شبكة قحطان - مجالس قحطان - منتديات قحطان

شبكة قحطان - مجالس قحطان - منتديات قحطان (https://www.qahtaan.com/vb/index.php)
-   مجلس الإسلام والحياة (https://www.qahtaan.com/vb/forumdisplay.php?f=11)
-   -   د/الجابري...أسباب النزول ... بين السماء العليا والسماء الدنيا! (https://www.qahtaan.com/vb/showthread.php?t=34946)

رضا المعمري 30-10-2007 07:35 PM

د/الجابري...أسباب النزول ... بين السماء العليا والسماء الدنيا!
 
- أسباب النزول ... بين السماء العليا والسماء الدنيا!
محمد عابد الجابري

عبارة "أسباب النزول" مصطلح إسلامي حظي باهتمام كبير في جميع العصور الإسلامية، سواء عند المفسرين والمحدِّثين والفقهاء أو عند المؤلفين في ما صار يدعى منذ القرن الثاني للهجرة بـ"علوم القرآن"، أي جملة المعارف و"العلوم المساعدة" التي لابد منها لفهم القرآن، ومن بينها "العلم بأسباب النزول". وإذا كان بعض العلماء قد قلل من شأنه هذه لكثرة ما اعتراها من اختلاف وتعدد في الروايات، فإن الإجماع يكاد ينعقد على ضرورة المعرفة بها، خاصة في مجال التشريع، خصوصا والقرآن نزل منجما، مفرقا، على مدى 22 سنة (منها 5 في مكة و17 في المدينة، على الأشهر). وخلال هذه المدة كانت تنزل الآية أو بضع آيات (ونادرا ما نزلت سورة بكاملها)، لتقرير حكم بالتحليل أو بالتحريم أو بالترغيب أو بالنهي الخ، حسب الظروف والأحوال. ويذهب بعض المفسرين إلى أنه ما من آية في القرآن إلا ولها سبب لنزولها. يزكي هذا ما روى عن الصحابي ابن مسعود أنه قال: "والَّذي لا إله غيره ما نزلتْ آية من كتاب الله تعالى إلاَّ وأَنا أَعلم فيمنْ نزلت، وأَين نزلت" (البخاري).

وأهمية المعرفة بأسباب النزول في مجال التشريع ترجع إلى أنها تفيد في معرفة القصد من تشريع الحكم، وفي التمييز بين العام والخاص، والناسخ والمنسوخ الخ. ولتأكيد هذه الأهمية يذكر المؤلفون في "علوم القرآن" أمثلة ذات دلالة خاصة: منها ما يحكى عن الصحابيين عثمان بن مظعون وعمروبن معدي كرب من أنهما كانا يقولان: "الخمر مباحة"، ويحتجان بقوله تعالى: "لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا..." (المائدة 93). وقد رد عليهما الصحابة العارفون بأسباب النزول بأن الأمر يتعلق بأناس قالوا، لما حرمت الخمر‏:‏ "كيف بمن قُتِلوا في سبيل الله وماتوا وكانوا يشربون الخمر وهي رجس"؟! فجاءت هذه الآية لتجيب عن هذا السؤال. ومثال آخر، قوله تعالى: "وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَـئْخِرِينَ، وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ..." (الحجر 24-25)، وواضح أنه يصعب فهم هاتين الآيتين بدون المعرفة بسبب نزولهما، وهو كما يلي، قالوا: "كانت تصلى خلف النبي عليه السلام امرأة حسناء في آخر النساء، فكان بعض المصلين "يستقدم" أي يتقدم في الصف الأول ليراها، وكان بعضهم "يستأخر" في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطه"، فنزلت الآية. ومن هذا الجنس أيضا: قوله تعالى: "ِنسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ..." (البقرة 223). ومن جملة ما قالوا في سبب نزول هذه الآية أن أهل المدينة كانوا يقلدون اليهود في طريقة الجماع، فكانوا لا يأتون النساء، مثلهم، إلا على جنوبهن. أما أهل مكة فكانوا على عادة قريش : "يشرحون النساء شرحا منكرا; ويتلذذون منهن مقْبِلات ومدبرات ومستلقيات". فلما قدم المهاجرون من مكة إلى المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه, وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف! فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني". فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم; فأنزل الله عز وجل: "فأتوا حرثكم أنى شئتم"; وقد فسر جل المفسرين لفظ "أنى" بمعنى كيف، أي: "من أيّ وجهٍ شئتم، مقبلات ومدبرات ومستلقيات، على أن يكون الإيتاء في موضع الولد" (الفرج). غير أن بعضهم فسر "أنى" بـ"أين"، واستنتجوا أن وطء الزوجة في الدبر مباح. وممن نُسِب إليه ذلك بعض كبار أهل السنة مثل سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر وآخرين. فكان الرد عليهم أن "الحرث" لا يكون إلا في المكان المُنْبِت (مكان الحمل) وأن الشرع قد حرم الوطء أثناء الحيض بسبب القذارة فكيف يجوز في مكان هو مخرج القذارة في كل وقت (تفسير الطبري، وتفسير القرطبي، وآخرين).

