عرض مشاركة واحدة
قديم 30-12-2005, 01:19 PM
  #8
الدكتور أحمد باذيب
عضو
تاريخ التسجيل: Oct 2005
المشاركات: 36
الدكتور أحمد باذيب is on a distinguished road
افتراضي العمليات «الاستشهادية»

* واثار الدكتور القرضاوي في بحثه مجددا ما سبق ان افتى بها الخاص بجواز القيام بالعمليات الفدائية في الاراضي الفلسطينية المحتلة، اذ قال اما العمليات «الاستشهادية» التي تقوم بها فصائل المقاومة الفلسطينية لمقاومة الاحتلال الصهيوني، فهي لا تدخل في دائرة الارهاب المجرّم والمحظور بحال من الاحوال، وان كان من ضحاياها بعض المدنيين، وذلك لعدة اسباب:
اولا: ان المجتمع الاسرائيلي ـ بحكم تكوينه الاستعماري الاستيطاني الاحلالي العنصري الاغتصابي ـ مجتمع عسكري لحما ودما، مجتمع عسكري كله، اي ان كل من جاوز سن الطفولة منه، من رجل أو امرأة، مجند في جيش اسرائيل، كل اسرائيلي جندي في الجيش، اما بالفعل، واما بالقوة، اي هو جندي احتياط، يمكن ان يستدعى في اي وقت للحرب. وهذه حقيقة ماثلة للعيان، وليست مجرد دعوى تحتاج الى برهان. وهؤلاء الذين يسمونهم (مدنيين) هم في حقيقة امرهم (عساكر) في جيش بني صهيون بالفعل او القوة.
ثانيا: ان المجتمع الاسرائيلي له خصوصية تميزه عن غيره من سائر المجتمعات البشرية، فهو ـ بالنسبة لاهل فلسطين ـ (مجتمع غزاة) قدموا من خارج المنطقة ـ من روسيا او من اميركا، او من اوروبا او من بلاد الشرق ـ ليحتلوا وطنا ليس لهم، ويطردوا شعبه منه، اي ليحتلوا فلسطين ويستعمروها، ويطردوا اهلها، ويخرجوهم من ديارهم بالارهاب المسلح، ويشتتوهم في آفاق الارض، ويحلو محلهم في ديارهم، واموالهم. ومن حق المغزو ان يحارب غزاته بكل ما يستطيع من وسائل، ليخرجهم من داره، ويردهم الى ديارهم التي جاءوا منها، ولا عليه ان يصيب دفاعه رجالهم او نساءهم، كبارهم او صغارهم، فهذا الجهاد (جهاد اضطرار) كما يسميه الفقهاء لا جهاد اختيار، جهاد دفع لا جهاد طلب. ومن سقط من الاطفال الابرياء فليس مقصودا، انما سقط تبعا لا قصدا، ولضرورة الحرب.
ومرور الزمن لا يسقط عن الصهاينة: صفة الغزاة المحتلين المستثمرين، فان مضي السنين لا يغير الحقائق، ولا يحل الحرام، ولا يبرر الجريمة، ولا يعطي الاغتصاب صيغة الملكية المشروعة بحال. فهؤلاء الذين يسمون (المدنيين) لم يفارقهم وصفهم الحقيقي: وصف الغزاة البغاة الطغاة الظالمين. (الا لعنة الله على الظالمين).
ثالثا: يؤكد هذا ان الشريعة الاسلامية ـ التي هي مرجعنا الاوحد في شؤوننا كلها ـ تصف غير المسلمين بأحد وصفين لا ثالث لهما، وهما: مسالم ومحارب. فأما المسالم، فالمطلوب منا ان نبره ونقسط اليه، واما المحارب فالمطلوب منا ان نحاربه، ونقابل عدوانه بمثله. كما قال تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين. واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث اخرجوكم والفتنة اشد من القتل، ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه. فان قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين الله فان انتهوا فلا عدوان الا على الظالمين). وهؤلاء هم الذين يسميهم الفقهاء (الحربيين). ولهم في الفقه احكامهم الخاصة بهم. ومن المقرر شرعا: ان (الحربي) لم يعد معصوم الدم والمال، فقد اسقط بحربه وعدوانه على المسلمين عصمة دمه وماله.
