عرض مشاركة واحدة
قديم 21-06-2006, 04:49 PM
  #1
عبدالله الوهابي
مراقب سابق
تاريخ التسجيل: Apr 2005
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 5,988
عبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond repute
Post لفتـات في تأليـف القلـوب

قص الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم مقالة فرعون : ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) سورة غافر آية رقم (29).
وهذا الرأي الذي رآه فرعون هو قتل موسى عليه السلام ، وكان هدف قتله – كما يزعم - : خشية على دين بني إسرائيل من التبديل وخوفه من إفساد موسى الأرض .
وهكذا مذهب الطغاة على مرِّ التاريخ ، إلزامُ الناس على رأيهم بقوة السلطان ، بحجة الغيرة على الدين .
وليس حديثي في هذا المقال عن هؤلاء الطغاة والمفسدين ، فمذهبهم أوضح من أن يوضح ، ولكنَّ العجب الذي لا ينقضي منه العجب من بعض جلدتنا ، ممن يحمل همَّنا ويقف معنا في صفِّنا وهو يتدثر بهذا الطغيان الفكري من حيث يشعر أو لا يشعر ، فتراه دائماً يدَّعي احتكرته الصواب… ورأيه هو رأي سلف الأمة .
فيُدخِل من شاء إلى السنة ، ويُخرجُ من شاء منها ؛ ولسان حالهم : ( وما أريكم إل ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ).

وليست المشكلة في هذا فحسب ، لكن المصيبة أن يتعدَّى ذلك إلى التحزُّب والفرقة والتصنيف في مسائل يسوغ فيها النظر والاجتهاد ، وهذا العمل قد ذمَّه الله في كتابه العزيز فقال : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ) سورة آل عمران آية رقم (105 )
وقال سبحانه : ( فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ) سورة الجاثية آية رقم (17)
وأحسب أن هذا نوع من التطرف الفكري ، ومنشؤه الجهل ، وقلة العلم ، وقصر النظر .


لنتأمل هذه القاعدة المهمة!

هناك قواعد يجدر بنا جميعاً الوقوف معها وتأمّلها ، قصدت بها ائتلاف القلوب ولملمة الكلمة ، وتوحيد الصف ، فمن ذلك :

أولاً : أن الاختلاف أمر طبيعي وقع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والوحي ينزل من السماء ، فاختلف الصحابة بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم – في مواطن عدّة – كقصة صلاة العصر في بني قريظة – ولم ينّف النبي – صلى الله عليه وسلم – أحداً
وأصحابه – رضوان الله عليهم – اختلفوا بعد وفاته في أمور عدَّة في مكان دفنه ، وفي قتال مانعي الزكاة ، وفي كتابة الوحي ، وخالف ابن مسعود الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – في مسائل كثيرة أوصلها ابن القيم إلى مائة مسألة ، ومع هذا لم يتحزَّبوا أو يتفرقوا ، ولم يُبدّع أو يُفسق بعضهم بعضاً .

ثانياً : تضييق مذهب أهل السنَّة والجماعة أو السلف بأنَّه ما قاله فلان – ولو كان هذا الشخص من الأئمة المعتبرين – فيعمد أحدهم إلى قولٍ لأحد السلف الصالح قاله في قضية نعينه وفي مكان وزمان معين… فيقول : هذا مذهب السلف ؛ وهذه إشكالية كبيرة ؛ لأنه بهذا المنهج سيتفرَّع لنا أحزاب كثيرة كلها سترفع الشعار نفسه .
والأمر الذي يُقرّه العقل والمنطق أن لا يُنْسَبَ إلى السلف إلا في المسائل العامة كأصول الاعتقاد التي أجمع عليها السلف وكان قولهم وعملهم فيها واضحاً – وإن حصل شذوذ من بعضهم لا يذكر-..

ثالثاً : التفريق بين النص وفهم النص ؛ فإذا كان النص حمَّالَ أوجه فلا ينبغي القطع بأنَّ هذا هو مراد الله وأنّ من خالفه فقد خالف الإسلام ، وبسبب هذا بُدِّع أقوام وضُلّل آخرون ، نعم! أقوال العلماء لها مكانتها ومنزلتها ، وهي محل اعتبار ، لكنها لا تصل في القداسة إلى درجة النص الشرعي.
رابعاً : أن كثيراً من هذه المسائل المختلف فيها يدخل فيها الهوى والحسد والانتصار للنفس – خصوصاً بين الأقران – فهذا أبو حنيفة – رحمه الله – وَصَمَهُ بعض علماء زمانه بالكفر ، وقيل فيه من الكذب والافتراء ما يندى له الجبين .
وهذا الإمام مالك بن أنس – رحمه الله – قال عنه ابن أبي ذئب – وهو من هو في العلم والإمامة - : يُستتاب ، وإلا يضرب عنقه .
وهذا الشافعي – رحمه الله – يدعو عليه أحد كبار أصحاب مالك في مصر بأن يهلكه الله .
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – يُؤذى ويسجن عدَّة مرات ، وكان الذي ألَّب عليه السلطان علماء زمانه ، وما أجمل ما قاله الذهبي : كلام الأقران يطوى ولا يروى .
وقال أيضاً : طيُّه أو أوَّلى من بثِّه .

خامساً : أنَّ من اتَّبع رأي عالم في مسألة فلا إنكار عليه ؛ فالمقلد الذي لا يسعه الاجتهاد يكفيه تقليد من يثق بدينه وعلمه .
يقول سفيان الثوري : إذا رأيتَ الرجل يعمل العمل الذي اختُلِفَ فيه ، وأنت ترى غيرَه فلا تنهه .

سادساً : أنَّ العالم والداعية بشر معرَّض للصواب والخطأ ، وقد تحدث منه الزّلة والزَّلات ؛ فخطؤه لا يقدح في سائر فضله وصوابه ، وعيب على المرء أن لا يبصر إلا بعين واحدة ؛ ففي الحديث : " إذا كان الماء قلّتين لم يحمل الخبث ".
يقول سعيد بن المسيب : ليس من عالم ولا شريف وذي فضل إلا وفيه عيب ؛ ولكن من كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله .
ويقول ابن القيم : فلو كان كل من أخطأ أو غلط تُرِك جملةً وأُهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات .
ويقول الذهبي : ولو أنَّ كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدَّعناه وهجرناه لما سلم معنا أحد من الأئمة ، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة .

سابعاً : في معمعة الخلاف والصراع الفكري يغيب عن الكثيرين أساسيات مهمة وأصول ثابتة لا تغيَّر ، وهو أنَّ مخالفك ما زال يحمل أسم الإسلام ، فينبغي أن يسود بين المسلم وأخيه المحبة ، وحفظ ، وحفظ الحقوق والذَّبُّ عن عرضه ، وعدم الفرح بمصابه ؛ فأهل السنة رحماء بالخلق ، نصحاء للأمة ، شفقاء على الناس .
وأخيراً… الكلام في أعراض المسلمين والطعن في منهجهم ونواياهم باب خطير ، وصاحبه على شفا جهنَّم – والعياذ بالله – إن لم يتدارك نفسه ويتحلل ممن نهش في أعراضهم وأكل لحومهم .
اللهم أرِنا الحقَّ حقاً وارزقنا إتَّباعه ، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه!
__________________
عبدالله الوهابي غير متواجد حالياً