من هذه الأمثلة يظهر مدى ارتباط القرآن بالواقع الإنساني، مما يؤكد ما سبق أن أبرزناه من ضرورة المعرفة بأسباب النزول لفهم آياته وأحكامه. ومن هنا كان لا يجوز البتة توظيف آية منه في أي شأن من الشؤون، كالإفتاء والتفسير والوعظ والاستشهاد، بدون المعرفة بأسباب النزول.

نعم هناك آيات محكمات وأخر متشابهات كما قال تعالى: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ..." (آل عمرا7). فالمحكمات تقرر مبادئ الإسلام الكلية مثل قوله تعالى: "الله أحد"، "وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"، الخ. مثل هذه الآيات لا يُحتاج في فهمها إلى المعرفة بأسباب النزول، فمعانيها واضحة لا تحتمل إلا وجها واحدا من التأويل. أما "المتشابهات"، وهي كثيرة، فهي تحتمل أوجها متعددة من التأويل لوقوع نوع ما من اللبس والاشتباه في معاني ألفاظها أو في تراكيب عباراتها، أو للتعارض الظاهري بين بعضها بعض، ولذلك كان لا بد لفهمها من المعرفة بأسباب نزولها، إضافة إلى أشياء أخرى كالمعرفة بالعربية وأساليبها الخ.

ولكثرة المتشابه في القرآن وصف بأنه "حمال أوجه"، أي أن جل آياته تحتمل أوجها متعددة من التأويل، الشيء الذي يعني أنه ذو نظام معرفي مفتوح على جميع الأصعدة: على صعيد الدلالة اللغوية لألفاظه وتراكيبه، وعلى صعيد ترتيب آياته وسوره كما على صعيد مقاصده وأسباب نزوله، وأيضا على صعيد الإثبات فيه والمحو والتبديل والنسخ والنسيان. وهذه أمور نبه عليها القرآن نفسه فقال تعالى: "يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" (الرعد 38-39)، (و"أم الكتاب" هي اللوح المحفوظ. انظر لاحقا). وقال: "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا..." (البقرة 106). وقال: "وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" (النحل101). وفي الحديث "إن القرآن أنزل على سبعة أحرف" (لغات، وكيفيات).

جميع ما تقدم، سواء حول أسباب النزول والمتشابهات أو حول المحو والتبديل والنسخ والنسيان الخ، أو "الأحرف السبعة" يطرح مسألة علاقة القرآن بالواقع : القرآن كلام الله. والله، ذاته وصفاته وأفعاله، منزه عن كل تغيير أو تأثر بأي شيء كان. أما الواقع، الطبيعي منه والحيواني والإنساني، فهو مجال التغيير وتبادل التأثير! فكيف نفهم إذن كون الحادثة الفلانية هي "السبب في نزول" هذه الآية أو تلك؟ كيف نفهم كون الله يمحو ويثبت ويبدل وينسخ في نص هو القرآن كلامه، الذي ينقله جبريل إلى النبي عليه السلام؟

هذه مسألة قديمة طرحها علماء التفسير منذ عصر الخلفاء الراشدين، وقد أدلوا فيها بتأويلات مختلفة. وفي نظرنا فإن أقربها إلى "معهود العرب" على صعيد التصور "العالم" للكون في ذلك العصر هو ذلك الذي عبر عنه ابن عباس، وكان المرجع الأكبر في تفسير القرآن. وهذا ملخصه، كما ترويه كتب التفسير، قال: «إن أول ما خلق الله القلم، فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق»، وكان المكتوب هو "اللوح المحفوظ"، ويعبر عنه القرآن أحيانا بـ "الكتاب" كما في قوله "إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُون، لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (الواقعة 77- 79) (يعني: الملائكة، المطهرين من الذنوب)، وأحيانا أخرى يسميه بـ"أم الكتاب". من ذلك قوله تعالى: حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ" (1-4). فاللوح المحفوظ أو الكتاب بمعنى واحد، وهو "النسخة الأصل"–إذا جاز التعبير- التي كتبها "القلم"، بأمر الله، وهي شاملة لعلم الله المحيط، ثابتة لا يعتريها محو ولا نسخ ولا تبديل، ومكانها السماء العليا. ومنها نزلت "نسخ" الكتب السماوية الأخرى على الأنبياء السابقين لتخاطب كل قوم بما هو الأصلح لزمانهم وأحوالهم. فالقرآن "نسخة" خاصة من أم الكتاب أي اللوح المحفوظ: أنزلها الله دفعة واحدة، من السماء العليا إلى السماء الدنيا (السابعة: "فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ( البقرة 29))، ومن السماء الدنيا كان جبريل ينزل بالقرآن على النبي محمد عليه السلام، مفرقا: حسب الظروف والمناسبات ومقتضى الأحوال. وهذه الكتب التي أنزلت على الأنبياء من السماء الدنيا كان اللاحق منها يأتي "مصدقا لما بين يديه" أي لما جاء به السابق. أما القرآن فقد جاء مصدقا لها كلها ولكنه وأيضا "مهيمنا" عليها: يقول تعالى مخاطبا رسوله الكريم: "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ" (المائدة 48)، والمعنى: أنزلنا إليك الكتاب، الذي في اللوح المحفوظ، في صيغة قرآن عربي المبين، وجعلناه مصدقا لما سبق أن أنزلنا منه من كتب/نسخ، كالتوراة والإنجيل، وجعلنا القرآن َمُهَيْمِنًا عَلَيْهاِ، أي مسيطرا، من حيث صدقه وشاهدا على أنها من عند الله وحافظا لها.

وبناء على هذا الفهم فلا معنى للتحرج من استعمال عبارة "أسباب النزول". فالمقصود هو أن الحادثة التي كانت سببا في نزول هذه الآية أو تلك، تندرج هي والآية التي نزلت فيها في محتوى اللوح المحفوظ، أي في سابق علم الله. في هذا الإطار يمكن تجاوز اللبس والاشتباه ما بين مضمون قوله تعالى : "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ" (الأنعام 38)، وقوله : "وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (الطلاق 12) من جهة -وهذا ما عبر عنه بعض فلاسفة الإسلام بـ"علم الله الكلي"-، وما بين قوله تعالى: "وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا (الإسراء 106) وهذا ما عبر عنه أولئك الفلاسفة بـ "العلم بالجزئيات". فعلى هذا النوع الأخير ينطبق مفهوم "تاريخية النص"، بمعنى أن للنص القرآني علاقة مباشرة بالواقع، وأن له حضورا في مجال النسبي. ولكن هناك وراء هذه "التاريخية" مجال آخر، مجال "اللاتاريخ"، مجال المطلق، هو اللوح المحفوظ، أم الكتاب. فالآيات المحكمات هن من مجال المطلق واللاتاريخ، أما الآيات المتشابهات فهن من مجال النسبي، مجال التاريخ. والصنفان معا يعبر عنهما القرآن بقوله : "كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ" (هود 1)، وأيضا: "كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنا عَرَبِيًّا" (فصلت 3). فالمقصود بـ "الكتاب" هنا هو اللوح المحفوظ أو علم الله الأزلي. هذا "الكتاب" قد نزل على النبي محمد عليه السلام مفصلا مفرقا: بعضه يقرر العقيدة وبعضه يبين الشريعة وبعضه فيه قصص وتذكرة للعبرة والموعظة... بعضه ناسخ وبعضه منسوخ، بعضه ثابت وبعضه ممحو الخ.

هذا التصور الذي يروى عن ابن عباس، والذي عبرنا عنه بـ"معهود العرب" العلمي، ينسجم تماما مع التصور الفلسفي الذي كرسه فيما بعد كل من الفارابي وابن سينا والمتصوفة المتفلسفة.

وهذا موضوع يتطلب قولا خاصا.

مشاري بن نملان الحبابي 31-10-2007 03:17 PM

رد : د/الجابري...أسباب النزول ... بين السماء العليا والسماء الدنيا!
 
الله يعطيك العافية...وجزاك الله خير

عبدالله الرفيدي الأحضان 02-11-2007 09:37 AM

رد : د/الجابري...أسباب النزول ... بين السماء العليا والسماء الدنيا!
 
شكرا


الساعة الآن 01:32 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق الأدبيه والفكرية محفوظة لشبكة قحطان وعلى من يقتبس من الموقع الأشارة الى المصدر
وجميع المواضيع والمشاركات المطروحه في المجالس لاتمثل على وجه الأساس رأي ووجهة نظر الموقع أو أفراد قبيلة قحطان إنما تمثل وجهة نظر كاتبها .

Copyright ©2003 - 2011, www.qahtaan.com

ملصقات الأسماء

ستيكر شيت ورقي

طباعة ستيكرات - ستيكر

ستيكر دائري

ستيكر قص على الحدود