
رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
خطر يهدد فلذات الأكباد
الْحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالذِي قَدَّرَ فَهَدَى، )هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى( [النجم:32].
أَحْمَدُهُ حَمْداً يُوَافِي فَضْلَ إِنْعَامِهِ، وَيَكَافِئُ مَزِيدَ إِكْرَامِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةَ مَنْ أَنَابَ وَأَبْصَرَ، وَرَاقَبَ رَبَّهُ وَاسْتَغْفَرَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ، مَا أَقْبَلَ لَيْلٌ وَأَدْبَرَ، وَأَضَاءَ صُبْحٌ وَأَسْفَرَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ – عِبَادَ اللهِ – وَنَفْسِي أَوَّلاً بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَاعَتِهِ؛ فَهِيَ سَبِيلُ النَّجَاحِ وَالْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ وَالسَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ( [الطلاق:2-3].
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ:
إِنَّ أَوْلاَدَنَا نِعْمَةٌ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْنَا؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: )وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ([النحل:72]، وَهُمْ هِبَةٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَبَنَا إِيَّاهُمْ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنَّا وَلاَ قُوَّةٍ؛ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: )لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ( [الشورى:49-50]. وَهَؤُلاَءِ الأَوْلاَدُ كَمْ تَتِمُّ بِهِمُ النِّعْمَةُ، وَتَحْلُو بِهِمُ الْحَيَاةُ، لَوْ كَانُوا صَالِحِينَ!، فَأَبُو الأَنْبِيَاءِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَبْتَهِلُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَيَقُولُ: ) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ( فَقَالَ تَعَالَى: )فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ([الصافات:100-101]، وَزَكَرِيَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: )رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ( [آل عمران:38]. وَهُمْ أُمْنِيَةُ عِبَادِ الرَّحْمَنِ، وَمِنْ دُعَائِهِمْ مَا ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: )وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا([الفرقان:74]، فَهَنِيئاً لِمَنْ قَرَّتْ عَيْنُهُ بِزَوْجِهِ وَوَلَدِهِ؛ فَالأَوْلاَدُ هُمْ رِجَالُ الْغَدِ، وَعُدَّةُ الْوَطَنِ، وَعِمَادُ الأُمَّةِ، عَلَيْهِمْ تَنْعَقِدُ الآمَالُ، وَتَسُودُ الْبِلاَدُ، وَيَتَحَقَّقُ الْمَجْدُ، وَتَعْلُو رَايَةُ الْوَطَنِ.
وَلَكِنَّ أَعْدَاءَ الإِسْلاَمِ وَالْمُسْلِمِينَ لاَ يُرِيدُونَ لَنَا الْخَيْرَ، وَلاَ لِلإِسْلاَمِ الْبَقَاءَ، وَلاَ لِشَبَابِنَا الْعَافِيَةَ، فَهُمْ يُصْدِرُونَ إِلَيْنَا كُلَّ مَا لَدَيْهِمْ مِنْ أَسْلِحَةٍ فَتَّاكَةٍ، وَأَمْرَاضٍ خَبِيثَةٍ، وَأَخْطَرُ هَذِهِ الأَسْلِحَةِ سِلاَحُ الْمُخَدِّرَاتِ، فَالضَّرْبَةُ الْمُوَجَّهَةُ إِلَى شَبَابِنَا ضَرْبَةٌ قَاصِمَةٌ، وَالسِّهَامُ الْمُسَدَّدَةُ إِلَى صُدُورِهِمْ سِهَامٌ مَسْمُومَةٌ، لاِسْتِنْـزَافِ أَمْوَالِنَا مِنْ نَاحِيَةٍ، وَتَحْطِيمِ شَبَابِنَا مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، فَيَكُونُ أَعْدَاؤُنَا قَدْ كَسَبُوا مَرَّتَيْنِ: سَلَبُوا أَمْوَالَنَا حَتَّى تَلْتَصِقَ أَيْدِينَا بِالتُّرَابِ، وَاغْتَالُوا أَوْلاَدَنَا لِتَنْخَلِعَ قُلُوبُنَا مِنَ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ، وَإِذَا سَقَطَ خَطُّ الدِّفَاعِ الأَوَّلُ سَقَطَتْ مَعَهُ صُرُوحُ الْحَقِّ وَالعَدْلِ؛ لأَنَّنَا نَعِيشُ فِي عَصْرٍ لاَ مَكَانَ فِيهِ لِلْضُّعَفَاءِ. فَكَيْفَ نَمُدُّ أَوْلاَدَنَا بِأَطْوَاقِ النَّجَاةِ مِنْ هَذِهِ الْهُوَّةِ السَّحِيقَةِ، هُوَّةِ الْوُقُوعِ فِي بَرَاثِنِ الْمُخَدِّرَاتِ؟.
