من طلبه، بالغ في سؤاله، ألح عليه، الزم بابه، انتظر لطفه، ترقب فتحه، اشدُ باسمه، أحسن الظن به، انقطع إليه، تبتل إليه تبتيلاً حتى تسعد وتفلح.

فكِّر واشكُر

المعنى: أن تذكر نعم الله عليك، فإذا هي تغمرك من فوقك، ومن تـحت قدميك: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34] صحة في بدن، أمن في وطن، غذاء وكساء، هواء وماء، لديك الدنيا وأنت لا تشعر، تملك الحياة وأنت لا تعلم: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً [لقمان:20] عندك عينان، ولسان وشفتان، ويدان ورجلان، وأمن في أوطان: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13] هل هي مسألة سهلة أن تمشي على قدميك وقد بُتِرَت أقدام؟! وأن تعتمد على ساقيك وقد قطعت سوق؟! أحقير أن تنام ملء عينيك وقد أطار الألم نوم الكثير؟! وأن تملأ معدتك من الطعام الشهي وأن تكرع من الماء البارد وهناك من عُكِّر عليه الطعام، ونغِّص عليه المنام بأمراض وأسقام؟!

تفكر في سمعك، وقد عوفيت من الصمم، تأمل في نظرك وقد سلمت من العمى، انظر إلى جلدك وقد نجوت من البرص والجذام، المح عقلك وقد أُنعِم عليك بحضوره، ولم تُفْجَع بالجنون والذهول.
أتريد في بصرك وحده كـجبل أحد ذهباً؟! أتحب بيع سمعك بوزن ثهلان فضة؟! هل تشتري قصور الزهراء بلسانك فتكون أبكم؟! هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لتكون أقطع؟! إنك في نعم عميمة، وأفضال جسيمة، وآيات عظيمة؛ ولكنك لا تدري، تعيش مهموماً مغموماً حزيناً كئيباً، وعندك الخبز الدافئ، والماء البارد، والنوم الهانئ، والعافية الوارفة، تتفكر في المفقود ولا تشكر الموجود؟! تنزعج من خسارة مالية، وعندك مفتاح السعادة، وقناطير مقنطرة من الخير والمواهب والنعم والأشياء، فكِّر واشكُر! وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21].
فكِّر في نفسك، وأهلك، وبيتك، وعملك، وعافيتك، وأصدقائك، والدنيا من حولك، يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا [النحل:83].
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من أصبح آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها }.
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس }.

يقول أبو العتاهية :
رغيفُ خبز يابسٍ تأكله في زاويه
وكوز ماء بارد تشربه من صافيه
وغرفة خالية نفسك فيها راضيه
ومصحف تدرسه مستنداً لساريه
خير من السكنى بظـ ـلات القصور العاليه
من بعد هذا كله تُصلى بنار حاميه

(ما مضى فات)

ذكرُ الماضي والتفاعل معه واستحضاره والحزن لمآسيه، قنوطٌ وجنونٌ، وقتلٌ للإرادة، وتبديد للحياة الحاضرة، إن ملف الماضي عند العقلاء يُطوَى ولا يُروَى، يُغلَق عليه أبداً في زنزانة النسيان، يُقيَّد بحبال قوية في سجن الإهمال، فلا يَخْرُج أبداً، ويُوصَد عليه فلا يرى النور؛ لأنه مضى وانتهى، لا الحزن يعيده، لا الهم يصلحه، لا الغم يصححه، لا الكَدَر يحييه؛ لأنه عدم؛ لا تَعِشْ في كابوس الماضي وتحت مظلة الفائت، انقذ نفسك من شبح الماضي؛ أتريد أن ترد النهر إلى مصبه! والشمس إلى مطلعها! والطفل إلى بطن أمه! واللبن إلى الثدي! والدمعة إلى العين؟!
إن تفاعلك مع الماضي وقلقك منه، واحتراقك بناره، وانطراحك على أعتابه، وضع مأساوي رهيب مخيف مفزع.
القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر، وتمزيق للجهد، ونسف للساعة الراهنة، ذكر الله الأمم وما فعلت، ثم قال: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ [البقرة:134] وقال لأوليائه: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ [الحديد:23] انتهى الأمر، قضيت المسألة لا طائل من تشريح جثة الزمان، وإعادة عجلة التاريخ.
إن الذي يعود للماضي كالذي يطحن الطحين وهو مطحون أصلاً، وكالذي ينشر نشارة الخشب، وقديماً قالوا لمن يبكي على الماضي: (لا تخرجوا الأموات من قبورهم).
وقد ذكر من يتحدث على ألسنة البهائم، أنهم قالوا للحمار: لم لا تجتر؟ قال: أكره الكذب. إن بلاءنا أننا نعجز عن حاضرنا، ونشتغل بماضينا، نهمل قصورنا الجميلة، ونندب أطلالنا البالية، ولئن اجتمعت الإنس والجن على إعادة ما مضى لما استطاعوا؛ لأن هذا هو المحال بعينه. إن الناس لا ينظرون إلى الوراء ولا يلتفتون إلى الخلف؛ لأن الريح تتجه إلى الأمام، والماء ينحدر إلى الأمام، والقافلة تسير إلى الأمام،فلا تخالف سنة الحياة.

(اترك المستقبل حتى يأتي)

أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل:1] لا تستبق الأحداث، أتريد إجهاض الحمل قبل إتمامه؟! وقطع الثمرة قبل النضج؟! إن غداً مفقود لا حقيقة له، ليس له وجود، ولا طعم، ولا لون، ولا رائحة، فلماذا نفتن أنفسنا به، ونتوجس من مصائبه، ونهتم لحوادثه، ونتوقع كوارثه، ولا ندري هل يُحال بيننا وبينه أو نلقاه؟ فإذا هو سرور ونور وحبور، المهم أنه في عالم الغيب، لم يصل إلى الأرض بعد، إن علينا ألا نعبر جسراً حتى نأتيه، ومن يدري؟ لعلنا نقف قبل وصول الجسر، أو لعل الجسر ينقطع بنا، وربما وصلنا الجسر ومررنا بسلام.

(لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانعُ)

لا يعلم الغيب إلا الله، فانتظر موعودك مع الحياة، وكن سعيداً بيومك.
إن إعطاء الذهن مساحةً أوسع للتفكير في المستقبل وفتح كتاب الغيب ثم الاكتواء بالمزعجات المتوقعة ممقوت شرعاً؛ لأنه طول أمل، ومذموم عقلاً؛ لأنه مصارعة للظل.
إن كثيراً من هذا العالم يتوقع في مستقبله الجوع والعري والمرض والفقر والمصائب، وهذا كله من مقررات مدارس إبليس: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً [البقرة:268] كثيرون هم الذين يبكون؛ لأنهم سوف يجوعون غداً، وسوف يمرضون بعد سنة، وسوف ينتهي العالم بعد مائة عام، إن الذي عمره في يد غيره لا ينبغي له أن يراهن على العدم، والذي لا يدري متى يموت، لا يجوز له الاشتغال بشيء مفقود لا حقيقة له. اترك غداً حتى يأتيك، لا تسأل عن أخباره، لا تنتظر زحوفه؛ لأنك مشغول باليوم. وإن تعجب، فعجب هؤلاء الذي يقترضون الهَمَّ نقداً ليقضوه نسيئة في يوم لم تشرق شمسُه، ولم يرَ نوره، فحذارِ من طول الأمل!

