
إدانة ميت
إدانة ميت
انتهى التحقيق (الشجاع) في كارثة الشهر الماضي بعقبة ضلع الأبهاوية التي أودت بحياة 27 راكباً من ركاب شركة الكوارث الجماعي، فلم تتجه الإدانة فحسب إلى الحلقة الأضعف، بل تم توجيه كل التهمة نحو الجثة الميتة. انتهى التحقيق بإدانة السائق - يرحمه الله - وعلى ذوي الضحايا التوجه بعد اليوم لبوابة المقبرة.
كان على الشركة الموقرة أن تأخذني شخصياً لصياغة البيان فأنا مثلها خبير بارع، وبالتخصص حد الشهادات العليا في دلالة الألفاظ وكنت سأعينها على كتابة بيان بلغة رمادية تضيع دماء الضحايا بين القبائل ولكنني، أستغفر الله، لن أجرؤ على إدانة ميت.
الشركة في فتح عجيب، استعانت بالأقمار الصناعية لتحديد مسار الحافلة فاكتشفت أن السرعة الزائدة كانت سبب الحادث ومن ثم الكارثة فالمخطط البياني (وبالوقت) أثبت أن السائق كان يقطع الرحلة بمعدل 116 كيلومتراً في الساعة. وهنا يبدو لي أن سعادة الشركة الموقرة تظن أن الحادث قد وقع في المسافة ما بين ليلى والأفلاج أو الوادي وتثليث حيث الطرق أكثر اعتدالاً من طلقة الرصاصة وعليه أود تبصيرهم أن مكان الحادث في منعرج منحدر جبلي لا يسمح بعشرة أكيال في الساعة. رحم الله السائق والموتى وسامح أخطاء الأقمار الصناعية. ثم إن الشركة في تناقض مريب، أعلنت أن السائق ذو سوابق وأن بملفه مخالفات سرعة سابقة مرصودة وهي هنا تدين نفسها من حيث لا تحتسب فإذا كان السائق يرحمه الله بهذا التهور فما الذي أبقاه أمام الأرواح البريئة خلف المقود منذ عام 2004؟ ومما زاد الطين - عجناً - أن الشركة اكتشفت أن الحافلة طارت من فوق الكوبري إلى منحدر 100 متر في الهواء ثم ارتطمت على الأرض على ظهرها مما زاد حجم الكارثة. بعض الضحايا تطاير من النوافذ الزجاجية. نسي البيان أن يطلب من الشركات المصنعة تزويد الحافلة وركابها بالبراشوت.
الأسئلة التي لم ترد في البيان: لماذا انطلقت الرحلة الطويلة بعد المغرب من الرياض؟ كم سائقاً يتناوب المقود في الرحلة الطويلة؟ ما هو الفرق بين آخر رحلتين لذات السائق وكم ساعة يستريح وأخرى له كي ينام؟ متى كانت آخر عملية صيانة لأجهزة السلامة والأمان بالحافلة ومن هو الذي أشرف على المهمة وأين أوراق الفحص الثبوتية، وهل تتحمل هذه الأجهزة وعلى رأسها المكابح تضاريس العقبة بعد 1000 كلم من الحركة المستمرة؟ كل هذه الأسئلة خذوها لبوابة المقبرة فالجواب لدى الميت لا الحي.