التاسعة:
كثير من الناس يرزقه الله بمال أو منصب أو جاه أو غير ذلك من أمور الدنيا فيستخدمها البعض منهم -هداه الله- بأن يتكبر بهذه النعمة على الناس فيستحقر الآخرين وينظر إليهم نظرة احتقار وازدراء بل إن بعض هؤلاء المتكبرين ليس لديه شيء من الأشياء التي يتكبر بها على الآخرين ولكن الكِبْر في قلبه لا ينزعه، فلا يرى الآخرين إلا أصغر منه؛ كأنه على رأس جبل يرى الناس صغاراً ويرونه الناس صغيرا .. يمر على الفقير فلا يتصدق عليه كِبْرا، ويمر على المحتاج فلا يساعده كبرا، ويمر على إخيه المسلم فلا يسلم عليه كبرا، احتقر الناس فاحتقروه ، ولو احتاجهم فلن يساعدوه، يأتيه الحق فيبطره ويرى أخيه المسلم فيغمطه، عُتُل على الناس جواظ ، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الصنف من الناس فقال«أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟» قَالُوا: بَلَىٰ. قَالَ: «كُلُّ عُتُلَ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ» . رواه البخاري ومسلم قال النووي -رحمه الله-أما العتل بضم العين والتاء فهو الجافي الشديد الخصومة بالباطل، وقيل الجافي الفظ الغليظ. وأما الجواظ بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة فهو الجموع المنوع، وقيل كثير اللحم المختال في مشيته، وقيل القصير البطين.
هذه صفة المتكبر بين أقاربه وفي مجتمعه ، بل لقد بين الله أصل الإنسان ومرده فقال {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ{22}}
قال الغزالي: أما أوله فهو لم يكن شيئا مذكورا وقد كان في حيز العدم ، ثم خلقه من أرذل الأشياء ثم من أقذرها إذ قد خلقه من تراب ثم من نطفة ثم من علقة...إلخ، ثم أسمعه بعدما كان أصم ، ثم أبصره بعدما كان أعمى... فانظر كيف دبره وصوره.
وأما آخره ومورده فهو الموت فيسلب منه روحه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته وحركته ، فيعود جماداً كما كان أول مرة ثم يوضع في التراب فيصير جيفة منتنة قذرة يهرب منه الحيوان، ويستقذره الإنسان!، لشدة الإنتان ويأكل الدود أجزاءه فيصير روثاً في أجواف الديدان، وبعد ذلك يكون متكبرا!! اللهم غفرانك.أهـ.
ولنعلم أيه الإخوة أن الله عز وجل لا يحب المتكبرين بل وتوعدهم فقال{فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ }، وقال{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }.
بل إن صاحب الكبر لا يدخل الجنة وقد أخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك فقال” لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقيل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا، قال: الكبر بطر الحق وغمط الناس ”رواه مسلم
فعلينا جميعا بالتواضع وعدم الكبر ولنعلم أن إزالة الكبر فرض عين لا يزول بمجرد التمني بل بالمعالجة. فليعالج كل منا الكبر الذي عنده بأن يعرف نفسه حق المعرفة، ولا يتركها تتكبر على الناس.
وأخيرا عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال : «مَنْ تَوَاضَعَ للَّهِ دَرَجَةً، يَرْفَعُهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ في أعلى عِلِّيينَ، ومَنْ يَتَكَبَّرْ على اللَّهِ دَرَجَةً، يَضَعْهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ في أسفل السَّافِلِينَ، ولو أنَّ أحَدَكُمْ يَعْمَلُ في صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَيْسَ عليهِ بَابٌ ولا كُوَّةٌ، لَخَرَجَ ما غيَّبَهُ للناسِ كائناً ما كانَ».رواه ابن حبان
قال أبو حاتِم : قولُه : «مَنْ تواضع لله درجةً» يريدُ به: من تواضع للمخلوقين في الله، فأضمرَ الخلقَ فيه، وقوله: «ومَنْ يتكبر» أراد به على خلق الله، فأضمر الخلقَ فيه، إذ المتكبرُ على الله كافرٌ به.
يتبع إن شاء الله
__________________
إن وجودَنا هنا في هذه الشبكة( اسمعوها جيدا) لنكون قدوة للقبائل في تعاوننا وتلاحمنا وتكاتفنا..لنكون قدوة للقبائل في كل أمر حميد في الشرع أو العُرف.