( يومك!! يومك)

اسمع إلى الأثر الثابت: [[إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ]] اليوم فحسب ستعيش، فلا أمس الذي ذهب بخيره وشره، ولا الغد الذي لم يأتِ إلى الآن، اليوم الذي أظلتك شمسُه، وأدركك نهاره هو يومك فحسب، عمرك يوم واحد.
ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها
فاجعل في خلدك العيش لهذا اليوم، وكأنك ولدت فيه وتموت فيه، حينها لا تتأثر حياتك بين هاجس الماضي وهمه وغمه، وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب.
لليوم فقط اصرف تركيزك واهتمامك، لليوم فقط وجه إبداعك وكدك وجهدك، وفي هذا اليوم لا بد أن تقدم صلاة خاشعة، وتلاوة متدبرة، واطلاعاً بتأمل، وإبداعاً برُقي، وذكراً بحضور، واتزاناً في الأمور، وحسناً بخلق، ورضاً بالمقسوم، واهتماماً بالمظهر، واعتناءً بالجسم، ونفعاً للآخرين.
لليوم هذا الذي أنت فيه تعيش فتقسم ساعاته، وتجعل من دقائقه سنوات، ومن ثوانيه شهور، تزرع فيه الخير، تسدي فيه الجميل، تستغفر فيه من الذنب، تذكر فيه الرب، تتهيأ للرحيل، تعيش هذا اليوم فرحاً وسروراً، وأمناً وسكينة، ترضى فيه برزقك، بزوجتك، بأطفالك، بوظيفتك، ببيتك، بعملك، بمستواك، فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف:144].
تعيش هذا اليوم بلا حزن ولا انزعاج، ولا سُخط ولا حقد ولا حسد.
إن عليك أن تكتب على لوح قلبك عبارة واحدة، تجعلها أيضاً على مكتبك، تقول العبارة: (يومك يومك).
إذا أكلت خبزاً حاراً شهياً هذا اليوم، فهل يضرك خبز الأمس الجاف الرديء؟! أو خبز غدٍ الغائب المنتظَر، إذا شربت ماءً عذباً زلالاً هذا اليوم؛ فلِمَ تحزن من ماء أمس المالح الأُجاج، أو تهتم لماء غد الآسن الحار؟!
إنك لو صدقت مع نفسك بإرادة فولاذية صارمة عارمة حاسمة حازمة جازمة؛ لأخضعتها لنظرية: لَن أَعيش إلاَّ هذا اليوم، حينها تستغل كل لحظة في هذا اليوم في بناء كيانك وتنمية مواهبك وتزكية عملك فتقول: لليوم فقط أهذب ألفاظي، فلا أنطق هذواً أو فُحشاً أو سباً أو غيبة.
لليوم فقط سوف أرتب بيتي ومكتبتي، فلا ارتباك ولا بعثرة، إنما هو نظام ورتابة.
لليوم فقط سوف أعيش فأعتني بنظافة جسمي وتحسين مظهري، والاهتمام بهندامي، والاتزان في مشيتي وكلامي وحركاتي.
لليوم فقط سأعيش فأجتهد في طاعة ربي، وتأدية صلاتي على أكمل وجه، والتزوُّد بالنوافل، وتعاهد مصحفي، والنظر في كتبي، وحفظ فائدة، ومطالعة كتاب نافع.
لليوم فقط سأعيش، فأغرس في قلبي الفضيلة، وأجتث منه شجرة الشر بغصونها الشائكة، مِن كِبْر وعُجْب ورياء وحسد وحقد وغِل وسوء ظن.
لليوم فقط سوف أعيش فأنفع الآخرين، وأسدي الجميل إلى الغير، أعود مريضاً، أشيِّع جنازة، أدل حيراناً، أطعم جائعاً، أفرج عن مكروب، أقف مع مظلوم، أدفع لضعيف، أواسي منكوباً، أكرم عالماً، أرحم صغيراً، أجل كبيراً.
لليوم فقط سأعيش.
فيا ماضٍ ذهب وانتهى! اغرب كشمسك، فلن أبكي عليك، ولن تراني أقف لأتذكرك لحظة؛ لأنك تركتنا وهجرتنا ورحلت عنا، ولن تعود إلينا أبد الآبدين. ويا مستقبل! أنت في عالم الغيب، فلن أتعامل مع الأحلام، ولن أبيع نفسي مع الأوهام، ولن أتعجل ميلاد مفقود؛ لأن غداً لا شيء؛ لأنه لم يُخلق؛ ولأنه لم يكن شيئاً مذكوراً. يومك... يومك! أيها الإنسان! أروع كلمة في قاموس السعادة لمن أراد الحياة في أبهى صورها، وأجمل حللها.

(الإحسان إلى الغير انشراح للصدر)

الجميل كاسْمِه، والمعروف كرَسْمِه، والخير كطعمه، أول المستفيدين من إحسان الناس هم المتفضلون بهذا الإسعاد، يجنون ثمرته عاجلاً في نفوسهم، وأخلاقهم، وضمائرهم، فيجدون الانشراح، ويحسون بالانبساط، ويعيشون الهدوء، ويلمسون السكينة.
فإذا طاف بك طائف من همٍّ، أو أَلَمَّ بك غم فامنح غيرك معروفاً، واسْدِ له جميلاً، تجد الفرج والراحة. اعط محروماً، انصر مظلوماً، انقذ مكروباً، أطعم جائعاً، عُدْ مريضاً، واسِ منكوباً، تجد السعادة تغمرك من بين يديك ومن خلفك.
إن فعل الخير كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه، وعوائد الخير النفسية عقاقير مباركة تصرف في صيدلية الذين عُمرت قلوبهم بالبر والإحسان.
إن توزيع البسمات المشرقة على فقراء الأخلاق صدقة جارية في عالم القيم: {ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق } وإن عبوس الوجه إعلان حرب ضروس على الآخرين، لا يعلم قيامها إلا علام الغيوب. شربة ماء من كف بغي لكلب عقور؛ أثمرت دخول جنة عرضها السماوات والأرض؛ لأن صاحب الثواب غفور، شكور، يحب العفو، محسن، غني، حميد. يا من تهددهم كوابيس الشقاء! يا من ترهبهم أحلام الفناء! يا من يزلزلهم الفزع! يا من يهزهم القلق والخوف! هلموا إلى بستان المعروف، تشاغلوا بالغير عطاءً وضيافة ومواساة وإعانة وخدمة، وستجدون السعادة طعماً ولوناً وذوقاً: وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:19-21].

(اصنع من الليمون شراباً حلواً)

الذكي الأريب يحول الخسائر إلى أرباح، والجاهل الرعديد يجعل المصيبة مصيبتين.
طُرد الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة فأقام في المدينة دولة.
سُجن الإمام أحمد فصار إمام السنة، وحُبسابن تيمية فصار علم الأمة، وُضع السرخسي في قعر بئر معطلة فأخرج ثلاثين مجلداً في الفقه، أقعد ابن الأثير فصنف أربعين مصنفاً، نُفي ابن الجوزي فتعلم القراءات، أصابت الحمى مالك بن الريب فصار شاعر الدنيا، ومات أبناءأبي ذؤيب الهذلي فرثاهم بإلياذة أنصت لها الدهر، وذهُل منها الجمهور، وصفق لها التاريخ.
إذا داهمتك داهية فانظر في الجانب المشرق منها، وإذا ناولك أحدهم كوب ليمون، فأضف إليه حفنة من سكر، وإذا أهدى لك أحدهم ثعباناً فخذ جلده الثمين واترك باقيه، وإذا لدغتك عقرب فاعلم أنه مصل واقٍ ومناعة حصينة ضد سم الحيات.
تكيف في ظرفك القاسي لتخرج لنا منه زهراً وورداً وياسميناً: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ [البقرة:216]. سجنت فرنسا</span> قبل ثورتها العارمة شاعرَين مجَيدَين، متفائلاً ومتشائماً، فأخرجا رأسيهما من نافذة السجن. فأما المتفائل فنظر نظرة في النجوم فضحك، وأما المتشائم فنظر في الطين فبكى. انظر إلى الوجه الآخر للمأساة؛ لأن الشر المحض ليس موجوداً أصلاً، بل هناك خير ومكسب وفتح وأجر.

(إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)

يا إنسانُ! بعد الجوع شبع، وبعد الظمأ رِي، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية، وبعد الفقر غنى، وبعد السجن حرية، سوف يصل الغائب، ويهتدي الضال، ويُفك العاني، وينقشع الظلام: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ [المائدة:52].

بشر الليل بصبح صادق يطارده على رءوس الجبال ومسارب الأودية، بشر المهموم بفرج مفاجئ يصل في سرعة الضوء ولمح البصر، بشر المنكوب بلطف خفي وكف حانية وادعة.
إذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد فاعلم أن وراءها رياض خضراء وارفة الظلال، وإذا رأيت الحبل يشتد ويشتد فاعلم أنه سوف ينقطع. مع الدمعة بسمة، ومع الخوف أمن، ومع الفزع سكينة، النار لا تحرق إبراهيم التوحيد؛ لأن الرعاية الربانية فتحت نافذة: بَرْداً وَسَلاماً [الأنبياء:69]. البحر لا يغرق كليم الرحمن؛ لأن الصوت القوي الصادق نطق بـكَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62].
المعصوم في الغار بشر صاحبه بأنه وحده سبحانه معنا، فنزل الأمن والفتح والسكينة. إن عبيد ساعاتهم الراهنة وأرقاء ظروفهم القاتمة لا يرون إلا النكد والضيق والتعاسة؛ لأنهم لاينظرون إلا إلى جدار الغرفة وباب الدار فحسب، ألا فليمدوا أبصارهم وراء الحُجب، ألا فليطلقوا أعنة أفكارهم إلى ما وراء الأسوار، ألا فليحسنوا الظن بالعزيز الغفار. إذاً فلا تضِقْ ذرعاً فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة: انتظار الفرج، الأيام دُوَل، والدهر قُلَّب،والليالي حُبالَى، والغيب مستور، والحكيم كل يوم هو في شأن، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً: وإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:6].

دع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن إلا خالي البالِ
ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حالِ

وانظر إلى يونس بن متَّى عليه السلام في ظلمات ثلاث، لا أهل، ولا ولد، ولا صاحب، ولاحبيب، ولا قريب، إلا الله الواحد الأحد، فهتف بالكلمة الصادقة المؤثرة النافعة: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] فجاء الفرج.

ويعـقوب علـيه السـلام يقـول لأبنائه: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].

فلا يأس والله يُدعَى، ولا قنوط والله يُرجَى، ولا خيبة والله يُعبَد، ولا إحباط والله يُؤمَن، جل في علاه، فإذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً }.
انظر إلى أخبار الأمم وقصص الدول، كيف غلب الله على أمره جل في علاه؛ لأنه الفعال لما يريد، فجاء باليُسر بعد العسر سبحانه، وفي حديثٍ حسن: {ولن يغلب عسرٌ يسرين }.المنصور بن أبي عامر -الملك الأندلسي- حكم بقتل عالم من العلماء، وأعطى السياف ورقة، أراد أن يَكتب فيها: يُقتَل، فكتب: يُطلَق، فردَّها السياف إليه، فشطبها وكتبها: يُطلَق، فردها إليه، فشطبها وكتبها: يطلق، يريد أن يُقتَل، فلما كتب يُطلَق، تعجب واحتار، وقال: والله إنه لأمر الله جل في علاه، والله ما أردتُ إلا قتله، وإنه ليُطلَق على رغم أنفي، فأطلقه: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29].

سَهِرَت أعين ونامت عيونُ

في شئونٍ تكون أو لا تكونإن
رباً كفاك ما كان بالأمسِ
سيكفيك في غدٍ ما يكونُ

(اجنِ العسل ولا تكسر الخلية)

الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه، اللين في الخطاب، البسمة الرائقة على المحيا، الكلمة الطيبة عند اللقاء، هذه حلل منسوجة يرتديها السعداء، وهي صفات المؤمن، كالنحلة تأكل طيباً وتصنع طيباً وإذا وقعت على زهرة لا تكسرها؛ لأن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، إن من الناس من تشرئب لقدومهم الأعناق، وتشخص إلى طلعاتهم الأبصار، وتحييهم الأفئدة، وتشيعهم الأرواح؛ لأنهم محبوبون في كلامهم، في أخذهم، في عطائهم، في بيعهم، في شرائهم، في لقائهم، في وداعهم. إن اكتساب الأصدقاء فن مدروس يجيده النبلاء الأبرار، فهم محفوفون دائماً وأبداً بهالة من الناس، إن حضروا فالبِشر والأُنس، وإن غابوا فالسؤال والدعاء. إن هؤلاء السعداء لهم دستور أخلاق عنوانه: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] فهم يمتصون الأحقاد بعاطفتهم الجياشة، وحلمهم الدافئ،، وصفحهم البريء، يتناسون الإساءة، ويحفظون الإحسان، تمر بهم الكلمات النابية فلا تلج آذانهم، بل تذهب بعيداً هناك إلى غير رجعة، هم في راحة، والناس منهم في أمن، والمسلمون منهم في سلام {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم } يقول صلى الله عليه وسلم فيما يُروَى عنه: {إن الله أمرني أن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني } ووالله لقد وصلت من قطعك، وعفوت عمن ظلمك، وأعطيت من حرمك، فهنيئاً لك تلك المنزلة: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134] بشر هؤلاء بثواب عاجل من الطمأنينة والسكينة والرضوان والهدوء، وبشرهم بثواب أخروي كبير، في جوار رب غفور فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55].


](كيف تواجه النقد الآثم)

الرقعاء السخفاء الحمقى السافهون سبوا الخالق الرازق جل في علاه، شتموا الواحد الذي ذهب بالجمال والكمال والجلال، لا إله إلا هو! فماذا نتوقع أنا وأنت ونحن أهل الحيف والخطأ؛ إنك سوف تواجه في حياتك حرباً ضروساً لا هوادة فيها من النقد الآثم المر، ومن التحطيم المدروس المخصوص، ومن الإهانة المتعمدة، ما دام أنك تعطي، وتبني وتؤثر، وتسطع وتلمع وتبدع، ولن يسكت هؤلاء عنك حتى تتخذ نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتفر من هؤلاء، أما وأنت بين أظهرهم فانتظر منهم ما يسوؤك، ويبكي عينك، ويدمي مقلتك، ويقض مضجعك.
إن الجالس على الأرض لا يسقط، والناس لا يرفسون كلباً ميتاً؛ لكنهم يغضبون عليك؛ لأنك فُقْتَهم صلاحاً أو علماً أو أدباً أو مالاً أو بياناً أو جهداً، فأنت عندهم مذنب لا توبة لك حتى تترك مواهبك، ونعم الله عليك، وتنخلع من كل صفات الحمد، وتنسلخ من كل معاني النبل، وتبقى بليداً غبياً صفراً محطماً مكدوداً، هذا ما يريدون بالضبط.
إذاً: فاصمد لكلام هؤلاء، إذاً: (فاثبت أُحُد ) واصبر على نقدهم وتشويههم وتجريحهم وتحقيرهم، وكن كالصخرة الصامدة المهيبة تتكسر عليها حبات البرد، لتثبت وجودها وتعلن صمودها، وقدرتها على البقاء.
إنك إن أصغيت لكلام هؤلاء وتفاعلت به حققت أمنيتهم الغالية في تعكير حياتك وتكدير عمرك، ألا فاصفح الصفح الجميل، ألا فاعرض عنهم وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ.
إن نقدهم السخيف ترجمة محترمة لك، وبقدر وزنك يكون النقد الآثم المفتَعَل. إنك لن تستطيع أن تغلق أفواه البشر، ولن تستطيع أن تعقد ألسنتهم؛ لكنك تستطيع أن تدفن نقدَهم وتجنيهم بتجافيك لهم وإهمالك لشأنهم، واطراحك لأقوالهم: قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ [آل عمران:119].