واعْلَمُوا إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ أنَّ السَّبِيلَ لإِنْقَاذِ فَلَذَاتِ أَكْبَادِنَا يَكُونُ أَوَّلاً: بِطَلَبِ الْعَوْنِ وَالْمَدَدِ مِنَ اللهِ تَعَالَى إِصْلاَحَ الْوَلَدِ؛ قَالَ تَعَالَى: )رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ([إبراهيم:40]، وَلِحَدِيثِ «ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لاَ شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t]، وَبِتَعْمِيقِ الإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَتَرْبِيَتِهِمْ تَرْبِيَةً إِسْلاَمِيَّةً صَادِقَةً مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِمْ؛ كَمَا أَمَرَنَا بِذَلِكَ رَسُولُنَا r فِي قَوْلِهِ: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا].
ثُمَّ بِتَعْوِيدِهِمْ عَلَى الصَّلاَةِ فِي الْمَسَاجِدِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t]، وَبِحَثِّهِمْ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَتِلاَوَتِهِ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «إِنَّ الذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا]. وَأَيْضاً بِتَرْبِيَةِ قُلُوبِهِمْ عَلَى التَّقْوَى، وَتَنْمِيَةِ عُقُولِهِمْ بِالْمَعْرِفَةِ، وَتَقْوِيَةِ أَجْسَامِهِمْ بِالرِّيَاضَةِ وَبِمُلاَزَمَتِهِمْ وَالْحِرْصِ عَلَيْهِمْ، وَتَقْرِيبِهِمْ، لاَ بِالْبُعْدِ عَنْهُمْ؛ فَرَسُولُنَا r يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا] وَلاَ يَجُوزُ لِلرَّاعِي أَنْ يَغْفُلَ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَلَوْ لَحْظَةً مِنْ نَهَارٍ أَوْ لَيْلٍ.
فَبَعْضُ الآبَاءِ فِي شُغْلٍ شَاغِلٍ عَنْهُمْ، وَلاَ يَرَوْنَ أَوْلاَدَهُمْ فِي الشَّهْرِ مَرَّةً، وَكَذَلِكَ الأُمَّهَاتُ يَعْهَدْنَ بِهِمْ إِلَى الْخَادِمَاتِ، فَمَنْ لِهَؤُلاَءِ يَحْفَظُهُمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمَخَاطِرِ؟!. وَإِذَا كَانَ الآبَاءُ فِي شُغْلٍ بِالْمادِّيَّاتِ، خَوْفاً مِنَ الْخَسَارَةِ، فَخَسَارَةُ الأَبْنَاءِ أَشَدُّ وَأَنْكَى، وَخَسَارَةُ الْوَطَنِ أَدْهَى وَأَمَرُّ؛ فَيَالَيْتَ الآبَاءَ يَعْلَمُونَ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ الْحَقِيقِيَّ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ هُوَ الذُّرِّيَّةُ الصَّالِحَةُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: )الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ( [الكهف:46].
أَلا وإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ السُّبُلِ فِي حُسْنِ التَّرْبِيَةِ، وَإِنْشَاءِ جِيلٍ نَافِعٍ - الأُسْوَةَ الْحَسَنَةَ، وَالْقُدْوَةَ الطَّيِّبَةَ؛ قَالَ تَعَالَى: )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ( [الأحزاب:21]. وَرَسُولُنُا r مَثَلُنَا الأَعْلَى، وَأَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَالتَّابِعُونَ مِنْ بَعْدِهِمْ، لَوْلاَهُمْ بَعْدَ اللهِ سُبْحَانَهُ، مَا وَصَلَ إِلَيْنَا الإِسْلاَمُ نَقِيًّا طَاهِراً، يَمْلأُ الدُّنْيَا عَدْلاً وَخَيْراً وَبَرَكَةً، فَوَاجِبُ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ وَالْعُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ، وَالْمُعَلِّمِينَ وَالْمُعَلِّمَاتِ، وَالْمُرَبِّينَ وَالْمُرَبِّيَاتِ، وَكُلِّ مَنْ لَهُ صِلَةٌ بِالْعِلْمِ وَالْفِكْرِ وَالْخُلُقِ، أَنْ يَكُونُوا عَلَى الْمُسْتَوَى الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا الْقُدْوَةُ السَّيِّئَةُ فَلاَ يُرْجَى مِنْهَا خَيْرٌ أَبَداً، وَصَدَقَ اللهُ الْعَظِيمُ: )وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ([الأعراف:58]، وَهَلْ يَسْتَقِيمُ الظِّلُّ وَالْعُودُ أَعْوَجُ؟!.
وَإِلَى جَانِبِ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ نَخْتَارَ لأَوْلاَدِنَا الصُّحْبَةَ الصَّالِحَةَ، التِي لاَ تَجْتَمِعُ إِلاَّ عَلَى الْخَيْرِ، وَالتِي يَسْتَمْسِكُ أَفْرَادُهَا بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَالنِّيَّاتِ الطَّيِّبَةِ، وَالسِّيرَةِ الْحَسَنَةِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَإِذَا أَوَى أَحَدُ أَبْنَائِنَا إِلَيْهِمُ احْتَضَنُوهُ وَكَرَّمُوهُ، وَبَدَّلُوا خَوْفَهُ أَمْناً، يَتَفَقَّدُونَهُ إِذَا غَابَ، وَيُعَلِّمُونَهُ مَا جَهِلَ، وَيَعُودُونَهُ إِذَا مَرِضَ، وَيَصُونُونَهُ مِنْ جَمِيعِ الآفَاتِ، فَأُولَئِكَ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ. بِخِلاَفِ رُفَقَاءِ السُّوءِ، الَّذِينَ يَنْتَشِرُونَ كَالْجَرَاثِيمِ، وَالَّذِينَ يَسْرِي شَرُّهُمْ سَرَيَانَ السُّمِّ فِي الدَّسَمِ، أَوْ سَرَيَانَ النَّارِ فِي الْهَشِيمِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الرَّيْحَانَةَ الْغَضَّةَ تَذْبُلُ بِمْجَاوَرَةِ الذَّابِلَةِ، وَالْمَاءَ وَالْهَوَاءَ يَفْسُدَانِ بِمُجَاوَرَةِ الْجِيفَةِ النَّتِنَةِ.
أَلاَ مَا أَرْوَعَ هَذِهِ الصُّورَةَ الْمُضِيئَةَ التِي نَقَلَهَا لَنَا الصَّحَابِيُّ الْجَلَيِلُ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ فِي مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مُصَاحَبَةِ الأَشْرَارِ، فِيمَا رَوَاهُ عَنْ رَسُولِنَا r حَيْثَ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً مُنْتِنَةً» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ الْفَضَاءَ الذِي يُحِيطُ بِنَا مُزْدَحِمٌ بِآلاَفِ الصُّوَرِ، وَمَلاَيِينِ الْفِكَرِ، مِنْهَا مَا يَضُرُّ، وَمِنْهَا مَا يَنْفَعُ، وَمَا يَضُرُّ مِنْهَا أَكْثَرُ بِكَثِيرٍ مِمَّا يَنْفَعُ، فَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنَ الاِقْتِرَابِ مِنَ الْمُوَاقِعِ الْفَاسِدَةِ الْمُدَمِّرَةِ، التِي تُودِي بِنَا وَبِأَوْلاَدِنَا وَبِأَهْلِينَا إِلَى الْهَاوِيَةِ، وَإِلَى مُسْتَنْقَعٍ سَحِيقٍ مِنَ الْخِيَانَةِ وَالْمَهَانَةِ، وَضَيَاعِ الأُسَرِ، وَإِشَاعَةِ الْفُجُورِ، وَزَوَالِ الْكَرَامَةِ، وَخَرَابِ الْبُيُوتِ، وَلْنَتَّخِذْ كُلَّ الْوِقَايَةِ مِنْ كُلِّ مَا يُغْضِبُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ائْتِمَاراً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ([التحريم:6]، وَيَقُولُ الْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا].
وَلاَ بُدَّ -عِبَادَ اللهِ- مِنَ التَّذْكِيرِ بِفَضْلِ الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ وَالْخَيْرِيَّةِ الَّتِي تَقِفُ حَاجِزًا مَنِيعاً فِي وَجْهِ هذا الداء. ونسأل الله ان يعين اخواننا رجال مكافحة المخدرات ونشكر حكومتنا الرشيدة على انشاء مستشفيات الأمل والذي انتفع به كثير من اخواننا الذين وقعوا في هذه الآفة
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ سَيِّدِنَا مُحْمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيماً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ – عِبَادَ اللهِ - وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَاعَتِهِ وَأُحَذِّرُكُمْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ.
واعلموا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ أن مُشْكِلَةُ الْمُخَدِّرَاتِ تَشْغَلُ مِسَاحَةً وَاسِعَةً مِنْ هُمُومِ العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ وَكَوَارِثِهِ، حَتَّى أَصْبَحَتْ تُهَدِّدُ مُسْتَقْبَلَهُ وَمُسْتَقْبَلَ شَبَابِهِ، وَالشَّبَابُ الْمُسْلِمُ يَقِفُ فِي خَطِّ الدِّفَاعِ الأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الْحَرْبِ الضَّرُوسِ؛ فَإِنَّ الْمُؤَامَرَاتِ الصُّهْيُونِيَّةَ لاَ تُرِيدُ أَنْ تَضَعَ أَوْزَارَهَا، وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تُعْطِيَنَا فُرْصَةً لاِلْتِقَاطِ الأَنْفَاسِ، أَوْ فُرَصَةً لِجَرَيَانِ الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ، وَإِنَّمَا تُرِيدُ أَنْ يَكُونَ شَبَابُنَا أَعْوَاداً جَافَّةً، تَسْقُطُ وَحْدَهَا وَتَذْرُوهَا الرِّيَاحُ.
فَوَاجِبُنَا – كُلٌّ فِي مَوْقِعِهِ – أَنْ يَضَعَ نَفْسَهُ مَوْضِعَ الْمَسْئُولِيَّةِ، وَأَنْ يُرَاقِبَ رَبَّهُ، وَأَنْ يَحْفَظَ أَوْلاَدَهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَمَنِ ابْتُلِيَ بِهَذَا الْبَلاَءِ فَلْيَلْجَأْ إِلَى رَبِّهِ ابْتِدَاءً لِيُعَافِيَهُ، ثُمَّ لِيَسْتَعِنْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأُسْرَتِهِ وَأَصْدِقَائِهِ الصَّالِحِينَ؛ فَإِنَّ فِي التِفَافِهِمْ حَوْلَهُ شِفَاءَهُ وَذَهَابَ عِلَّتِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.
فَاللَّهُمَّ احْرسنا بِعَيْنِكَ التِي لاَ تَنَامُ، وَاسْتُرْنَا بِسِتْرِكَ الَّذِي لاَ يُضَامُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ، غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ، وَاجْعَلْنَا سِلْماً لأَوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، نُحِبُّ بِحُبِّكَ مَنْ أَطَاعَكَ، وَنعَادِي بِعَدَاوَتِكَ مَنْ عَصَاكَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وَلِاة امورنا وَهَيِّئْ لَهُمَا البِطَانَةَ النَّاصِحَةَ الصَّالِحَةَ التِي تَدُلُّهُمَا عَلَى الْخَيْرِ واصرف عنهم بطانة السؤ من المنافقين والعلمانيين واعداء الدين اللهم واصلح ولاة امر المسلمين اجمعين واجعلهم رحمة برعاياهم محكمين فيهم شرعك وسنة نبيك، اللَّهُمَّ اجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِناً مُطْمَئِنّاً سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
__________________