
رد : عقلية العربي ...في نظر بعض المفكرين الحداثيين
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مبارك بن راشد
أستاذي الكريم بعد التحيه والسلام, بصراحه قرأت المقال مرّة ومرّتين وثلاث ولم يتوصل فهمي البسيط لنتيجه واضحه وهدف مباشر وقاعده معلوماتيه صلبه تمكنني من خوض غمار تقريركم المجلوب والمدبّج بالعبارات المستورده والافكار المعلبه عسرة الهضم على من هم مثلي في قلة الفهم وبطء الاستيعاب.
وان كان كل ماتوصل اليه فهمي البسيط لم يتجاوز ( إلا على مضض ) تلك المقدمه_ الجذابه_ (بكل ما تحويه هذه الكلمه من معنى ) ؛ وتوقف كثيرا عند ربط الايديولوجيه الاسلاميه بالايديولوجيه الماركسيه او الاشتراكيه او الشيوعيه (مع تحفظي الشديد على هذا المصطلح المستورد) ؛ ثم توقف تماما عند الخاتمه عميقة المعنى وذلك بعد ان انهكه الجهد واعياه الفهم لاستيعاب ما جلبتموه سعادتكم من مقال لا يذكّرني إلا بقصة حارس( الزبّاء )عندما قال كلمته المشهوره والتي صارت مثلا عند العرب ..
((وراء الاكنّة ماورائها ))
استاذي الكريم, اشتم فوح نقاش فكري ثري وبنّاء ولكن وللأسف لا أستطيع ان اجاريكم حتى استوعب تماما معاني بعض ما ورد في مقالكم الآنف وأن افهم ماترمي اليه بعض الكلمات التي لم أحط بها علما ...!
ولأنه فوق كل ذي علم عليم ولاختصار الجهد والوقت على كلانا اتمنى ان ارى شرحا منكم لمعنى... او بالأصح اود معرفة مفهومكم عن (المجال الأبستمولوجي ؟؟!!) كخطوة أولى نحو البناء الفكري والنقاش الهادف المفيد الذي نسعى اليه في هذا الصرح الشامخ
واسلم لمحبك
دمت بود
|
اهلا وسهلا بك :
*·~-.¸¸,.-~*اولا المجال الابستمولوجي يقصد به المجال المعرفي
ومحاولة للتقريب ساستخد م البوابة الفلسفية ذات المنهج الذي لايحمل الامور أكثر مما تحتمل ان أي نمط من التفكير الفلسفي نحتاج إليه في ظل واقعنا، بعدما وصلت الأمور إلى وضع، يقر كل إنسان موضوعي بأنه مؤسف على جميع الأصعدة، التي نعيشها في حياتنا وفي نتاجنا الفكري والثقافي؟!
لاشك أن ما أوصلنا إلى ما نحن فيه هو طريقة أو طرق التفكير السائدة في مجتمعاتنا التي لا صلة لها بعصر العلم والتكنولوجيا، فهي مازالت تفسر الطبيعة والعالم، وما يجري فيهما بطريقة قصصية ولغة مجازية، وتفسر الأحداث تفسيرات ذاتية لا تعرف أي شكل من أشكال الموضوعية أو العقلانية. وطرق التفكير السائدة المضادة للعلم والعقل لا يمكن التخلص منها إلا عن طريق الأدوات والمناهج العقلية التي لعبت الفلسفة والفلاسفة دورًا مهمًا في تغييرها على مر العصور. ومن أجل تحديد أي من طرق التفكير الفلسفية يحتاج إليها واقعنا الحالي لابد في البدء من فهم موقعنا الحضاري في السياق التاريخي، الذي مرّت به حضارات أخرى، أبرزها الحضارة الأوربية التي أنتجت العلم والثقافة والفكر الإنساني والفلسفي.
إن موقعنا الحضاري الذي نعيشه هو شبيه بالموقع الذي عاشته أوربا على وجه الخصوص في التحول من العصور الوسطى إلى عصر النهضة، الذي مهّد الطريق للعصر الحديث. فنحن نعيش فترة من التحولات الجذرية والعميقة في جميع المجتمعات العربية، وإن كانت عجلة التغيير تتفاوت من بقعة لأخرى، لكن المتفق عليه هو التغيير. والملاحظ على هذا التغيير وتيرته المتسارعة التي نقلت بعض المجتمعات العربية نقلة نوعية في فترة قياسية، وأصبحت أمام واقع جديد يكاد أن يختلف تمامًا عما سبقه. وبالمقارنة مع ما حدث في أوربا فإن التغيير الذي حدث لم يأت خلال جيل أو جيلين بل أخذ قرونًا حتى تحرر العقل الأوربي من أنماط التفكير التي كانت تعيق مسيرة تقدمه، إذ تمت إعادة بناء العقل من جديد مع التطور العلمي وانهيار سلطة الكنيسة والثقافة التي كانت تروجها. بمعنى أن التطور العلمي الذي سارت به أوربا كان طبيعيًا، وتزامن تطور العقل والفكر مع التطور العلمي والحضاري. لكن ما حدث عندنا هو العكس، فالتغيير الذي حدث تم في البنية المادية بالدرجة الأولى، ولم يتزامن معه تغييرات علمية وفكرية وثقافية قادت إلى عملية إعادة بناء للعقل العربي من جديد بناء على أسس علمية أو عقلانية تتلاءم مع هذه التغييرات، فأصبحنا نعيش في واقع جديد، ونستخدم أحدث الوسائل التكنولوجية، لكننا لا نفكر بالطريقة والعقلية التي أنتجت هذه الأدوات أو صنعتها. وقد خلق هذا الوضع أشبه ما يكون بالازدواجية، أو حالة فصام مع الواقع، بحيث يعيش المرء في واقع ويستخدم ما هو جديد، لكن يفكر بطريقة لا صلة لها بهذا الواقع ومستجداته فينتج عن ذلك ممارسات لا تتفق مع أصول وكيفية استخدام ما هو جديد.
