.
البوح بالمشاعر
محدثي من الوزن الثقيل اجتماعياً ، له وجاهته القوية وله
صيته الذي يعانق غيوم السماء ، وهو أهل لها ، فسيرته
حسنه ، وأخلاقه فذة ، حتى ابتسامته لمن حوله باهرة وآسرة.
سئل هذا الرجل عن سبب ذهابه بزوجته لمستشفى خارجي
بينما مستشفياتنا بالعشرات فقال: أحب زوجتي!!
كان بعض الحضور منهمك في أشياء جانبية كماهو الحال في
مجالسنا ، أحدهم يكلم بالجوال وآخر يناقش الأسعار وثالث
لم تعجبه سياسات الدول وتصرفاتها ، وآخر يشاهد قناة الساحة
، وآخر أخذ يبحر في كل سطر وجملة في الصفحات الرياضية
التي أنتزعها من الجريدة بعد أن دس الصفحات الأخرى تحت الفراش.
إلا أن الجملة " أحب زوجتي " كانت كفيلة بجلب انتباههم
جميعاً بما في ذلك صاحب الجوال الذي أخذ على عاتقه
إسكات الحضور مراراً وتكراراً لمتابعة سياراته وعمالته .
خيّم صمت مطبق على أرجاء المجلس ، بين مصدق ومبهور
ومتفاجئ ، لم يقطع هذا المشهد إلا الرجل نفسه ، عندما
رأى علامات الاستفهام والوجل عى الوجوه ، فقال بعد ابتسامة
خفيفة صافية : أم فلان تسوى عندي شيوخ قبائل كل شيخ
منهم في يده فتخة ، ويشير بكل أصابعه اليمنى إلى الخنصر اليسرى .
ثم أردف قائلاً: تزوجتها برغبتي واختياري ، ودفعت فيها الكثير
مقارنة بقريناتها ، وكانت صحبتنا مثالاً يحتذى به ، ورزقني الله
منها بعدد من الذكور والإناث ، فكانت نعم المربية ونعم الزوجة
ونعم المدبرة ، لا أتخيل نفسي بدونها ، ولا أعتقد أنني سألج
في بيتٍ وفلانة ليست فيه ، ولهذا السبب عالجتها خارج المملكة .
البوح بالمشاعر الوجدانية والعاطفية تجاه النصف الآخر تكاد كون
معدومة عند الأكثرية ، وعندما يبوح أحدهم بهذه المشاعر يوصف
بـ " الرخمة " و"الهلامة" و " الخلفة " ، وفي أفضل الأحوال يعتبر
خاتماً في يد المرأة أو ممسوس بجنيّة .
مجتمع لا يرحم ولا يعرف أنصاف الحلول ، إن كره كره حتى
الصميم وإن أحب أحب حتى النخاع ، وإن أراد الإفصاح عن
شيء ما ألتفت في كل اتجاه وكأنه مطلوب أمني يخشى
رجال المباحث العامة .
حتى عهد قريب كان مجرد الإشادة بالمرأة أو بما تقوم به
ضرب من ضروب الخيال ، فهي لا تعد إلا من ضمن المتاع
أو "الزهاب" حتى وإن كان الزوج قد ساق دم عمره مهراً
لها أو إرضاء لذويها وحَجَّارتها.
وبغض النظر عن الأسباب ، تغيرت الأحوال كثيراً جداً ، فمن
كان لا يتكلم مع الزوجة والبنت والأخت إلا بالمسواط أو
بالمشعاب ، أصبح له ابن أو حفيد يمشي وراء زوجته بدون
خجل ، ويحمل البنت على كتفه بينما أمها تحمل شنطة
صغيرة ومنهمكة مع الجوال ، وتحاول جاهدة شد بنطلونها
إلى الأعلى .
الأكل من المطعم ، والذبيحة تطبخ في المطبخ ، والشغالة
تبهر الدلة ، والعامل في المزرعة ، والأغنام بعهدة الراعي
، والملابس من أرقى الماركات ، والبيت معتق بجميع الألوان
، ووووو.... الخ ، أعمال كانت على عاتق المرأة سابقاً وبقدرة
قادر أصبحت بطريقة أو بأخرى على عاتق الرجل .
كانت المرأة مظلومة في السابق ، وأصبحت ظالمة
في الحاضر ، أو بالأحرى أصبح الرجل مظلوماً برضاه .
نبحث عن وسطية مقبولة في الحب ، والمعاملة، والمشاعر
،في كل شي ، حتى في الضرب ، من أرادت أن تضرب زوجها
فلا تجحف في حقه ، فقد لا تجد أطيب منه في الطاعة والانقياد.
>