وكِلْمَةِ حاسد من غير جُرْم
سمعتُ فقلت مُرِّي فانفُذِيني

وعابوها عليَّ ولم تعبني
ولم يندى لها أبداً جبيني


حسدوا الفتى إن لمن ينالوا سعيه
فالناس أعداء له وخصومُ

كضرائر الحسناء قُلْنَ لوجهها
حسداً وبغياً إنه لدميمُ

***
وشكوتَ من ظلم الوشاة ولم تَجد ذا سؤدد إلا أُصيبَ بِحُقَّدِ
لا زلت سِبْط الكرام مُحَقَّداً والتافه المسكين غير مُحَقَّدِ

إنك تستطيع أن تصب في أفواه هؤلاء خَرْدلاًَ بزيادة فضائلك، وتربية محاسنك، وتقويم اعوجاجك. إن كنت تريد أن تكون مقبولاً عند الجميع، محبوباً لدى الكل، سليماً من العيوب عند العالم، فقد طلبت مستحيلاً، وأمَّلت أملاً بعيداً، ألا يكفيك أن الواحد جل في علاه، القهار تباركت أسماؤه، الكامل تقدست آلاؤه، يقول: {يسبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، ويشتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، أما سبه إياي -تعالى الله في عليائه- فإنه يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار، وأما شتمه إياي فإنه يقول: إني اتخذت صاحبة وولداً وأنا الله لم أتخذ صاحبة ولا ولداً } وهذا هو الله جل في علاه، ورسولنا صلى الله عليه وسلم، عندما بلغ الكمال البشري سُبَّ وشُتِمَ وهُجِيَ وقيل له: ساحر، وشاعر، وكاهن، وكذاب، ومجنون، فنزل عليه: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر:85] فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً [المعارج:5].

(العوض من الله)

لا تأسف على مصيبة، فإن الذي قدرها عنده جنة وثواب وعوض وأجر عظيم، إن أولياء الله المصابين المبتلين ينوه بهم في الفردوس سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24].

وحق علينا أن ننظر في عوض المصيبة وفي ثوابها، وفي خلفها الخيِّر أولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:157] هنيئاً للمصابين، بشرى للمنكوبين، سلام على المضطهدين.
إن عمر الدنيا قصير، وكنزها حقير، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى:17] فمن أصيب هنا كوفئ هناك، ومن تعب هنا ارتاح هناك، ومن افتقر هنا اغتنى هناك، أما المتعلقون بالدنيا، العاشقون لها، الراكنون إليها، فأشد ما على قلوبهم فوت حظوظهم منها، وتنغيص راحتهم فيها؛ لأنهم يريدونها وحدها، فلذلك تعظم عليهم المصائب، وتكبر عندهم النكبات؛ لأنهم ينظرون تحت أقدامهم، فلا يرون إلا الدنيا الفانية الزهيدة الرخيصة. أيها المصابون: ما فات شيءٌ وأنتم الرابحون، فقد بعث لكم برسالة بين أسطرها لطف وعطف وثواب وحسن اختيار. إن على المصاب الذي ضُرِب عليه سرادق المصيبة أن ينظر ليرى أن النتيجة: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13] وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى [القصص:60] وأهنى وأمرى وأجل وأعلى وأغلى.

(قضاءٌ وقدر)

مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22] فليعلم مَن جَهِل، وليدرِ مَن غفل، جف القلم، رُفعت الصحف، قُضي الأمر، كتبت المقادير: لَنْيُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51] عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا [الأعراف:89] حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ [غافر:44].

دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس
سهرت أعين ونامت عيونٌ في شئون تكون أو لا تكونُ
إن رباً كفاك ما كان بالأمس سيكفيك في غدٍ ما يكونُ


واسمع إلى العامي ذي الفطرة الصحيحة يقول:

لا تِشْتِكِ يا واحداً باتْ مهمومْ تَرى الفرح عندِ اقترابِ الحزام
وانْ كان عِيْنَك خالفتْ لذة النومْ إنتَ تنام وخالقك ما ينام

{ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك }.

إن هذه العقيدة إذا رسخت في نفسك، وقرَّت في ضميرك، صارت البلية عطية، والمحنة منحة، وكل الوقائع جوائز وأوسمة، و{مَن يرد الله به خيراً يُصِبْ مِنْه } فلا يصبك قلق من مرض، أو موت ابن، أو خسارة مالية، أو احتراق بيت، فإن الباري قد قدَّر، والقضاء قد حلَّ، والاختيار هكذا، والخيرة لله، والأجر حصل، والذنب غُفر.

هنيئاً لأهل المصائب صبرهم ورضاهم عن الآخِذ المعطي القابض الباسط، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] ولن تهدأ أعصابك، ولن تسكن بلابل نفسك، ولن تذهب وساوس صدرك حتى تؤمن بالقضاء والقدر، جف القلم بما أنت لاقٍ، فلا تذهب نفسك حسرات، لا تظن أن بوسعك إيقاف الجدار أن ينهار، وحبس الماء أن ينسكب، ومنع الريح أن تهب، وحفظ الزجاج أن ينكسر، هذا ليس بصحيح، على رغمي ورغمك سوف يقع المقدور، وينفذ القضاء، ويحل المكتوب فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29].

استسلم للقدر قبل أن تطوَّق بجيش السخط والتذمر والعويل، اعترف بالقضاء قبل أن يداهمك سيل الندم.
إذاً: فليهدأ بالك إذا فعلت الأسباب، وبذلت الحيَل، ثم وقع ما كنت تحذر، فهذا هو الذي كان ينبغي أن يقع: {ولا تقل: لو أني فعلتُ كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل }.
واسمع إلى الجوائز وإلى الأوسمة وإلى الأُعطيات للصابرين المحتسبين: صح عنه عليه الصلاة والسلام أن الله يقول: {اما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضتُ صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا لجنة }.


وقال سبحانه في الحديث القدسي الصحيح: {من ابتليتُه بحبيبتيه -أي: بعينيه- فصبر عوَّضتُه عنهما الجنة }.
وصح عنه عليه الصلاة والسلام عن ربه أنه قال: {إذا قبض ابن العبد المؤمن قال الله لملائكته وهو أعلم: قبضتم ابن عبدي المؤمن؟ قالوا: نعم. قال: قبضتم ثمرة فؤاده؟ قالوا: نعم. قال: فماذا قال عبدي؟ قالوا: حمدك واسترجع، قال: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد }.


