
من مظاهر الحياة في الجنوب موضوع رقم 4
كانت مسؤولية المرأة حينذاك جسيمة ، حيث يتعذر العيش في منزل من غير امرأة ويطلق عليها دائما عمود البيت ( قيّمة البيت ) ، فالمرأة تتولى عملية طحن الحبوب بنفسها ، حيث تقوم بإدارة رحى الطحن ، وعادة ما تقوم بتلك المهمة بعد منتصف الليل . وكانت المرأة حينما تقوم بطحن الحبوب تطلق أهازيج وأناشيد بصوت عال يطرب لها الإنسان ، وهي أحيانا تعبيرات عن معاناة المرأة ، وقد يسمعها معظم أهالي القرية، فلا يقطع سكون الليل إلا تلك الأصوات المنبعثة من هنا وهناك . وكانت المرأة أيضا، تتولى مسؤولية إحضار الحطب من الأماكن البعيدة ، عندما ترى أن هناك حاجة للحطب اليابس ، تقوم بتقليم أغصان شجر الطلح ذات الأشواك الجارحة ، ثم تصفّ الأغصان وتربطها بحبل يسمى ( النسعة ) وهو مصنوع من جلود البقر ، ثم تحمل حزمة الحطب التي قد يصل وزنها إلى 70 كجم على ظهرها ، أمّا منظر الحزمة فيكون أشبه بحجم سيارة صغيرة .
حينما تعلو الحزمة ظهر المرأة المسكينة ، تمشي منحنية الظهر حتى تقطع مسافة محدودة ثم تضع الحزمة على شفير حفرة وتأخذ نفسا ، بعد ذلك تواصل السير وهكذا حتى تصل إلى البيت ، وقد تصل مسافة حمل الحزمة إلى ما يزيد عن 2 كم تقريبا . تضع المرأة الحزمة في مكان خاص يطلق عليه ( المحطابة ) وتكون المحطابة مصفوفة بطريقة يستشف الناظر إليها أهمية وقوة المرأة قبل رؤيتها .
ومن الأعمال الشاقة ، أن تقوم المرأة بإطعام البقر بيديها لقمة لقمة ، وزمن ذلك عادة وقت السحر قبل صلاة الفجر ، وتقوم كذلك باستخراج الجص من بعض الأماكن المعروفة لتنوير البيوت خاصة المداخل والنوافذ والسطوح باللون الأبيض . ومن المهام الأساسية لها ، إحضار طعام البقر والحمير والغنم ، إمّا بحش كمّ من البرسيم بوساطة المحش ( الشريم أو المكدّة ) وإمّا بذهابها إلى أماكن بعيدة لحش بعض الأعشاب ( الحشائش المعروفة لدينا والخاصة بالبهائم ) وتسمى هذه العملية بـ ( العراب ) .
تتولى المرأة مسؤولية تنظيف أماكن الحيوانات وتنظيف البيت والملابس وأدوات الطبخ البسيطة ، إلى جانب رعاية الأبناء ومساعدة الزوج في حراثة الأرض وسقياها .
لله درك أيتها المرأة الفاعلة ! ما أثقل مهمّاتك وما أجلّها ! لهذه الأسباب بدت المرأة كعمود البيت ، بل قيّمة البيت ... ! مع أن غذاء المرأة ليس سوى العصيدة أو خبز ( الميفا ) التنور ، أو خبز الرماد ( المرمودة ) أو العريكة مضافًا إليها السمن واللبن ، أمّا اللحم فلا يأكلونه إلا في عيد النحر ، أو أحيانا وقت العقائق ( الحفاد ) ومناسبات الزواج والختان . وقد يأكلون اللحم حينما توشك شاة أو بقرة أو عنز على النفوق ، فقبل موتها يذبحونها ويأكلون لحمها مع ما يصاحبهم من حزن وأسى شديدين لفقد تلك الواحدة من الماشية .
عندما ينفق الثور، تحلّ بالأسرة كارثة باعتبار الثور هو عصب الحياة وهو المعول الذي تعلق عليه الآمال بعد الله ، في الزراعة وإعداد الغذاء للأسرة .