في هذا الصدد يمكن تحديد عدد من الجوانب الفكرية التي تتسم بها طريقة التفكير السائدة في مجتمعاتنا وأولها احتكار الحقيقة. تنتشر ظاهرة احتكارالحقيقة بين الأفراد وشرائح اجتماعية مختلفة وهي ذات طابع طائفي أو إيديولوجي أو عرقي أو ثقافي. إذ يعتقد الكثير أن ما يؤمنون به أيًا كان مصدره، طائفيًا أو عرقيًا أو غيره هو الحقيقة، ومن يختلف معهم فهو على باطل. ويتسم هذا النمط من التفكير بالجمود وفي الوقت نفسه بالشمولية ومن نتائجه غياب أي شكل من أشكال الحوار وتسيد ظاهرة إقصاء الآخر واستخدام العنف في بعض الأحيان والترهيب في فرض الآراء والاعتقادات على الآخرين.
وقد نتج عن هذا الأمر صراعات عرقية ودينية وطائفية ساهمت في الابتعاد عن قضايا العصر وتغليب قضايا - في حقيقتها وهمية - لا تقدم ولا تؤخر في شيء.
وتتسم هذه المرحلة أيضًا بالصراع الحاد والمتناقض بين طرفين: الأول يسعى للتغيير وإحداث نقلة نوعية في واقع المجتمع، والآخر في أحسن الأحوال يريد إبقاء الأمور على حالها. أما النسخة المتطرفة من الأخير فتسعى إلى العودة بالأمور إلى الوراء ومحاربة كل ما هو جديد. وهذا الصراع في طابعه فكري ما بين العقل والنقل، أي ما بين طريقة تفكير تحتكم للعقل وتسعى للتجاوب مع المتغيرات والمؤثرات الخارجية بطريقة عقلانية وبين طريقة تفكير سلفية تنفر من التجديد، ولا تعرف التفاعل مع الآخر وترى في الماضي الملاذ من التغييرات المدنية الحديثة، وما جاء معها من تطورات قيمية وحقوقية. ومع الأسف لاتزال الغلبة في صالح القوى السلفية والتقليدية المدعومة من مؤسسات الحكم السياسية في معظم الدول العربية. وقد نتج عن ذلك سيادة أنماط من التفكير لا صلة لها بطابع التفكير العقلاني والعلمي، مثل التفكير الغائي وصياغة الأحداث بطريقة التفكير الخرافية أو الأسطورية، علاوة على إفراط البعض في الغيبيات، والدعوة إلى نبذ التفكير في عالم الواقع واستبداله بعوالم أخرى. وهذا في مجمله يعكس الأسس التي تقوم عليها عملية تفسير الطبيعة والواقع والظواهر والمشكلات التي تتم فيه. فكل طرق التفكير غير العلمية وغير العقلانية تنطلق من أسس ذاتية صرفة في تفسير الظواهر والأحداث، سواء في الطبيعة أو في واقع الحياة اليومي. فطريقة التفكير هذه، والتي يأخذ بها السواد الأعظم من الناس، تفسر الأمور وظواهرها الطبيعية بناء على غايات خارجية أي تنسب لها أسبابًا غير أسبابها الفعلية أو المادية التي تسببها كما لايزال الكثير ينظر للطبيعة وأحداثها ككائن حي، وإلى آخره من أمور. وهذا بلا شك يقف على النقيض من طريقة التفكير العلمية التي تتصف بالموضوعية وتفسر الظواهر بأسبابها الفعلية والمادية ولا تتعلق تفسيراتها بالأهواء أو الرغبات الذاتية مما ينتج عنه تعامل أدق مع الأحداث والأمور وفهمها بطريقة منهجية، ومن ثم إيجاد الحلول التي يمكن أن تساهم في معالجتها.
وخلاصة القول إن طريقة أو طرق التفكير السائدة في مجتمعاتنا ساهمت بشكل كبير في إعاقة أو إحداث تقدم ثقافي أو علمي حقيقي، مثلما كانت هذه الطريقة تعيق التقدم العلمي والثقافي في أوربا أثناء فترة العصور الوسطى، ولم تقم للتطور قائمة آنذاك إلا بعد أن تخلصت من طرق التفكير غير العلمية التي هيمنت عليها سابقًا. فمن الواضح إذن أن طريقة التفكير هي التي تلعب الدور الأساسي في إحداث التغييرات الثقافية والفكرية في المجتمع فأي طريقة تفكير لها ثقافتها الخاصة بها التي تميزها عن طرق التفكير الأخرى، وبما أن الخلل يكمن في التفكير فلا يمكن أن يعالج إلا بالأساليب والأدوات والمناهج الفكرية التي تتوافر في التراث الفلسفي والذي مارس من خلاله الفلاسفة التأثير الأكبر في إحداث نقلات نوعية من التفكير على مر العصور.
*·~-.¸¸,.-~* الداعي للجميع بالتوفبق بتصرف