وانظر إلى الأولياء كيف يصبرون على المقدور: هذا عروة بن الزبير يسافر سفراً طويلاً من المدينة إلى الشام، عروة الذي كان كان يختم القرآن كل أربعة أيام، عروة الذي يقوم ثلث الليل، عروة الذي كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، عروة البحر الذي قال عنه الزهري : لا تكدره الدِّلاء. سافر إلى الشام ؛ ولكنه كان سفراً بعيداً شاقاً حتى إنه قال بعد السفر: لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً [الكهف:62] سافر معه ابنه محمد ، وذهب إلى هناك، ونزل في بيت، وأصابته الآكلة في رجله، فوصلت قدمه، فأرادوا بتر القدم فصبر، فسرت إلى الساق فأرادوا بتر الساق فصبر، فسرت إلى الفخذ، فقرر الأطباء بتر فخذه، وقدموا له كأساً من الخمر وهو الولي العالم الصادق الزاهد، فقال: [[أأشرب خمراً؟ قيل له: ليذهب عقلك؛ لئلا تجد ألماً، قال: والله لا أشربها، كيف أُذهب عقلاً منحنيه ربي؟! كيف أرتكب محرماً؟! ولكن إذا دخلتُ في صلاتي، فسوف أنسى ألمي، فاقطعوا رجلي ]] فكبَّر واسترسل في صلاته، وسافرت روحه إلى الملكوت العليا، كما قال الأول:

إذا كان حب الهائمين من الورى بسلمى وليلى يسلب اللب والعقلا
فماذا عسى أن يصنع الهائم الذي سرى قلبه شوقاً إلى العالَم الأعلى

وبتروا رجله، وأغمي عليه، واستفاق ليقول أول كلمة، وينبس بأول جملة، فيقول: [[اللهم لك الحمد، إن كنتَ أخذتَ فقد أعطيتَ، وإن كنتَ ابتليتَ فقد عافيتَ ]] قال له الناس: أحسن الله عزاءك في رجلك، وأحسن الله عزاءك في ابنك محمد ؛ فإنه بينما كانت تُقطع رجلُك ذهب إلى اسطبل الخيل فرَفَسَتْهُ فرس فمات، فعاد مرة ثانية ليبعث رسالة حارة إلى الحي القيوم المتفضل سبحانه ليقول: [[اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيتَ، ولك الحمد بعد الرضا، أعطيتني أربعة أعضاء وأخذتَ عضواً، وأعطيتني أربعة أبناء وأخذتَ ابناً، فأنت المتفضل صاحب الجميل ]].

والمرأة السوداء، صح الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام أتى وإذا هي تَصْرَع وتمرض وتتكشَّف، يعيث بها المرض، ويزلزلها ويقلقها، تضطرب منه، فقال صلى الله عليه وسلم وهو يَعرض عليها الخيار، وهي أمة سوداء؛ لكنها مؤمنة بالله، مسلمة بالقضاء والقدر: {إن شئتِ دعوتُ الله لكِ فكافاكِ، وإن شئتِ صبرتِ واحتسبتِ ولك الجنة، قالت: بل أصبر وأحتسب، لكن ادعُ الله لي ألا أتكشَّف } قال عطاء: [[من أراد أن ينظر إلى امرأة من أهل الجنة فلينظر إلى هذه المرأة السوداء ]].

(الإيمان هو الحياة)

الأشقياء بكل معاني الشقاء هم المفلسون من كنوز الإيمان ومن رصيد اليقين، فهم أبداً في تعاسة وغضب ومهانة وذلة: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124] لا يسعد النفس ولا يزكيها ولا يطهرها ولا يسرها، ولا يفرحها ولا يذهب همها وغمها وقلقها إلا الإيمان بالله رب العالمين، لا طعم للحياة أصلاً إلا بالإيمان.


إذا الإيمان ضاع فلا حياة ولا دنيا لمن لم يُحْيِ ديناومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا

إن الطريقة المثلى للملاحدة إن لم يؤمنوا أن ينتحروا؛ ليريحوا أنفسهم من هذه الآصار والأغلال والظلمات والدواهي، يا لها من حياة تعيسة بلا إيمان! يا لها من لعنة أبدية حاقت بالخارجين على منهج الله في الأرض! وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأنعام:110] وقد آن الأوان للعالم أن يقتنع كل القناعة، وأن يؤمن كل الإيمان بأن لا إله إلا الله بعد تجربة طويلة شاقة عبر قرون غابرة توصل بعدها العقل إلى أن الصنم خرافة، والكفر لعنة، والإلحاد كِذْبة، وأن الرسل صادقون، وأن الله حق، وأنه على كل شيء قدير.

وبقدر إبمانك قوة وضعفاً، حرارة وبرودة، تكون سعادتك وراحتك وطمأنينتك مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] وهذه الحياة الطيبة هي استقرار نفوسهم بحسن موعود ربهم، وثبات قلوبهم بحب باريهم، وطهارة ضمائرهم من أوضار الانحراف، وبرود أعصابهم أمام الحوادث، وسكينة قلوبهم عند وقع القضاء، ورضاهم في مواطن القدر؛ لأنهم رضوا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاًَ.

(لا تنتظر شكراً من أحد)

خلق الله العباد ليذكروه، ورزق الله الخليقة ليشكروه، فعبد الكثير غيره، وشكر الغالب سواه؛ لأن طبيعة الجحود والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة على النفوس، فلا تصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك، وأحرقوا إحسانك، ونسوا معروفك، بل ربما ناصبوك العداء، ورموك بمنجنيق الحقد الدفين، لا لشيء إلا لأنك أحسنت إليهم: وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ [التوبة:74].


وطالع سجل العالم المشهود، فإذا في فصوله قصة أبٍ ربى ابنه وغذَّاه، وكساه وأطعمه وسقاه، وأدَّبه وعلَّمه، سهر لينام، جاع ليشبع، تعب ليرتاح، فلما طَرَّ شارب هذا الابن وقوي ساعده؛ أصبح لوالده كالكلب العقور، استخفافاً، وخسة، وازدراءً، ومقتاً، وعقوقاً صارخاً، وعذاباً وبيلاً، وبغياً أثيماً.

وربيتُه حتى إذا ما تركتُه أخا القوم واستغنى عن المسح شاربُه
تغمط حقي ظالماً ولوى يدي لوى يده الله الذي هو غالبه


ألا فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفِطَر، ومحطَّمي الإرادات، وليهنئوا بعظم المثوبة عند من لا تنفد خزائنه.
إن هذا الخطاب الحار لا يدعوك لترك الجميل، وعدم الإحسان للغير، وإنما يوطنك على انتظار الجحود والتنكر لهذا الجميل والإحسان، فلا تبتئس بما كانوا يصنعون. اعمل الخير لوجه الله؛ لأنك الفائز على كل حال، ثم لا يضرك غمط من غمطك، ولا جحود من جحدك، واحمد الله لأنك المحسن وهو المسيء، {واليد العليا خير من اليد السفلى } إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً [الإنسان:9] وانظر إلى أبي بكر رضي الله عنه، دفع أمواله ووقته ودموعه ودمه وأعتق الرقاب، وساوى السلاح في سبيل الله، ثم لَمَّا أراد أن يُثامَن قال: [[والله لا أطلب الثمن إلا من الله ]] فقال الله لـأبي بكر : وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:19-21] فيا له من ثواب عظيم!


من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناسِِ

وانظر إلى الأنصار، دفعوا أراضيهم، بذلوا نفوسهم، قدموا أرواحهم، استبسلوا بدمائهم، وأراد صلى الله عليه وسلم أن يُثامِنَهم بمكان هذا الجنة.

وقد ذهل كثير من العقلاء من جبلَّة الجحود عند الغوغاء، وكأنهم ما سمعوا الوحي الجليل وهو ينعي على الصنف عتوه وتمرده: مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12] لا تفجأ إذا أهديت بليداً قلماً فكتب به هجاءك، أو منحت جافياً عصاً يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه فشج بها رأسك، هذا هو الأصل عند هذه البشرية المحنطة في كفن الجحود مع باريها جل في علاه، فكيف بها معي ومعك؟!

