رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب
شباب الاسلام
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبَلَّغَ الرسالة ونصح للأمة فكشف اللـه به الغُّمة، وجاهد في اللـه حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللـهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولا عن دعوته ورسالته وصلِّ اللـهم وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين .
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي وصيته للأولين والآخرين، فإن من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده.
اليوم نتكلم عن شباب اليوم شباب الأمة، فأيّ شباب هم؟ كيف حالهم؟ هل هو حال المقبلين على الله المستقيمين على الطريق القويم، الذي يُطمئِن الأمّةَ على أن مستقبلها يسير على خير وإلى خير، أم هو حال الشباب المعرض عن تقوى الله، المنصرف إلى غياهب الضلال واللهو والعبث، والذي يُشعِر الأمة بأن مستقبلها في خطر؟ الشباب في ذلك على قسمين:
1- قسم هم أهل الصدق والاستقامة والصلاح، نظر الله إلى قلوبهم فرأى ما فيها من التقوى وحسن القصد، فكانوا أهلاً لهدايته وتوفيقه، نسأل الله لهم الثبات.
2- وقسم آخر قد تركوا طريق الخير والسعادة الذي يهدي إلى النور ويفضي إلى الضياء، وسلكوا طريق الشر، خُدِعوا بمظهره اللامع البراق الذي منتهاه إلى الظلام والويل والهلاك، نسأل الله لهم الصلاح والهداية، وهم حديثنا في هذه الجمعة.
أيها الشباب، هل سأل كل منكم نفسه يومًا: ما هدفي في الحياة، أم تريد أن تكون ضائعًا تائهًا في دروب الحياة؟! فلا أنت في شغل من الدنيا فتحمد، ولا أنت في عمل من الآخرة فتغبط.
أيها المسلمون، إن الحسرة كل الحسرة عندما نرى شباب الأمة وعماد المستقبل قد هجر كثيرٌ منهم المساجد، فأصبحت الصلاة في واقع بعضهم أمرًا محزنًا وحالاً مؤسفًا، تتلفّت بين الصفوف فينقلب إليك بصرك خاسئًا وهو حسير، متسائلاً: أين الشباب الذين يملؤون المدارس والمعاهد والجامعات؟! فتجد البعض منهم قد ضيّع الصلاة وترك قراءة القرآن، استنكف واستكبر عن عبادة ربه وخالقه ومدبّر أمره الذي وهبه الشبابَ وأنعم عليه بالصحة وأمدّه بالعافية، كأنه لا يعلم قول ربه جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وِالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، ما وعى قوله : ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))! ما علم أنه لا قيمةَ لحياته ولا معنى لشبابه ولا بركة في عمره بدون طاعة الله، فما أعظمها من حسرة وندامة تكون منه يوم القيامة عندما يلقى في النار فيكون له العذاب والهوان.
وتجد آخرين يعكفون في البيوت ويقيمون الصلاة مع النساء فكأنهم من جملتهم، فقد سمعوا النداء ولكنهم صمّوا الآذان، فما كانوا من الرجال كما جاء في محكم الكتاب: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ [النور: 36، 37]، وما علموا أن مصيرهم إلى التراب، وموعدهم يوم الجزاء والحساب.
ويزيد الألم والحسرة عندما ترى كثيرا من شباب الأمة وقد ذابت شخصية بعضهم في تقليد أعمى وانسياق بهيمي، فتعجب من أمر ذاك الشاب كرمه الله بالإسلام وأعزه بهدي سيد الأنام، ثم يقلد الغرب في خنوثته وانحلاله وميوعته وشهواته ورذائله، تراه ربى شعره وهو ما يسمى بالكدش، وقد ملأه بالجل وهي مادة تثبت له شعره لها لمعان، وما تبع ذلك من تسريحات متنوعات لشعور بل والأذقان، فإذا أتاه النصح ممن يحب له الخير تجده يلهج بقوله: أنا أقتدي بالرسول في ذلك، فيا لله! ما أعظم قوله هذا وأشنَعَه، فنقول له: بل أنت متّبع لهواك وضلالك، تأخذ ما تمليه عليك نفسك، فلو كنت كما زعمت لاقتديت به في جميع شأنك، فاتبعته في ملبسه ومظهره وعبادته، وطبقت سنته لا في ما يمليه عليك عقلك وهواك.
