المحطة العاشرة
نحن في حاجة ملحة إلى المتخصصين في كل فرع من فروع المعارف
الإنسانية أولئك الذين يتخذون من معاملهم ومكاتبهم صوامع
وأديرة !.. ويهبون حياتهم للفرع الذي تخصصوا فيه ، ولا بشعور
التضحية فحسب ، بل بشعور التضحية فحسب ، بل بشعور اللذة كذلك
!… شعور العابد الذي يهب روحه لإلهه وهو فرحان !..
ولكننا مع هذا يجب أن ندرك أن هؤلاء ليسوا هم اللذين يوجهون
إلى الحياة ، أو يختارون للبشرية الطريق ؟..
إن الرواد كانوا دائما . وسيكونون هم أصحاب الطاقات الروحية
الفائقة هؤلاء هم الذين يحملون الشعلة المقدسة التي تنصهر في
حرارتها كل ذرات المعارف ، وتنكشف في ضوئها طريق الرحلة ،
مزودة بكل هذه الجزئيات قوية بهذا الزاد ، وهي تغذ السير نحو
الهدف السامي البعيد !.:
هؤلاء الرواد هم الذين يدركون ببصيرتهم تلك الوحدة الشاملة ،
المتعددة المظاهر في : العلم ، والفن ، والعقيدة ، والعمل ،
فلا يحقرون واحدا منها ولا يرفعونه فوق مستواه !.
الصغار وحدهم هم اللذين يعتقدون أن هناك تعارضا بين هذه القوى
المتنوعة المظاهر ؛ فيحاربون العلم باسم الدين ، أو الدين
باسم العلم …
ويحتقرون الفن باسم العمل ، أو الحيوية الدافعة باسم العقيدة
المتصوفة !.. ذلك أنهم يدركون كل قوة من هذه القوى ، منعزلة
عن مجموعة من القوى الأخرى الصادرة كلها من النبع الواحد ،
ومن تلك القوة الكبرى المسيطرة على هذا الوجود !.. ولكن
الرواد الكبار يدركون تلك الوحدة ، لأنهم متصلون بذلك النبع
الأصيل ، ومنه يستمدون !…
إنهم قليلون .. قليلون في تاريخ البشرية .. بل نادرون ! ولكن
منهم الكفاية ..: فالقوة المشرفة على هذا الكون ، هي التي
تصوغهم ، تبعث بهم في الوقت المقدر المطلوب !.
__________________
الـجـراد يـأكــل البـعـوض،
والعصفور يفــترس الجراد،
والحيّة تصطـاد العصـافير،
والـقنفـذ يــقــتـل الــحيّـة،
والـثعـلـب يأكـل الـقـنـفذ،
والـذئـب يفـترس الثـعـلـب،
والأســد يــقــتــل الـذئـب،
والإنسان يـصـطـاد الأسـد،
والـبـعـوض يـميت الإنسان ...
هذه هي السلسلة الخالدة لا تبديل لها ولا تغيير.
إما أن تقتل الأسد وإما أن يقتلك البعوض !!
فيا شباب ! لا يغلبكم البعوض ولكن اغلبوا الأسود.
( علي الطنطاوي )