أعلِّمه الرماية كل يوم
فلما اشتد ساعده رماني
وكم علَّمته نَظْم القوافي
فلما قال قافية هجاني

(اطرد الفراغ بالعمل)

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105].

الفارغون في الحياة هم أهل الأراجيف والشائعات، هم أهل أحلام اليقظة؛ لأن أذهانهم موزعة: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ [التوبة:87].
إن أخطر حالات الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل فيبقى كالسيارة المسرعة في انحدار بلا سائق، تجنح ذات اليمين وذات الشمال، ويوم تجد في حياتك فراغاً فتهيأ حينها لِلْهَم والغم والفزع؛ لأن هذا الفراغ يسحب لك ملفات الماضي والحاضر والمستقبل من أدراج الحياة، سيجعلك في أمر مريج، ونصيحتي لك ولنفسي أن تقوم بأعمال مثمرة بدلاً من هذا الاسترخاء القاتل؛ لأنه وأد خفي، وانتحار بكبسول مسكِّن.
إن الفراغ أشبه بالتعذيب البطيء الذي يمارَس في سجون الصين ؛ بوضع السجين تحت أنبوب يقطر كل دقيقة قطرة، وفي فترات انتظار هذه القطرات يُصاب السجين بالجنون.
الراحة غفلة، والفراغ لص محترف، وعقلك فريسة ممزقة لهذه الحروب الوهمية. إذاً: قم الآن، صلِّ، اقرأ، سبح، طالع، اكتب، رتِّب، أبدع، اعمل، تحرك، انفع غيرك؛ حتى تقضي على الفراغ، وإِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ. اذبح الفراغ بسكين العمل، ويضمن لك أطباء العالم (50 %) من السعادة مقابل هذا الإجراء الطارئ فحسب، انظر إلى الفلاحين والخبازين والبنائين، يغردون بالأناشيد كالعصافير في سعادة وراحة، وأنت على فراشك تمسح دموعك، وتضطرب مكانك كأنك ملدوغ.

(أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)

الصدق حبيب الله، الصراحة صابون القلوب، التجربة برهان، الرائد لا يكذب أهله، لا يوجد عمل أشرح للصدر وأعظم للأجر كالذكر فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152] وذكره سبحانه جنته في أرضه، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، وهو إنقاذ للنفس من أوصابها وأتعابها واضطرابها.

إذا مرضنا تداوينا بذكركمُ ونترك الذكر أحياناً فننتكسُ
هل تذكرونا مثل ذكرانا لكم رب ذكرى قربت من نجحا
وهو الطريق الميسر المختصر إلى كل فوز وفلاح، طالع دواوين الوحي لترى فوائد الذكر، جرب مع الأيام بلسمه لتنال الشفاء، بذكره سبحانه تنقشع سحب الخوف والفزع والهم والحزن، بذكره تزاح جبال الكرب والغم والأسى.

الله أكبر كل هم ينجلي عن قلب كل مكبر ومهللِ

ولا عجب أن يرتاح الذاكرون، فهذا هو الأصل الأصيل؛ لكن العجب العجاب كيف يعيش الغافلون عن ذكره؟! أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل:21]. يا من شكى الأرق، وبكى من الألم، وتفجع من الحوادث، ورمته الخطوب! هيا اهتف باسمه تقدس في عليائه، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً [مريم:65].

إنك بقدر إكثارك من ذكره ينبسط خاطرك، ويهدأ قلبك، وتسعد نفسك، ويرتاح ضميرك؛ لأن في ذكره معاني التوكل والثقة والاعتماد والتفويض وحسن الظن وانتظار الفرج، فهو قريبٌ إذا دُعِي، سميعٌ إذا نُودِي، مجيبٌ إذا سُئل، فاضرع واخضع واخشع، وردد اسمه الطيب المبارك على لسانك، توحيداً وتمجيداً وثناءً ومدحاً ودعاءً وسؤالاً واستغفاراً وسوف تجد بحوله وقوته السعادة والأمن والسرور والنور والحبور: فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ [آل عمران:148] يقول عليه الصلاة والسلام: {مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت }.

(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)

الحسد كالآكلة المُلحة، تنخر العظم نخراً، إن الحسد مرض مزمن يعيث في الجسم فساداً، وقد قيل: لا راحة لحسود فهو ظالم في ثوب مظلوم، وعدو في جلباب صديق.
وقد قالوا: لله در الحسد ما أعدله! بدأ بصاحبه فقتله.
إنني أنهى نفسي ونفسك عن الحسد رحمة بي وبك، قبل أن نرحم الآخرين؛ لأننا بحسدنا لهم نطعم الهَمَّ لحومنا، ونسقي الغم دماءنا، ونوزع نوم جفوننا على الآخرين.
إن الحاسد يشعل فرناً ساخناً ثم يقتحم فيه.
التنغيص والكدر والهم الحاضر أمراض يولدها الحسد؛ لتقضي على الراحة والحياة الطيبة الجميلة.
بلية الحاسد أنه خاصم القضاء، واتهم الباري في العدل، وأساء الأدب، وخالف الشرع، وقدح في العقل.
يا لَلْحسد من مرض! لا يؤجر عليه صاحبه، ومن بلاء لا يثاب عليه المبتلى به، وسوف يبقى هذا الحاسد في حرقة دائمة حتى يموت، أو تذهب نعم الناس عنهم، كلٌّ يصالح إلا الحاسد.

أعطيت كل الناس من نفس الرضا إلا الحسود فإنه أعياني
ما لي له ذنب عليَّ علمتُه إلا ترادف نعمة الرحمن
وأبى فما يرضيه إلا ذلتي وذهاب أموالي وقطع لساني

إن الحاسد يريد شيئاً محدداً لا غيره، يريد أن تتنازل عن مواهبك.. أن تلغي خصائصك.. أن تترك مناقبك، فإن فعلت ذلك فلعله يرضى على مضض، نعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد، فإنه يصبح كالثعبان الأسود السام، لا يقر قراره حتى يفرغ سمه في جسم بريء. فأنهاك أنهاك عن الحسد، واستعذ بالله من الحاسد، فإنه لك بالمرصاد.

(اقْبَل الحياةَ كما هي)

حال الدنيا منغصة اللذات، كثيرة التبعات، جاهمة المحيا، كثيرة التلون، مُزجت بالكدر، خلطت بالنكد، وأنت منها في كبد.

دار متى أضْحَكَت في يومها أبكَتْ غداً، قُبحاً لها من دار
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلباً في الماء جذوة نار
طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار


لن تجد ولداً أو زوجة أو صديقاً أو نبيلاً أو مسكناً أو وظيفة إلا وفيه ما يكدر، وعنده ما يسوء أحياناً، فأطفئ حر شره ببرد خيره، لتنجو رأساً برأس وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45].
أراد الله لهذه الدنيا أن تكون جامعة للضدَّين والنوعَين والفريقَين والرأيَين، خير وشر، صلاح وفساد، سرور وحزن، ثم يبقى الخير كله والصلاح والسرور في الجنة، ويُجمع الشر كله والفساد والحزن في النار، وفي الحديث: {الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، أو عالم ومتعلم }. فعش واقعك، ولا تسرح مع الخيال، ولا تحلق في عالم المثاليات، اقْبَل الدنيا كما هي، وطوع نفسك لمعايشتها ومواطنتها، فسوف لا يصفو لك صاحب، ولا يتم لك فيها أمر، ولا يصلح لك حال؛ لأن الصفو التمام والكمال في الآخرة، وفي الحديث: {لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخر } فينبغي أن نسدد ونقارب، وأن نعفو ونصفح، وأن نأخذ ما تيسر، ونذر ما تعسر، خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199].