تجده قد لبس البنطال، وقد بدت نصف إليته أو استه، فأظهر بعض عورته أو أظهر سروالا من تحت ذلك البنطال، قد بدت منه مختلف الألوان، فيا للهوان! طاح البنطال فطاحت معه الرجولة، فأين الرجال؟!
تراه مرتديًا قميصًا عليه عبارات باللغة الإنجليزية تدعو إلى العهر والفساد دون معرفة منه لمضمون تلك الكلمات، تراه قد لبس السلاسل والأساور في الأيدي والأعناق، وكل هذا مصداق لقوله : ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا شبرًا وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم))، قالوا: من يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: ((فمن؟!)).
قلدوا الكفار وتشبهوا بهم بدعوى الحضارة، فتراهم في ترف وميوعة وغرام وآهات وأغان تسبح بك في غياهب الظلمات، ساروا خلف من اعتدوا على كتاب ربّ السموات وطعنوا في عرض نبيّ الأمة عليه أفضل الصلوات بدعوى الحريات لعنهم الله وشلّ أركانهم وأرانا فيهم العبر والآيات، فهل يعد من كان هذا دأبه من الرجال؟! لا والله، فهذا كله لا يليق بالرجال، الرجال تجد فيهم الخشونة، فلا حظَّ لهم في الميوعة لأنهم علموا أن الميوعة للنساء، وقد وعوا ما روِيَ عن نبيّ الهدى: ((تمعددوا واخشوشنوا وانتضلوا وامشوا حفاة)) أو كما قال .
فانعدمت في هؤلاء الذين انساقوا وراء الغرب الكافر معالم الذكورة وصفات الرجولة حتى أصبحتَ لا تفرق بينهم وبين النساء، فهذا والله من أعجب العجب، وكما قيل:
ولا عجب أنّ النساء ترجّلت ولكنّ تأنيث الرجال عُجاب
وأين ذهب هؤلاء من الوعيد الشديد للمتشبهين من الرجال بالنساء وبالعكس؟! قال : ((لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، ولعن الله المتشبهات من النساء بالرجال))، فمن يصبر على لعن الله سبحانه وتعالى؟! واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
تزداد الحسرة ـ أيها الأحبة ـ عندما نرى أولئك الشباب يجولون الشوارع بسياراتهم، يعبثون بها، فيضايقون المارة، ويزعجون السكان، فيعرضون أنفسهم والناس للخطر بلا حسيب ولا رقيب، يتطاولون على الكبير ويحقرون الصغير، وما علموا أن من إجلال الله توقير ذي الشيبة الكبير، وما وعوا أن ليس منا من لم يوقر كبيرنا. يظنون أن الرجولة هي بأذية الخلق في الطرقات، فتجدهم يمشون في الأرض مرحا وكبرا وتيها، تراهم قد ارتادوا المقاهي وضيعوا أوقاتهم في الشاتات والمنتديات والدردشات، فانشغلوا بذلك عن الصلوات.
وتزداد الحسرة عندما تراهم يجولون الأسواق يضايقون ويعاكسون ويؤذون المسلمات في الطرقات؛ ولهذا الموضوع وقفات في الأيام المقبلات.
ترى البعض منهم عشاقًا للرياضة والفضائيات، قبلته هي الكرة، فهو دائما يخرج فيلعب ويلعب حتى منتصف الليل، ثم يرجع لينام ليبدأ مشواره من جديد في اليوم الثاني، وهكذا حياته لا يدري لم خلق، ولا يفكر حتى أن يصليَ أو يساعد والديه، لكنه كما قيل عنه وعن أمثاله: (جيفة بالليل وحمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة)، فلو سألته من صاحب القدم الذهبية والرأس الذهبي والكأس الفضي وغير ذلك لتشدق بملء فمه وأجاب إجابة العارف، ولكن لو سألته عن الفاتحة تجده لا يحسن قراءتها إن لم يكن لا يحفظها، ولو سألته عن بعض السلف والتابعين بل عن بعض أصحاب النبيّ تجده يتخبّط ذات اليمين وذات الشمال ويتلعثم ثم لا يحير جوابًا.
أيها اللاهي بلا أدنى وجَل، اتق الله الذي عزّ وجلّ، واستمع قولاً به ضرب المثل، اعتزل ذكر الأغاني والغزل، وقل الفصل وجانب من هزل، كم أطعت النفس إذ أغويتها، وعلى فعل الخنا ربيتها، كم ليالٍ لاهيًا أنهيتها، إنّ أهنى عيشةٍ قضَيتها، ذهبت لذّاتُها والإثم حل.
ترى أولئك الشباب في زهرة ومقتبل أعمارهم، لكنهم في أعمالهم وهمتهم يحبُون حبوًا، لا ترى في عيونهم بريقًا، ولا في خطاهم عزمًا، شاخت أفئدتهم وماتت همتهم، فاستشرى شرهم وعظم خطرهم وصاروا يهددون من يحاول نصحهم أو ينكر عليهم، وما علموا أنّ كل تلك التيارات من عدوهم ليصدوهم عن دينهم فيضعفوا بذلك عزم الأمة وتكون لهم الصولة والجولة، فالشباب إذا فسدوا انهدم بناء الأمة وتسلط عليها أعداؤها كما هو الحال في كثير من بلاد المسلمين اليوم.
فيا شباب الإسلام، من يرفع راية لا إله إلا الله إذا توليتم؟! ومن ينصر هذا الدين إذا أعرضتم؟! زيادة المرء في دنياه نقصان، وربحه غير محض الخير خسران.
وكـلُ وجدان قومٍ لا ثبـات لـه فإنمـا هو في التحقيـق خسـران
يـا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبـت جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنـت بالروح لا بالْجسم إنسان
يـا عـامرًا لخراب الـدار مجتهدًا بـالله هل لِخراب الدار عمرانُ؟!
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
حمدًا لمـن نبيـه قـد بعثـا فدوخـت بعوثه من قد عثا
ثم الصلاة والسلام ما حكت حَمـائمٌ حمـائمًا إذا بكت
علـى النبي محمّـدٍ وآلـه وصحبـه وتابعـي منواله
أما بعد: أيها الناس، إن مرحلة الشباب فرصة عظيمة لا تعوّض، يجب اغتنامها فيما ينفع الإنسان في دينه ودنياه وآخرته، وهو فرصة ثمينة تمرّ بسرعة، فإن لم تُشغل بخير شغلت بشر ولا بد، فالأوقات محدودة، والأنفاس معدودة، فعودوا إلى الله يا شباب الأمة، فأنتم الرجال الذين بهم تقوم الأمة، عودةً إلى الله حتى نريَ الأعداء زمجرة الأسود، فنحن اليوم بأشدّ الحاجة إلى شباب مؤمن يشعر بواجبه تجاه دينه وأمته وبما عليه من تبعات تجاه بناء الدين وإشادته، نحن بأشدّ الحاجة إلى شباب مؤمن يحمل نفسًا مطمئنة يشعر بأنّ أكبر سروره في إخلاص العمل لله، فما ظهر الدين وعرف الناس شرائع المرسلين إلا بفضل الشباب الصالحين الذين استجابوا لله والرسول، والتاريخ أصدق شاهد على فضل الشباب الناشئين في طاعة الله أمثال علي وأسامة بين زيد وعبد الله بن عباس وابن عمر ومحمد بن القاسم وغيرهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فهنيئا لشاب تقيّ تعلق قلبه بالمساجد ومجالس الخير وعمل الصالحات، واغتنم شبابه قبل هرمه وصحته قبل سقمه وغناه قبل فقره وفراغه قبل شغله وحياته قبل موته.
شباب الْجيل للإسلام عودوا فأنتم روحه وبكم يسـود
وأنتم سـر نهضتـه قديمًـا وأنتم فجره الزاهي الجديد
عباد الله، صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، ويقول : ((من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا)).
اللهم صل وسلم على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره في تدميره يا رب العالمين، اللهم اهد شباب وفتيات المسلمين وردّهم إليك ردًا جميلاً يا رب العالمين...
__________________