عرض مشاركة واحدة
قديم 19-06-2006, 06:46 PM
  #26
عبدالله الوهابي
مراقب سابق
تاريخ التسجيل: Apr 2005
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 5,988
عبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond reputeعبدالله الوهابي has a reputation beyond repute
Read مستقبل اللغة العربية إلى أين

تتوالى الأيام وتتعاقب الأزمنة ويدور الزمان يحمل لنا نعه كل جديد من الأحداث ، بعضها يدخل في النفس البهجة والسعادة ، والآخر يبعث في القلوب الحزن والأسى على ماضٍ ولى وزمن فات..


والأمة العربية الإسلامية لها في هذا شأن خاص يختلف عن غيرها من الأمم ، فالأيام منذ عهد الخلافة الراشدة تحمل معها هموماً على هذه الأمة أثقلت كاهله ، والزمن منذ مئات السنين يصب عليها وابلاً من كوارثه وجماً من غضبه ، لكننا سوف نترك هذه المصائب والكوارث جانباً ونمسك بمأساة واحدة تعادل كل هذه الأمور ، بل تكاد تطغى عليك وتفوق ، فإن الأمة الإسلامية جاءت إلى الحياة وخرجت إلى الوجود وهي تحمل معها ما يميزها من غيرها من الأمم ويجعلها متفردة عليهم ، وهذه نعمة من الله عليهم ، تمثلت في العقيدة الخالصة والدين الخاتم ورسولها الأمين سيد المرسلين وخاتم المرسلين.

وإذا كان الدين الإسلامي هو ما يرفع شأن هذه الأمة ؛ فإن الدين مرتبط ارتباطا غير قابل للانفصال باللغة العربية سيدة اللغات وملكة البلاغة والأدب والرقة والعذوبة ، هي لغة من الجنة ، ويكفي أن الله شرفها وأنزل قرآنه بها يتلى آناء الليل وأطراف النهار ، ويشهد لعباد الله المؤمنين يوم القيامة هل هناك بعد هذه النعمة وهل هناك فضل أكبر من هذا؟ وصدق الله العظيم إذ يقول : " إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون " سورة يوسف آية رقم (2) ويقول جل وعلا : " كتاب فصلت آياته قراناً عربياً لقوم يعلمون ) سورة فصلت آية رقم ( 3 )

إذاً فوجود اللغة العربية مقترن بوجود القرآن ، والقرآن باقٍ إلى يوم القيامة وبالتالي فإن اللغة باقية معه لكن بقاء الشيء بقوة وعزة يختلف عن بقائه على قيد الحياة وهو ضعيف وهزيل ، فالقرآن قوي بقوة الله وحفظه له وهذا ما تكفل به الله حينما قال : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) لكن أهل القرآن أصابهم الضعف والوهن والهزال ، فكل شعوب العالم يفتخرون بلغتهم ويتمسكون بها ويحاربون من أجلها إلا أمة العرب ، فهي الأمة الوحيدة التي تفرط في لغتها ، فقد أصابتها الهزيمة والانكسار في أشياء كثيرة حتى في كلامهم ولهجتهم ولغتهم ، وصرنا مضحكة للشعوب في كل شيء ، وتداعت علينا الأمم ؛ ليس عن قلة كما قال – صلى الله عليه وسلم – لكننا كثر غثاء كغثاء السيل .
فإذا ذهبت من المحيط إلى الخليج على حدود الأمة العربية ستجد شتى لغات العالم من الإنجليزية إلى الفرنسية إلى الإيطالية ، إلى غيرها من اللغات ، وتاهت لغتنا العربية وسط الزحام ، وأصبحنا نتباهى أننا نتحدث الإنجليزية بطلاقة والفرنسية بإتقان رغم جهل الكثيرين منا بلغة دينه وقرآنه وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم - .


وقد لفت نظري واسترعى انتباهي وأذهلني ما رأيته من أحد الأباء حينما قدم ومعه ولده الذي لم يتجاوز الثانية عشر من عمره مريضاً ، جاء للعلاج وكانت هيئة الأب لا تنم عن أدنى قدر من الوعي والثقافة أو العلم ويحمل فوق جسده رأساً خالياً من العقل ولا هي إلى العربية تميل ولا هي إلى الإنجليزية تجنح ، لكن الأب كان فخوراً بولده الصبي الذي يتقن الحديث بالإنجليزية ، وسألني الأب عن ولده وكيف أن أبنه يتحدث بطلاقة لغة أجنبيه ، وحينئذٍ سألته عن اللغة العربية وهل أتقنها ولده كما أتقن لغة الغرب؟ قال لي بكل فخر واعتزاز : كلا إنه لا يريد أ يتعلم سوى الإنجليزية.. حسبنا الله وعم الوكيل ، إذا كانت هذه إجابة الأب الكهل العجوز فماذا سوف يقول الإبن بعد عشر سنوات حينما سيقول وبأي لغة سوف يتحدث؟

هذا جزء قليل من كثير يحدث للغة العربية التي تفتل وتذبح بأيدينا كل يوم ، أطفالنا الصغار يتحدثون الإنجليزية وآباؤنا الأميون يتحدثون الإنجليزية ، ورجالنا ونساؤنا يذهبون إلى أوربا وأمريكا ويحملون لنا معهم كل يوم سيفاً من سيوف الغرب ، يقتلون به جسد اللغة التي أنهكها الاستعمار وطحنها الأعداء وأجهز عليه أبائها وأهله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

وحيث إن الأحداث إذا ساءت على عكس طبائع الأمور وحدود المعقول فإن خللاً ما يحدث ، وإن ميزاناً من موازين الحياة معوج ، وهذا ما أصاب لغتنا ، فطبيعة الأحداث تقول إننا نذهب إلى الدول الغربية وهناك نتحدث بلغتهم لأنهم يفرضون علينا ذلك بحكم احتياجنا إليهم وعوزنا لهم إذا ذهبنا ليهم ، لا كننا لا نستطيع أن نتجرأ ونطالبهم بأن يتعلموا لغتنا التي نتحدث بها ونصلي بها ونحج إلى الله بها ، وسوف نبعث ونحشر ونحاسب أمام رب الأرباب بها.

لكن الميزان ينقلب رأساً على عقب ويصبح اليمين في أقصى اليسار والمغرب في الشرق حينما يأتون إلينا محتاجين أو زائرين أو عاملين أو ناهبين لثرواتنا وخيرات الله التي أنعم الله بها علينا ، فنقف عاجزين أن نفرض لغتنا عليهم كما فعلوا معنا من قبل ، وكان العجز قد تمكن منا حتى القاع عن لغة القرآن رغم أن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – تركنا على العزة والكرامة ، وحينما بعث رسائله للملوك والقياصرة لم يرسلها بلغتهم ؛ بل بلغة القرآن ولغة قومه ، وحينما أمرنا أن نتعلم لغتهم كان هدفه أن نأمن مكرهم لا أن نضيع لغتنا ، وإذا ضيعناها فبأي اللغات نصلي ونسبح ونحمد الله ونقرأ القرآن والسيرة ونخطب في الناس ونعلمهم كما علمهم رسولنا قبل ذلك..

في فرنسا ذلك البلد الصغير مقارنة بغيره من القوى العظمى في عالمنا المعاصر ، ضربت أفضل مثال في محافظتهم على لغتهم الفرنسية ، ولن أنسى وسأظل أذكر ما فعله رئيسهم الحالي " جاك شيراك " عندما انسحب من قمة الاتحاد الأوربي احتجاجاً على تحث رجل أعمال فرنسي بلغة الإنجليز ، فهل نحن أقل من فرنسا؟ وهل نحن أضعف حتى نثور ونرفض ونحتج ونعتز بلغتنا التي هي أفضل اللغات وأعظمها؟

أجدني انظر إلى المستقبل القريب وليس البعيد وارى أمة العرب ولغة العرب وقد أصاب شجرتها الجفاف ووقفت عارية في الخريف تتساقط أوراقها يوماً بعد يوم حتى توشك أن تموت واقفة..
__________________
عبدالله الوهابي غير متواجد حالياً