ومن ذا الذي تُرْضَى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تُعَدَّ معايبُه
إذا أنت لم تشرب مراراًَ على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربُه!

***
ولستَ بمستبق أخاً لا تذمه على شعث أي الرجال المهذبُ!

***


فلنُغْمِض الطرف أحياناً، ونسدد الخطى، ونتغافل عن أمور.

ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي

(تَعَزَّ بأهل البلاء)

تلفت يمنة ويسرة، فهل ترى إلا مبتلى؟! هل تشاهد إلا منكوباً؟! هل تبصر إلا مصاباً؟! في كل دار نائحة، وعلى كل خد دمع، وفي كل وادٍ بنو سعد.
كم من المصائب! وكم من الصابرين! فلستَ أنت وحدك المصاب، بل مصابك أنت بالنسبة لغيرك قليل، كم من مريض على سريره من أعوام يتقلب ذات اليمين وذات الشمال، يئن من الألم، يصيح من السقم؟! كم من محبوس مرت به سنوات، ما رأى الشمس بعينه، وما عرف غير زنزانته؟! كم من رجل وامرأة فقدا فلذات أكبادهما في ميعة الشباب وريعان العمر؟!
كم من مكروب؟! وكم من مديون؟! وكم من محبوس؟! وكم من عرض منهوب؟! وكم من دم مسفوك؟! وكم من عقل منهوب؟! وكم من مال مسلوب؟!
آن لك أن تتعز بهؤلاء وأن تعلم علم اليقين أن هذه الحياة سجن المؤمن، وأنها دار الأحزان والنكبات، تصبح القصور حافلة بأهلها وتمسي خاوية على عروشها، بينما الشمل مجتمع، والأبدان في عافية، والأموال وافرة، والأولاد كُثْر، ثم ما هي إلا أيام فإذا الفقر والموت والفراق والأمراض وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ [إبراهيم:45].
فعليك أن توطن نفسك كتوطين الجمل المحنك الذي يبرك على الصخرة، وعليك أن توازن مصابك بمن حولك وبمن سبقك في مسيرة الدهر، ليظهر لك أنك معافى بالنسبة لهؤلاء، وأنه لم يأتك إلا وخزات سهلة، فاحمد الله على لطفه، واشكره على ما أبقى، واحتسب ما أخذ، وتَعَزَّ بمن حولك. ولك في رسولنا صلى الله عليه وسلم قدوة، وُضِع السلَى على رأسه، وأدميت قدماه، وشُجَّ وجهُه، وحُوصِر في الشعب ، وطُرِد من مكة</SPAN> ، وكُسِرَت ثنيتُه، ورُمِي في عِرض زوجته، وقُتِل سبعون من أصحابه، فَقَد ابنه، وماتت بناتُه، ورَبَطَ الحجر على بطنه، واتُّهِم بشتى التهم، صانه الله من ذلك، وهذا بلاء لا بد منه، وتمحيص لا أعظم منه! وقد قُتِل قبل ذلك زكريا، وذُبح يحيى، وهُجِر موسى، ووُضع الخليل في النار، وسار الأئمة على هذا الطريق، فضُرِّجَ عمر ، واغتيل عثمان وطُعن علي ، وجُلدت ظهور الأئمة، وسُجن الأخيار، ونُكِّل بالأبرار: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214].

قل للذي بصروف الدهر عَيَّرنا هل عاند الدهرُ إلا مَن له خطرُأما ترى البحر تعلو فوقه جِيَفٌ وتستقر بأقصى قعره دُرَرُوفي السماء نجوم لا عِداد لها وليس يُكْسَفُ إلا الشمسُ والقمرُ


(حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)

تفويض الأمر إلى الله، والتوكل عليه، والثقة بوعده، والرضا بصنيعه، وحسن الظن به، وانتظار الفرج منه مِن أعظم ثمرات الإيمان، ومِن أجلِّ صفات المؤمنين، وحينما يطمئن العبد إلى حسن العاقبة، ويعتمد على ربه في كل شأنه يجد الرعاية والولاية والكفاية والتأييد والنصرة.
لَمَّا أُلقي إبراهيم عليه السلام في النار قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً.
ولَمَّا قيل لرسولنا صلى الله عليه وسلم: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آل عمران:173] قال: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:173-174].
إن الإنسان وحده لا يستطيع أن يصارع الأحداث، ولا يقاوم الملمات، ولا ينازل الخطوب؛ لأنه خلق ضعيفاً عاجزاً؛ ولكنه حينما يتوكل على ربه، ويثق بمولاه، ويفوض الأمر إليه، يجد النصر والتأييد والفتح والإعانة: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23].
فيا من أراد أن ينصح نفسه: توكل على القوي الغني ذي القوة المتين؛ لينقذك من الويلات، ويخرجك من النكبات، واجعل شعارك ودثارك: (حسبنا الله ونعم الوكيل) فإن قل مالك، وكثر دينك، وجفت مواردك، وشحت مصادرك، فنادِ: (حسبنا الله ونعم الوكيل). وإذا خفت من عدو، أو رعبت من ظالم، أو فزعت من خطب فاهتف: (حسبنا الله ونعم الوكيل). وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31].

(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)

التحلي بالصبر من شيم الأفذاذ الذين يتلقون المكاره برحابة صدر، وبقوة إرادة، وبمناعة أبية، وإن لم أصبر أنا وأنت فماذا نصنع؟!
هل عندك حل لنا غير الصبر؟! هل تعلم لنا زاداً غيره؟!
كان أحد العظماء مسرحاً تركض فيه المصائب، وميداناً تتسابق فيه النكبات، كلما خرج من نكبة دخل في أخرى، وكلما نجا من كربة تعرض لثانية، وهو متترس بالصبر، متدرع بالثقة بالله، حتى قال:
إن كان عندك يا زمان بقيةٌ مما يُهان بها الكرام فهاتِها
فجعل الله له فرجاً ومخرجاً.

هكذا يفعل النبلاء، يصارعون الملمات، ويطرحون النكبات أرضاً، دُخِل على أبي بكر وهو مريض، فقال مَن حوله: [[ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب قد رآني، قالوا: فماذا قال؟ قال: يقول: إني فعَّال لما أريد]].

كيف أشكو إلى طبيـبي ما بي والذي قد أصابني من طبيـبي؟!

قال ابن المرتعش : ذهبت عيني من أربعين سنة، ما علمت ابنتي ولا زوجتي. وفي مقالات لأحد المعاصرين أنه عرف جاراً له مقعداً من عشرين سنة، يقول: والله ما أَنَّ ولا اشتكى، وما زال يحمد ربه حتى مات، وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127] اصبر صبر واثق بالفرج، عالم بحسن المصير، طالب للأجر، راغب في تكفير السيئات، اصبر مهما ادلهمت الخطوب، وأظلمت أمامك الدروب، فإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:6]. وقد قرأت سِيَر عظماء مروا في هذه الدنيا، وذهلت لعظيم صبرهم، وقوة احتمالهم، كانت المصائب تقع على رءوسهم كأنها قطرات ماء باردة، وهم في ثبات الجبال، وفي رسوخ الحق، فما هو إلا وقت قصير فتُشرق وجوههم على طلائع فجر الفرج، وفرحة الفتح، وعصر النصر، وأحدهم ما اكتفى بالصبر وحده، بل رضي وتبسم واحتسب فكان الثواب والأجر والفرج

(الصلاة!! الصلاة)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:153].