رابعا: يؤكد ذلك ان فقهاء المسلمين: اتفقوا ـ او اتفق جمهورهم ـ على جواز قتل المسلمين اذا تترس بهم الجيش المهاجم للمسلمين، اي اتخذ العدو منهم تروسا ودروعا بشرية يحتمي بها، ويضعها في المقدمة، ليكونوا اول من نصيبهم بنيران المسلمين او سهامهم وحرابهم، فأجاز الفقهاء للمسلمين المدافعين ان يقتلوا هؤلاء المسلمين الابرياء، الذين اكرهوا على ان يوضعوا في مقدمة جيش عدوهم ـ لانهم اسرى عنده او اقلية ضعيفة، او غير ذلك ـ اذ لم يكن لهم بد من ذلك، والا دخل عليهم الجيش الغازي، واهلك حرثهم ونسلهم. فكان لا بد من التضحية بالبعض، مقابل المحافظة على الكل، وهو من باب (فقه الموازنات) بين المصالح والمفاسد بعضها وبعض. فاذا جاز قتل المسلمين الابرياء المكرهين للحفاظ على جماعة المسلمين الكبرى، فان يجوز قتل غير المسلمين، لتحرير ارض المسلمين من محتليها الظالمين: احق واولى.
خامسا: ان الحرب المعاصرة تجند المجتمع كله، بكل فئاته وطوائفه، ليشارك في الحرب، ويساعد على استمرارها، وامدادها بالوقود اللازم من الطاقات المادية والبشرية، حتى تنتصر الدولة المحاربة على عدوها. وكل مواطن في المجتمع عليه دور يؤديه في امداد المعركة، وهو في مكانه، فالجبهة الداخلية كلها ـ بما فيها من حرفيين وعمال وصناع ـ تقف وراء الجيش المحارب، وان لم تحمل السلاح. ولذا يقول الخبراء: ان الكيان الصهيوني في الحقيقة (اسرائيل) كله جيش.
سادسا: ان الاحكام نوعان: احكام في حالة السعة والاختيار، واحكام في حالة الضيق والاضطرار، والمسلم يجوز له في حالة الاضطرار ما لا يجوز له في حالة الاختيار، ولهذا حرم الله تعالى في كتابه في اربع آيات: الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل به لغير الله، ثم قال: «فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم). ومن هنا اخذ الفقهاء قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات، واخوتنا في فلسطين في حالة ضرورة لا شك فيها، بل هي ضرورة ماسة وقاهرة، للقيام بهذه العمليات الاستشهادية، لاقلاق اعدائهم وغاصبي ارضهم، وبث الرعب في قلوبهم، حتى لا يهنأ لهم عيش، ولا يقر لهم قرار، فيعزموا على الرحيل، ويعودون من حيث جاءوا. ولولا ذلك لكان عليهم ان يستسلموا لما تفرضه عليهم الدولة الصهيونية من مذلة وهوان يفقدهم كل شيء، ولا تكاد تعطيهم شيئا.
اعطوهم عشر معشار ما لدى اسرائيل من دبابات ومجنزرات، وصواريخ وطائرات، وسفن وآليات، ليقاتلوا بها. وسيدعون حينئذ هذه العمليات الاستشهادية. والا فليس من سلاح يؤدي خصمهم، ويقض مضجعهم، ويحرمهم لذة الامن وشعور الاستقرار، الا هذه (القنابل البشرية): ان (يقَنْبل) الفتى او الفتاة نفسه، ويفجرها في عدوه. فهذا هو السلاح الذي لا يستطيع عدوه ـ وان امدته اميركا بالمليارات وبأقوى الاسلحة ـ ان يملكه، فهو سلاح متفرد، ملكه الله تعالى لاهل الايمان وحدهم، وهو لون من العدل الالهي في الارض لا يدركه الا اولوا الابصار. فهو سلاح الضعيف المغلوب في مواجهة القوي المتجبر «وما يعلم جنود ربك الا هو».
الدكتور أحمد باذيب غير متواجد حالياً