المتسلفون في الأرض


في استفتاء أجراه أحد أكبر المواقع الحوارية على شبكة الإنترنت عن المدة التي يتبخر فيها الراتب الشهري للمواطن السعودي, أفاد أكثر من 70% من المشاركين بأن عشرة أيام بحد أقصى هي المدة التي يستهلكون فيها كامل رواتبهم بعد استلامها, أي أن هؤلاء المواطنين يقضون ثلثي الشهر بحثاً عمّن يسلفهم ما يقتاتون به هم وأطفالهم !

وللوهلة الأولى تبدو النتيجة طبيعية إذا ما أدركنا أن معدل الدخل الشهري للموظف السعودي يتراوح بين الأربعة و الثمانية الآف ريال وهو ما يعادل قيمة جهاز كمبيوتر محمول متوسط الجودة !

طبعاً الحديث السابق عن (الموظف الحكومي) الذي بات من مستحقي الزكاة في زمن الغلاء الفاحش الذي نعيشه, هذا الموظف الذي كان سابقاً مواطناً (على رأسه ريشة) قبل أن تقرر تكاليف الحياة اليوم أن تنتف ريشته وتستبدلها بهمموم ثقال تبدأ بالايجار ولا تنتهي بحليب أطفاله !

قبل أسبوع شاهدت أحد جيراني في (سوبر ماركت) الحي وهو يتشاجر مع المحاسب وما كاد أن يراني حتى أقبل علي ناصحاً ومحذراً من التعامل مع هذا السوبرماركت واصفاً العاملين فيه باللصوص , الغريب في الموضوع أن جاري هذا أمضى أكثر من 9 سنوات يتسوق من نفس السوبرماركت دون أي مشاكل, ولم يكتشف لصوصيته إلا قبل أسبوع !

حاولت أن أهديء من غضبه دون جدوى فالرجل مبتلى بالضغط والسكر وقد يفقد حياته بين يدي وربما أتهمني أحدهم بقتله لأن أسعار بعض السلع الغذائية ارتفعت خلال أشهر بنسبة تتجاوز 100% فما كان منّي إلا أن انسحبت من المكان برمته لاألوي على شيء!

وبالأمس التقيت بابن جاري الغاضب بعد صلاة الجمعة في مسجد الحي فسلمت عليه وسألته عن أحوال والده وصعقت عندما أخبرني أن والده يرقد في أحد المستشفيات بعد أن دخل في غيبوبة يبدو أنه لن ينجو منها إلا برحمة الله ولطفه.

إن جاري الذي يرقد على السرير الأبيض اليوم (شفاه الله) ليس إلا عينة واحدة من ملايين العينات المنتمية لشريحة الـمتسلفين في الأرض , ويبدو أن البقية في الطريق إلى نفس المآل, وأتمنى من كل قاريء لهذه الكلمات أن يتذكر إن كان قد تشاجر مع محاسب السوبرماركت خلال الأيام الماضية , فإن كان قد فعل فهذا مؤشر خطير جداً يجب أن يتنبه له وأن يفكر جدياً في أي حل لوضعه العام قبل أن يفقد حياته على سرير أبيض .. هذا إن كان حظه جيداً و وجد هذا السرير .


هاني الظاهري

كاتب وإعلامي سعودي