إذا داهمك الخوف، وطوقك الحزن، وأخذ الهم بتلابيبك، فقم حالاً إلى الصلاة، تثوب لك روحك، وتطمئن نفسك، إن الصلاة كفيلة بإذن الله باجتياح مستعمرات الأحزان والغموم ومطاردة فلول الاكتئاب: {كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: أرحنا بالصلاة يا بلال} فكانت قرة عينه، وسعادته وبهجته.
وقد طالعتُ سِيَر أقوام أفذاذ كانت إذا ضاقت بهم الضوائق، وكشرت في وجوههم الخطوب، فزعوا إلى صلاة خاشعة، فتعود لهم قواهم وإرادتهم وهممهم.
إن صلاة الخوف فرضت لتؤدَّى في ساعة الرعب، يوم تتطاير الجماجم وتسيل النفوس على شفرات السيوف، فإذا الثبات والسكينة والرضوان والأُنس. إن على الجيل الذي عصفت به الأمراض النفسية أن يتعرف على المسجد، وأن يمرغ جبينه ليرضي ربه أولاً، ولينقذ نفسه من هذا العذاب الواصب، وإلا فإن الدمع سوف يحرق جفنه، والحزن سوف يحطم أعصابه، وليس لديه طاقة تمده بالسكينة والأمن إلا الصلاة. ومن أعظم النعم لو كنا نعقل: هذه الصلوات الخمس كل يوم وليلة، كفارة لذنوبنا، ورفع لدرجاتنا، وصلاح لأحوالنا، وسكينة لنفوسنا، دواءٌ لأمراضنا، تسكب في ضمائرنا مقادير زاكية من اليقين، تملؤ جوانحنا بالرضا، أما أولئك الذين جانَبوا المسجد وتركوا الصلاة، فمن نكد إلى نكد، ومن حزن إلى حزن، ومن شقاء إلى شقاء: فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد:8].

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ)

ِمما يشرح الصدر ويزيح الكرب: السفر في الديار، وقطع القفار، والتقلب في الأمصار، والنظر في كتاب الكون المفتوح؛ لتشاهد أقلام القدرة وهي تكتب على صفحات الوجود آيات الجمال؛ لترى حدائق ذات بهجة، ورياضاً أنيقة، وجنات ألفافاً.
اخرج من بيتك، وتأمل ما حولك وما بين يديك وما خلفك، اصعد الجبال.. اهبط الأودية.. تسلق الأشجار.. عُب من الماء النمير، ضع أنفك على أغصان الياسمين، حينها تجد روحك حرة طليقة، كالطائر الغرِّيد تسبح في فضاء السعادة، اخرج من بيتك، أرخِ الغطاء الأسود عن عينيك، ثم سر في فجاج الله الواسعة ذاكراً مسبحاً.

وكتابي الفضاء أقرأ فيه سوراً ما قرأتُها في كتابِ

إن الانزواء في الغرفة الضيقة مع الفراغ القاتل طريق ناجح للانتحار، وليست غرفتك هي العالم، ولستَ أنت كل الناس، فلم الاستسلام أمام كتائب الأحزان، ألا فاهتف ببصرك وسمعك وقلبك: انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً [التوبة:41] تعال لتقرأ القرآن هنا بين الجداول والخمائل، بين الطيور وهي تتلو خطب الحب، وبين الماء وهو يروي قصة وصوله من التل. إن الترحال في مسارب الأرض متعة يوصي بها الأطباء لمن ثقلت عليه نفسه، وأظلمت عليه غرفتُه الضيقة، فهيا بنا نسافر لنسعد ونفرح ونفكر ونتدبر: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ [آل عمران:191].


(وقــفـــات)

لا تحزن! لأنك بحزنك تريد إيقاف الزمن، وحبس الشمس، وإعادة عقارب الساعة، والمشي إلى الخلف، ورد النهر من مصبه.

لا تحزن! لأن الحزن كالريح الهوجاء، تفسد الهواء، وتبعثر الماء، وتغير السماء، وتهلك الحديقة الغَنَّاء.


لا تحزن! لأن المحزون كنهرٍ أحمق، ينحدر من البـحر، ويصب في البـحر، وكَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً [النحل:92] وكالنافخ في قربة مثقوبة، وكالكاتب بأُصبُعه على الماء.



لا تحزن! فإن عمرك الحقيقي سعادتك وراحة بالك، فلا تنفق أيامك في الحزن، ولا تبذر لياليك في الهم، ولا توزع ساعاتك على الغم، ولا تسرف في إضاعة حياتك، فإن الله لا يحب المسرفين.



لا تحزن! فإن أموالك التي في خزائنك، وقصورك السامقة، وبساتينك الخضراء، مع الحزن والأسى واليأس زيادة في أسفك وهمك وغمك.



لا تحزن! فإن عقاقير الأطباء، ودواء الصيادلة، ووصفة الحكيم، لا تسعدك وقد أسكنتَ الحزن قلبكَ، وفرشتَ له عينكَ، وبسطتَ له جوانحكَ، ألحفته جلدك.



لا تحزن! وأنت تملك الدعاء، وتجيد الانطراح على عتبات الربوبية، وتحسن المسكنة على أبواب ملك الملوك، ومعك الثلث الأخير من الليل، ولديك ساعة تمريغ الجبين في السجود.



لا تحزن! فإن الله خلق لك الأرض وما فيها، وأنبت لك حدائق ذات بهجة، وبساتين فيها من كل زوج بهيج، ونخلاً باسقات لها طلع نضيد، ونجوماً لامعات، وخمائل وجداول، ولكنك تحزن!



لا تحزن! فأنت تشرب الماء الزلال، وتستنشق الهواء الطلق، وتمشي على قدميك معافى، وتنام ليلك آمناً.



لا تحزن! فإن المرض يزول، والمصاب يحول، والذنب يُغفر، والدين يُقضى، والمحبوس يُفك، والغائب يقدم، والعاصي يتوب، والفقير يغتني.



لا تحزن! أما ترى السحاب الأسود كيف ينقشع؟! والليل البهيم كيف ينجلي؟! والريح الصرصر كيف يسكن؟! والعاصفة كيف تهدأ؟! إذاً: فشدائدك إلى رخاء، وعيشك إلى هناء، ومستقبلك إلى نعماء.



لا تحزن! لهيب الشمس يطفئه وارف الظل، وظمأ الهاجرة يبرده الماء النمير، وعضة الجوع يسكنها الخبز الدافئ، ومعاناة السهر يعقبه نوم لذيذ، وآلام المرض تزيلها هناء العافية، فما عليك إلا الصبر قليلاً والانتظار لحظة.



لا تحزن! فقد حار الأطباء، وعجز الحكماء، ووقف العلماء، وتساءل الشعراء، وبارت الحيل أمام نفاذ القدرة ووقوع القضاء، وحتمية المقدور.


عَسى فرجٌ يكون عَسى نعلِّل نفسَنا بِعَسى
فلا تقنط وإن لاقيت هماً يقضب النفَسا
فأقرب ما يكون المرء من فرج إذا يئسا



إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:6].


لااتحزن فإن لك رب رحيم لاتحزن وأنت مسلم ..

يا أحد يا صمد يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحيم
أسألك أن تذهب عنا الهم والغم والحزَن والكدر والوصب والنصَب.
اللهم إنا نعوذ بك من الشقاء والشَقوة والذلة والفقر.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
وصلى الله وسلم على نبيه وآله وصحبه ومن وآلاه.
[/color]
عبدالهادي سعد القحطاني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس